معاينة المجمع الصناعي العسكري

المجمع الصناعي العسكري ينتعش بقتلنا

كما هو مُحدّد في أحدث اتفاقية تفاهم وقّعت في خلال عهد باراك أوباما، تتلقّى إسرائيل 3.8 مليار دولار كمساعدات عسكرية سنوية. والحكومة الإسرائيلية مُلزمة بإنفاق غالبية هذا المبلغ على مُشتريات من شركات الأسلحة الأميركية. تُعتبر إسرائيل واحدة من الحلفاء القلائل للولايات المتّحدة المسموح لهم بشراء الأسلحة مُباشرة من الشركات الأميركية من دون أي رقابة تُذكر. وتشمل شركات الأسلحة الكبرى التي تزوّد إسرائيل بكلّ ما تشتهيه من آلات القتل كلّ من بوينغ وجنرال ديناميكس ولوكهيد مارتن ونورثروب غرومان وRTX، بالإضافة إلى مُنتجي معدّات آخرين مثل كاتربيلر.

شركة بوينغ 

وبحسب مشروع كلفة الحرب الذي يُعدّه معهد واتسون في جامعة براون، تعتبر إسرائيل من الزبائن المهمّين لهذه الشركات. على سبيل المثال، واجهت شركة بوينغ، رابع أكبر شركة مُصنعة للأسلحة في العالم، صعوبات كبيرة على مدار العامين الماضيين في قسمها التجاري بعد ظهور مشكلات في تصنيع طائرتيها من طراز 737 و737 ماكس. وعليه، حوّلت الشركة تركيزها إلى قسم «الأسلحة والفضاء والأمن»، الذي ينتج نماذج مُتعدّدة من القاذفات والمروحيات ومعدّات المراقبة الإلكترونية والمسيّرات والأسلحة والإمدادات الأخرى. حتى أنها نقلت مقرّها الرئيسي في العام 2022 من سياتل إلى أرلينغتون ليكون بجوار البنتاغون. 

نَشَطَ قسم «الأسلحة والفضاء والأمن» في الربع الرابع من العام 2023، وحصل على طلبات بقيمة 8 مليارات دولار، شكّلت 36% من الإيرادات السنوية لبوينغ. يُصنّع هذا القسم طائرات مُقاتلة من طراز F-15 وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز Apache AH-64 التي استخدمها سلاح الجوّ الإسرائيلي في غزّة ولبنان،  بالإضافة إلى مجموعات الذخيرة الهجومية (JDAM) التي تحوّل القنابل غير الموجّهة من طراز MK-80، التي تصنعها شركة جنرال ديناميكس، إلى ذخائر موجّهة، وقد استُخدم الكثير منها في غزّة، وأخيراً في الغارات التي شنّت على بيروت في لبنان، ومن ضمنها الغارة الأخيرة على النويري والبسطا بحسب تحقيق أجرته هيومن رايتس وتش والغارديان، والتي قتلت 22 شهيداً، وقد زعم جيش الاحتلال أنه استهدف فيها رئيس وحدة الاتصال والتنسيق في حزب الله وفيق صفا. فضلاً عن تصنيع القنبلة الموجّهة GBU-39 صغيرة القطر التي يبلغ وزنها 250 رطلاً ويستخدمها سلاح الجو الإسرائيلي بكثافة.

طوال العام الماضي، كانت بوينغ واحدة من شركات تصنيع الأسلحة الأميركية التي سلّمت معدّات عسكرية إلى إسرائيل وكذلك إلى حلفاء آخرين في الشرق الأوسط وأوكرانيا. على سبيل المثال، بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، سرّعت بوينغ تسليم 1,000 قنبلة صغيرة القطر و1,800 مجموعة من الذخيرة الهجومية  المباشرة المشتركة (JDAM) إلى إسرائيل. وتوفّر هذه التسليمات تدفّقاً ثابتاً من الدخل للشركة، كما تسمح لإسرائيل بتكثيف عدوانها والاستمرار في تشغيل آلة القتل والتدمير. 

شركة RTX

استفادت الشركات الأميركية من المساعدات العسكرية التي تقدّمها الولايات المتّحدة لإسرائيل لعقود من الزمان. فشركة RTX التي نقلت مؤخراً مقرّها الرئيسي إلى أرلينغتون، هي أكبر مُنتج للصواريخ الموجّهة في العالم. وتشتري إسرائيل من RTX والفروع التابعة لها صواريخ جو-أرض لتزويد طائراتها المُقاتلة من طراز F-16، كما تشتري محرّكات لطائرات F-15 وF-16. تُدير شركة RTX أيضاً مشروعاً مٍشتركاً مع شركة رافائيل الإسرائيلية لإنتاج صواريخ اعتراضية لنظام القبّة الحديدية. ويشار إلى أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن هو عضو سابق في مجلس إدارة شركة رايثيون (التي أصبحت RTX).

شركة جنرال ديناميكس

تبرز أيضاً شركة جنرال ديناميكس، التي طوّرت في الأصل طائرة F-16 المقاتلة (وتصنعها الآن شركة لوكهيد مارتن). تنتج الشركة الهياكل المعدنية لقنابل MK-80، وهي واحدة من الذخائر الجوية الأساسية المُستخدمة لقصف غزّة، واستخدمتها إسرائيل مؤخراً في خلال التصعيد العدواني على لبنان. استخدمت القوات الجوّية الإسرائيلية، طوال العام الماضي، في غاراتها قنابل MK-82/BLU-111 التي يبلغ وزنها 500 رطل، وقنابل MK-83/BLU-110 بزنة 2,000 رطل التي تنتجها الشركة.

الشركات الأخرى

بالإضافة إلى ذلك، تقوم الكثير من الشركات الأميركية بتصنيع المعدّات والمركبات للجيش الإسرائيلي. على سبيل المثال، تزوّد شركة كاتربيلر إسرائيل بالجرّافة المدّرعة D-9، التي استُخدمت لهدم المنازل والبنية التحتية الفلسطينية في الضفّة الغربية المحتلّة وفي الغزو البرّي الإسرائيلي لقطاع غزّة.

مصالح المجمّع الصناعي الحربي

من الصعب تقدير المضاعف الاقتصادي الحقيقي للمساعدات العسكرية الأميركية التي تستخدمها إسرائيل لشراء الأسلحة المُصنّعة في الولايات المتّحدة، لكن المؤكّد هو أن حجم الإنفاق العسكري في الولايات المتّحدة كبير للغاية ويتجاوز أي إنفاق آخر. ومن المؤكد أن ربط المساعدات العسكرية الأجنبية بالتصنيع المحلّي أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الدعم السياسي. لا يوفر الدعم العسكري الأميركي الممنوح لإسرائيل تدفقاً ثابتاً من الدخل لشركات الأسلحة الأميركية فحسب، بل تقع مرافق الإنتاج في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وتوفر وظائف مستقرّة للكثير من المجتمعات الصغيرة والمتوسطة الحجم.

وهذه الحجّة تستخدمها إدارة بايدن لتبرير الإنفاق على المساعدات الخارجية لإسرائيل (وكذلك لأوكرانيا). على سبيل المثال، في مشروع ميزانية العام المالي 2025، برّر البيت الأبيض طلب 92 مليار دولار لاحتياجات الأمن القومي التي تضمّ تمويلاً لأوكرانيا وإسرائيل، على أساس أنه «يقوم باستثمارات كبيرة وضرورية للغاية في القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية، ما يعود بالنفع على جاهزية الجيش الأميركي ويساعد في خلق واستدامة الوظائف في عشرات الولايات في جميع أنحاء الولايات المتحدة».

يردّد مصنعو الأسلحة هذه الحجج. على سبيل المثال، صرّح جيم تايكليت الرئيس التنفيذي لشركة لوكهيد مارتن، التي تصنع صواريخ هيلفاير وطائرات F-35 والمدفعية الثقيلة وغيرها من العناصر المستخدمة في غزة، أن «الميزانية الرئاسية والتمويل التكميلي الإضافي للسنة المالية 2025 سوف يوفّران أساساً قوياً للنمو المستقبلي لشركتنا على مدى السنوات الكثيرة المقبلة». 

ووفقاً لتحليل أجرته صحيفة «واشنطن بوست»، ذهب نحو 60% من حزمة المساعدات التكميلية الموقّعة في نيسان/أبريل 2024 مباشرة إلى مُصنعي الأسلحة الأميركيين لتجديد المخزونات وتوسيع القدرات الإنتاجية. من الصعب تقدير النسبة الكاملة من الـ 14 مليار دولار المُخصّصة لإسرائيل التي تذهب مباشرة إلى الشركات الأميركية، ولكن الأكيد أنه تمّ توفير 1.6 مليار دولار لبناء أنظمة دفاع صاروخي إضافية لإسرائيل، و1.6 مليار دولار أخرى لتجديد المخزونات العسكرية الأميركية الموجودة في إسرائيل بقذائف المدفعية والصواريخ، فضلاً عن 3.5 مليار دولار التي تشكّل حصة إسرائيل من برنامج التمويل العسكري الأجنبي الذي تشتري من خلاله إسرائيل أسلحة أميركية الصنع.

دعم أكبر شركات الأسلحة في العالم

وبحسب تقديرات حديثة أعدّتها «فاينانشال تايمز» فإن أكبر 15 شركة أسلحة في العالم سوف تحصل على تدفّقات نقدية بما لا يقل عن 52 مليار دولار في العام 2026، أي ما يقرب من ضعف المبلغ الذي حصلت عليه في العام 2021، ومن بينها 26 مليار دولار سوف تذهب إلى 5 شركات أسلحة أميركية. ويعود جزء كبير من هذه المكاسب غير المتوقّعة إلى ارتفاع الإنفاق العسكري المخصّص لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان.

وتشير مجلة تابلت إلى المساعدات الأميركية لإسرائيل باعتبارها «دعماً مُربحاً يحصل عليه صانعي الأسلحة الأميركيين من بابٍ خلفي» ويُعاد توزيعه على المستثمرين الأثرياء. والحرب في غزّة ليست سوى أحد العوامل المساهمة في ذلك.