
لبنان وسوريا وغزة في مواجهة العاصفة
البرد يفاقم المأساة الإنسانية
مع اقتراب العاصفة القطبية «آدم» من المنطقة نهاية الأسبوع، تستعد دول المنطقة لاتخاذ إجراءات احترازية لمواجهة البرد القارس. ستوقف تركيا 30% من رحلات مطار صبيحة بسبب التساقط الكثيف للثلوج، ويتهيّأ الأردن لبرد قارس في المرتفعات الجبلية، وتستعد مصر لطقس بارد للغاية في المناطق الشمالية والرياح الرملية. لكن في لبنان وسوريا وغزة، يبدو الاستعداد للطقس البارد أمراً شبه مستحيل وسط الدمار الواسع، وانهيار البنية التحتية، وانعدام الخدمات الأساسية بعد سنوات من الحروب والكوارث.
الشتاء القاسي يُهدّد النازحين في غزة
في غزة، حيث دُمّEر أكثر من 69% من المباني، يعيش نحو مليوني فلسطيني في العراء بلا مأوى. ومع فقدان أكثر من 245,000 وحدة سكنية، يعتمد السكان على بقايا الأقمشة والبلاستيك لمحاولة الاحتماء من المطر والبرد. ويشير المتحدّث باسم بلدية غزة، حسني مهنا، إلى أن القطاع بحاجة إلى ما لا يقل عن 120,000 خيمة لإيواء السكان، بينما لم يتم تسليم سوى 10% منها.
منعت إسرائيل إدخال البطانيات والملابس الشتوية والنايلون والخيام والبيوت الجاهزة، ما زاد من معاناة الأهالي. وبحسب مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن ما لا يقل عن 945,000 شخص في غزة يحتاجون إلى المساعدات الشتوية، لكن العجز في الإمدادات حال دون تأمين المستلزمات الضرورية.
لم تعد أعمدة الكهرباء وأعمدة الإنارة قائمة في غزة، فقد دمّر أو تضرّر معظمها بشكل كبير خلال أكثر من 15 شهراً من الحرب. ووفقاً لشركة الكهرباء في غزّة، بلغت الخسائر الأولية في المناطق التي تمكنت الطواقم من الوصول إليها 450 مليون دولار، وتجاوزت نسبة الدمار 80%. تشير تقارير الى استخدام سكان غزّة هواتفهم في الليل بسبب غياب الإضاءة العادية، ويشحنون هواتفهم في النهار مقابل نقود.
لبنان: الشتاء يفاقم أزمة الكهرباء والتشريد
خلّفت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان نحو 900,000 نازح، عاد معظمهم إلى بلداتهم ليجدوا منازل غير صالحة للسكن وبنية تحتية مدمّرة. في مسح أجرته مبادرة «ريتش» وشمل 53 بلدة، وضع سكان البقاع وبعلبك-الهرمل التدفئة على رأس أولوياتهم، في ظل الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي.
تضرّرت 36 منشأة كهربائية من أصل 76 في المناطق الجنوبية والبقاع، وفقاً لمسح أولي أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ومع تدمير محطات التوزيع، أصبح الحصول على الدفء أكثر صعوبة.
سوريا: البرد في ظل انهيار اقتصادي
مع بلوغ نسبة الفقر 90% من السكان، يعاني السوريون من أزمة تدفئة حادة. في دمشق، لا يحصل السكان على الكهرباء سوى ساعتين يومياً، وتعاني الشبكة من تقادم وتدمير بفعل الحرب. يشير مدير عام شركة الكهرباء في دمشق الى أن البنية التحتية تعمل بأقل من 50% من طاقتها، فيما تحتاج العاصمة إلى 1,300 ميغاواط لكنها لا تحصل إلا على 250 ميغاواط.
في الشمال السوري، وضعت الأمم المتحدة خطة للتأهب والاستجابة لفصل الشتاء والفيضانات لدعم 1.4 مليون نازح، لكن العجز في التمويل سمح بتأمين احتياجات 800,000 شخص فقط. ومن أصل 111.6 مليون دولار مطلوبة، لم يتم تحصيل سوى 20%، ما يجعل مئات الآلاف من العائلات عرضة للبرد القارس.
الصرف الصحّي المتهالك والفيضانات تهدّد الصحة العامة
إن تدمير شبكات الصرف الصحي في البلدان الثلاث يزيد من تفاقم الأزمة. في غزة، أغرقت الأمطار الأخيرة مئات الخيام بسبب الفيضانات، ما أدّى إلى تفشّي الأمراض. وفي نهاية العام الماضي 2024، أغرقت الأمطار الغزيرة التي استمرت لأيام مئات الملاجئ المؤقتة في جميع أنحاء غزة، وصرّح الدفاع المدني الفلسطيني أن مياه الفيضانات ارتفعت إلى أكثر من 30 سنتيمتر في الخيام المتضرّرة، ما جعل النازحين الفلسطينيين معرّضين للبرد وتسبّب في تلف ممتلكاتهم وفرشهم.
بحسب أوكسفام، دمّر الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، الذي استمر 15 شهراً، نحو 1,675 كيلومتراً من شبكات المياه والصرف الصحي. وبحسب المتحدث باسم بلدية غزة حسني مهنا فإن الحرب الإسرائيلية على غزة دمّرت 8 محطات ضخ لمياه الصرف الصحي، و3 أحواض لتجميع مياه الأمطار، وأكثر من 175 ألف متر من شبكات الصرف الصحي.
أيضاً، استهدفت آلة القتل والتدمير الاسرائيلية البنى التحتية الخاصة بالنظافة والصرف الصحي في لبنان. اعتباراً من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى كانون الثاني/يناير 2025، تضرّر 40 من أصل 118 مرفق/مركز مياه (مراكز وشبكات ومرافق ومعدات)، ودمّر 12 منها، ما أثر على ما لا يقل عن نصف مليون شخص. وبحلول كانون الثاني/يناير 2025، كان حوالي 3 ملايين شخص في لبنان يحتاجون إلى الدعم للوصول إلى المياه والصرف الصحي، مقارنة بنحو 2.6 مليون شخص قبل الحرب.
أمّا في سوريا، فقد كان لـ 14 عاماً من الحرب أيضاً أثرها على البنى التحتية لمعالجة المياه. وبالاستناد إلى مسح شامل في 79 حياً في مدينة حلب أجرته الإغاثة الانسانية الدولية، تبيّن أنه في 3.85% من الأحياء فقط كانت شبكة الصرف الصحي تعمل بكفاءة تفوق 90%، وفي أكثر من نصف الأحياء كانت كفاءتها بين %30 إلى 65%، وعلى الرغم من أن 98.72% من الطرق مزوّدة بأنظمة تصريف الأمطار، إلا أن 67.95% منها لا تعمل بكفاءة عالية.
الأنقاض والمباني الآيلة للسقوط: خطر إضافي مع العاصفة
في غزة، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 88% من البنية التحتية في القطاع مدمّرة أو غير صالحة للاستخدام، ما يجعل أي منخفض جوي كارثياً. وأشارت آخر تقييمات الأضرار الصادرة عن خدمة الأقمار الصناعية التابعة للأمم المتحدة (UNOSAT) إلى أن ما يقدّر بنحو 69% من جميع المباني في غزة قد تضرّرت وأكثر من 245,000 وحدة سكنية.
في لبنان، ذكرت البلديات التي شملها مسح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن ما مجموعه 59,577 وحدة سكنية من أصل 1,024,432 وحدة سكنية قد تضرّرت، وهو ما يمثل حوالي 6% من إجمالي رصيد المساكن، علماً أن 29% منها تضرّرت بالكامل. في المقابل، هناك 71% من المباني تضرّرت بشكل جزئي وهذه مشكلة بذاتها، ويضاف إليها المباني الآيلة إلى السقوط بشكل كلي مع احتمال سقوط ما بقى من أسياخ حديدية وكتل إسمنت معلّقة على المباني في شوارع الضاحية الجنوبية وباقي المدن والقرى المتضرّرة، بسبب الرياح السريعة التي قد ترافق المنخفض الجوي البارد.