معاينة التغير المناخي

تهافت التمويل المناخي

  • تحذو شركات النفط الوطنية الخليجية حذو الشركات الغربية الكبرى. إذ تتعهد بخفض الانبعاثات من خلال الاستثمار في الطاقة والتقنيات المتجددة كاحتجاز الكربون، مع استمرار توسعها في إنتاج النفط والغاز. لكن الشركات الخليجية لديها ميزة كبيرة. ففي حين تضغط شركة إكسون موبيل على الحكومات لتمرير تشريعات مواتية، فإنّ الدول الخليجية نفسها تصيغ السياسة المناخية العالمية مباشرة.

  • ثلاثة من أكبر ستة صناديق سيادية في العالم، أي صناديق الاستثمار الحكومية، مقرها في الخليج؛ وتدير مجتمعة أكثر من 3.5 تريليون دولار، يأتي جزء كبير منها من صادرات النفط والغاز. تستخدم دول الخليج هذه الأموال، إلى جانب ثرواتها البترودولارية الأخرى، للتأثير في الجهات المانحة والمستفيدة من التمويل المناخي. باختصار، تؤدي هذه الدول دوراً مزدوجاً في سوق الطاقة.

قدّمت دول الخليج قرابة 30% من واردات النفط الخام العالمية في العام 2023. وتمتلك جميع هذه الدول شركات نفط وطنية ضخمة (أرامكو السعودية أكبر شركة نفط على مستوى العالم). ولا يقتصر الأمر على النفط فحسب: تزيد تلك الدول إنتاجها من الغاز الطبيعي بوتيرة متسارعة. ولا تتفوق على قطر في تصدير الغاز الطبيعي المسال سوى الولايات المتحدة.

وفي معالجة أزمة المناخ، تحذو شركات النفط الوطنية الخليجية حذو الشركات الغربية الكبرى. إذ تتعهّد بخفض الانبعاثات من خلال الاستثمار في الطاقة والتقنيات المتجدّدة كاحتجاز الكربون، مع استمرار توسعها في إنتاج النفط والغاز. لكن الشركات الخليجية لديها ميزة كبيرة. ففي حين تضغط شركة إكسون موبيل على الحكومات لتمرير تشريعات مواتية، فإنّ الدول الخليجية نفسها تصيغ السياسة المناخية العالمية مباشرةً.

ويظهر تأثيرها بوضوح في محادثات المناخ الأممية، من قبيل مؤتمر الأطراف (كوب). وقد ترأس نسخته الأخيرة سلطان الجابر، رئيس شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك). وكما سبق أن كتبت على هذه الصفحات، فإنّ شركات النفط الوطنية الخليجية، مثل أرامكو السعودية وأدنوك، لمّعت صورتها البيئية في مؤتمر الأطراف (كوب 28) من خلال التعهد بزيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، مع مواصلتها تسريع استخراج الهيدروكربونات. يمكن توقع المزيد من النهج نفسه في كوب 29 في باكو الأذربيجانية. تعتمد أذربيجان كلياً، حالها حال الإمارات، على الوقود الأحفوري: يشكّل النفط والغاز قرابة 90% من صادراتها وما يصل إلى نصف ناتجها المحلي الإجمالي. سوف يرأس المؤتمر مختار باباييف الذي عمل لأكثر من عقدين في شركة النفط الوطنية الأذربيجانية. أما مديره التنفيذي فإلنور سلطانوف، نائب وزير الطاقة، فقد التقى مع مجموعة غلوبال ويتنس، المتخفية في صورة وكلاء نفط وغاز مزيفين، وصورته وهو يوافق على تسهيل صفقات الوقود الأحفوري في الحدث.

لئن كان التركيز في دبي على الوصول إلى اتفاق بشأن «التحول» عن الوقود الأحفوري، فإنّ باكو توصف بأنّها «قمة التمويل المناخي». فقد اتضح الآن بكل جلاء أنّ الدول الفقيرة لا يمكنها تقليل انبعاثاتها الكربونية أو التعامل مع آثار أزمة المناخ من دون دعم مالي. وهنا يأتي دور «التمويل المناخي». يشير هذا المصطلح إلى القنوات المختلفة التي تُجمع من خلالها الأموال لتمويل مشروعات، معظمها في الجنوب العالمي، لمعالجة هذه القضايا. تحتاج هذه المشروعات إلى التمويل لتنفيذ مجموعة من الأنشطة، من قبيل بناء البنية التحتية الخضراء وتشجيع الحفاظ على البيئة والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وإصلاح الأضرار، وغير ذلك. تأتي هذه الأموال من مصادر متنوعة، كالبنوك التنموية الحكومية ووكالات المساعدات والمنظمات المتعدّدة الأطراف كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والقطاع الخاص.

تتمحور نقاشات تمويل المناخ في الغالب حول المبالغ الضخمة اللازمة لتحويل أنظمتنا الطاقية نحو الطاقة المتجددة. في قمة المناخ الأخيرة، على سبيل المثال، قدّر منظمو المؤتمر مبلغ الاحتياجات السنوية «لتخضير الاقتصاد العالمي بحلول العام 2030» ما بين 5 إلى 7 تريليونات دولار. وفي وقت سابق، نشرت الأمم المتحدة تقريراً يشير إلى أن الدول الفقيرة من المحتمل أن تتلقى تمويلاً أقل بـ10 إلى 18 مرة مما تحتاج إليه لتتكيف مع تغير المناخ. هذه أرقام مقلقة حقاً. ويزداد تعقيد المسألة مع اشتراطات التمويل، وهذه تأتي في الغالب في شكل قروض بأسعار السوق تزيد من ديون المتلقين. تتسابق الحكومات والمنظمات متعددة الأطراف والشركات الخاصة لتشكيل أسواق التمويل المناخي – ولكن مصالحها لا تتماشى دائماً مع مصالح كوكب الأرض. من المرجح أن تنكشف هذه التناقضات في باكو، حيث تخطّط دول الخليج على وجه الخصوص للتعهّد بمبالغ ضخمة من المال.

تتسابق الحكومات والمنظمات متعددة الأطراف والشركات الخاصة لتشكيل أسواق التمويل المناخي – ولكن مصالحها لا تتماشى دائماً مع مصالح كوكب الأرض

لا ترى دول الخليج أي تعارض بين زيادة إنتاج الهيدروكربونات والاستثمار في التحول الأخضر، بل ترى في مكافحة تغير المناخ فرصة ربحية. وشركة أكوا باور السعودية مثالٌ على ذلك، بأكثر من 280 شركة تابعة عالمياً. تُساهم أكوا بنسبة 70% من مشروعات الطاقة المتجددة المخطط لها في المملكة (تهدف المملكة إلى توليد نصف طاقتها من المصادر المتجددة بحلول العام 2030). كما تبني حالياً محطة طاقة رياحية ضخمة في أذربيجان، من المتوقع أن تكون أكبر منشأة للطاقة المتجددة في البلاد عند اكتمالها في 2025. بالإضافة إلى ذلك، أكوا هي الشريك الرسمي للطاقة والمياه في مؤتمر الأطراف 29، وبذلك ستؤثّر في المناقشات السياسية. في المقابل، لا تزال الشركة تعتمد بشدة على النفط والغاز، إذ أنتجت أكثر من 90% من كهربائها في العام 2023 من محطات تعمل بالوقود الأحفوري.

ترتكز حماسة دول الخليج نحو الاستثمار في التمويل المناخي على منطق مشابه. 3 من أكبر 6 صناديق سيادية في العالم، أي صناديق الاستثمار الحكومية، مقرها في الخليج؛ وتدير مجتمعةً أكثر من 3.5 تريليون دولار، يأتي جزء كبير منها من صادرات النفط والغاز. تستخدم دول الخليج هذه الأموال، إلى جانب ثرواتها البترودولارية الأخرى، للتأثير في الجهات المانحة والمستفيدة من التمويل المناخي. باختصار، تؤدي هذه الدول دوراً مزدوجاً في سوق الطاقة.

في مؤتمر قمة المناخ الماضي (كوب 28)، برز هذا الاتجاه بوضوح. في الأيام الأولى للمؤتمر، أسّست الإمارات صندوقاً خاصاً للتمويل المناخي (يُدعى ألتيرا)، وضخّت فيه 30 مليار دولار، أي أكثر من ثلث إجمالي التمويل المناخي المجموع في دبي. (الصناديق المناخية متعددة الأطراف الخمسة التي أنشئت بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ جمعت معاً أكثر من 10 مليارات دولار بقليل). تصف ألتيرا نفسها الآن بأنّها «أكبر آلية استثمار خاصة في العالم للعمل المناخي»، وقد وضعت هدفاً لجمع 250 مليار دولار إضافية بحلول العام 2030. وتهدف إلى «حشد جهود غير مسبوقة لمواجهة التحدي الأخطر للبشرية وتسريع الانتقال إلى مستقبل قادر على التكيف مع التغير المناخي بصافي انبعاثات صفرية». من خلال هيكل معقد للملكية المتداخلة، يسيطر عليها إلى حد كبير الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، أحد أفراد العائلة الحاكمة في الإمارات، ومستشار الأمن الوطني، وشقيق الرئيس. أدرجت الشركة في المنطقة الحرة المالية بأبوظبي، سوق أبوظبي العالمي، حيث لا ضرائب على الشركات والدخل.

بصفتها شركة خاصة، تهدف ألتيرا إلى تحقيق عوائد تفوق المتوسط لملاكها ومُستثمريها. ولا تعمل بمفردها، بل كـ «صندوق صناديق»، وتتعاون مع عمالقة إدارة الأصول ورأس المال الاستثماري مثل بلاك روك، وبروكفيلد، وتي پي جي كابيتال. ومن خلال استثمار رأس مالها في صناديق هذه الشركات، تحقق ألتيرا أرباحاً من استثماراتها في البنية التحتية وأصول أخرى حول العالم. فمحفظتها المالية محايدة تجاه المناخ، أي تشمل حتى أسهم ومحطات الوقود الأحفوري في الشمال العالمي. وبعد فترة قصيرة من استثمار ألتيرا 650 مليون دولار في صندوق بلاك روك للبنية التحتية العالمية الرابع، اشتركت معه في شراء خط غاز أحفوري على الساحل الشرقي. هذا في الحقيقة نوع مخالف للمنطق من «العمل المناخي».

استثمرت حكومات وصناديق الثروة السيادية الخليجية الأخرى مليارات الدولارات في تقنيات الطاقة المتجددة والمنخفضة الكربون، بينما تظل مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالهيدروكربونات. خذ مثلاً صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وأصوله تزيد عن 900 مليار دولار. يمتلك الصندوق حوالي 8% من أسهم أرامكو السعودية و44% من أسهم أكوا باور، لكنه يتوسع في استثمارات الطاقة المتجددة والمشروعات الخضراء الأخرى، فقد خصّص مؤخراً أكثر من 19 مليار دولار للاستثمارات المستدامة. والصندوق عضو مؤسس في شبكة صناديق الثروة السيادية لكوكب واحد، وهي مبادرة أُنشئت بعد اتفاقية باريس، وتهدف إلى توجيه الثروات السيادية نحو الأصول الخضراء. (3 من الأعضاء المؤسسين الآخرين من الخليج: صناديق الثروة السيادية في أبوظبي والكويت وقطر.) بالمثل، تنتج شركة مبادلة، التابعة لصندوق الثروة السيادي لأبوظبي، أكثر من 350 ألف برميل من النفط يومياً عبر 11 دولة، في حين تموّل مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الهند. كما أنّ مبادلة من بين 3 مساهمين في شركة مصدر التي يرأسها الجابر، وتدير أكبر محطة طاقة شمسية في العالم.

استثمرت حكومات وصناديق الثروة السيادية الخليجية الأخرى مليارات الدولارات في تقنيات الطاقة المتجددة والمنخفضة الكربون، بينما تظل مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالهيدروكربونات

ولدينا شكل بارز آخر من أشكال التمويل المناخي هو تعويض الكربون، وهي برامج تموّل فيها الحكومات أو الشركات أو الأفراد مشروعات يُفترض أنّها تقلل من انبعاثات الكربون. يُعاد تغليف هذه التخفيضات في أصول مالية تعرف بتعويضات الكربون (تقاس بالطن من ثاني أكسيد الكربون)، وتُباع بعد ذلك للملوثين الذين يستخدمونها لإمحاء انبعاثاتهم. ويشهد سوق تعويض الكربون ازدهاراً: يتوقع بنك مورغان ستانلي أن يصل إلى 250 مليار دولار بحلول العام 2050، بعدما كان يقدر بنحو 2 مليار دولار في العام 2020.

توجد أنواع مختلفة من مشروعات التعويض، لكن أشيعها يهدف إلى مكافحة إزالة الغابات. في أيلول/سبتمبر الماضي، على سبيل المثال، في خلال أسبوع المناخ في نيويورك، تعهد تحالف ليف (قوامه حكومات النرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى شركات من تلك الدول) بتخصيص أموال لحماية مناطق من غابات الأمازون في ولاية بارا بالبرازيل (التي تستضيف مؤتمر كوب 30 بالمناسبة). وجاء في البيان الصحفي: «سوف تستخدم حكومة الولاية عائدات اتفاق ليف لتمويل برامجها على مستوى الولاية لتقليص إزالة الغابات ودعم... التنمية الاقتصادية المستدامة».

تحيط بمشروعات التعويض اتهامات بالتسويق الأخضر الكاذب والاحتيال وانتهاك حقوق الإنسان. فمن جهة، هُجِّرَت المجتمعات الأصلية في إفريقيا وأميركا الجنوبية وجنوب شرق آسيا – وهي المستهدفات الرئيسة لمشروعات التعويض – من أراضيها في الغابات باسم الحفظ. في العام 2023، كتب الصحافيان ديزي دون ويانين كيروز بحثاً عن أكثر من 60 مشروعاً لتعويض الكربون، ووجدا أنّ 70% منها ألحق ضرراً بالمجتمعات الأصلية والمحلية. في وقت سابق من هذا العام، وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش كيفية تهجير شعب تشونغ الأصلي من أراضيه في جنوب كمبوديا لإفساح المجال لمشروع ساوثرن كارداموم REDD+. وقد حَدَت عمليات التهجير والإخلاء المتكررة بالمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الشعوب الأصلية، فرانسيسكو كالي تساي، إلى الدعوة إلى فرض تجميد عالمي على مشروعات التعويض.

كما أنّ في حسابات أرصدة الكربون عيبان منهجيان. أولهما أنّ أي حساب لما توفره هذه المشروعات من انبعاثات يعتمد على فرضية غير دقيقة: كم من الكربون كان سيُطلق لو لم تكن هذه المشروعات موجودة؟ وبطبيعة الحال من المستحيل تحديد ذلك بدقة. وقد وجدت دراسة في مجلة ساينس تناولت مشروعات التعويض في 6 دول أنّ معظمها لم يساهم في تقليص إزالة الغابات، وأنّ أرصدة الكربون المباعة استخدمت لـ «تعويض نحو 3 أضعاف الانبعاثات مقارنةً بمساهمتها الفعلية في التخفيف من التغير المناخي».

العيب الثاني زمني. حين يشتري المشتري أرصدة الكربون، يحصل على الحق في التلويث في الوقت الحاضر. ولكن يستغرق الأمر مئات السنين لكي تمتص الغابة كمية معادلة من الكربون، ولا يوجد ضمان أن تبقى الغابة قائمة طوال هذه الفترة. في كاليفورنيا، أتت حرائق الغابات الأخيرة على مساحات واسعة من غابات كان من المفترض أن تكون محمية بالأرصدة التي اشترتها شركات مثل مايكروسوفت وبريتش بتروليوم.

يمثّل التمويل المناخي حلاً لأزمة المناخ يرتكز في جوهره إلى السوق، لأنّه يعتمد على زيادة تسليع الطبيعة

من غير المفاجئ أن تبرز دول الخليج كداعم رئيس لمشروعات التعويض. ظهر ذلك بوضوح في قمة المناخ الإفريقية التي عُقدت في نيروبي، كينيا، في أيلول/سبتمبر 2023. هناك، تعهدت مجموعة من الشركات الإماراتية البارزة في مجالات الطاقة والتمويل، المعروفة بتحالف الكربون الإماراتي، بشراء أرصدة كربون بقيمة 450 مليون دولار في السنوات الست المقبلة من مبادرة أسواق الكربون الأفريقية، وهي ائتلاف من حكومات إفريقية وشركات أرصدة الكربون ومانحين غربيين ومنظمات متعددة الأطراف. جعل هذا الاتفاق الإمارات العربية المتحدة أكبر داعم مالي لتلك المبادرة.

تشارك السعودية أيضاً في أسواق الكربون. فقد ترأست ريهام الجيزي، وهي سيدة أعمال سعودية، شركة السوق الإقليمي الطوعي للكربون التي أُسِّسَت في العام 2022 كمشروع مشترك بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي وسوق الأسهم السعودي، تداول. وقد أشاد سلطانوف، الرئيس التنفيذي لمؤتمر كوب 29، بتلك الشركة لإنشائها أسواق تعويض الكربون «بسرعة وحجم كبيرين مع تأثير عالمي». في العامين 2022 و2023، نظمت الشركة أكبر مزادين لأرصدة الكربون في العالم، بِيعَ فيهما أكثر من 3.5 مليون طن من أرصدة الكربون، 70% منها من مشروعات التعويض في أفريقيا؛ وكان كبار المشترين من الشركات السعودية، بقيادة أرامكو السعودية. في الواقع، تعد مشروعات التعويض جزءاً أساسياً من خطة «الاستدامة» الرسمية لأرامكو السعودية، إذ تمثل حوالي ثلث الـ 52 مليون طن من الكربون التي تعهدت بتقليصها بحلول العام 2035.

بالإضافة إلى شراء أرصدة الكربون، تؤسس الشركات الخليجية المشروعات التي تولده. قبل قمة كوب 28، كشفت مجموعة صحافيين استقصائيين من موقع سورس ماتريال عن أنّ شركة بلو كاربون المملوكة للشيخ أحمد آل مكتوم، أحد أفراد العائلة الحاكمة في دبي، قد وقعت اتفاقيات مع حكومات أفريقية لاستئجار مساحات شاسعة من الأراضي، بينها 10% من ليبيريا وزامبيا وتنزانيا، و20% من زيمبابوي. تفتقر بلو كاربون إلى الخبرة في هذا المجال، وستقوم إما بحماية الغابات القائمة أو زراعة الأشجار في هذه المناطق، لتخلق أرصدة كربون لبيعها للملوثين. يقدِّر أكسل مايكلوا، الباحث في جامعة زيورخ، أنّ الأرصدة المكتسبة بهذه الطريقة ستكون مكافئة لجميع انبعاثات الكربون السنوية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

في هذا السياق، تكتسب المفاوضات المقبلة في باكو أهمية بالغة. من المتوقع أن يتفق أعضاء مؤتمر كوب 29 على مجموعة من المعايير الدولية لتجارة أرصدة الكربون. في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أصدر مجلس الإشراف على المادة 6.4، وهو الهيئة المسؤولة عن تطوير آليات الحوكمة لسوق الكربون بموجب اتفاقية باريس، مقترحاته التي تنظم كيفية إنشاء وحساب أرصدة الكربون، لكنه وافق على المبادئ الأساسية للنظام. أشارت صحيفة فاينانشيال تايمز إلى أنّ هذه القواعد قد تسمح «للدول المنتجة للنفط بتجنب مسؤوليتها في التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري أو تقليص انبعاثاتها الصناعية». الجدير بالذكر أنّ السعودية ترأس المجلس حالياً، ممثلةً بماريا الجشي التي عملت لفترة طويلة في شركة أرامكو السعودية.

يمثّل التمويل المناخي حلاً لأزمة المناخ يرتكز في جوهره إلى السوق، لأنّه يعتمد على زيادة تسليع الطبيعة. إذ من خلال تبرير الاستخراج هنا عن طريق الاستثمار في ما يُسمى المشروعات المنخفضة الكربون هناك، ما يطيل من استمرار الأعمال كالمعتاد في الحاضر مع تقديم وعود غامضة بشأن المستقبل، فإنّه يقدم طوق نجاة لصناعة الوقود الأحفوري. لفهم مصدر هذه السياسات، سيكون من غير الحكمة أن نحصر تركيزنا على شركات النفط الغربية. فالدول المنتجة للنفط في الجنوب العالمي (كالملكيات الخليجية وأذربيجان والبرازيل) تستفيد أيضاً من هذه المشروعات والاتفاقيات التي هي في النهاية كارثية على كوكب الأرض وسكانه. وبينما نتابع هذه الدول وهي تساعد في توجيه مفاوضات مؤتمر الأطراف، يجب أن نتذكر أنّها ليست أصواتاً من أجل العدالة المناخية، بل جزءٌ من المشكلة.

نُشِر هذا المقال في The New York Review في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وتُرجِم إلى العربية ونُشِر في موقع «صفر» بموافقة مسبقة من الجهة الناشرة. 

آدم هنية

أستاذ الاقتصاد السياسي والتنمية الدولية في IAIS في جامعة إكستر، رئيس مشارك لمعهد الدراسات الدولية ودراسات المناطق (IIAS) في جامعة تسينغوا في الصين. نشر أربعة كتب استكشف من خلالها قضايا مختلفة متعلّقة بالاقتصاد السياسي لمنطقة الشرق الأوسط ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي. وكتابه الأخير «أموال وأسواق وممالك: مجلس التعاون الخليجي والاقتصاد السياسي للشرق الأوسط المعاصر». نال في العام 2019 جائزة الكتب الممنوحة من مجموعة الاقتصاد السياسي الدولي في جمعية الدراسات الدولية، ثم نال جائزة معهد الدراسات العربية لكتب الاقتصاد السياسي في العام 2019.

علاء بريك هنيدي

مترجم، حاصل على ماجستير في المحاسبة، وشارك في تأسيس صحيفة المتلمِّس. صدر له ترجمة كتاب ديفيد هارفي «مدخل إلى رأس المال» عن دار فواصل السورية، وكتاب جوزيف ضاهر «الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني» عن دار صفصافة المصرية، وكتاب بيتر درَكر «الابتكار وريادك الأعمال» عن دار رف السعودية، وكانت أولى ترجماته مجموعة مقالات لفلاديمير لينين عن ليف تولستوي صدرت ضمن كراس عن دار أروقة اليمنية. كما نشر ترجمات عدّة مع مواقع صحافية عربية منها مدى مصر، وإضاءات، وذات مصر، وأوان ميديا.