Preview الإكراه الاقتصادي

الإكراه الاقتصادي
أداة أوروبا لكبح هجرة الأفارقة

في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلن الجنرال عبد الرحمن تياني، رئيس المجلس العسكري الذي يُدير حالياً حكومة النيجر، إلغاء اتفاقيتين رئيستين للهجرة من جانبٍ واحدٍ، كان قد عقدهما الرئيس السابق محمد يوسفو مع الاتحاد الأوروبي في العام 2015. والأهم من ذلك أن تياني ألغى القانون رقم 36 الصادر في العام 2015، الذي يعاقب بشدّة نقل المهاجرين، خصوصاً أولئك الذين يتّجهون شمالاً. وقد طُرحت تكهُّنات كثيرة بشأن العواقب المُحتملة لهذه الخطوة، لكن العديد من التوقّعات التي أثيرت خاطئة.

من غير المرجّح أن تؤدّي خطوة السلطات النيجرية في حدّ ذاتها إلى هجرة جماعية إلى أوروبا، حيث لا يزال الاتحاد الأوروبي يمارس سيطرة وحشية على طرق الهجرة في المنطقة. كما أن هذه الخطوة لا تشير إلى انقلاب في السلطة بين المستعمَرات السابقة والمستعمِرين السابقين، على الرغم من أن هذا الأمر مرغوب فيه. في الواقع، فإن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومعظم الدول المجاورة للنيجر، أو التي تقع على طرق الهجرة المُهمّة في شمال أفريقيا، متجذِّرة بقوّة في البنى الاستعمارية الجديدة. سوف تُقمع الهجرة، على أي حال.

منذ العام 2020 على وجه الخصوص، أصبحت التسلسلات الهرمية الاقتصادية أكثر حِدَّة، ما مكّن الاتحاد الأوروبي من استخدام الإكراه الاقتصادي لإجبار مثل هذه الدول على الامتثال السياسي فيما يتعلّق بمسائل الهجرة. وتُتَبنّي هذه الوسائل بشكل منهجي: فقد أنشأ الاتحاد الأوروبي «ترتيبات للهجرة» مع كل دولة في شمال أفريقيا، من موريتانيا إلى مصر، ومن المغرب إلى السودان، سواء عن طريق إكراه أو رشوة حكومات هذه الدول، سواء كانت ديمقراطية أو سلطوية. الاستثناءان الوحيدان هما النيجر والجزائر. ومع ذلك، سوف يتطلب الأمر أكثر من استثناءين لتحدِّي علاقات السلطة العالمية. 

هندسة الفَصْل بين الأغنياء والفقراء

لا يقتصر الأمر على منطقة الساحل في أفريقيا فحسب. بل إن الغالبية العظمى من دول الجنوب العالمي مُحاصرة في نظام عالمي استعماري جديد، حتى بعد إنهاء الاستعمار. وهذا النظام، الذي يبدو وكأنه مسألة علاقات اقتصادية، له أيضاً طبيعة سياسية قوية يعمل على الإضرار بها بشدّة. تمكّنت بعض الدول المستعمرة سابقاً، مثل الصين، من الإفلات من قبضة الاستعمار الجديد. وتمكّنت دول أخرى، مثل دول الخليج، من تحقيق مستويات عالية نسبياً من السلطة الاقتصادية والسياسية من خلال استخراج الموارد الطبيعية. ومع ذلك، فإن الخط المركزي للفَصْل بين الأغنياء والفقراء لا يزال يمتد بين المستعمرات السابقة والمستعمِرين السابقين.

لقد أظهر الاقتصادي برانكو ميلانوفيتش أن المواطنة هي العامل الأكثر حسماً في تفسير متوسّط التفاوت الاقتصادي على المستوى الفردي. وبهذا المعنى، فإن نظام المواطنة الحديث يعكس ماضيه الملطّخ بالدماء، كأداة أقرّتها الطبقات الحاكمة في البلدان المستعمِرة في القرن التاسع عشر لتقسيم أعضاء إمبراطوريتها على أساس العرق والجنس. واليوم، هناك تسلسل هرمي عالمي للمواطنة - تسلسل لا يمنح أعضاء المجموعة المُختارة المكانة، والحقوق، والواجبات فحسب، بل الثروة والدّخل أيضاً.

توزّع عملية نَيل المواطنة في الغالب حسب العرق. والمواطنة التي تضمن - على المستوى العالمي على الأقل - الحصول على دخل مرتفع نسبياً وظروف معيشية مُستحبّة في الغالب، ينالها معظم الأشخاص البيض عند الولادة. فجوازات سفر الاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية تمنح الحق، ولكن ليس بالضرورة الوسيلة، في الاستقرار أو التأقلُم أينما يحلو للمرء. وفي الوقت نفسه، فإن حرّية التنقّل مقيّدة بشدّة عند حمل مواطنة مستعمَرة سابقة.

تتميّز الطرق من الدول الطرفية إلى الدول المركزية بالانفتاح الانتقائي. وتتمتّع النخب في البلدان الطرفية بإمكانية الوصول إلى إجراءات التجنيس، ويمكنها في الواقع شراء أكثر الجنسيات المرغوبة. ومع ذلك، من حيث الأعداد المطلقة، فإن التجنيس من بلدان الجنوب العالمي إلى بلدان الشمال العالمي ضئيل خلافاً للحركة بين الشمال والشمال. علاوة على ذلك، تُشجَّع هجرة العمّال في بعض المهن بشكل نَشِط من خلال برامج مختلفة في المراكز الرأسمالية في الشمال العالمي. هذه الأشكال مما يسمّى بالهجرة النظامية مُستحبّة بالنسبة إلى النخب في المراكز الرأسمالية، في حين أن ما يسمّى بالهجرة غير النظامية، سواء كانت طوعية أو غير طوعية، فتُقدّم على أنها تهديد وتُقمَع بعنف.

مِخلَب الموت الاقتصادي

إن الافتراض بأن التحوّل السياسي في النيجر يمثّل تغيّراً كبيراً في أي من هذه الأمور هو افتراض خاطئ. عوضاً عن ذلك، تشير التطوّرات الحالية إلى الاتجاه المعاكس تماماً.

منذ الأزمة المالية، بل وأكثر من ذلك، منذ ظهور جائحة «كوفيد-19»، تدهور الوضع الاقتصادي لدول شمال أفريقيا بسرعة، على الرغم من التنوّع الشديد لطبيعته. وقد زادت تبعاً لذلك مستويات التبعية والقابلية للتعرّض لإكراه ورشوة الشمال العالمي. وإذا أردنا التحدّث بالأرقام، فإن إجمالي الديون الخارجية المُجمّعة لدول شمال أفريقيا - المغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والسودان، وتشاد، ونيجيريا، والنيجر، ومالي، وموريتانيا (لا تُحتسب ليبيا بسبب نقص البيانات السليمة) - تضاعف أكثر من ثلاث مرّات منذ العام 2007. لقد قفز من إجمالي 124 مليار دولار في العام 2007 إلى 376 مليار دولار في العام 2021. ومن الناحية النسبية، يُترجَم هذا إلى زيادة متوسّطها 213% مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي. وعلاوة على ذلك، ارتفعت مدفوعات الفائدة السنوية في المنطقة بنسبة 339% منذ العام 2007، ليصل مجملها إلى أكثر من 10 مليارات دولار في العام 2021.

كما أن ظروف إعادة التمويل بالنسبة إلى البلدان القليلة في المنطقة التي لا تزال تجرؤ على إصدار ديون سيادية مقوّمة بالدولار الأميركي ــ نيجيريا، ومصر، وتونس، والمغرب ــ تدهورت أيضاً بشكل مُضطَّرد وكبير. ففي الأول من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، دفعت هذه الدول الأربع فائدة بنسبة 14% في المتوسط على ديونها السيادية - ارتفاعاً من 5% في العام 2020. وعلى النقيض من ذلك، تدفع ألمانيا حالياً سعر فائدة يبلغ حوالى 2.5% فقط. هذه التطوّرات هي نتيجة للجغرافيا الاقتصادية التي أقرّتها المراكز الرأسمالية في الشمال العالمي - إحدى الأدوات المركزية هي السياسة النقدية التي تهدف إلى تعزيز عملات الشمال العالمي ونقل التكاليف الاقتصادية لأزمات الشمال العالمي إلى الجنوب العالمي. وهذا النمط يتمتَّع بتقليد مَديد.

يخلق هذا الترتيب ضرورةً وضغطاً على دول شمال أفريقيا لوضع أيديها على سيولة بالدولار الأميركي واليورو. ومع تدهور الأوضاع في الأسواق الخاصة بشكل كبير، أصبحت المصادر المتعدّدة أو الثنائية الخيار الوحيد المتبقي. وليس من المستغرب أن ارتفع المبلغ الإجمالي لاقتراض دول شمال أفريقيا من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بنحو 600% منذ العام 2007. ويمثل هذا عصراً جديداً من التبعية ويجبر الدول على قبول شروط قاسية، مثل خفض الإنفاق على الصحة، المرتبط بالقروض. حتى الآن، لم يثبت أن صندوق النقد الدولي شارك في صفقات الهجرة التي عقدها الاتحاد الأوروبي إلا مرة واحدة، في حالة الاتفاق الأخير بين الكتلة الأوروبية وتونس - ولكن هذا على الأرجح مجرّد اختبار الغاية منه تكرار الأمر.

الهجرة إلى أوروبا

ومن الجهات المانحة الأخرى يبرز الاتحاد الأوروبي ذاته، الذي قدَّم، وفقاً لتقديرات أخيرة، للدول الواقعة خارج نطاق مُتصرفيَّته أكثر من 13 مليار يورو بين عامي 2014 و2020 للحدّ من الهجرة إلى أوروبا، في حين تظاهر بتعزيز التنمية الإقليمية. ومن الأمثلة الجيّدة على ذلك الاتفاق الأخير بين الاتحاد الأوروبي وتونس الذي توسّطت فيه جيورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية ما بعد الفاشية. وبينما قُدِّمت الصفقة في البداية باعتبارها شكلاً من أشكال التعاون التنموي، تُظهِر التفاصيل المنشورة مؤخراً أنها تُركِّز على قمع الهجرة غير الشرعية مع تشجيع حرّية التنقل للنخب التونسية من خلال مشروع لدراسة الطلاب في الخارج. وكل هذا باسم التنمية.

وبشكل عام، فإن توظيف التعاون التنموي للحدّ من الهجرة يُعَدُّ شيئاً تناقضياً في حدّ ذاته، فمن المعروف أن التنمية الاقتصادية تزيد من الهجرة. ومع ذلك، يبدو أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لتوسيع نطاق هذا المُخطَّط. فمنذ العام 2021، أعلن الاتحاد الأوروبي عن 14 اتفاقاً مُجدَّداً أو جديداً للهجرة مع تركيز إقليمي قوي على شمال أفريقيا ومعقل ثانٍ في أوروبا الشرقية ودول يوغوسلافيا السابقة. وفي هذه اللحظة بالذات، يحاول الاتحاد الأوروبي إجبار مصر وموريتانيا والسنغال على تقييد حرية التنقُّل نيابةً عنه. لكن هذه الجهود قوبلت بمقاومة على الأرض. ففي السنغال، على سبيل المثال، انطلقت مؤخراً حملة تسعى إلى وقف نشاط «الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل» (فرونتكس) في البلاد، وتدين «كيفية تعاون الاتحاد الأوروبي مع الأنظمة المتواطئة التي تقتل الناس في البحر الأبيض المتوسط وفي بلدان العبور».

اقتل وتخلَّص من الأدلة

يُترجَم هذا النظام المُجرَّد للإكراه الاقتصادي والصفقات السياسية إلى عنفٍ منهجي يستهدف البشر الذين يحملون جوازات سفر خاطئة ويسلكون بشكل متكرّر ما يُسمّى بطرق الهجرة غير النظامية إلى أوروبا. ومن بين هؤلاء، 37 شخصاً قتلهم حرس الحدود الإسباني عند سور مليلية في صيف 2022، و49 شخصاً قتلوا وأكثر من 200 فقدوا على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، ونحو 603 آخرين قتلوا في طريقهم إلى جزر الكناري في العام 2023 وحده، ونحو 28,260 شخصاً غرقوا في البحر الأبيض المتوسط منذ العام 2014 بحسب التقارير، و2,016 شخصاً لقوا حتفهم على الطرق البرّية في شمال أفريقيا منذ العام 2018، ناهيك عن العدد الأكبر بكثير من الحالات غير المُسجّلة. إن عمليات القتل المباشرة، وغير المباشرة، والنَّشِطة، والمأجورة هي نتيجة لقرارات سياسية يتَّخذها الاتحاد الأوروبي وحكومات الدول الأعضاء فيه.

والنوايا واضحة وضوح الشمس: إنكار إنسانية الأشخاص السود والملوّنين المتنقِّلين وأي حقوق محتملة لهم. دعوهم يموتوا، ولكن بعيداً عن أوروبا قدر الإمكان، حتى لا نتحمل المسؤولية. أو الأفضل: الادعاء بأن الحكومات الأفريقية مسؤولة عن قرارات العنصريين البيض في أوروبا. إن الفَصْل العنصري بين شعوب الجنوب العالمي والشمال العالمي لم يُمس بالمرَّة. وقتل أكثر من 30 ألف شخص بريء أمر مُمكن فقط لأنهم ليسوا من البيض ويصادف أنهم يحملون جواز السفر الخاطئ. ومن ناحية أخرى ومن عجيب المفارقات أن المفوضية الأوروبية اقترحت تدابير جديدة لجذب «المهارات والمواهب» في الشهر الماضي فقط. وبدافع من التفاؤل بشأن تأثيرات التحوّل الأخضر والرقمي على سوق العمل، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى جذب وتوظيف ما لا يقل عن 12 مليون مهاجر.

في حين من المقرّر أن تُقتل بعض طبقات المهاجرين وهي في طريقها إلى أوروبا، تُشجّع طبقات أخرى على سدّ الفجوات الديموغرافية في القوى العاملة في الاتحاد الأوروبي. والهدف من هذه السياسات هو خلق طبقة عاملة منقسمة تضمُّ قطاعات كبيرة مُعرقَنة يظل وجودها غير مستقر على الإطلاق. مثل هؤلاء العمّال أسهل في الضَّبط والقمع. وبناءً على ذلك، أصبحت تصاريح الإقامة غير الآمنة أداة مهمّة لإنشاء قوّة عمل منخفضة الأجر يمكن التخلّص منها بسهولة وجيش احتياطي محتمل من العمالة.

بأي وسيلة مُتاحة

إن تحرُّك النيجر لتعزيز حرية التنقُّل ليس سوى قطرة في محيط من الفصل العنصري والإكراه الاقتصادي البِنيويين. ومع ذلك، يتعيّن علينا أن نتعلّم 3 دروس من خلال مراقبة التطوّرات الأخيرة في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ودول شمال أفريقيا.

أولاً، تعتمد المراكز الرأسمالية، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، على التعاون. ولا ينطبق هذا على قمع الهجرة فحسب، بل ينطبق أيضاً على التحوُّل في الطاقة الذي أعلنه زعماء الاتحاد الأوروبي بوضوح. الليثيوم هو أحد المعادن الأرضية النادرة الضرورية لأي تحوُّل في الطاقة، ومع ذلك، فإن أكبر مخزوناته توجد خارج أوروبا. والجهود المبذولة للاستفادة من احتياطيات الليثيوم في الأراضي الأوروبية بعيدة كل البعد عن إنتاج الكمّيات المتوقّعة والضرورية. وهناك أنماط مماثلة سائدة بالنسبة إلى معظم المعادن الأرضية النادرة، والتي تشتدّ الحاجة إليها للصناعة الأوروبية لتحظى بفرصة في السباق العالمي للإنتاج والنقل المُكهرَب.

علاوة على ذلك، يفتقر الاتحاد الأوروبي إلى الأراضي وموارد الوقود الأحفوري اللازمة لتطوير أو الحفاظ على نظام طاقة مستقل. وفي الوقت الحالي، يعتمد الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على واردات الغاز الطبيعي المُسال، وتعتبر الجزائر لاعباً رئيساً في هذا الصدد. وفي المستقبل، سيعتمد على مساحات واسعة النطاق من الألواح الشمسية في شمال أفريقيا، حيث يكون إنتاج الطاقة الشمسية أكثر كفاءة بما يصل إلى 3 أضعاف إنتاجها في أوروبا. ويجري التفاوض حالياً على شروط هذه الترتيبات، ومن المحتمل أن تتغيّر مُفردَات السلطة مع تخطيط مشهد إنتاج الطاقة المستقبلي هذا.

ثانياً، انتهجت الجزائر خطّاً صارماً يتمثَّل في الإنكار المطلق للتدخل الأوروبي في شؤون سيادتها السياسية. ويُعَدُّ هذا الموقف الواضح نتيجة مركزية للصدمة الجماعية التي سبَّبها الإرهاب الاستعماري الفرنسي، ومن الممكن اعتباره مصلحة عُليا للدولة. ومع ذلك، فإن النظام السياسي في الجزائر ليس طوبوياً، وإنما هو نظام سلطوي وحشي. فهو لا يترك مجالاً كبيراً للسياسة الديمقراطية، على الرغم من أن الحراك الشعبي الذي اندلع في شباط/فبراير 2019 كان قادراً على إحداث تغيير جوهري من خلال صموده أمام القمع الشديد. ولا ينبغي أيضاً تجاهل أن الحكومة الجزائرية تقمع الهجرة بالعنف القاسي، والذي غالباً ما يتسبّب في وفاة أشخاص أبرياء. وهي تفعل ذلك على أساس نظام مُشيَّد على الأمن القومي يراقب بشكل صارم الهجرة والعبور إلى أوروبا، فضلاً عن الهجرة إلى الجزائر نفسها. ومع ذلك، فإن الجزائر لا ترضخ صراحةً لمصالح سياسة الاتحاد الأوروبي. ومُخطّط الجزائر للاندماج في الاقتصاد العالمي وثرائها بالموارد يسمحان لها بتحمّل الضغوط السياسية من الاتحاد الأوروبي والمؤسّسات متعدّدة الأطراف. ونسبة 1% فقط من ديونها الحكومية مملوكة لأجانب، ولا توجد عليها ديون مقوّمة بالدولار الأميركي. ومن الصعب تحقيق الإكراه الاقتصادي على هذه الأسُس.

ثالثاً، المقاومة السياسية للاستعمار الجديد أمر ممكن. لقد احتُفي بقرار حكومة النيجر بالانسحاب من الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي باعتباره خطوة مناهضة للاستعمار في المنطقة. ويمكن تفسيره على أنه خطوة أخرى نحو طرد القوى الاستعمارية ونفوذها السياسي. ومع ذلك، فإن النفوذ السياسي والأهمية الاقتصادية المتزايدين لروسيا والصين ودول الخليج في المنطقة يمكن، في أسوأ السيناريوهات، أن يخلقا علاقات جديدة من التبعية على مراكز مختلفة للسلطة الرأسمالية. وفي أفضل السيناريوهات، يمكن أن تؤدّي روابط التضامن بين شعوب دول شمال أفريقيا إلى حركة سياسية منسّقة تستفيد من الفوائد التي يوفِّرها التعاون مع المركز الرأسمالي مع الحفاظ على السيادة والاستقلال الذاتي. في هذا السيناريو الذي أُقرّ بأنه متفائل - بالنظر إلى التوترات السياسية الشديدة بين حكومات المنطقة - لن يهتم أحد بمحاولات أوروبا لتحصين نفسها أو يفكِّر في المخاطرة بحياته من أجل الهجرة إلى قارة تسقط بشكل متزايد في أيدي العنصريين البيض.

نُشِر هذا المقال في Jacobin في 30 كانون الأول/ديسمبر 2023.