معاينة carbon emissions

الأغنياء هم سبب الكارثة المناخية

من الذي يُحرِق ميزانية الكربون؟ ومن الذي يدفع الثمن؟ الدليل واضح: إن أغنى أغنياء العالم يستخدمون كمّيات غير مُتناسبة من ميزانية الكربون المتبقية في العالم ويضعوننا جميعاً على مسار الاحتباس الحراري العالمي الكارثي الذي لا رجعة فيه. والواقع أن نصف انبعاثات الكربون في العالم يتسبّب بها أغنى 10% من الناس من خلال استثماراتهم الملوّثة وعاداتهم الاستهلاكية المفرطة، في حين أن أفقر الناس مسؤولين عن 8% من هذه الانبعاثات فقط، بحسب تقرير عن اللامساواة في انبعاثات الكربون صادر عن منظّمة «أوكسفام».

تسبّبت الانبعاثات الكربونية لأغنى أغنياء العالم بانخفاض الناتج الاقتصادي العالمي بمقدار 2.9 تريليون دولار منذ العام 1990، وأدّت إلى تلف محاصيل بكمّيات كان يمكن لها أن تطعم 14.5 مليون شخص في خلال هذه الفترة

وفي حين تتراكم لدى الأغنياء ثروات بمعدّلات فلكية سنوياً ناجمة عن استثماراتهم الملوّثة، تسبّبت الانبعاثات الكربونية لأغنى أغنياء العالم بانخفاض الناتج الاقتصادي العالمي بمقدار 2.9 تريليون دولار منذ العام 1990، وأدّت إلى تلف محاصيل بكمّيات كان يمكن لها أن تطعم 14.5 مليون شخص في خلال هذه الفترة. والأقسى هو أن انبعاثات أربع سنوات فقط (2015-2019) ستكون سبباً لنحو 1.5 مليون حالة وفاة زائدة بين عامي 2020 و2120، فيما يقدّر أن تسجّل نسبة 78% من هذه الوفيات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. 

من المسؤول عن انبعاثات الكربون؟

في العام 2015، اتفقت 196 دولة على الحدّ من الاحتباس الحراري العالمي، وأن يتمّ تكييف النشاطات المُسبّبة لانبعاثات الكربون بما يسمح بألا تتجاوز حرارة الأرض بحلول العام 2023 الـ 1.5 درجة مئوية فوق حرارة الأرض في فترة ما قبل الثورة الصناعية، خصوصاً أن تجاوز هذه الحرارة وفقاً «للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ» هو غير آمن لمعظم البلدان والمجتمعات والنظم الإيكولوجية، ومن شأنه أن يؤثّر بشكل غير مُتناسب على السكّان المحرومين من خلال انعدام الأمن الغذائي، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وفقدان الدخل وفرص العمل، والتسبّب بنزوح السكان. لكن في عامي 2023 و2024، شهد كوكب الأرض حرارة قياسية تجاوزت عتبة 1.5 درجة مئوية المُتفق عليها، وهذا ما يسلّط الضوء على الوتيرة المتسارعة لتغيّر المناخ.

إن إبقاء الاحترار العالمي دون 1.5 درجة مئوية، يفترض أن لا تتجاوز الانبعاثات العالمية 250 غيغاطن من ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2023، وهذا ما يسمّيه علماء المناخ «ميزانية الكربون المتبقية». ولمنع درجات الحرارة العالمية من الارتفاع فوق 1.5 درجة مئوية، تقول «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» إن الانبعاثات العالمية يجب أن تنخفض إلى نصف مستوى العام 2010 بحلول العام 2030، وأن تصل إلى صفر بحلول العام 2050. والطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي أن يقوم أغنى 1% بخفض انبعاثاتهم بنسبة 97% بحلول العام 2030، لأن بحسب تحليلات «أوكسفام»، إذا استمرّ العالم في انبعاثاته الحالية، فسوف نستنفد هذه الميزانية بحلول كانون الثاني/يناير 2029. ولكن وفق الاتجاهات الحالية، من المتوقّع أن يسجّل انخفاض بنسبة 5% فقط.

يبدو واضحاً بحسب «أوكسفام» أن الكارثة المناخية مسؤول عنها أغنى أغنياء العالم، إذ يهدّد هؤلاء بعاداتهم الاستثمارية والاستهلاكية الملوّثة مستقبل الحياة على الأرض. ولقياس مدى خطورة هؤلاء، تبيّن حسابات «أوكسفام» أنه لو تسبّب جميع سكان الأرض بكمية الانبعاثات نفسها التي يتسبّب بها أغنى 10% فإن ميزانية الكربون سوف تستنفد في أقل من عام ونصف العام، أما إذا تسبّب الجميع بكمّيات الانبعاثات نفسها لأغنى 1% فسوف تستنفد ميزانية الكربون في أقل من 5 أشهر، ولو امتلك الجميع وسائل نقل فاخرة كاليخوت والطائرات الخاصة التي يمتلكها 50 ملياريراً في العالم الذين جمعوا ثرواتهم من الاستثمارات في القطاعات المصرفية والمالية والعقارية، ونفّثوا كمّية الانبعاثات نفسها فإن ميزانية الكربون سوف تستنفد في غضون يومين فقط. النتائج مخيفة!

و تسبّب جميع سكان الأرض بكمية الانبعاثات نفسها التي يتسبّب بها أغنى 10% فإن ميزانية الكربون سوف تستنفد في أقل من عام ونصف العام

تتبع التحقيق المفُصّل الذي أجرته منظمة «أوكسفام» الانبعاثات التي تتسبّب بها الطائرات الخاصّة واليخوت الفاخرة واستثمارات 50 من أغنى أغنياء العالم على مدار عام كامل. وتبيّن أن هؤلاء المليارديرات يتسبّبون في المتوسّط ​​في خلال ساعة ونصف الساعة (90 دقيقة) بانبعاثات تزيد عما يتسبّب به شخص عادي طوال حياته.

من الواضح أن هؤلاء المليارديرات يحبّون طائراتهم الخاصّة جداً. لقد حدّدت «أوكسفام» الطائرات الخاصة التي يملكها 23 من أصل 50 من أغنى مليارديرات العالم. وفي المتوسط، قام كلّ من هؤلاء بـ 184 رحلة في خلال عام واحد، وبالتالي أمضوا 425 ساعة في الجوّ، وهذا يعادل قيام كل منهم بالدوران حول العالم 10 مرّات. وفي المتوسط، تنبعث من الطائرات الخاصة لـ23 ثري نحو 2,074 طناً من الكربون سنوياً، وهذا يعادل انبعاثات 300 عام لشخص عادي، أو أكثر من 2000 عام لشخص ينتمي إلى أفقر 50% من سكّان العالم.

والواقع أن الانبعاثات الناتجة عن السفر الجوي لا يساهم فيها إلا 2 إلى 4% فقط من سكان العالم، و1% من سكان العالم فقط مسؤولون عن نصف إجمالي انبعاثات الطائرات. والواقع أن الثروة الهائلة تضيف وقوداً إلى نار أزمة المناخ من خلال زيادة إمكانية الوصول إلى السفر الجوي الفاخر والطائرات الخاصة للأثرياء القلائل. لقد تضاعفت مبيعات الطائرات الخاصة شديدة التلويث في العقدين الماضيين فيما تفشل الحكومات في محاربة ذلك. ففي رحلة من باريس إلى لندن، لا تتجاوز الضريبة على الطائرات الخاصّة نسبة 2% من سعرها فيما تصل الضريبة المفروضة على الدرجة الاقتصادية إلى 43%.

تنبعث من الطائرات الخاصة لـ23 ثري نحو 2,074 طناً من الكربون سنوياً، وهذا يعادل انبعاثات 300 عام لشخص عادي، أو أكثر من 2000 عام لشخص ينتمي إلى أفقر 50% من سكّان العالم

على سبيل المثال، يمتلك إيلون ماسك، ثاني أغنى شخص في العالم، طائرتين خاصتين على الأقل، وهما تنتجان معاً 5,497 طناً من ثاني أكسيد الكربون سنوياً. وهذا يعادل انبعاثات 834 عاماً للشخص العادي في العالم، أو 5,437 عاماً لشخص في أفقر 50% من سكان العالم. إلى ذلك، قضت الطائرتان الخاصتان المملوكتان لجيف بيزوس، مؤسّس ورئيس مجلس إدارة أمازون، ما يقرب من 25 يوماً في الهواء، وانبعثت منهما 2,908 طن من ثاني أكسيد الكربون، في حين سوف يستغرق ​​موظف لدى أمازون ما يقرب من 207 سنوات ليتسبّب بهذا القدر من الانبعاثات. 

أيضاً تعتبر اليخوت الفاخرة من أكثر «ألعاب» المليارديرات تلويثاً. تضاعف عدد اليخوت الفاخرة منذ العام 2000، مع إطلاق حوالي 150 يختاً جديداً كلّ عام. ولا تستهلك هذه السفن العملاقة كمية هائلة من الوقود فحسب، بل إن تكييف الهواء فيها وصيانة حمّامات السباحة يزيد من الانبعاثات. وعلى الرغم من أنها ترسو في البحر معظم أيام العام، فإن حوالي 22% من إجمالي انبعاثاتها تتولّد في خلال فترة التوقف هذه. وغالباً ما تحتوي اليخوت أيضاً على سفن دعم للطاقم، وطائرات هليكوبتر مع احتياجاتها الخاصّة من الوقود. 

تمكّنت «أوكسفام» من تحديد 23 يختاً فاخراً يملكها 18 من أصل 50 مليارديراً. سافرت هذه القصور العائمة بمعدل 12,465 ميلاً بحرياً في السنة: وهذا يعادل عبور كل يخت فاخر للمحيط الأطلسي 4 مرات تقريباً. ووجد تحقيق «أوكسفام» أن اليخوت أكثر تلويثاً بثلاث مرّات من الطائرات الخاصّة، كما أن الانبعاثات الصادرة منها توازي الانبعاثات التي قد يصدرها شخص عادي على مدى 850 عاماً. 

على سبيل المثال، تمتلك عائلة والتون صاحبة سلسلة متاجر وول مارت، ثلاثة يخوت فاخرة، تنبعث منها كمّية من الكربون تعادل ما ينبعث من حوالي 1,714 عاملاً في متاجرها. 

تمتلك عائلة والتون صاحبة سلسلة متاجر وول مارت، ثلاثة يخوت فاخرة، تنبعث منها كمّية من الكربون تعادل ما ينبعث من حوالي 1,714 عاملاً في متاجرها

إن القضاء على الطائرات واليخوت يدخل في صلب قضية محاربة اللامساواة. فقد وجد تحليل «أوكسفام» أن الانبعاثات الناجمة عن استثماراتهم هي الجزء الأكثر أهمّية من البصمة الكربونية التي يتركونها. يجني المليارديرات ثرواتهم التي تسمح لها بشراء اليخوت والطائرات من خلال استثمارات ملوّثة في شركات النفط والغاز والتعدين والشحن والإسمنت والموضة والتكنولوجيا، التي تسمح لهم بمراكمة المليارات من جهة فيما تدفع الكوكب إلى شفا كارثة مناخية من جهة أخرى.

والواقع أن متوسّط ​​الانبعاثات التي تتسبّب بها استثمارات 50 من أغنى مليارديرات العالم تبلغ 340 ضعف الانبعاثات التي تخرج من الطائرات الخاصة واليخوت الفاخرة مجتمعة، وتقارب 400 ألف عام من انبعاثات استهلاك شخص عادي. وتبيّن بحسب تحقيق «أوكسفام» أن 40% من استثمارات المليارديرات هي في صناعات شديدة التلوث مثل النفط والغاز والتعدين والأسمنت.