
صعود الصين الاقتصادي في أفريقيا يهدِّد الإمبريالية الأميركية
حلّت الصين محل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كشريك تجاري واستثماري رئيس لأفريقيا. في أيلول/سبتمبر 2024، ذهب كبار المسؤولين من جميع دول أفريقيا، البالغ عددها 54 دولة تقريباً، إلى بكين لحضور المنتدى الذي يُعقَد كل ثلاث سنوات بشأن التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC)، وتعهّد الرئيس الصيني شي جين بينغ باستثمار 51 مليار دولار من خلال خطوط الائتمان والاستثمارات التجارية الصينية في أفريقيا على مدى ثلاث سنوات. كما عرض دعم المزيد من مشاريع البنية التحتية وخلق مليون فرصة عمل في الأقل. وقال شي جين بينغ إن الصين مُستعدة لتكثيف التعاون مع أفريقيا في الصناعة والزراعة والبنية التحتية والتجارة والاستثمار.
يأتي اجتماع بكين في أعقاب توسيع كتلة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) لتشمل دولتين أفريقيتين، مصر وإثيوبيا، بالإضافة إلى الكثير من الأعضاء الجُدد الآخرين.
وعد شي جين بينغ بزيادة عدد مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء القارة بمقدار ثلاثة أضعاف مقارنة بتلك التي تم التعهّد بها في المنتدى الأخير في العام 2021، مع التركيز على المخطّطات «الصغيرة والجميلة» القائمة على التقنيات الصينية المتقدّمة والخضراء. سوف تطلق الصين 30 مشروعاً للطاقة النظيفة، بالإضافة إلى 30 مشروعاً لاتصال البنية التحتية. كما اعتبر التعاون في مجال التكنولوجيا النووية والمساعدة في توليد الطاقة ونقلها أمراً حيوياً في مساعدة القارة على التصنيع. ودعا شي جين بينغ إلى إنشاء شبكة من الروابط البرية والبحرية بين الصين وأفريقيا.
وقدّم شي جين بينغ تأكيدات بأن الصين سوف توسّع وارداتها من غير الموارد من أفريقيا، مُكرِّراً تعهّدها بتوسيع نطاق وصول السلع الأفريقية إلى الأسواق، ولا سيما السلع الزراعية، التي تواجه حالياً قيوداً صارمة للغاية على التفتيش والحجر الصحّي.
تنظر الصين إلى أفريقيا كسوق تصدير مهم، في حين أن أصواتها الـ 54 في الأمم المتحدة يمكن أن توفر لبكين ثقلاً موازناً لهيمنة الولايات المتحدة الإمبريالية
وفي حين أن التعهّد باستثمار 51 مليار دولار يمثل زيادة بنسبة 27.5% عن قمة 2021 الأخيرة، إلا أنه كان أقل من ذروة 60 مليار دولار التي تم التعهّد بها في عامي 2015 و2018. وكان جزء كبير من هذا الانخفاض ناتجاً عن انخفاض اقتراض البنية التحتية، إذ كافحت إثيوبيا وزامبيا وكينيا لسداد القروض لمشاريع البنية التحتية الكبرى التي تم تنفيذها في خلال العقد السابق.
عُقِد المنتدى وسط تنافس متزايد على النفوذ في أفريقيا من الولايات المتّحدة وأوروبا، وكذلك مما يُسمّى بـ«القوى الوسطى»، أي روسيا والهند واليابان وتركيا والسعودية والإمارات العربية المتحدة.
الأساس هنا هو وصول الصين إلى الموارد المعدنية الهائلة في أفريقيا، بما في ذلك احتياطيات النفط الكبيرة والماس والذهب والفضّة واليورانيوم والنحاس والكوبالت والنيكل والليثيوم، والتي تستخرجها حالياً في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي وبوتسوانا وأماكن أخرى، فضلاً عن إنشاء مرافق تكرير محلّية للمواد الخام وأسواق لمنتجاتها من الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الفائقة.
ومع فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جدراناً جمركية عالية على السلع الصينية، تركز بكين على أفريقيا ليس كسوق لصادراتها عالية القيمة فحسب - ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية إلى أفريقيا بنسبة 291% في العام 2023 - وإنما أيضاً كموقع للتصنيع مستفيدة من انخفاض الأجور في القارة، في محاولة للالتفاف على الحواجز الجمركية الباهظة التي تواجهها في البلدان المتقدمة.
تنظر الصين إلى أفريقيا التي من المتوقّع أن يصل عدد سكانها المتزايد بسرعة إلى 1.7 مليار بحلول العام 2030 - بزيادة قدرها حوالي 400 مليون عن العام 2024 - كسوق تصدير مهم، في حين أن أصواتها الـ 54 في الأمم المتحدة يمكن أن توفر لبكين ثقلاً موازناً لهيمنة الولايات المتحدة الإمبريالية.
يذهب حوالي 25 % من صادرات أفريقيا، وخصوصاً المعادن والوقود والمعادن الحيوية للدفاع والطاقة المتجدّدة والمركبات الكهربائية، إلى الصين، بينما يأتي حوالي 16% من وارداتها من الصين
تجارة الصين مع أفريقيا
نمت تجارة الصين مع أفريقيا بشكل كبير منذ أوائل التسعينيات، لا سيما بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في كانون الأول/ديسمبر 2001، وشجّعت حرية حركة رأس المال والأشخاص والمنتجات في كلا الاتجاهين. تعتبر الصين الآن إلى حد بعيد أكبر شريك تجاري ثنائي للقارة، متجاوزة الولايات المتحدة في العام 2009.
يذهب حوالي 25 % من صادرات أفريقيا، وخصوصاً المعادن والوقود والمعادن الحيوية للدفاع والطاقة المتجدّدة والمركبات الكهربائية، إلى الصين، بينما يأتي حوالي 16% من وارداتها من الصين. في العام 2023، كانت تجارتها مع الصين أكثر من ضعف تجارتها مع الهند، ثاني أكبر شريك تجاري منفرد للقارة.
في العام 2023، وصل إجمالي التجارة مع الصين إلى مستوى قياسي بلغ 282 مليار دولار، أو 9.9 % من الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا - ارتفاعاً من أقل من 200 مليار دولار، أو 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا في العام 2019، ويرجع ذلك إلى حدّ كبير إلى ارتفاع الطلب على المعادن، وخصوصاً تلك التي لها أهمّية حاسمة في الانتقال إلى الطاقة الخضراء. تتوقّع الصين أن يصل حجم التجارة السنوي إلى 300 مليار دولار بحلول العام 2035. ومع ذلك، فإن تجارة أفريقيا مع الصين أحادية الجانب للغاية، إذ تمثّل أقل من 5% من التجارة العالمية للصين.
شهدت الأشهر السبعة الأولى من العام 2024 زيادة بنسبة 5.5 % في التجارة، مدفوعة بشكل أساسي بتصدير أفريقيا للمواد الخام. بلغ إجمالي الصادرات الصينية إلى أفريقيا 97 مليار دولار في الفترة نفسها، بينما صدّرت أفريقيا سلعاً بقيمة 69 مليار دولار، معظمها مواد خام، ما يعكس نمط اختلال التوازن التجاري طويل الأمد في أفريقيا.
في حين تتعلّق هذه الأرقام بالقارة بأكملها، تضمّ معظم تجارة الصين 6 إلى 8 دول فقط من أصل 54 دولة في أفريقيا، من ضمنها جنوب أفريقيا ونيجيريا ومصر والجزائر وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأنغولا.
ومع ذلك، يتغيّر تكوين واردات الصين من أفريقيا، ما يعطّل علاقاتها مع البلدان المعنية. تشتري بكين نفطاً أقل من أفريقيا، وتتحوّل بدلاً من ذلك إلى الخليج وروسيا وأماكن أخرى في آسيا. وشهدت أنغولا انخفاضاً لتصنيفها كثاني أهم مورد للنفط في الصين إلى المركز الثامن في العام 2023. وشهدت جنوب السودان والسودان ونيجيريا انخفاضاً في صادراتها من الهيدروكربونات إلى الصين بأكثر من 60%.
في المقابل، تستورد الصين المعادن وتبدأ بشكل متزايد في تكريرها ومعالجتها محلياً. افتتحت الشركات الصينية مصانع معالجة في زيمبابوي ونيجيريا والمغرب وغيرها من الدول. أما في حالة المنتجات الزراعية، وهي عادة سلع خام، بدأت الصين في استيراد الأفوكادو المجمّد من كينيا ولحم البقر من ناميبيا والبن من إثيوبيا ورواندا.
كما تكتسب منصّات التجارة الإلكترونية الصينية، كيليمول وتيمول وجيه دي.كوم وكيكو، أهمية متزايدة، إذ توفر نقطة دخول افتراضية وحاسمة، أو سوقاً رقمية للمورّدين الأفارقة إلى الأسواق العالمية والمشاركة في سلاسل التوريد التصنيعية العالمية التي تم استبعاد المصنّعين الأفارقة منها إلى حد كبير حتى الآن. وهذا الافتقار إلى الوصول إلى الأسواق العالمية هو الذي تسبّب جزئياً في انخفاض التصنيع في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من 18% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 1981 إلى 11% في العام الماضي، إذ تظل معظم البلدان الأفريقية حبيسة علاقات تجارية من الطراز الاستعماري، فتصدر المواد الخام وتستورد السلع النهائية.
استثمرت الصين في 53 من أصل 54 دولة في أفريقيا، معظمها في مناطق الموانئ على طول ساحل أفريقيا في الغرب، و8 في كل من الشمال والشرق، و2 في الجنوب
الاستثمار الصيني في أفريقيا
أصبحت بكين أيضاً أكبر مُستثمر في القارة، إذ تعهّدت بتقديم 191 مليار دولار بين عامي 2006 و2021، غالباً في شكل منح وائتمانات وقروض لتمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى، عادةً في إطار مبادرة الحزام والطريق.
لقد استثمرت الصين في 53 من أصل 54 دولة في أفريقيا، معظمها في مناطق الموانئ على طول ساحل أفريقيا في الغرب، و8 في كل من الشمال والشرق، و2 في الجنوب. وتشمل هذه الموانئ جيبوتي (جيبوتي)، حيث بنت أول قاعدة عسكرية خارجية لها، وبورتسودان (السودان)، وبورسعيد-بورت توفيق (مصر)، وميناء العين السخنة (مصر)، وميناء جرجيس (تونس) وميناء الحمدانية (الجزائر).
استخدمت الصين مشاريع المواصلات في أفريقيا (بما في ذلك السكك الحديدية وخطوط الطرق) لربط مشاريعها الصناعية (بما في ذلك معالجة المعادن) ومشاريع الطاقة في المناطق النائية بالبنية التحتية للنقل، بما في ذلك الموانئ على طول الساحل الأفريقي.
أدّت الكثير من مشاريع البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق، مثل السكك الحديدية التي تبلغ تكلفتها 3.8 مليار دولار بين نيروبي ومدينة مومباسا الساحلية في كينيا، إلى زيادة مديونية البلدان التي تعاني من ديون ضخمة، ما أجبر الصين على تقليص استثماراتها في مبادرة الحزام والطريق بعد أن تخلفت الكثير من البلدان عن سداد ديونها أو واجهت صعوبات في سداد ديونها. ووفقاً لمعهد التنمية العالمية في جامعة بوسطن، انخفضت قيمة القروض الجديدة للدول الأفريقية إلى حوالي 0.15% من الناتج المحلي الإجمالي الأفريقي في العام 2021 من ذروتها البالغة 1.2% في العام 2016.
في العام الماضي، وافقت الصين على قروض بقيمة 10.8 مليار دولار لأفريقيا، في أول زيادة سنوية منذ العام 2016، إذ وقّعت اتفاقية في شباط/فبراير مع زامبيا وتنزانيا لتحديث خط سكة حديد تازارا الذي بناه الصينيون منذ عقود وينقل النحاس والمعادن الهامة الأخرى إلى دار السلام على المحيط الهندي. يأتي ذلك في أعقاب تعهّدات في كانون الثاني/يناير باستثمار ما يصل إلى 7 مليارات دولار في مشروع سيكومين المشترك للنحاس والكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية وحوالي 1.3 مليار دولار لسكّة حديد تربط كانو، ثاني أكبر مدينة في نيجيريا بعد لاغوس ومارادي ثاني أكبر مدينة في النيجر المجاورة.
وفي حين أعلن عن نية بكين توسيع استثماراتها في البنية التحتية، من المتوقع أن يتّخذ ذلك شكل الكثير من المشاريع الصغيرة القائمة على التكنولوجيات المتقدمة والخضراء في الصين، مثل برنامج الحزام الشمسي الأفريقي الذي تبلغ تكلفته 14 مليون دولار لتزويد 50 ألف أسرة أفريقية، من ضمنها في تشاد ونيجيريا، بالطاقة الشمسية، و50 مليون دولار لمزرعة للطاقة الشمسية في بوركينا فاسو.
كما أعلن شي عن تحول كبير: الاستثمار في التصنيع للاستفادة من الاقتصاد الأفريقي منخفض الأجور المموّل من الشركات بدلاً من الاستثمار العام. وتستهدف مثل هذه المرافق الإنتاجية الطبقة المتوسطة المتنامية في أفريقيا، فضلاً عن الأسواق العالمية وسلاسل التوريد للمنتجات القائمة على استغلال الموارد الطبيعية الشاسعة في القارة.
والأمر الحاسم هنا هو أن التمويل اللازم للتصنيع سوف يأتي في هيئة اليوان الصيني، وليس الدولار الأميركي، كجزء من الجهود الصينية الأوسع نطاقاً لزيادة الاستخدام الدولي لعملتها والحدّ من هيمنة الدولار. وفي الوقت الحاضر، تتم جميع المعاملات عبر الحدود تقريباً - تسويات التجارة، وتمويل التنمية، والاستثمار المباشر الأجنبي - بين الصين والدول الأفريقية بالدولار. وفي حين يعمل هذا الاستخدام للدولار على دمج هذه البلدان في النظام المالي العالمي، فإنه يعرّضها لتقلّبات الأسواق المالية. فمنذ كانون الثاني/يناير 2022، عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سلسلة من زيادات أسعار الفائدة، شهدت الدول الأفريقية انخفاضاً في قيمة عملاتها بمعدل 19% مقارنة بالدولار، إذ تحوّل المستثمرون إلى سندات الخزانة الأميركية ذات الأجور المرتفعة، ودفعت الحرب التي تقودها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضد روسيا في أوكرانيا تكاليف واردات الحبوب إلى الارتفاع.
ردّت واشنطن باتهام بكين بـ«دبلوماسية الديون» من خلال إغراء الدول الأفريقية لتحمّل ديون كبيرة تكافح من أجل سدادها، ما يسمح لبكين بعد ذلك بمصادرة الأصول المربحة
وقد أدّى هذا إلى زيادة مديونيتها وتكلفة خدمة ديونها. ولن يحل اليوان محل الدولار كعملة تجارية دولية رئيسة، لكن إعلان شي بينغ جين يشير إلى أنه سوف يؤدّي دوراً متزايداً في فواتير التجارة والتسويات بين الصين وأفريقيا. وتأتي هذه المبادرة في الوقت الذي تعمل فيه أفريقيا على تنفيذ نظام الدفع والتسوية الأفريقي (PAPSS)، الذي طوّره بنك التصدير والاستيراد الأفريقي (Afreximbank)، الذي يسمح للدول الأفريقية بتسوية تجارتها داخل أفريقيا (المنخفضة للغاية حالياً) بالعملات المحلية، وهو التطور الذي تشجّعه بكين.
وتعمل بكين أيضاً على زيادة استخدامها لاتفاقيات مقايضة العملات الثنائية، إذ يوفر البنك المركزي الصيني، ائتماناً تجارياً باليوان للبنوك التجارية المحلية في نحو 40 دولة، منها دول عدة في أفريقيا، من ضمنها نيجيريا، بهدف توسيع التجارة الثنائية فضلاً عن تقديم الدعم الطارئ للدول الأفريقية الرئيسة التي اقتربت من التخلّف عن سداد قروضها. كما دعمت الصين بنك التنمية الجديد، وهو مؤسّسة متعدّدة الأطراف أنشأتها مجموعة دول البريكس في شنغهاي بهدف استخدام عملات الدول الأعضاء في الإقراض والقروض الدولية.
وتعمل المخاوف بشأن العقوبات الغربية المحتملة، وخصوصاً تجميد أصول بقيمة 300 مليار دولار أميركي من البنك المركزي الروسي، والتي تحتفظ بها معظمها في النظام المصرفي الأوروبي، إلى جانب عقوبات مالية أخرى، على تغذية جهود الصين للحدّ من الهيمنة المالية الأميركية، من خلال المعاملات باليوان ودعمها للنظام المصرفي الصيني وأنظمة مماثلة في أماكن أخرى.
وتسعى الصين إلى إعادة هيكلة محفظة قروضها للدول الأفريقية الخمس والعشرين التي يقدّر صندوق النقد الدولي أنها في ضائقة ديون أو مُعرّضة لخطرها. ومن المعتقد أن الدائنين الصينيين، من القطاعين العام والخاص، يمتلكون نحو 13% من هذا الدين. وتشارك الصين في إعادة هيكلة الديون وتخفيف أعباء الديون مع دول مثل أنغولا وأثيوبيا وكينيا. ووافقت الصين وغيرها من الدائنين على أن تسدّد زامبيا ديونها على مدى فترة أطول، مع شطب 840 مليون دولار. كما تقدم بكين قروضاً قصيرة الأجل للدول المتعثرة، إذ تلقت 7 دول أفريقية في الأقل قروض إنقاذ.
وردّت واشنطن باتهام بكين بـ«دبلوماسية الديون» من خلال إغراء الدول الأفريقية لتحمّل ديون كبيرة تكافح من أجل سدادها، ما يسمح لبكين بعد ذلك بمصادرة الأصول المربحة.
ردّ الولايات المتّحدة
القلق الرئيس لواشنطن هو أن الطرق التجارية الجديدة التي يتم بناؤها في إطار مبادرة الحزام والطريق سوف تحوّل التجارة بعيداً من الولايات المتّحدة وأن النفوذ الاقتصادي المتزايد للصين سوف يزيد من نفوذها السياسي. ومع وصول الصين إلى الموانئ الأفريقية سوف يحصل جيشها قدرة أكبر على إسقاط الطاقة. ومع ذلك، على الرغم من معارضتها المريرة لمبادرة الحزام والطريق، مشيرةً إلى مخاوف بشأن الديون والاستدامة البيئية، فشلت الولايات المتّحدة في التوصّل إلى بديل جذاب.
في العام الماضي، بعد عقود من تراجع النفوذ في أفريقيا ووسط مخاوف مُتزايدة بشأن سيطرة الصين المتزايدة على الموارد المعدنية الحيوية، وقعت الولايات المتحدة مئات الصفقات بقيمة 14.2 مليار دولار مع الدول الأفريقية في محاولة لمواجهة نفوذ الصين المتزايد. كانت 547 اتفاقية تجارية واستثمارية زيادة بنسبة 67% عن العام 2022 لناحية العدد والقيمة. في صفقة تاريخية، يُنظر إليها على أنها فوز لواشنطن على الصين وروسيا في أفريقيا، فازت شركة أميركية بمحاولة للمساعدة في بناء أول مفاعل نووي صغير في غانا.
تسعى الولايات المتحدة إلى منافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية من خلال شراكة مجموعة السبع من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار (PGII) مع الدول «النامية» التي تهدف إلى نشر أكثر من 600 مليار دولار بحلول العام 2027. وهي تشارك في مشروع بقيمة 10 مليارات دولار لتمويل ممرّ لوبيتو «لطرد الصينيين».
وقعت الولايات المتحدة مئات الصفقات بقيمة 14.2 مليار دولار مع الدول الأفريقية في محاولة لمواجهة نفوذ الصين المتزايد
يتضمّن المشروع تجديد وتوسيع خط سكّة حديد بطول 1300 كيلومتر - دمِّر في خلال الحرب الأهلية التي أثارتها الولايات المتحدة - وسوف ينقل المعادن الحيوية من جمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالموارد وكذلك مقاطعة كوبربيلت في زامبيا إلى ميناء لوبيتو في أنغولا، على ساحل المحيط الأطلسي. ويشمل توسيع ميناء لوبيتو وبناء محطات الطاقة الشمسية والجسور حول المجتمعات الريفية. أعلنت الولايات المتحدة عن اتفاقية من شأنها توسيع ممر لوبيتو للوصول إلى رواسب النيكل في تنزانيا، وتوسيع وصول الولايات المتحدة إلى المعادن الحيوية في أفريقيا، وربما إنشاء أول خط سكة حديد من الساحل إلى الساحل من الشرق إلى الغرب في أفريقيا.
إن قرض مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية البالغ 1.2 مليار دولار لمشروع لوبيتا جدير بالملاحظة لأن أنغولا كانت ذات يوم ساحة معركة في الحرب الباردة ثم أصبحت في وقت لاحق أكبر متلق للقروض الصينية في أفريقيا. ولا تزال لواندا مدينة بنحو 17 مليار دولار من أصل 45 مليار دولار اقترضتها من الصين، ومعظمها في شكل قروض مدعومة بالنفط.
تُنقل غالبية المعادن من جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا حالياً عبر خط السكّة الحديدية المموّل من الصين والذي يربط زامبيا وتنزانيا (خط سكّة حديد تازارا) إلى دار السلام على المحيط الهندي أو يجب نقلها بالشاحنات إلى أنغولا بتكلفة أكبر بكثير. ويعني تطوير خط سكة حديد لوبيتو الأطلسي أنه سيكون هناك في المستقبل خيار بين التصدير عبر المحيط الأطلسي أو المحيط الهندي أو - بعبارة أكثر صراحة - بين الولايات المتحدة/أوروبا والصين. ومع ذلك، فإن هذا أمر مشكوك فيه لأن الشركات الصينية تُهيمن على منطقة التعدين في جمهورية الكونغو الديمقراطية وستقوم بتنفيذ ترقيات بقيمة مليار دولار لخط سكة حديد تازارا المنافس الذي يحتوي على مقاييس سكك حديدية مختلفة.
وكما جاء في ورقة حقائق أصدرتها إدارة بايدن، فإن الحتمية السياسية الآن هي «التفوّق على الصين في المسرح العالمي» وهذا يشمل أفريقيا، مع اشتداد توترات القوى العظمى بشأن المعادن الحيوية.
نُشِر هذا المقال في World Socialist في 16 أيلول/سبتمبر 2024، وتُرجِم إلى العربية ونشر في موقع «صفر» بموافقة من الجهة الناشرة.