Preview التغيّر المناخي يعرّض صحّة 70% من العمال للخطر

التغيّر المناخي يعرّض صحّة 70% من العمال للخطر

2.4 مليار عامل وعاملة في العالم معرّضون اليوم لمخاطر صحّية خطيرة ناجمة عن تغيّر المناخ، بحسب تقرير بعنوان «ضمان السلامة والصحّة في العمل وسط مناخ مُتغيّر»، صادر عن منظّمة العمل الدولية. يشكّل هؤلاء نحو 70% من القوى العاملة العالمية، وقد ارتفعت نسبتهم من 65.5%في العام 2020 نتيجة التغيّر المناخي وتطرّف الظواهر المناخية وتعاظم مخاطرها. 

من الواضح أن تغيّر المناخ ينطوي على آثار خطيرة على سلامة العمّال والعاملات وصحّتهم وسبل عيشهم في جميع مناطق العالم. وهذا الواقع محكوم بالتفاقم مع تفاقم حدّة الأزمة المناخية. ففي العام 2023، بلغ متوسّط درجة حرارة سطح الأرض أعلى مستوياته على الإطلاق، وعدّ شهر تموز/يوليو الماضي الشهر الأكثر سخونة بحسب وكالة ناسا. وبين عامي 2011 و2020، كان متوسط ​​درجة حرارة سطح الأرض أعلى بنحو 1.1 درجة مئوية من متوسط ​​درجة الحرارة في أواخر القرن التاسع عشر. لقد ساهم ارتفاع درجة حرارة الأرض في تغيّرات سريعة في الغلاف الجوي والأرض والمحيطات والمناطق الجليدية، وتسبّب بظواهر مناخية متطرفة في جميع القارات، ما زاد من تواتر وشدّة موجات الحرّ والأمطار الغزيرة وحرائق الغابات والجفاف والأعاصير المدارية، وبحسب المنتدى الاقتصادي العالمي من المرجح أن يتسبّب تغيّر المناخ المستمرّ بنحو 14.5 مليون حالة وفاة إضافية في جميع أنحاء العالم بحلول العام 2050.

ويعدّ العمّال والعاملات، ولا سيما الذين يعملون تحت أشعة الشمس خارج المكاتب، أول من يتعرّض لعواقب تغيّر المناخ بحسب منظّمة العمل الدولية، ويواجهون ظروفاً يمكن لغيرهم أن يختاروا تجنّبها. النسبة الأكبر من هؤلاء مصنّفة ضمن العمالة الهشّة التي تجمع العمّال المهاجرين في البناء والزراعة والنقل وفي مجال الإغاثة والإطفاء، وفي أعمال متدنية القيمة المضافة مثل توصيل الطلبات وتسليم البريد. 

Preview70% من عمّال العالم في خطر

2.4 مليار عامل معرّض للحرارة المفرطة سنوياً

يعد العاملون في الزراعة واستخراج الموارد الطبيعة والبناء والنقل والسياحة والرياضة والإغاثة من بين أكثر العمّال عرضة للحرارة المفرطة الناجمة عن تغيّر المناخ، والتي يتوقع أن تستمرّ في الارتفاع في خلال السنوات المقبلة، وأن ينتج عنها المزيد من موجات الحرّ المميتة. وبحلول نهاية هذا القرن، يرجح أن تشهد جميع المناطق في العالم تزايداً في المخاطر الصحية المرتبطة بالحرارة المفرطة، علماً أن الدول الأفقر ستكون الأكثر تأثراً. 

يبلغ عدد المعرّضين للحرارة المفرطة أثناء عملهم نحو 2.4 مليار عامل وعاملة، وهو ما يشكّل 70%من مجمل القوى العاملة العالمية، ويشكّل زيادة بنسبة 35% عن العدد المسجل في العام 2020. 

إن محافظة الجسم على حرارة بمعدل 37 درجة مئوية هو أمر أساسي لكي يعمل الجسم بشكل طبيعي. إذا ارتفعت حرارة الجسم إلى أكثر من 38 درجة تضعف وظائف الجسد الوظيفية والإدراكية، وإذا تجاوزت 40 درجة يزيد خطر حصول ضرر في الأعضاء وفقدان الوعي وصولاً إلى الموت. بالفعل، سنوياً يتعرّض 22.9 مليون من العمّال والعاملات المعرّضين لحرارة مفرطة لإصابات في أثناء العمل، ويموت 18,970 منهم بسبب ظروف العمل. وغالباً ما يعاني هؤلاء من الإجهاد والإرهاق والإغماء والطفح الحراري، ومن أمراض القلب والأوعية الدموية، ويصابون بأمراض الكلى المزمنة. في العام 2020، عانى 26.2 مليون عامل من أمراض الكلى المزمنة المرتبطة بالتعرض لحرارة مفرطة في العمل، وشكّلوا 3% من مجمل مرضى الكلى في العالم.

1.6 مليار عامل معرّض لإشعاعات فوق البنفسجية

يؤدّي الترقّق التدريجي لطبقة الأوزون بتسرّب الإشعاعات فوق البنفسجية للشمس، وهو ما يؤّدّي إلى تعرّض 1.6 مليار عامل وعاملة، أي 47% من مجمل القوى العاملة في العالم لإشعاعات الشمس فوق البنفسجية. علماً أن النسبة الأكبر منهم موجودة في أفريقيا (33%) وتليها منطقة جنوب شرق آسيا (32.3%). 

يعدّ العاملون والعاملات خارج المكاتب الأكثر عرضة لهذا الخطر، ومن ضمنهم العمال والعاملات في البناء والزراعة والطاقة والإغاثة والبريد... يتعرض هؤلاء لهذه الإشاعات بمعدل ثلاث مرات أكثر من العاملين والعاملات في الأماكن المغلقة، وأكثر بخمس مرات من المعدّلات الموصى بها. ويؤدّي هذا التعرض إلى إصابتهم بحروق الشمس وتقرحات الجلد وتلف شبكة العين وإعتامها، فضلاً عن ضعف جهاز المناعة وسرطان الجلد. سنوياً يموت نحو 18,960 عاملاً وعاملة بسرطان الجلد وحده بالمقارنة مع 10,088 حالة في العام 2000. وفي حال ارتفعت درجة حرارة الأرض أكثر من درجتين مئويتين بحلول العام 2050 بالمقارنة مع ما كانت في فترة ما قبل الثورة الصناعية، فالأرجح أن تزيد حالات سرطان الجلد بنسبة 11%.

مليونا وفاة من الظواهر المناخية المتطرفة في 5 عقود

بين عامي 1970 و2019، شكّلت مخاطر الطقس  نحو 50% من جميع الكوارث الطبيعية، و45%من الوفيات المبلغ عنها (2.06 مليون حالة وفاة)، و74% من الخسائر الاقتصادية (3.6 تريليون دولار أميركي) بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. والمثير للقلق أن جميع التوقعات المناخية تشير إلى زيادة تواتر هذه الأحداث ومدتها وشدّتها، والتي سوف يكون لها عواقب إنسانية واقتصادية مدمّرة، ولا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي منيت بنحو 82% من مجمل هذه الوفيات. 

هذه الظواهر المناخية المتطرفة تجعل العديد من العمّال والعاملات، ولاسيما في الرعاية الصحية والإغاثة والإطفاء، عرضة لمخاطر كثيرة ومتزايدة، وتسبّب لهم أضراراً صحية جسدية ونفسية، مثل الحروق والإصابات البليغة، وإصابات الجهاز التنفسي نتيجة استنشاق الغازات المحترقة، بالإضافة إلى تعرّضهم لمخاطر بيولوجية ناجمة عن الكوارث الطبيعية مثل انتشار البكتيريا، وتعرضهم للملوثات أثناء عمليات التنظيف التي تلي وقوع الكوارث.

860,000 عامل يموتون سنوياً بسبب تلوّث الهواء 

في العام 2019، كان 99% من سكان العالم يعيشون في أماكن لا تستوفي المعايير التي تضعها منظمة الصحة العالمية بشأن جودة الهواء. والمعروف أن التغيرات المناخية تسبّب حرائق وجفاف وارتفاع في درجات الحرارة، وكلها عوامل تؤثر على جودة الهواء وتساهم في تلويث الهواء الخارجي والداخلي وتزيد المواد المسببة للحساسية المحمولة بالجوّ. 

يتعرّض العمال والعاملات في جميع القطاعات الاقتصادية لتلوث الهواء بشكل مستمر، ويقضي أكثر من 1.6 مليار عامل في جميع أنحاء العالم معظم ساعات عملهم في الهواء الطلق ويتعرّضون لتلوث الهواء الخارجي. على سبيل المثال، وجدت دراسة أن العاملين في الهواء الطلق في لندن يتعرّضون لتلوث أكثر بنسبة 15% من الشخص العادي في لندن. وغالباً تكون مستويات التعرّض أعلى في المدن الكبرى والمناطق الصناعية ذات الدخل المنخفض والمتوسط، والواقع أن 89% من الوفيات الناجمة عن تلوّث الهواء تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. 

إلى ذلك، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 860,000 عامل وعاملة يموتون كل عام بسبب التعرّض لملوثات الهواء في خلال عملهم، ويرجح أن يكون هذا الرقم أعلى بكثير عند إضافة العاملين والعاملات في الأماكن المغلقة التي تتّسم بسوء التهوئة. 

300,000 وفاة سنوياً بسبب التسمّم من المبيدات الزراعية

يعمل نحو 873 مليون إنسان في الزراعة في جميع أنحاء العالم، وجميعهم معرضون لخطر التعرض للمبيدات والمواد الكيميائية الزراعية والأسمدة. بين عامي 1990 و2021، زاد الاستهلاك العالمي للمبيدات الزراعية بنسبة 96% تقريباً، وبلغ نحو 3.54 مليون طن متري. يعكس هذا الاتجاه الطلب المتزايد على الإنتاجية الزراعية والأمن الغذائي في مواجهة النمو السكاني وتغيّر المناخ ومقاومة الآفات، كما يعكس من جهة أخرى تنامي المخاطر على صحّة العمال والعاملات في الزراعة، فضلاً عن العاملين في قطاعات الغابات والصناعات الكيماوية ومبيعات المبيدات. 

يعد التعرض للمبيدات والمواد الكيماوية في مكان العمل مصدر قلق لأنه يستمر على مدى سنوات، ويتسبّب بأمراض حادة ومزمنة مثل السرطان والباركنسون والزهايمر والأمراض الإنجابية وأمراض القلب والأوعية الدموية، كما قد يسبّب الموت بسبب التسمّم. تشير التقديرات إلى 385 مليون حالة تسمّم بالمبيدات سنوياً، وإلى تعرض 44% من المزارعين للتسمّم بالمبيدات سنوياً.