وباء الفقر: 785,114 إصابة و6,144 وفاة بالكوليرا في عام ونصف العام
تسجّل إصابات الكوليرا ارتفاعاً مُطرداً منذ ثلاث سنوات. ففي العام 2023، تمّ تبليغ منظّمة الصحة العالمية عن نحو 535,321 إصابة، بزيادة بنسبة 13.25% عن العام 2022 (472,697 إصابة). ومنذ بدء العام 2024 وحتى نهاية حزيران/يونيو، سُجِّل نحو 249,793 إصابة جديدة. لا تشكّل هذه الأرقام كلّ الحالات المُصابة بالوباء، وإنّما الحالات المُكتشفة أو المُشتبه بها وتم التبليغ عنها فقط.
ترتفع خطورة انتشار الكوليرا لسببين أساسيين؛ أولاً، تزايد العوامل المُسبّبة له، وأبرزها بحسب منظّمة الصحّة العالمية أزمات النزوح الناجمة عن الحروب والتغيّر المناخي، وترافُقِها مع نقص مُزمن في الاستثمار العام في أنظمة المياه والصرف الصحّي والرعاية الصحّية. ومن المعروف أن الكوليرا هي عدوى معوية حادّة، تنشأ بسبب تناول طعام أو ماء ملوّثين ببكتيريا الضمة الكوليرية (Vibrio Cholerae)، التي قد تسبّب الموت في غضون ساعات فقط من الإصابة في حال تركت من دون علاج بسبب الجفاف الشديد والإسهال الذي تسبّبه. أما السبب الثاني فهو محدودية سبل الوقاية من الوباء نتيجة النقص الفادح في مخزون اللقاحات المُضادة له. والواقع أن لقاح الكوليرا يطوّر عند الحاجة فقط، بسبب إحجام الشركات الخاصّة عن إنتاجه نتيجة كلفته المُرتفعة ونقص التمويل المُتاح لشرائه.
من هنا، لا عجب أن يُطلَق على الكوليرا صفة «وباء الفقر». فهو يفتك بأكثر الفئات الاجتماعية هشاشة، فتضطر إلى تحمّل أثمان الحروب والتغيّرات المناخية والسياسات التقشّفية القاسية التي تحرمها من أحد أهم الحقوق الإنسانية: الصحّة. وبالفعل، قتل الكوليرا نحو 4,007 إنسان في العام 2023، وبحلول منتصف العام 2024، توفي نحو 2,137 إنساناً إضافياً بالوباء، أي ما مجموعه 6,144 إنساناً في خلال عام ونصف العام، بمعدّل 0.78% من مجمل الحالات.
حالياً، ينتشر الكوليرا في 51 بلداً في العالم بحسب بيانات منظّمة الصحّة العالمية. لكن 92.6% من مجمل الحالات المُبلغ عنها منذ بداية العام 2023 وحتى نهاية حزيران/يونيو، سُجِّلت في آسيا وأفريقيا اللتين تدفعان ثمن عقود من التقشّف والحروب والتغيّر المناخي. واللافت أن 15 دولة[1] ممتدّة في 3 قارات بلّغت عن انتشار فاشيات كبيرة تزيد عن 10 آلاف حالة مُشتبهة ومؤكّدة في خلال الفترة نفسها، ومن ضمنها 7 بلدان جديدة[2] لم تكن مُدرجة في لائحة العام 2022 للفاشيات الكبرى وقد ضمّت في حينها 7 دول. أما فيما يتعلّق بالشرائح العمرية، فتشير بيانات العام 2023 إلى أن 38% من الحالات تقل أعمارها عن 5 سنوات.
في أفريقيا، أبلغت 23 دولة عن 347,885 إصابة بالكوليرا منذ بداية العام 2023 وحتى منتصف العام الحالي، وهو ما يشكّل نحو 44.3% من مجمل الحالات في خلال هذه الفترة. وأبلغت 9 دول عن فاشيات كبيرة تتجاوز 10 آلاف حالة، بالمقارنة مع 5 دول في العام 2022. ومن بين الدول التسع التي تضمّ 81.4% من مجمل الحالات، أبلغت 3 دول عن استمرار الفاشيات الكبيرة من سنوات سابقة، وهي جمهورية الكونغو الديمقراطية وملاوي والصومال، بينما أبلغت 6 دول عن فاشيات كبيرة جديدة وهي إثيوبيا وموزمبيق وزيمبابوي وجزر القمر والسودان وزامبيا. واعتبرت ثلاث من هذه البلدان، أي إثيوبيا وموزمبيق والصومال، الواقعة في شرق وجنوب أفريقيا، من الدول الأكثر عرضة لخطر تأثيرات ظاهرة النينيو لعام 2023، في حين أن بلدين وهما السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، يشهدان صراعات وحروب داخلية مستمرّة تساهم في تسريع تفشّي الأوبئة والأمراض.
في القارتين الأميركيتين، أبلغت 3 دول عن 57,750 حالة كوليرا، علماً أن 99.5% منها مُسجّل في هايتي. والواقع أن الإصابات بالكوليرا انخفضت في هايتي بشكل تدرّجي منذ العام 2010، ووصلت إلى صفر حالة مُبلّغ عنها لمنظّمة الصحة العالمية في عامي 2020 و2021، قبل أن يعاود الوباء الظهور في العام 2022، ويستمرّ انتشاره لليوم بسبب الاضطرابات المتصاعدة وحركة النزوح النشطة وتراجع القدرة على الوصول إلى المياه الآمنة وخدمات الرعاية الصحّية.
في الشرق الأوسط وآسيا، أبلغت 19 دولة عن 379,118 حالة كوليرا منذ بداية العام 2023 وحتى منتصف العام الحالي، وهي تشكّل 48.3% من مجمل الحالات. وفي حين تضمّ أفغانستان 77% من مجمل الحالات المبلّغ عنها في هذه المنطقة، أو 292,599 حالة، تنتشر فاشيات كبيرة من الكوليرا في كلّ من باكستان (26,333) وبنغلادش (23,393) وسوريا (10,640) واليمن (15,377). يشار إلى أن سوريا واليمن لم يبلّغا عن أي حالة في العام 2023، علماً أنهم شهدوا فاشيات كبرى في العام 2022. يعود تفشّي الكوليرا في اليمن وسوريا إلى الحروب التي عصفت بهما لسنوات، وتدمير البنى التحتية الخاصّة بالمياه والرعاية الصحّية، أمّا في أوروبا وأستراليا فقد سجّلت 18 حالة فقط، وجميعها بحسب منظّمة الصحة العاملية مستوردة من الخارج. والواقع أن أنظمة المياه والصرف الصحّي الفعّالة إلى جانب المراقبة الصحّية منعت انتقال المرض في تلك القارتين.