Preview العاملات في لبنان

صورة أرشيفية لنساء وأطفال يعملون في مصانع النسيج في لبنان

نظرة إلى أوضاع المرأة العاملة في لبنان

تضرّرت النساء في لبنان، وخصوصاً النّساء العاملات، بشدّة من جائحة كورونا ومن الأزمة الاقتصادية والماليّة المتزامنة معها، وبطرق غير قابلة للفصل فيما بينهما أحيانا كثيرة (منذر؛ 2021). تواجه النساء العاملات زيادة في مسؤوليّات الرعاية غير المدفوعة وتفاوتات مُتزايدة في الفرص والدخل. وفي حين يُعتبر لبنان متقدّماً في بعض النواحي بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى، إلّا أن النساء فيه يخضعن بشكل كبير للأعراف الاجتماعية المقيّدة المُتعلقة بأدوار الجنسين على مدى أجيال، ويتوقّع من النساء التوفيق بين وظائفهن ومسؤوليّاتهن المنزليّة، بما في ذلك الطهي والتنظيف ورعاية أطفالهن وكبار السنّ، مع القليل من المساعدة.

فيما يلي نظرة إلى بيانات أوضاع النساء في سوق العمل في لبنان.

التمثيل الناقص للنساء

تكشف اتجاهات المشاركة في القوى العاملة زيادة في مشاركة النساء والرجال في سوق العمل على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، إلّا أن الفجوة بين الجنسين لا تزال كبيرة ولم تتقلّص إلّا بشكل طفيف، من 48 نقطة مئوية في العام 2004 إلى 41 نقطة مئوية في 2018-2019.

تراوحت نسب مشاركة النساء في القوى العاملة بين 21.8% للبنانيات و18.3% لغير اللبنانيات. في حين تراوحت معدّلات الرجال بين 78.2% للبنانيين و81.7% لغير اللبنانيينتشكّل النساء نحو 52.6% من السكّان المقيمين في سنّ العمل (الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة)، إلّا أنّ 26% منهن فقط يشاركن بنشاط في سوق العمل (أي قوّة العمل، بما في ذلك الأشخاص العاملين والعاطلين عن العمل)، وفق تقديرات منظّمة العمل الدولية والبنك الدولي. وتراوحت نسب مشاركة النساء في القوى العاملة بين 21.8% للبنانيات و18.3% لغير اللبنانيات. في حين تراوحت معدّلات الرجال بين 78.2% للبنانيين و81.7% لغير اللبنانيين. وتمّ تسجيل اتجاه تصاعدي في معدّل توظيف النساء اللواتي تراوح أعمارهن بين 25 و49 عاماً، إذ ارتفع معدّل توظيفهن بشكل مطرد منذ العام 2004 ليصل إلى 31.8% في 2018-2019 (UNDP؛ 2021)، ليعود ويتراجع مع الانهيار المالي والاقتصادي اعتباراً من الربع الأخير من العام 2019.

يتجلّى التمثيل الناقص للنساء في المستويات المنخفضة لمعدّل المشاركة في القوى العاملة، ويشير إلى سيادة الأعراف الاجتماعية التي تفرض على المرأة دوراً تقليدياً في الأسرة، وتحدّ من خياراتها المهنيّة، والقيود القانونية التي تمنعها من الحصول على حقوق مساوية للرجل في مختلف المجالات، بالإضافة الى أوجه قصور السوق التي لا تساعد على خلق فرص عمل ولا المساواة في الأجور ويسودها التمييز في التوظيف والترقية، وكذلك العبء الأسَريّ الذي يجعل المرأة تتحمّل مسؤولية رعاية الأطفال والمسنّين والأعمال المنزلية بشكل أكبر بكثير من الرجل (UNDP؛ 2021).

تؤكّد البيانات المتاحة التأثير الحالي للقوالب النمطية الجنسانية على الخيارات القطاعية والمهنية للنساء. فقطاع الخدمات هو فرع النشاط الاقتصادي الذي يتركّز فيه أكبر عدد من النساء العاملات. نحو 60% منهن يعملن في هذا القطاع، و40% يعملن في قطاعي الصناعة والزراعة، وتشكل النساء العاملات نحو 90% من القوى العاملة في القطاع المنزلي الذي هو جزء من قطاع الخدمات.

هيمنة الذكور 

يهيمن الرجال على سوق العمل اللبنانية، ويشغلون نحو ثلاثة أرباع الوظائف، بينما تشغل النساء الربع تقريباً – وهي واحدة من أدنى المعدّلات في العالم. ويعاني لبنان من أكبر الفجوات بين الجنسين في العالم، حيث احتلّ المرتبة 132 من أصل 158 دولة في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2021.

يهيمن الرجال على سوق العمل اللبنانية، ويشغلون نحو ثلاثة أرباع الوظائف، بينما تشغل النساء الربع تقريباً – وهي واحدة من أدنى المعدّلات في العالملقد أثّر تسريح العمّال والعاملات بسبب الأزمة الاقتصادية ووباء كورونا بشكل غير متناسب على النساء. وعندما أعلنت الحكومة اللبنانية الإغلاق بسبب الوباء وتعطّلت المدارس، زادت واجبات الرعاية المنزلية التي ألقيت على عاتقهن، وعمدت شركات كثيرة إلى صرف موظّفاتها من العمل أو تعليق عقودهن. ممّا زاد من تعزيز الممارسات التمييزية بين الجنسين، وزاد مستويات البطالة بين النساء.

لطالما كان عدم المساواة في الدخل حقيقة لا يمكن نكرانها في لبنان، إذ يمتلك 10% من السكان نحو 70% من إجمالي الثروة (الأسكوا؛ 2020)، ولكن عدم المساواة قائم أيضاً على نوع الجنس بشكل كبير، إذ إنّ غالبية مالكي الثروات هم من الذكور. وتواجه النساء التمييز في الضرائب والمزايا والمنافع الاجتماعية. فعلى سبيل المثال تدفع النساء المتزوّجات ضرائب دخل أكثر من الرجال، لأنّهن يعاملن على أنّهن لسن معيلات أسر ويتقاضين أجوراً أقلّ بنسبة 27% من الرجال الذين هم في الوضع نفسه في العمل، على الرغم من أن قانون العمل اللبناني يحظر هذه الممارسة التمييزيّة.

من منظور النوع الاجتماعي، من الواضح أنّ النّساء يتقاضين أجوراً أقلّ من نظرائهن من الرجال، وتبلغ الفجوة في الأجور بين الجنسين 34% لصالح الرجال (منظمة العمل الدولية؛ 2021). كما أنّ جميع النّساء يكسبن أقل بكثير، في المتوسّط، من نظرائهن الرجال، سواء في الوظائف الإداريّة والمهنيّة، أو في الوظائف الأوليّة غير الماهرة.

وفي تقرير أعدته هيئة الأمم المتحدة للمرأة بعنوان «النساء على شفير الانهيار الاقتصادي»، فإنّ الأزمة المالية والاقتصادية وجائحة كورونا أثّرت سلباً على النساء العاملات في لبنان، خصوصاً في القطاعات غير المنظّمة والمعرّضة للخطر. وفي خلال فترة انتشار وباء كورونا أصبح عدم المساواة في الدخل أسوأ بالنسبة للعديد من النساء العاملات. ففي العام 2020 وحده أبلغت 48% من النساء العاملات عن تسريحهن من العمل، مقارنة بـ 40% من الرجال، وذكرت 7% من النّساء أنّه تمّ تخفيض أجورهن، مقارنة بـ 3% من الرجال.

هشاشة العمالة النسائية

في حين أنّ توظيف النساء ذوات المهارات العالية، المتعلّمات، أصبح شائعاً بشكل متزايد على مرّ السنين في لبنان، فإنّ توظيف النّساء الأقل تعليماً في المهن الأوّلية، المنخفضة المهارات، أقلّ جاذبية لأصحاب العمل، إذ إنّ معظمهم يفضّلون توظيف رجال يمكنهم العمل لساعات أطول، وهم غير قلقين بشأن إجازة الأمومة والتكاليف الأخرى المتعلّقة برعاية الأطفال، بما فيها التغيّب عن العمل (منظّمة العمل الدولية؛ 2021).

مقابل 41.1% من النساء اللبنانيات حصلن على إجازة أمومة، كان هناك فقط 8.1% من النساء العاملات السوريات حصلن على إجازة، و8% فلسطينياتيفضّل أصحاب العمل توظيف النّساء غير المتزوِّجات، وعندما تتزوّج المرأة العاملة قد تُفصل من العمل. وفي المهن التي تُصنّف غير الماهرة أو شبه الماهرة، لا يزال هناك تصوّر بأن النساء أكثر ملاءمة للعمل الذي يتطلّب التواصل أو مجهوداً بدنياً أخف. ومع ذلك، يبدو أن هناك قبولاً أكبر للتنوّع في الفئات المهنية، حيث توجد مهندسات، على سبيل المثال، ومقبولات في مواقع البناء (منظّمة العمل الدولية؛ 2021).

إنّ الحصول على حماية الأمومة، بما في ذلك إجازة الأمومة المدفوعة، أمر أساسي بالنسبة للمرأة العاملة، لأنّه يوفّر للمرأة ضماناً للدّخل بعد الولادة. ووفقاً لنتائج مسح أجرته منظّمة العمل الدولية في العام 2021، فإنّ أكثر من ثلثي النّساء المؤهلات للحصول على إجازة أمومة مدفوعة الأجر، لم يحصلن عليها فعلياً. كما أنّ مقارنة بين النساء اللبنانيات والسوريات والفلسطينيات تظهر أنه مقابل 41.1% من النساء اللبنانيات حصلن على إجازة أمومة، كان هناك فقط 8.1% من النساء العاملات السوريات حصلن على إجازة، و8% فلسطينيات (منظّمة العمل الدولية؛ 2021).

بشكل عام، القطاعات المرتبطة بشكل كبير بوجود المرأة هي: الخدمات، السياحة، التعليم، الصحة والبنوك. حالياً، تمثّل النساء اللبنانيات نسبة كبيرة من العاملين في البنوك. ومع ذلك، فقد الآلاف وظائفهم/ن، ممّا جعل هذا القطاع أقل قدرة على استيعاب الوافدين والوافدات الجُدد. مع ظهور جائحة كورونا وإغلاق المدارس، اتخذت العديد من النساء قراراً بالاستقالة من أجل رعاية أطفالهن. وقد لجأ بعضهن إلى العمل الحرّ وبدأن في الأنشطة المنزلية، مثل تقديم الطعام. كما زادت أيضاً أنشطة البيع بالتجزئة عبر الإنترنت (مثل بيع الملابس) بين النساء، ولا سيّما النساء اللبنانيات والقادرات على تحمّل رأس المال المطلوب لبدء مشروع تجاري. ومع ذلك، بين النساء المستضعفات، غالباً ما تكون أنشطة ريادة الأعمال في المنزل مقيّدة بمسؤوليّات رعاية الأطفال وغيرها من مسؤوليّات تقديم الرعاية التي تفاقمت بسبب الكورونا (منظّمة العمل الدولية؛ 2021).

بطالة النساء

في ظل التأرجح السياسي المتمادي في لبنان وانعدام خطّة نهوض اقتصادي واضحة المعالم، فإنّ الانكماش الاقتصادي قد يستمر، وهذا سيترك أثره على القوى العاملة ويرفع من نسب البطالة، وخصوصاً بين صفوف النساء.

غالبية مالكي الثروات هم من الذكور. وتواجه النساء التمييز في الضرائب والمزايا والمنافع الاجتماعيةتشير التقديرات إلى أنّ معدّل البطالة في لبنان يصل إلى 30% من القوى العاملة اللبنانية البالغ عددها 2.550.000 عامل/ة (الإحصاء المركزي ومنظّمة العمل الدولية). وستكون نسبة النساء العاملات العاطلات من العمل بحدود 32% من القوى العاملة أي حوالي 246 ألف عاملة يقابلهن 519 ألف عامل معطّلين من العمل، في حين كانت نسبة النساء المعطّلات من العمل قبل الانهيار المالي والاقتصادي، أي قبل العام 2019، بحدود 14.3%.

ومن شأن هذا الانخفاض الكبير في مشاركة المرأة في الاقتصاد أن يكون له تأثير اجتماعي واقتصادي عميق على لبنان. لقد ثبُتَ أن مشاركة المرأة في الاقتصاد تؤدي إلى إنشاء مجتمعات أقوى وأكثر شمولاً، وعلى مستوى الأسرة والمجتمع المحلي، فإن وصول المرأة إلى الأماكن العامّة والتوظيف يُعدُّ مدخلاً بالغ الأهمية لضمان وصولها إلى الرعاية الصحّية والمعاشات التقاعدية وغيرها من أساسيات الحماية الاجتماعية الرئيسة، بينما تعمل المرأة أيضاً كوسيط حاسم لتعزيز اتخاذ القرار وخفض حدّة العنف.

وتقول راشيل دورويكس رئيسة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان «إنّ الآثار المعقّدة للأزمة الاقتصادية وجائحة كوفيد-19 وانفجار مرفأ بيروت لن تؤدّي إلّا إلى تفاقم مواطن الضعف الموجودة سابقاً والتي تواجهها النساء بالفعل، ممّا يجعل الحياة أسوأ بالنسبة لمعظم النساء في لبنان، لا سيما اللواتي يعانين بالفعل من آثار تمييز متعدّد الجوانب - أي النساء المهاجرات واللاجئات، والنساء ذوات الحاجات الخاصّة، والعديد من النساء اللواتي يعشن بالفعل على الهامش ويُعتبرن غير مرئيات» (دوريكس 2020).


المراجع والمصادر:

لبنان أحداث عام 2020، هيومن رايتس ووتش.
Lynn Monzer, Working Women and Post-COVID Lebanon, Wilson Center, 4/10/2021. 
Assessing Informality and Vulnerability among Disadvantaged Groups in Lebanon: A Survey of Lebanese, and Syrian and Palestinian Refugees, ILO, June 2021.
بيان صحفي، موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة – الدول العربية، 14 تشرين الأول/أكتوبر 2020.
تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، الفجوة بين الجنسين، 2021.
نسرين سلطي ونادين مزهر، المرأة على شفير الانهيار الاقتصادي: تقييم الآثار المتباينة للأزمة الاقتصادية على المرأة في لبنان، 2020.
المؤشرات الرئيسية لمسح القوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر في لبنان، إدارة الإحصاء المركزي، 2018-2019.
إدارة الإحصاء المركزي.
أرشيف مطبوعات الإسكوا.
البنك الدولي.
 منظّمة العمل الدولية.