معاينة brics 2025

بريكس في العام 2025

تشهد البشرية ثورة تكنولوجية عالمية، تتقدّمها الصين من موقع القيادة. يصفها القادة الصينيون بأنها تعبئة لـ«قوى إنتاج جديدة عالية النوعية»، في إشارة إلى «تحوّلات كبرى لم يشهدها العالم منذ قرن». في الغرب الذي تقيّده الأزمات أكثر فأكثر، يُنظر إلى كل إنجاز صيني على أنه «لحظة سبوتنيك» جديدة، ما يُثير القلق ويحرّك استجابات سياسية طموحة. هذا هو الحال مع ديب سيك، النموذج اللغوي الضخم الذي يتمتّع بكفاءة مذهلة ومفتوح المصدر، وامتصّ تريليونات من فقاعة الذكاء الاصطناعي في وول ستريت، وكذلك مع المسبار الصيني الذي عاد إلى الأرض حاملاً أولى العيّنات من الجانب البعيد للقمر، ما سرّع سباق الفضاء على الأقمار الصناعية ذات الاستخدامات العسكرية، في تطوّر له آثار كبيرة على الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ولا يمكن إغفال اللحظة المتواصلة التي تمثّلها BYD، شركة السيارات الكهربائية الصينية العملاقة، التي تجاوزت سوقها المحلي لتنطلق في توسّع دولي مذهل، ما يهدّد تماسك التحالفات السياسية الأوروبية التي بُنيت على محرك الاحتراق الداخلي المثير للقلق بين صناع القرار ورؤساء الشركات في الغرب. تُظهر الاستثمارات الصينية الكثيفة في «الثلاثة الجدد»، السيارات الكهربائية والبطاريات والطاقة الشمسية، أن الطلب على النفط قد ينخفض بمقدار 5 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2030. ومع انخفاض كلفة التكنولوجيا الخضراء، بات أكثر من 100 بلد قادراً على التخلص من عبء استيراد الوقود الأحفوري والسير نحو أفق من الاكتفاء الكهربائي المستقل.

1
2

وتقدّم الحزمة الصينية التي تجمع بين الأتمتة والرقمنة والتحوّل الكهربائي عرضاً مغرياً للشركات والدول، لا يقتصر على خفض الكربون، بل يشمل، وربما بشكل أكثر إقناعاً، زيادة الإنتاجية والكفاءة والسيادة الطاقوية. يجري الآن إعادة تشكيل الأسس المادية التي تقوم عليها أنظمة الإنتاج والاستهلاك والمعلومات العالمية. ولا حاجة لأن يكون المرء ماركسياً ليرى أن ذلك ينطوي على تحوّل جذري في السياسة العالمية.

من أين ستأتي لحظة «سبوتنيك» التالية؟ يَذكر الخبراء مصانع الأتمتة والتكنولوجيا الحيوية والطب الحيوي، والمفاعلات النووية الصغيرة المعيارية والطائرات المسيّرة وبطاريات أيون الصوديوم، ورقائق معالجة الذكاء الاصطناعي.

يُنتج هذا التفوّق التكنولوجي الصيني ما سمّاه آدم توز بـ«الصدمة الصينية الثانية». فبينما تمثّلت الصدمة الأولى في دمج الصين ضمن سلاسل التوريد الغربية والآسيوية، تأتي الثانية معكوسة الاتجاه: يسعى الغرب اليوم ، لا سيما أوروبا وفي قطاع السيارات الكهربائية تحديداً، للاندماج في سلاسل التوريد الصينية. وللمرة الأولى منذ قرنين، لم يعد الغرب في موقع القيادة التكنولوجية، بل بات تابعاً. في هذا السياق، بدأ حلفاء أميركا في أوروبا وشرق آسيا بالابتعاد تدريجياً عن نهجها القائم على المعاملات العدوانية، في ظل تخلّفهم عن مواكبة التقنيات الرائدة.

تعيد هذه التطوّرات تشكيل النظام العالمي والعلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف التي يقوم عليها. وستظهر كل توتّرات المرحلة الراهنة في خلال منتدى بريكس لدول الدخل المتوسط، الذي سينعقد الأسبوع المقبل في برازيليا. ضاعف تحالف بريكس في خلال العامين الماضيين عدد أعضائه الأصليين ليشمل 5 دول جديدة: الإمارات ومصر وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران. وبرئاسة البرازيل، سيركّز المنتدى هذا العام على التصنيع الأخضر وتمويل المناخ والحُكم المستدام. 

وعلى خلاف المهمة الأصلية للتحالف والمتمثلة في تحدّي المؤسسات الغربية، بات يُعرَّف اليوم جزئياً بطموح أعضائه إلى تحصين أنفسهم استراتيجياً من الهيمنة الأميركية ويحتضن داخله رؤية جديدة للسيادة التقنية المتقدّمة، تقوم أساساً على الطاقة النظيفة. وإن كان الغرب ينظر إلى بريكس بوصفه تكتلاً مناهضاً له يسعى بعناد إلى إزالة الدولار، فإن ما يجمع هذا التكتل اليوم لم يعد نفوره من النظام القديم بقدر ما هو انجذابه نحو إعادة بناء الأساس المادي لسيادة جديدة في زمن جديد من العولمة.

التهويل والإصلاح

في العام 2001، في ذروة العولمة المالية بقيادة الولايات المتحدة، صاغ جيم أونيل من غولدمان ساكس اختصاراً لافتاً—BRIC—ليشكّل أساساً لأطروحة استثمارية في الأسواق الناشئة على وول ستريت. صُنّفت كلّ من البرازيل وروسيا والهند والصين (لم تنضم جنوب أفريقيا حتى العام 2010) كاقتصادات تشهد نمواً سريعاً، سواء من حيث الإنتاجية أو من حيث ارتفاع قيمة العملة. وبالاستناد إلى بيانات خاصّة بكل بلد حول السكان والبنى التحتية والاستثمار، توقّع أونيل أن يتجاوز الناتج المحلي للهند نظيره الياباني بحلول العام 2032، وأن تصبح الصين أكبر اقتصاد في العالم بحلول العام 2041؛ وقدّر محلّلو غولدمان أن هذه التحوّلات سوف تترك آثاراً كبيرة على المحافظ الاستثمارية العالمية وتفرض تغيراً في موقع الهيمنة الذي يشغله الغرب.

تأسّس منتدى «بريك» رسمياً في روسيا في العام 2009، وكان من أهدافه الأساسية صياغة استجابة لأزمة 2008 تتيح للدول الأعضاء الأربع حماية نفسها من الصدمات التي سبّبتها الأزمة المالية. إضافة إلى ذلك، تقاسمت هذه الدول هدفاً مشتركاً يتمثّل في إصلاح منظومة الحوكمة العالمية وإعادة توزيع حقوق التصويت في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتعزيز التجارة بين بلدان الجنوب وتوسيع استخدام التسويات بالعملات المحلية. أطلق تحالف بريكس في العام 2014، وقد انضمّت إليه جنوب أفريقيا، مؤسّسات مالية تُحاكي تلك التي نشأت في بريتون وودز، فأنشأ «البنك الجديد للتنمية» لتوفير تمويل إنمائي على غرار البنك الدولي وآلية «الاحتياطي الطارئ المشترك» لتقديم سيولة من دون شروط صندوق النقد المعتادة. مع ذلك، ظلّت هذه المؤسّسات محدودة من حيث النطاق والحجم، بفعل التباينات الاستراتيجية بين الدول الأعضاء، ما جعل الغرب غير مضطر إلى القلق؛ فمحفظة قروض البنك الجديد للتنمية صغيرة مقارنة برأسماله المدفوع، وآلية الاحتياطي الطارئ لا تزال تعتمد على قرارات صندوق النقد لتوفير جزء كبير من تمويلها.

تبدّلت النبرة بعد العام 2020، حين توحّدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خلف أجندة بايدن التصادمية مع الصين وروسيا. ففي العام 2022، فرضت القوى الغربية عقوبات مالية مشتركة على روسيا بعد غزو أوكرانيا، واتفقت على فرض قيود على تصدير التكنولوجيا المتقدّمة إلى الصين. على الرغم من تردّد أوروبا في مواكبة سياسة «فكّ الارتباط» العدوانية التي انتهجتها الولايات المتحدة تجاه الصين، وفضلت بدلاً منها مقاربة أكثر تدريجية تقوم على «خفض المخاطر»، بات الطرفان على جانبي الأطلسي متّفقَين في اعتبارهما لتحالف بريكس تكتلاً مناهضاً للغرب.

3
4

بفعل الحرب، أصبح تركيز بريكس منصبّاً على الجغرافيا السياسية أكثر من الحوكمة العالمية، منتقلةً نحو استراتيجية «اللا انحياز» في ما يخصّ التجارة والاستثمار، ومن اللافت أن روسيا دفعت باتجاه إدراج مسألة فكّ الارتباط عن الدولار ضمن أجندة التكتّل للعامين 2023–2024. لكنّ التخلّص من الاعتماد على الدولار ظلّ صعباً على مستوى التكتّل ككل. فقد أوقف «البنك الجديد للتنمية» تعاملاته مع روسيا في العام 2022، نظراً لعدم رغبة بقية الأعضاء في المجازفة بخسارة وصولهم إلى مصادر التمويل القائمة على الدولار.

تنوّع، فكّ ارتباط، إزالة الكربون

مع إعادة انتخاب ترامب، بدأت وحدة الهدف التي جمعت بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تتصدّع. بات بعض قادة الوسط في أوروبا يصرّحون علناً بأن الولايات المتحدة «عدوّ للمشروع الأوروبي»، فيما تسير دول أوروبية عدّة على خطى بلدان من الجنوب في تبنّي أهداف مماثلة. الهدف المشترك هو تقليص التعرّض للهيمنة الأميركية، والسعي إلى إنشاء مؤسّسات جديدة تعزّز السيادة وتواجه آثار الحروب التجارية، وتفكّك الترتيبات الأمنية، وتصاعد استخدام الدولار كأداة ضغط جيوسياسي.

تتصاعد الاهتمامات بتحالف بريكس مع تزايد الضغوط على التكتّل الأطلسي، ولم تعد شرعية الغرب قائمة، بعدما دُفنت تحت أنقاض غزة. أما الدول الساعية إلى الانضمام إلى التكتّل، فتتنوع دوافعها، كما يوثّق تقرير لمؤسسة كارنيغي للأبحاث. بالنسبة إلى مصر، التي تعاني منذ سنوات من شحّ الدولار وبرامج صندوق النقد، فإن التعامل بالعملات المحلية يوفّر مخرجاً مغرياً. أما إندونيسيا، فترى في تنويع علاقاتها التجارية والدبلوماسية امتداداً لنهجها التاريخي في عدم الانحياز، وتسعى نيجيريا إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع قوى كبرى وتكريس دور إقليمي أوسع في القارة، في حين ترى الإمارات في التكتّل أداةً لتعزيز نفوذها الإقليمي، وهو ما تشاركها فيه السعودية (التي وُجّهت لها الدعوة لكنها لم تُقبل بعد). وبحسب ليلى علي من «مركز الخليج للأبحاث»، فإن البلدين «ينظران إلى قمّة بريكس بوصفها منصة استراتيجية لتوسيع علاقاتهما الدبلوماسية والاقتصادية على النطاق العالمي».

تعاون صناعي أخضر

تدور اليوم مواجهة داخلية لافتة ضمن تكتّل بريكس نفسه. تواجه الدول الأعضاء الغنية بالنفط والغاز تحدياً متصاعداً لنماذجها التنموية بفعل تحوّل عدد من اقتصادات التكتّل نحو سياسات صناعية أكثر اخضراراً، أما الدول التي كانت تاريخياً تستورد كميات كبيرة من النفط والغاز من روسيا أو إيران، كما في حالة الصين بالإضافة إلى البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، فهي تشهد اليوم نمواً متسارعاً في قطاع الطاقة المتجددة. والنتيجة: لم تعد مصادر الطاقة الأحفورية تشكّل سوى أقل من نصف إنتاج الكهرباء الكلّي في التكتّل.

5
6

لم يمنع ذلك روسيا وإيران من مواصلة الحفر لاستخراج مزيد من النفط والغاز. أما الصين، فإنها تواصل تصدير منتجاتها الصناعية في مجالات الطاقة النظيفة والكهرباء، إلى جانب تقنياتها الخضراء وآليات تمويلها، ما يكسبها مزيداً من التأييد، وإن ظلّت النتائج النهائية غير محسومة بعد. سيحدّد هذا الصراع الضمني حول مزيج الطاقة المهيمن، وما يُبنى حوله من اقتصاد سياسي، ليس فقط ملامح القوة الجيوسياسية داخل دول بريكس في العقود المقبلة، بل مصير غالبية شعوب العالم. ولكسب هذا الصراع، تسعى الصين إلى بناء هيمنة لا تقتصر على تصدير المنتجات الخضراء، بل تمتد إلى تصدير التكنولوجيا والهندسة وسلاسل الإمداد وآليات التمويل، بما يكرّس تحوّلاً بنيوياً واسع النطاق.

تُبرز تقارير حديثة أعدّها محلّلون، من بينهم تيم ساهاي، في Clean Energy Finance و Net Zero Industrial Policy Lab، أمثلة على التعاون الصناعي الأخضر بين الصين والدول النامية الكبرى، بينما تظلّ الدول الأصغر تُؤدّي بشكل أساسي دور أسواق تصدير. وتشير تقديرات Clean Energy Finance إلى أنّ الشركات الصينية استثمرت، منذ مطلع العام 2023، أكثر من 100 مليار دولار خارج البلاد في 130 تكنولوجيا نظيفة، في ما وصفته بـ«تسونامي الطاقة النظيفة». تُظهر أنماط التعاون الصناعي الأخضر الثنائي بين دول بريكس اتجاهاً جديداً في مسارات التنمية الاقتصادية، يقوم على ميزتين: أوّلاً، امتلاك هذه الدول عدداً من أبرز تقنيات الطاقة الخضراء عالمياً؛ وثانياً، وجود أسواق استهلاكية داخلية نامية بسرعة، تتيح تحقيق وفورات الحجم والأرباح اللازمة للنمو الصناعي.

البرازيل والصين

تتخذ البرازيل، في عهد الرئيس لولا، خطوات أكثر جرأة نحو بكين. فقد أقنع لولا مباشرةً شركة BYD الصينية بالاستثمار في مصنع في ولاية باهيا شمال شرق البلاد، ليكون أول مركز لإنتاج السيارات الكهربائية للشركة خارج آسيا، بقدرة إنتاجية متوقّعة تصل إلى 150 ألف سيارة سنوياً. ولا شكّ في أن السوق الاستهلاكية الكبيرة في البرازيل منحت لولا قوة تفاوضية مكّنته من مقايضة الوصول إلى السوق بنقل التكنولوجيا. وبفضل سياسة «الصناعة الجديدة للبرازيل» التي أطلقها لولا، باتت باهيا مثالاً حياً على تحوّل الطاقة العالمي. فقد باعت شركتا فورد وجنرال إلكتريك، وهما من رموز الصناعة الأميركية في القرن العشرين، مصانعهما في مدينة كاماساري إلى BYD وشركة Gold Wind الصينية، وهما أكبر مصنّعي سيارات كهربائية وتوربينات رياح في العالم. ولضمان خلق قيمة مضافة ومعرفة تقنية للشركات المحلية، تفاوضت حكومة باهيا مع BYD على إنشاء مركز أبحاث وتطوير، وعلى تحقيق أهداف تتعلّق بتوطين الإنتاج. وقد خرجت هذا الأسبوع أوّل سيارة كهربائية "صُنعت في البرازيل" من إنتاج BYD، بالتزامن مع انعقاد قمّة بريكس.

الصين والإمارات

تتعاون الصين والإمارات في مجالات السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية والمعادن المرتبطة بالتحوّل الطاقوي. وقد تعزّزت قدرة الإمارات التفاوضية، إذ نجحت في انتزاع بنود لتوطين الإنتاج ونقل الملكية الفكرية، مستفيدةً من تزايد الرسوم الجمركية المفروضة على الشركات الصينية في الأسواق الغربية. وتقوم شركات الطاقة الشمسية الصينية، مثل LONGi، ببناء مهارات ومعرفة محلية، يتجلى ذلك مثلاً في أكاديميتها الشمسية في دبي؛ كما تُعالَج المعادن المستوردة من عملاق التعدين البرازيلي «فالي» في مراكز صناعية لإنتاج الفولاذ الأخضر داخل المملكة الخليجية.

الهند والبرازيل

ليست كلّ أشكال التعاون داخل بريكس تدور حول الصين. فالبرازيل والهند، ولكلّ منهما تحالفات قوية للمزارعين داخل برلماناتها، ركّزتا على التعاون في مجال الوقود الحيوي المستدام. وتخطّطان لقيادة تحالف عالمي للوقود الحيوي، يجمع بين الموارد والخبرات والتكنولوجيا، بهدف مضاعفة إنتاجهما المشترك 3 مرّات في قطاعات الطيران والسيارات والشحن. ويقوم هذا التعاون على الجمع بين الخبرة التقنية التي راكمتها البرازيل على مدى عقود - بما في ذلك براءات الاختراع وموقعها الصناعي الريادي في مجال الوقود الحيوي - وبين الطلب الهندي المتزايد على هذا النوع من الطاقة، إذ أصبحت الهند ثالث أكبر مستهلك للإيثانول في العالم، إلى جانب النمو السريع في قطاع الطيران المدني فيها.

لا عودة إلى الوراء

من الانتقادات الشائعة للمبادرات متعددة الأطراف في إطار بريكس أنها تفتقر إلى الفعالية: فالبنك الجديد للتنمية وآلية الاحتياطي الطارئ ليسا كبيرين بما يكفي لأداء الدور المنشود، ومبادرة «BRICS Pay» تبدو أشبه بالوهم، أما محاولات الإصلاح المنسّقة داخل نظام التصويت في بريتون وودز فلم تُفلح حتى الآن. ومع ذلك، تواصل كل دولة من دول التكتّل السير في استراتيجياتها الخاصة لفكّ الارتباط عن الدولار، والتحوّل إلى الطاقة الخضراء والتصنيع المستدام. فالتحالف بطبيعته يدور حول محاولة فهم وصياغة نظام عالمي ما بعد الهيمنة الأميركية، ويتزايد اليوم عدد الدول المهتمة بهذا المشروع. وقد لخّص لاري سامرز المشهد في العام 2023 بقوله: "ثمة قبول متزايد بالتفتّت، وما هو أكثر إثارة للقلق، شعور متنامٍ بأن الجزء الذي ننتمي إليه قد لا يكون الأفضل".

7

السؤال الذي يشغل كثيرين اليوم هو: من سيمتلك الصناعات الخضراء وسلاسل قيمتها؟ تُعبّر مقابلة حديثة مع رئيس شركة المعادن والتعدين Vale عن عمق التعقيد: «نحن شركة برازيلية تُدار من كندا، نُنفّذ مشروعاً مشتركاً في إندونيسيا مع الصينيين، والسعوديون يملكون 10% منّا. مرحباً بكم في المرحلة التالية من التعقيد السياسي لعالمنا». لكن السؤال الأهم يبقى: هل يمكن أن تُفضي هذه الشراكات الثنائية والتقدّم التكنولوجي الصيني إلى تغيير منظومي فعلي؟ إلى تحوّل في النظام العالمي؟

استند النظام الجيوسياسي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية إلى 3 أعمدة: الهيمنة الأميركية، ونظام الطاقة القائم على الوقود الأحفوري، ونظام تجاري مفتوح ومتعدد الأطراف. وقد باتت الولايات المتحدة تُهاجم كلّ ركيزة من ركائز هذا النظام القائم على الهيدروكربون من أساسه. ثمة نموذجان عالميان متنافسان للطاقة والنفوذ اليوم: أحدهما قائم على الوقود الأحفوري، والآخر يستند إلى التكنولوجيا الخضراء ونموذج جديد للتنمية المستدامة. تكنولوجيا الصين تجد لنفسها أسواقاً جديدة حول العالم، ببساطة لأن هناك طلباً حقيقياً عليها. لكن ما زال يفتقر هذا النموذج إلى بنية دعم متكاملة، من تمويل وتجارة ونقل تكنولوجي، إذ لم يُبنَ بعد نظام دولي جديد لحوكمة مستدامة. السؤال الحاسم الذي يواجه بريكس هو مدى استعداد وقدرة دوله الأعضاء على الدفع نحو تعاون أوسع في مجالات التكنولوجيا والتجارة والتمويل. وبعد مرور ربع قرن من القرن الثاني والعشرين، بات كلّ شيء مفتوحاً على الاحتمال.

نُشِر هذا المقال في 5 تموز/يوليو 2025 في Phenomenal World، وتُرجِم إلى العربية ونُشِر في موقع «مجلة صفر» بموجب اتفاق مع الجهة الناشرة.