نظرة عامّة على أجور المصريين
- كلّما تزايدت فاتورة أقساط الديون، كلّما تمّ تقليص أبواب الإنفاق الأخرى، لأنّه في ظل شروط صندوق النقد، تصبح الأولوية لسداد الديون. فموازنات التعليم والصحّة والدعم، يتمّ تقليصها، ممّا يزيد الأعباء على المواطنين.
- تبيّن الاحصاءات ان صاحب العمل استرد كلّ جنيه أنفقه أثناء الإنتاج، ومنح الدولة ما طلبته من ضرائب ورسوم، وسدّد فوائد الدَّيْن وإيجار المكان. ثمّ بعد ذلك استولى على أكثر من 79% من القيمة المُضافة في 2017/2018.
تواجه مصر في الوقت الحالي أزمة اقتصادية غير مسبوقة، تنعكس انخفاضاً متواصلاً وسريعاً في قيمة الجنيه وارتفاعاً في الأسعار، ولا سيّما أسعار السلع الأساسية. وفي ظلّ مساعي الدولة الحثيثة للحصول على قروض خارجية جديدة، تصبح هذه الأزمة مرشّحة للمزيد من التدهور وغلاء المعيشة وانخفاض الأجور.
عند قراءة مشروع موازنة العام المالي 2022/2023، نجد أن أقساط الديون وفوائدها تمثّل 90 مليار دولار، أي نحو 54% من إجمالي الإنفاق العام. وكلّما تزايدت فاتورة أقساط الديون، كلّما تمّ تقليص أبواب الإنفاق الأخرى، لأنّه في ظل شروط صندوق النقد، تصبح الأولوية لسداد الديون. فيتمّ تقليص موازنات التعليم والصحّة والدعم، وتزيد الأعباء على المواطنين.
يؤدّي التضخّم والتخفيض المُتتالي لسعر العملة إلى تآكل القدرة الشرائية للأسر المصرية، وهو يصيب تحديداً الفقراء وأصحاب الدخل المحدود. يمثِّل دخل العمل المصدر الرئيسي لمعظم الأسر المصرية، إذ يشكّل دخل العمل نحو 64% من إجمالي دخل الأسرة، وتمثّل الأجور نحو 43% من إجمالي هذا الدخل، فيما يمثّل دخل العمل من مشروعات زراعية وغير زراعية مملوكة للأسرة 21% منه. والمصادر الدخل الأسري هذه، وعلى رأسها الأجور، هي التي تتحمّل الخسائر الأكبر، وفق ما تؤكّده الإحصاءات الأخيرة عن أوضاع القوى العاملة وأجورها.
يشكّل دخل العمل نحو 64% من إجمالي دخل الأسرة، وتمثّل الأجور نحو 43% من إجمالي هذا الدخلبلغت نسب العاملين من الفقراء في القطاع الحكومي وقطاع الأعمال العام نحو 21.2%، والقطاع الخاص نحو 34.6%، وخارج المنشآت نحو 43.8%، وذلك وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامّة والإحصاء (بحث القوى العاملة - إصدار حزيران/ يونيو 2021). من الواضح أن نسب الفقراء العاملين خارج المنشآت تزداد بشكل مستمرّ طبقاً للمصدر نفسه، وهؤلاء هم الفئة الأكثر ضعفاً التي تقع أسفل سلم الدخل، بعد عمّال وموظّفي القطاع الخاص والدولة.
تتأثّر الأجور بتقليص الميزانية. تشير إحدى الأوراق البحثية إلى أن نسبة الأجور في الموازنة إلى الناتج المحلّي الإجمالي انخفضت من 5.9% في موازنة 2017/2018 إلى 5% في موازنة 2021/2022. علماً أن الإنفاق على الأجور منحاز لبعض القطاعات على حساب قطاعات أخرى. ففي الورقة نفسها جاء أنّه «على الرغم من ارتفاع عدد العاملين بقطاع التعليم إلى نحو مليوني عامل ومدرّس، بحسب الإحصاءات الرسمية لعام 2021-2022 المالي، فإنّ حجم الأجور في هذا القطاع يقترب من مخصّصات الأجور في قطاع الخدمات العامة، الذي يضمّ أجور كبار رجال الدولة ولا يوظّف عددا كبيراً من العاملين. فالأول يحصل على نحو 115 مليار جنيه، فيما يحصل الثاني على 74 مليار جنيه، يليه قطاع الداخلية والقضاء، الذى يحصل على 64.1 مليار جنيه».
على الرغم من هذا التفاوت بين موظّفي الدولة، وزيادة نسبة الفقراء بينهم، إلّا أن موظّفي الدولة يحصلون على زيادات سنوية في أجورهم (على الرغم من ضآلة الزيادات في مواجهة التضخّم). لكن توقّفت الدولة عن إصدار قرارات مماثلة تخص العاملين في القطاع الخاص منذ العام 2013. بل إن الزيادة السنوية بنسبة 7% من الأجر الأساسي، المنصوص عليها في قانون العمل المصري، تمّ تخفيضها إلى 3% من أجر الاشتراك التأميني بحدّ أدنى 60 جنيه، بموجب قرار وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية رقم 57 لسنة 2021. فيما يبدو كأنه إتفاق على تخفيض العلاوة السنوية لجميع العاملين في القطاع الخاص، وهم الغالبية العظمى من العاملين بنحو 4%، في مقابل تنازل أرباب الأعمال والموافقة على إصدار قرار ضعيف قانونياً لتحديد الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص.
زيادة الأجور في القطاع الخاص ممكنة ومتاحة
يُستدل من تقرير الأجور فى مصر أن حصّة قوّة العمل (ممثّلة في إجمالي قيمة التعويضات التي تدفع لهم، وتشمل الأجور النقدية، والمزايا العينية ونصيب ربّ العمل من التأمينات على العاملين) كانت تساوي خُمْس مجمل القيمة المضافة في التعداد الاقتصادي 2012/2013، وتقترب هذه الحصة من الربع في تعداد 2017/2018. وبالنسبة للقطاع الخاص القيمة أقل في الحالتين.
تعتبر حصة الأجور في مصر منخفضة بالمقارنة مع بلدان مثل جنوب أفريقيا وتونس والجزائر والأردن والفلبين وتركيا والبرازيللا تمثّل القيمة المضافة المُحتسبة في هذه التعدادات كل فائض القيمة بالمفهوم الماركسي، بل هي جزء منه. فالقيمة المضافة هى القيمة المتبقية بعد أن يستردّ ربّ العمل كلّ ما دفعه من مصروفات لمستلزمات الإنتاج والمصروفات الخدمية والمصروفات الأخرى كقيمة الإيجار الفعلي، أو الايجار المحسوب ( في حال ملكية رب العمل للعقار أو الأرض الزراعية)، كذلك فوائد الدين أو الفوائد المحسوبة (إذا كان ربّ العمل يشتغل بأمواله)، وكل الضرائب والرسوم بأنواعها، وكذلك الخسائر من إجمالي الإنتاج. ما يعنى أن ربّ العمل استرد كل جنيه ممّا أنفقه أثناء الإنتاج، ومنح الدولة ما طلبته من ضرائب ورسوم، وسدّد فوائد الدَّيْن وإيجار المكان (في حال الاستدانة والتأجير). ثم بعد ذلك استولى لوحده على 80% من مجمل القيمة المُضافة التي تحقّقت بفضل قوة عمل العمّال.
تعتبر حصة الأجور في مصر منخفضة بالمقارنة مع بلدان مثل جنوب أفريقيا وتونس والجزائر والأردن والفلبين وتركيا والبرازيل، وفق المقارنات في العام 2017. على سبيل المثال، ارتفعت نسبة تعويضات العمالة للناتج المحلّى الإجمالي في الأردن من 34.9% في العام 2010 إلى 39% في العام 2018.
وإذا نظرنا إلى متوسّط الأجور سوف تظهر بوضوح ضآلة الأجور التي يتقاضاها العمّال المصريون عموماً، والعاملون في القطاع الخاص خصوصاً. يؤدّي ضعف حصّة العمل لصالح الأرباح إلى اختلالات اقتصادية واجتماعية، ويبيّن ضرورة زيادة حصّة العمل من أجل إصلاح تلك الاختلالات.
فطبقاً لآخر إحصاءات الأجور، يقدّر متوسّط الأجر الأسبوعي بنحو 942 جنيهاً (وهو ما يعادل 59.6 دولاراً). يشمل هذا المتوسّط العاملين في القطاع العام وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص. ولكن يرتفع هذا المتوسط إلى 1881 جنيهاً (119.1 دولاراً) في القطاع العام، وينخفض إلى 912 جنيهاً (57.7 دولاراً) في القطاع الخاص.
يتحجّج أصحاب العمل بالظروف الاقتصادية الصعبة في مواجهة أي مطلب لزيادة الأجور، ويشيعون أن زيادة الأجور تؤدّي بدورها إلى زيادة الأسعار، ولكنّهم في الواقع لا يريدون التنازل عن جزء بسيط من أرباحهم، فلو تمّت مضاعفة أجور كل العاملين في القطاع الخاص سيظل صاحب العمل يستولي على أكثر من نصف القيمة المضافة.
توفير الحماية الاجتماعية والقانونية
طبقاً لأخر الإحصائيات، فإن 78.4% من العمّال يعملون في القطاع الخاص داخل وخارج المنشآت. وعلى الرغم من أن 83.2% من العاملين داخل المنشآت و31.9% خارجها يشتغلون في وظائف دائمة، إلّا أن نسبة العاملين بعقد قانوني لا تتجاوز 34% في الأول و1.6% في الثاني. أي أن أكثرية المشتغلين في القطاع لا يتمتعون بأي حمايات قانونية أو اجتماعية، وهذا ما تبيّنه نسبة المشتركين في التأمينات الاجتماعية والصحّية، إذ تبلغ في القطاع الحكومي نحو 97%، وفي القطاع العام نحو 90%. لكن تنخفض النسبة بشدّة في القطاع الخاص داخل المنشآت لتبلغ 34.5% للمشتركين في التأمين الاجتماعي و29.8% للمشتركين في التأمين الصحّي، وتتضاءل بشدّة بالنسبة للعاملين خارج المنشآت لتبلغ 10.8% و3.2% فقط.
لو تمّت مضاعفة أجور كل العاملين في القطاع الخاص سيظل صاحب العمل يستولي على أكثر من نصف القيمة المضافةتوصّلت إحدى الدراسات إلى أن متوسّطات الأجور في القطاع العام تمثل 2.8 ضعف متوسّط الأجور في القطاع الخاص الرسمي، و4.3 ضعف متوسّط الأجور في القطاع الخاص غير الرسمي، طبقاً للتعداد الاقتصادي 2017/2018. وقد كان متوسّط إنتاجية العامل في القطاع العام أيضاً أعلى، فقد مثّل 2.6 ضعف متوسط إنتاجية العامل في القطاع الخاص، و7.5 ضعف متوسّط إنتاجية العامل في القطاع غير الرسمي.
كان متوسط أجر الساعة في القطاع العام 2.3 ضعف متوسّط الأجور في القطاع الخاص لعام 2021، إذ أن متوسط ما يتقاضاه العاملون في القطاع العام يبلغ نحو 36.9 جنيهاً في الساعة ( 2.3 دولار)، بينما يبلغ متوسّط أجر الساعة في القطاع الخاص نحو 16.3 جنيهاً ( (1.03 دولاراً).
لا يقتصر التفاوت على الأجور النقدية فقط، بل يمتدّ إلى متوسّط نصيب العامل من إجمالي التعويضات، والذي يزيد من التفاوتات الطبقية في الوقت الحالي ومستقبلاً، حيث إن جزءاً من إجمالي التعويضات يذهب للتأمين الاجتماعي والصحّي ومزايا عينية أخرى.
ففي الجداول المرفقة بتقرير الأجور كان متوسّط إجمالي التعويضات للعاملين في القطاع العام سنوياً يبلغ 41,812 جنيهاً، بينما كان إجمالي تعويضات القطاع الخاص المنتظم 13,811 جنيهاً، و8,315 جنيهاً للقطاع الخاص غير المنتظم طبقاً لتعداد 2016/2017. ممّا يعنى أن متوسّط تعويضات العاملين في القطاع العام هي ثلاثة أضعاف متوسّط تعويضات العاملين في القطاع الخاص المنتظم، وخمسة أضعاف متوسّط تعويضات العاملين في القطاع الخاص غير المنتظم.
بنظرة عبر القطاع والنشاط معاً، وجدنا أن أعلى متوسّط تعويضات هو للعاملين بالتعدين واستغلال المحاجر في القطاع الخاص ويبلغ 101,954 جنيهاً سنوياً، وأقلّها هو للعاملين في الصحّة وأنشطة العمل الاجتماعي في القطاع غير المنتظم وقد بلغ 4,295 جنيهاً. وكان نشاط الصحّة والعمل الاجتماعي هو الأقل فى القطاع الخاص المنتظم بقيمة 8,197 جنيهاً سنوياً، لنجد أن متوسّط تعويضات العاملين في النشاط الأول هو 23.7 ضعف ما يتقاضاه العاملون في القطاع الثاني، ونحو 12.4 ضعف ما يتقاضاه العاملون في النشاط الثالث.
ردم الفجوة في الأجور بين الجنسين
طبقاً لإحصاءات الأجور لعام 2020، كان متوسّط أجر الرجال في القطاع العام 37 جنيهاً في الساعة (2.3 دولار)، وكان أجر النساء 33 جنيهاً في الساعة (2.01 دولار). وفي القطاع الخاص كان متوسط أجر الرجال 17 جنيهاً في الساعة (1.06 دولار)، وأجر النساء 13 جنيهاً في الساعة (0.8 دولار). ممّا يعنى أن الرجال في القطاع العام يتقاضون 1.2 ضعف ما تتقاضاه النساء، بينما في القطاع الخاص يتقاضى الرجال 1.3 ضعف ما تتقاضاه النساء.
نسبة النساء كبيرة في الأنشطة والمحافظات التي يحصل فيها العاملون على أقل الأجورفي إحصاءات 2021، كان الرجال يتقاضون 37.5 جنيهاً في الساعة، بينما تقاضت النساء 33.1 جنيهاً. وفى القطاع الخاص تقاضى الرجال 17 جنيهاً في الساعة، وتقاضت النساء نحو 13.4 جنيه/ ساعة. ما يعنى أن الرجال في القطاع العام يتقاضون في المتوسط 1.1 ضعف مما تتقاضاه النساء، وفى القطاع الخاص يتقاضى الرجال 1.3 ضعفا ما تتقاضاه النساء.
استخلصت إحدى الدراسات أن نسبة النساء كبيرة في الأنشطة والمحافظات التي يحصل فيها العاملون على أقل الأجور. والعكس بالعكس. ممّا يعنى ضعف الأجور في الأنشطة والأماكن كثيفة العمالة النسائية. ففي أسوان تمثّل عمالة النساء في القطاع الخاص 64.1% من إجمالي العاملين فيها ( حيث عدد النساء المُشتغلات بها يبلغ نحو 100 ألف وإجمالي العاملين فيها يصل إلى نحو 218 ألفاً)، ولكن متوسط أجورهن الأسبوعية بما فيها تعويضات التأمين الصحي والاجتماعي تصل إلى 202 جنيهاً، وبلغت ساعات العمل الأسبوعية نحو 54 ساعة، ممّا يعنى أن أجر الساعة 4 جنيهات، الأهمّ هو انخفاض القيمة الاسمية لمتوسّط ما كانت تتقاضاه النساء في العام السابق حيث كن يتقاضين أجراً أسبوعياً قدره 365 جنيهاً، وكانت ساعات العمل تصل إلى 45 ساعة، ممّا يعني أن أجر الساعة كان يبلغ نحو 8 جنيهات.
تطوّر القيم الحقيقية للأجور
فقد العاملون بأجر في مصر نحو 28.4% من أجورهم الحقيقية ما بين التعدادين 2012/2013، 2017/2018. وبلغت الخسارة نحو 57.1% في أنشطة العقارات والتأجير، و51.2% في أنشطة الوساطة المالية والتأمين.
فى المرحلة الاخيرة كان معدّل التغير فى متوسّط الأجور الحقيقية للقطاع الخاص سلبياً بنسبة -15%لا تتوافر إحصاءات واسعة عن تطوّر متوسّطات الأجور قبل العام 2020، إذ أنها لم تكن تشمل سوى 5% من مجمل العاملين، لكن النشرة السنوية عن الأجور توسّعت فيما بعد لتشمل 72.8% من مجمل العاملين في العام 2021.
يمكن الاستنتاج من هذه الإحصاءات أن الأجور الحقيقية فى مصر شهدت زيادة اقتربت من 40% فى فترة الحراك الثوري 2010- 2013، حيث انتزع العمّال بنضالهم تلك الزيادة، إلا أنهم مع الثورة المضادة ما بين 2014-2017 فقدوا نحو 22% من قيمة أجورهم الحقيقية. فى المرحلة 2017-2019 زادت الأجور الحقيقية بما لا يتجاوز 6%، ثم فى 2020-2021 لم تتعدَّ الزيادة فى القطاعين 1%. لكن فى المرحلة الاخيرة كان معدّل التغير فى متوسّط الأجور الحقيقية للقطاع الخاص سلبياً بنسبة -15%. وأتى ذلك فى الغالب نتيجة التوسّع فى نشرة الأجور لتشمل العاملين فى المنشآت الصغيرة فى تلك الفترة، والتى تتميّز أجورهم بأنها أقل من المنشآت الأكبر.
فى كل المراحل، كان متوسّط أجور العاملين فى القطاع الخاصّ أقل من نصف أجور العاملين في القطاع العام وقطاع الأعمال العام، على الرغم من أن الرأسماليين يستولون على نحو 80% من القيمة المضافة.