
أسعار البن تحلّق عالمياً: كيف ينعكس ذلك على المستهلك اللبناني؟
تقترب أسعار البن من مستويات غير مسبوقة عالمياً، مدفوعة بالتقلّبات المناخية التي أثّرت على الإنتاج في البرازيل وفيتنام، وهما البلدان اللذان يهيمنان على أكثر من نصف إنتاج البن في العالم. ومع استمرار ارتفاع أسعار البن، لا بد أن تتأثّر أنماط استهلاك أحد أكثر المشروبات شعبية في العالم «القهوة»، إلا أن التأثير قد يبدو أكثر وضوحاً على المستهلك في لبنان، الذي يُصنّف كثالث أكبر مستهلك للقهوة عالمياً، حيث بلغ متوسط استهلاك الفرد للبن في البلاد أكثر من 17 كيلوغراماً سنوياً في العام 2020.
ما الذي يدفع أسعار البن إلى هذا الارتفاع القياسي؟
سجلت أسعار حبوب بن أرابيكا، الأكثر شهرةً عالمياً، ارتفاعاً بنسبة 30% منذ بداية العام 2025، ليصل إلى نحو 9 دولارات للكيلوغرام في العقود الآجلة. أما بن روبوستا، المستخدم في القهوة الفورية، فواصل ارتفاعه الذي بدأ منذ 5 أعوام، متجاوزاً 5.75 دولار للكيلوغرام بعد أن بلغ ذروته عند 5.84 دولاراً في 31 كانون الثاني/يناير 2025.
يعود هذا الارتفاع إلى عوامل مناخية أثّرت على الإنتاج في البرازيل وفيتنام، اللتين تهيمنان على 55% من الإنتاج العالمي للبن. وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، ضربت الأحوال الجوية القاسية والاستثنائية مزارع البن في جميع مناطق الزراعة الخصبة في البرازيل. بدأ ذلك مع صقيع العام 2021 الذي دمّر الشتلات في الكثير من الحقول وأجبر المزارعين على خفض توقعاتهم لحجم محاصيلهم اللاحقة. وضاعفت الأضرار آثار الجفاف القاسي في العام 2023، في الوقت الذي كانت أشجار البن تكافح للتعافي من موجات البرد الشتوية السابقة. بعد ذلك، تضرّرت بعض المزارع بفعل دورة من الأمطار الغزيرة التي جلبتها ظاهرة النينيا، ما عرّض الأشجار الأصغر سناً لتعفن الجذور وتآكل التربة. في العام 2024، شهدت البرازيل أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق، حيث أثرت حرائق الغابات على إنتاج بن أرابيكا. يقول المستشار البرازيلي المتخصّص في القهوة غي كارفاليو: «أعمل في هذه الصناعة منذ 35 عاماً ولم أواجه مثل هذا الوضع الصعب من قبل». ويؤكد أنه «منذ الحصاد الكبير الأخير في العام 2020، نواجه باستمرار مشكلات تتعلق بالمناخ».
من جهة أخرى، أثر الجفاف المناخي في فيتنام في العام 2024 على إنتاج حبوب بن الروبوستا، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 60% في ذلك العام، على الرغم من أن حبوب بن روبوستا تعتبر أكثر مرونة في مواجهة المناخ من حبوب بن أرابيكا، ومن المفترض أن تخلق الزيادة العالمية في أسعار أرابيكا فرصة كبيرة للمصدّرين الفيتناميين، حيث يتحوّل الطلب نحو بدائل أقل كلفة.
عند تعثّر الإنتاج، كما في حالتي البرازيل وفيتنام، يسعى مزارعو البن إلى رفع الأسعار، ما يشكّل ضغطاً على المستورد وبائع التجزئة أو المشتري المحلي، ويرتفع السعر على المستهلك في النهاية. صحيح أن المشتري المحلي يحاول بكل قوته تثبيت السعر عند الشراء من المستورد، لكن المشترين كثر وصغار نسبياً في سوق البن ما يصعّب الاتفاق بينهم وضبط السوق. ستاربكس مثلاً، وهي أكبر مشتر للبن في جميع أنحاء العالم، تشتري 3% فقط من مبيعات القهوة العالمية.
على الرغم من الارتفاع في أسعار البن، لا يشهد جميع المشترين للقهوة في العالم تأثيراً كبيراً. يفسّر بعض المحلّلين ذلك بأنه من الشائع لدى كبار تجار التجزئة شراء كميات كبيرة قبل عام على الأقل وتثبيت الأسعار بالعقود الآجلة. لكن التفسير يبقى أعقد من ذلك، في الكثير من المدن اللبنانية مثلاً، يستقر سعر فنجان الإسبرسو المباع على الأرصفة والمحلات الشعبية عند 50 ألف ليرة لبنانية في المتوسط، على النقيض طبعاً من محلات الـ«سباشيلتي كوفي»، أي الكافيهات المتخصّصة بالقهوة والتي يقصدها المتذوّقون الهواة، بفعل ارتفاع أكبر في سعر البن ذو الجودة العالية مقارنة بالبن التجاري بحسب مصادر في القطاع، التي أشارت أيضاً إلى ارتفاع كلفة الأدوات المستخدمة لإعداد القهوة وقطع غيارها إثر الحرب في المنطقة التي أدّت إلى ازدياد أسعار التأمين على البضائع المستوردة.
تشير إدارة الإحصاء المركزي في لبنان إلى أن مؤشر أسعار استهلاك البن والشاي والكاكاو قد تضخّم بأكثر من 47% في عام واحد، من كانون الأول/ديسمبر 2023 إلى كانون الأول/ديسمبر 2024. ومع غياب مؤشر تضخّم للبن بشكل حصري، وتأخر مؤشر البن والشاي والكاكاو لكانون الثاني/يناير 2025 عن الصدور أساساً، تفيد شركة «كوستوم روست»، وهي شركة توزيع بن تتعامل مع الكثير من الكافيهات في بيروت، إن سعر كيلو البن البرازيلي التجاري ارتفع من 8 إلى 9 دولارات أميركية في الشهر الأخير، وارتفع بنسبة 30% أو 35% على مدار السنة الماضية. وارتفع سعر بن نجار كلاسيك (180 غرام)، المنتج الشائع في البيوت اللبنانية والذي يستخدم لإعداد القهوة التركية، بنحو 20% من 2.71 دولاراً أميركياً في أوائل تشرين الأول/ نوفمبر 2024 إلى 3.29 دولاراً أميركياً في شباط/فبراير 2025، بحسب الصفحات المؤرشفة من موقع بن نجار الرسمي.
وتشير بيانات الجمارك اللبنانية، إلى أن لبنان استورد أكثر من 78 مليون دولاراً أميركياً من البن في العام 2023، وجاء نحو 57% من قيمة هذه الوارادات من البرازيل، ونحو 18% من فيتنام. أما إذا قسنا الواردات بالأحجام، فقد استورد لبنان أكثر من 23 ألف طن من البن في العام 2023، 55% من البرازيل و25% من فيتنام. اليوم، لا تزال البرازيل هي المنتج المهيمن للبن في العالم، بنسبة 39% من الانتاج العالمي، وتحتل فيتنام المرتبة الثانية بنسبة 16% وفق إحصاءات 2023 - 2024.