معاينة rafah

رأسماليو الكوارث: إمبراطورية العرجاني في سيناء

إن دخول شركات إبراهيم العرجاني، رجل الأعمال المقرّب من السلطة في مصر، إلى قطاع غزّة ليس حديث العهد. أدّت شركة «أبناء سيناء» التابعة لمجموعته دوراً رئيساً في عمليات الإعمار بعد حرب العام 2014، وتوسّع نفوذها بعد حرب العام 2021. واليوم، تبدو الفرصة أكبر من أي وقت مضى لترسيخ هذه الهيمنة خصوصاً مع إعلان عصام العرجاني، الرئيس التنفيذي للمجموعة، أن شركاته تستعد فوراً لبدء مشاريع الإعمار المقدّرة بنحو 80 مليار دولار بمجرّد توقف القتال.

لا ينفصل الحديث عن إعادة الإعمار عن الجدل الذي رافق دور العرجاني في خلال الحرب. فقد وجهّت إلى شركة «هلا»، المملوكة له، اتهامات بفرض رسوم باهظة لانتقال الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزّة عبر معبر رفح إلى مصر، وقد وصلت هذه الرسوم أو «الخوّات» إلى 5,000 دولار على كلّ بالغ و2,500 دولار على كل طفل دون الـ 16 عاماً، ما جعلها رمزاً لاستغلال مآسي الفلسطينيين والفلسطينيات في قطاع غزة، خصوصاً أن كلفة العبور كانت بحدود 350 دولاراً قبل الحرب، أي أن الكلفة في ظل الإبادة الجماعية ارتفعت 14 ضعفاً عمّا كانت عليه قبل هيمنة الشركة على خدمات النقل على المعبر.

حقّقت الشركة المملوكة للعرجاني من أهالي غزّة الباحثين عن مهرب من أهوال حرب الإبادة الإسرائيلية ما لا يقل عن 118 مليون دولار في 3 أشهر

ووفق تحليل(link is external) نشره موقع «ميدل إيست آي» البريطاني في مطلع أيار/مايو 2024، حقّقت الشركة المملوكة للعرجاني من أهالي غزّة الباحثين عن مهرب من أهوال حرب الإبادة الإسرائيلية ما لا يقل عن 118 مليون دولار في 3 أشهر بين شباط/فبراير ونيسان/أبريل 2024. وبحسب بيانات قوائم المسافرين المُتاحة، قدّرت إيرادات شركة «هلا» بما لا يقل عن 21 مليون دولار في شباط/فبراير 2024، و38.5 مليون دولار في آذار/مارس 2024، قبل أن تشهد قفزة كبيرة في نيسان/أبريل 2024، وصلت إلى 58 مليون دولار. ويعكس هذا الارتفاع الكبير في الإيرادات الزيادة المُسجّلة في الرسوم اليومية التي فرضت أيضاً على نقل شاحنات المساعدات إلى غزّة في خلال نيسان/أبريل، حين وصل متوسّط الدخل اليومي للشركة إلى أكثر من 2 مليون دولار. وكانت إحدى المنظّمات الخيرية الدولية قد أعلنت(link is external) في كانون الثاني/يناير 2024، أنها أُجبرت على دفع مبلغ 5,000 دولار عن كلّ شاحنة مساعدات تدخل إلى غزّة عبر معبر رفح، وأن هذه الرسوم تُفرض عليها من شركة «أبناء سيناء»، واصفة العملية بـ «رشوة مقنّعة».

إعادة رسم وجه غزّة

بعد 470 يوماً من الحرب المدمّرة، أعلن الوسطاء الدوليون في 15 كانون الثاني/يناير 2025 عن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يتضمّن خطّة من 3 مراحل، على أن تبدأ في نهايتها ورشة إعادة إعمار قطاع غزّة بعد الدمار الهائل الذي خلّفتها حرب الإبادة الإسرائيلية.

وبحسب تفاصيل الاتفاق، تبدأ المرحلة الأولى فوراً، وتشمل إزالة الركام الضخم الذي يقدّر بأكثر من 40 مليون طن، مع توفير أماكن إيواء مؤقتة للنازحين لمواجهة الأزمة الإنسانية المتفاقمة، تتضمّن 60 ألف وحدة سكنية جاهزة و200 ألف خيمة. ويُعاد تأهيل البنية التحتية المدمّرة، بينما يجري إدخال المعدّات اللازمة لدعم فرق الدفاع المدني ومباشرة أعمال الطوارئ. أما المرحلة الثانية فستشهد وضع الخطط التفصيلية لمشروعات إعادة الإعمار الكبرى، التي لا تقتصر على بناء المنازل فحسب، بل تشمل أيضاً استمرار أعمال إصلاح البنية التحتية المدمّرة، وإعادة تأهيل المنشآت المدنية مثل المدارس والمستشفيات، إلى جانب تعويض المتضرّرين، وذلك تحت إشراف دولي يضمّ جهات عدّة ودول معنية بالعملية. وفي المرحلة الثالثة، التي تمتد بين 3 إلى 5 سنوات، تبدأ عملية التنفيذ الفعلي للمشروعات الكبرى، من إعادة بناء الأحياء السكنية إلى ترميم المرافق الحيوية التي تعرّضت لأضرار جسيمة، في محاولة لإعادة الحياة تدريجياً إلى القطاع المنكوب.

في أحدث تقييم له، يفيد مركز الأقمار الاصطناعية التابع للأمم المتّحدة (يونوسات(link is external)) أن نحو 69% من مباني قطاع غزة تعرّضت للدمار الكلي أو لأضرار جسيمة حتى الأول من كانون الأول/ديسمبر 2024، وهو ما يعادل 170,812 مبنى. كما يؤكّد تقرير صادر عن الأمم المتّحدة (link is external)العام الماضي أن إعادة بناء هذه المباني المدمرة قد يستمرّ حتى العام 2040، على الأقل، نظراً لحجم الدمار غير المسبوق.

مع ذلك، تتزايد التحدّيات التي تعرقل جهود الإعمار والإغاثة مع الإعلان عن مشاريع أمنية تموّلها واشنطن ودول خليجية لإقامة منطقة عازلة تحمي مستوطنات غلاف غزّة. فقد كشفت تقارير صحافية (link is external)عن تعهّدات قدّمها مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تقضي بعرقلة إعادة إعمار شمال غزة، وتأجيل إدخال المنازل المتنقّلة (الكرفانات) إلى المناطق القريبة من المستوطنات. وفي خضم هذه الترتيبات، لا يقتصر تعطيل إعادة الإعمار على التدخلات السياسية فحسب، بل تؤدّي الاحتكارات دوراً أساسياً. فقد فرضت شركة «أبناء سيناء» (link is external)قيوداً صارمة على استيراد «الكرفانات»، واحتكرت عملية التوريد عبر شركات مصرية. وبالنتيجة، طلبت الشركة 10,500 دولار في مقابل كلّ كرفان يتمّ إدخاله إلى قطاع غزّة على الرغم من أن السعر الأساسي للكرفان الواحد لا يتجاوز 2,000 دولار، بحسب تصريحات منسوبة لمدير مكتب الشرق الأوسط في مؤسّسة الخير محمد حسنة.

صعود العرجاني

تجسّد مسيرة إبراهيم العرجاني مساراً استثنائياً لشاب تحوّل من قيادة سيّارة أجرة في شوارع سيناء إلى أحد أكثر الشخصيات نفوذاً في مصر. لم يكن صعوده تقليدياً. بدأ العرجاني حياته في عالم التهريب عبر الحدود وفرض الإتاوات على رجال الأعمال الذين يعملون في أراضي قبيلة «الترابين»، التي ينتمي إليها وتعتبر من أكبر القبائل في شمال سيناء، مروراً بالعمل في المحاجر والمقاولات، قبل أن يجد نفسه وسط المعادلة الأمنية للدولة المصرية، حيث أدّى دور الوسيط بين القبائل البدوية والأجهزة الأمنية في خلال سنوات التوتر التي أعقبت تفجيرات طابا في جنوب سيناء في أوائل الألفية الثانية.

أعلنت إحدى المنظّمات أنها أُجبرت على دفع 5,000 دولار عن كلّ شاحنة مساعدات لشركة «أبناء سيناء» واصفة العملية بـ «رشوة مقنّعة»

في العام 2008، تلقّى العرجاني ضربة شخصية قاسية عندما قُتل شقيقه واثنان من أقاربه في اشتباك مع الشرطة قرب الحدود مع فلسطين المحتلّة. كان الأمر بمثابة إعلان حرب قبلية قادها العرجاني بنفسه، إذ شارك مع أفراد من قبيلته في محاصرة أقسام الشرطة واحتجاز العشرات من الضباط، ما وضعه في مواجهة مباشرة مع الدولة. انتهى به المطاف معتقلاً لمدة عامين، قبل أن يُطلق سراحه في العام 2010، ليخرج إلى عالم مختلف عن ذلك الذي كان قبل اعتقاله، ويصبح بعد ذلك أحد حلفاء الدولة الأقوياء في سيناء.

بدأ العرجاني حياة جديدة كصاحب شركات. أسّس شركة «أبناء سيناء للتشييد والبناء»، التي ركّزت على المحاجر، وهي التجارة الأكثر رواجاً في سيناء. بعدها، أسّس مجموعة «السبع جبال»، التي أعلنت عن نفسها كشركة أم لمجموعة من الشركات الرائدة في مجالات متعدّدة، وكان من بينها «أبناء سيناء».

مع تصاعد التهديدات المسلّحة في سيناء وتزايد هجمات تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية سيناء بعد العام 2013، أدركت الدولة المصرية أنها بحاجة إلى شريك محلّي يفهم تضاريس الأرض وقبائلها. وهنا، وجد العرجاني فرصته الذهبية بمساهمته في تشكيل «اتحاد قبائل سيناء» في العام 2015، وهي ميليشيا محلّية مدعومة من الدولة وتقاتل جنباً إلى جنب مع القوات المسلّحة.

شكّل هذا التحالف بوابة اقتصادية واسعة، فتحت أمام العرجاني إمبراطورية تجارية مترامية الأطراف. في خلال سنوات قليلة، أصبح العرجاني يمتلك مجموعة اقتصادية ضخمة، تمتدّ استثماراتها في مجالات الإنشاءات والعقارات والنقل والسياحة، وتعمل في مشاريع عملاقة بالتعاون مع المؤسّسة العسكرية في مصر.

ظلت قبيلة «الترابين»، بزعامة العرجاني وتحت قيادته، الأكثر هيمنة ونفوذاً داخل الاتحاد، الذي توسّع حضوره وأصبح أعضاؤه يحصلون على رواتب شهرية ويحملون بطاقات هوية خاصّة. وبعد الإعلان عن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية سيناء بشكل رسمي في العام 2022، لم يحلّ «اتحاد قبائل سيناء» بل بقي قائماً إنّما بلا هدف واضح.

رجل أعمال وسلطة

في أيار/مايو 2014، جلس العرجاني بين مشايخ قبائل سيناء وعواقلها في لقاء جمعهم مع الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، وقد كان حينها وزيراً للدفاع ورجل مصر الأقوى الذي يستعدّ للجلوس على عرش السلطة. وعرفاناً بالولاء والدعم، أهدى العرجاني السيسي سيف القبائل، وألبسه العباءة السيناوية إيذاناً بتحالف طويل الأمد يُعاد رسمه بين الدولة والقبائل.

لم يكن العرجاني حاضراً حينها بصفته شيخ قبيلة «الترابين» فقط، بل بصفته رجل أعمال بدأ يستشعر بتمدّد دوره إلى ما هو أبعد من سيناء. جلس على مقربة من السيسي، وتحدّث بلهجة الواثق عن الثروات المُخبّأة في جبال سيناء، وعن مصانع يمكن إقامتها لاستغلال رخامها ورمالها الزجاجية. وبالفعل بعد شهرين فقط من صعود السيسي إلى سدّة الرئاسة الأولى، وُلدت شركة «مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار»، الحصة الكبرى فيها من نصيب هيئة اقتصادية تابعة للجيش المصري، ما شكّل إعلاناً صريحاً عن مرحلة جديدة من الشراكة بين السلطة ورجال الأعمال. بمرور الوقت، تركّزت أعمال الشركة في شمال سيناء، حيث تضاعف نفوذ العرجاني، الذي بات لاحقاً رئيس مجلس إدارتها. والشركة هي كيان اقتصادي ضخم تأسّس برأس مال يقارب 3 مليارات جنيه، بهدف إقامة مصانع للرخام والرمل الزجاجي والأسمنت. امتلكت القوّات المسلحة 51% من أسهم الشركة، فيما استحوذت مجموعة من رجال الأعمال السيناويين على نسبة 49%.

لاحقاً، شهدت قرية العجراء جنوب رفح المصرية إعلان تأسيس «اتحاد القبائل العربية» في أيار/مايو 2024، وذلك بعد انتهاء دور «اتحاد قبائل سيناء» وإعلان الدولة المصرية القضاء على الإرهاب في سيناء، ليؤدّي الاتحاد الجديد دوراً أوسع لا تقتصر عضويته على قبائل سيناء فقط. وقد ضمّ تحت مظلّته 30 قبيلة سيناوية وعربية بمشاركة واسعة من شيوخ القبائل وبرلمانيين من مختلف المحافظات، وأُعلن عن هيكل إداري على ارتباط وثيق بالنظام. شارك السيسي ضمن الهيكل الإداري كرئيس شرفي بينما تولّى العرجاني رئاسة الاتحاد. أثار هذا الكيان مخاوف من تحوّله إلى ميليشيا قبلية مسلّحة تحظى بدعم الدولة. ومنذ لحظة تأسيسه، لم يخفِ الاتحاد توجّهاته وأهدافه، إذ أعلن أن دوره الأساسي هو «خلق إطار شعبي يدعم الدولة ومؤسّساتها، ويكون ظهيراً سياسياً وأمنياً للنظام».

أصبح العرجاني يمتلك مجموعة اقتصادية ضخمة، تمتدّ استثماراتها في مجالات الإنشاءات والعقارات والنقل والسياحة، وتعمل في مشاريع عملاقة بالتعاون مع المؤسّسة العسكرية في مصروفقاً للمؤسّسين، سيؤدّي الاتحاد دوراً في إقامة «مشاريع تنموية»، لا سيما في سيناء ومطروح والمحافظات الحدودية، وهو ما تجسّد في مشروع «مدينة السيسي»، الذي يُبنى في منطقة العجراء، على أراضٍ حصل عليها العرجاني بأسعار متدنية مقارنة بقيمتها السوقية الفعلية. ومنحه السيسي موقعاً رسمياً داخل المشهد الاقتصادي، عندما أصدر قراراً جمهورياً عقب تصديق وزير الدفاع يقضي بتعيين العرجاني، عضواً في مجلس إدارة «الجهاز الوطني لتعمير شبه جزيرة سيناء»، الذي يعتبر هيئة عامة اقتصادية تابعة لرئاسة مجلس الوزراء.

في مصر، لا تُولد الأحزاب من رحم الشارع بل من أروقة الأجهزة حيث تُصاغ الأسماء وتُوزّع المناصب ويُخطّط لكلّ الأمور مسبقاً. والسياسة ليست ساحة للصراع الفكري أو التنافس البرامجي، بل مجرّد سباق لضمان الولاء وإعادة ترتيب أوراق النظام كلّما استدعت الحاجة. في كانون الأول/ديسمبر 2024، شهد المشهد السياسي المصري تدشين حزب «الجبهة الوطنية»، في حفل ضخم في فندق الماسة التابع للجيش في العاصمة الإدارية الجديدة، ليكون أحدث الوافدين إلى الساحة الحزبية، وبُث الحفل مباشرة عبر قنوات «المتّحدة للخدمات الإعلامية» المملوكة لجهاز المخابرات العامّة. واللافت هو ارتباط الحزب الجديد بالعرجاني، الذي على الرغم من غيابه عن مشهد إعلان التأسيس الرسمي، حضر في الاجتماعات التمهيدية لتأسيس الحزب، ما عزّز الشكوك بكونه الراعي الفعلي لهذا المشروع السياسي. وضمّت الهيئة التأسيسية للحزب شخصيات مقرّبة من السلطة، كما ضمّت عصام العرجاني نجل إبراهيم العرجاني.

«العرجاني غروب»: توسّع بلا حدود

بوتيرة متسارعة، حوّل العرجاني مجموعته التجارية إلى إمبراطورية اقتصادية واسعة. بدأت شركته «أبناء سيناء» بالسيطرة على حركة شحن البضائع إلى غزة عبر معبر رفح، بالإضافة إلى تولّيها مسؤولية تأمين عمليات النقل من القطاع وإليه. لاحقاً، دخلت «مصر سيناء» المملوكة له على الخطّ، وسرعان ما انضمّت إلى سوق التصدير إلى غزّة متعاونة مع «أبناء سيناء». وبعد تأسيسه شركة «هلا للاستشارات والخدمات السياحية» في العام 2019، استحوذت الشركة على خدمات الـ VIP للسفر والتنقّل عبر معبر رفح. وإلى جانب ذلك، أسّس العرجاني شركة أخرى تحمل اسم «أبناء سيناء للتشييد والبناء»، التي دخلت في شراكة مع «مصر سيناء» لتنفيذ مشاريع إعادة إعمار غزّة في العام 2021 بتمويل مصري بقيمة 500 مليون دولار.

لم يمضِ وقت طويل حتى باتت مجموعته، التي كانت تُعرف بـ «السبع جبال»، تضمّ عدداً من الشركات المتخصّصة في مختلف المجالات، وأبرز تلك الشركات: «أبناء سيناء للتشييد والبناء»، و«أبناء سيناء للمقاولات»، و«مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار»، و«هلا للاستشارات والخدمات السياحية»، بالإضافة إلى «إيتوس للخدمات الأمنية» التي حصلت على عقود تأمين الفعاليات الرياضية بالتعاون مع اتحاد الكرة المصري. وفي كانون الثاني/يناير 2022، حملت المجموعة اسمها الجديد «العرجاني غروب»، واستحوذت على وكالة سيّارات BMW، في خطوة تعلن انتقال العرجاني من السيطرة على المشاريع الحكومية والمنافذ الحدودية، إلى الدخول في قطاعات جديدة تكرّس مكانته كواحد من أقوى رجال الأعمال في مصر.

أبرمت شركات العرجاني، ضمن تحالف مع مستثمرين مصريين، تعاقدات مع حكومة الدبيبة في ليبيا بقيمة 4.24 مليار دولار

في العام 2024، شهدت السوق المصرية دخول «أوتو موبيليتي»، وهي شركة جديدة تأسّست باستثمارات تبلغ 100 مليون دولار، لتصبح الوكيل الحصري لسيارات «جيلي» الصينية في مصر. وضمّت الشركة مجموعة من المستثمرين البارزين، من بينهم مجموعة الغانم الكويتية، وشركة محمد يوسف الناغي السعودية، ومجموعة العرجاني المصرية. وفي ظل هذه التوسّعات، أثيرت شكوك واسعة عن أنشطة العرجاني المالية، بعدما كشفت سكاي نيوز(link is external) في حزيران/يونيو 2024، أنه المالك الفعلي للطائرة التي احتجزتها السلطات الزامبية وعلى متنها 5.7 مليون دولار نقداً و602 سبيكة يشتبه في كونها ذهبية، و5 مسدسات مع 126 طلقة. وعلى الرغم من نفيه علاقته المباشرة بالأمر، أضافت هذه الواقعة مزيداً من الغموض عن طبيعة ثروته وشبكة أعماله المتشعّبة.

اختفت شركة «هلا» مؤخراً من القوائم الرسمية التابعة لمجموعة «العرجاني غروب» من دون أي إعلان رسمي يوضح أسباب هذا التغيير. وبحسب الموقع الرسمي(link is external) لمجموعة العرجاني، فقد باتت تضمّ 12 شركة حالياً، تشمل «إيجي ميكس»، و«شركة التطوير العقاري (N.R.D)»، و«أبناء سيناء للتشييد والبناء»، و«أبناء سيناء للتجارة والمقاولات»، و«مصر سيناء»، و«إيتوس للخدمات الأمنية»، و«مؤسسة سيناء للخير والتنمية الاقتصادية»، و«شركة العرجاني للتطوير»، و«جمعية الوسيم»، و«نيوم للصرافة»، و«غلوبل أوتو»، و«كادينس للطاقة».

صفقات في ليبيا

لا تنحصر مصالح إبراهيم العرجاني في مصر وغزة بل امتدّت إلى ليبيا أيضاً. تعزّز حضور العرجاني في ليبيا من طرابلس التي شكّلت المحطة الأولى. في أيار/مايو 2023، ظهر في اجتماع رفيع ضمّ مسؤولين من جهاز المخابرات المصرية ورئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة، في خطوة أظهرت مقاربة مصرية جديدة للملف الليبي.

وبعد أقل من ثلاثة أشهر، كشفت مصادر ليبية أن شركات العرجاني، ضمن تحالف مع مستثمرين مصريين، أبرمت تعاقدات مع حكومة الدبيبة بقيمة 19 مليار دينار ليبي، ما يعادل 4.24 مليار دولار، لتنفيذ مشروعات في البنية التحتية والكهرباء والصرف الصحّي والطرق في مناطق متفرّقة من غرب ليبيا.

الجدير بالذكر، أن العرجاني لم يكن بعيداً من الشرق الليبي أيضاً. مع بداية العام 2024، أبرمت شركات مصرية عقوداً ضخمة مع حكومة أسامة حماد المدعومة من خليفة حفتر. ووقّع صندوق إعادة إعمار درنة والمناطق المتضرّرة عقوداً لإنشاء 11 جسراً في درنة وبنغازي وأجدابيا، وهي العقود التي وقّعها إلى جانب العرجاني، بصفته رئيس إدارة شركة «نيوم» المصرية، كلّ من رئيس لجنة إعادة الإعمار والاستقرار حاتم العريبي والمدير التنفيذي للصندوق بلقاسم حفتر.

وفي تموز/يوليو 2024، عاد العرجاني إلى الواجهة بتوقيع عقود جديدة(link is external) مع بلقاسم حفتر، وكُلّفت شركاته بتنفيذ مشاريع في درنة ومدن الجبل الأخضر، وتشمل هذه المشروعات إعادة بناء الطرق والجسور ضمن خطة إعادة الإعمار التي أطلقها «صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا» عقب الكارثة التي شهدتها درنة في أيلول/سبتمبر 2023، حين اجتاحت الفيضانات المدينة، ودمّرت أكثر من ربع مساحتها.

اليوم مع التوصّل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يتجدّد الحديث عن إعادة الإعمار. وبينما يترقّب كثيرون تدفق أموال المانحين الدوليين، تبرز «مجموعة العرجاني» في طليعة الشركات المرشّحة لتأدية دور بارز في هذه العملية، إذ تهيئ نفسها لاحتكار المشهد مدفوعة بعلاقاتها القويّة بالنظام المصري، الذي سارع لطرح مبادرة لاستضافة مؤتمرات دولية لإعادة إعمار القطاع.