Preview وعي طبقي جديد في الولايات المتحدة

وعي طبقي جديد

شكّل عهد بايدن، في بعض النواحي، عهداً مواتياً للنقابات. فقد حصلت على صوتٍ مؤازرٍ لها داخل البيت الأبيض، وأجريت في وزارة العمل والمجلس الوطني للعلاقات العمّالية ووكالة حماية البيئة، عمليات شاملة لإرساء قواعد تُبشّر برفع السقوف السائدة لأجور العاملين في الأشغال العامّة، وتعِد بلجم خطاب التهديد والترهيب الذي يتوجّه به أصحاب العمل إلى العاملين، واستصدار الأوامر القضائية ضد أصحاب العمل المتهمين بالخروج على القانون، عدا عن إجبارهم على التزام الحياد عند تحديد المستفيدين من بعض المنح الفيدرالية والإعفاءات الضريبية. ودعا الليبراليون إلى إعادة بناء الحركة العمّالية، وهي الآلة السياسية الشعبية التي لطالما استخدموها. وفي غضون ذلك، انطلقت مجموعة جديدة من المحافظين يتزعّمها سياسيون مثل ماركو روبيو ومثقفين مثل أورين كاس، تنادي بالمفاوضة الجماعية علانية. 

كانت الظروف الاقتصادية ناضجة بالمثل. فدورة الأعمال التي اتسمت بالصعود في أواخر فترة أوباما، وتباطأت سياسياً إبّان فترة الركود الكبير، مرّت بعِقدٍ شهد العديد من الزيادات في الحدّ الأدنى للأجور في الولايات وعلى المستوى المحلّي. في العام 2012، لم يكن هناك سوى خمس ولايات ومدن فحسب يوجد فيها قوانين بشأن الحد الأدنى للأجور؛ واليوم تعمّ الولايات كافة قوانين مماثلة. كما يتسم التوظيف في حكومات الولايات والحكومات المحلّية – الذي اقترب من ذروة مستوياته قبل الوباء – بالقوة. وعلى الرغم من تباطؤ طفرة البناء في قطاع الإسكان، إلاّ أنها تسارعت في قطاع التصنيع، مدفوعة بإعادة تنظيم سلاسل التوريد الخاصة بمنتجي السيّارات الكهربائية والطاقة المتجدّدة. ومن المُزمع أن يتضاعف الإنفاق الفيدرالي على البنية التحتية في العام 2024 ومرّة أخرى في العام 2026، في حين أن الاستثمار المرتبط ببناء الأنظمة الخاصّة بتوليد الطاقة وتوزيعها آخذ في الارتفاع، ومن المتوقع أن يواصل ارتفاعه، وسوف يعمل التوسّع في الأجور السائدة والتدريب المهني الذي تستلزمه تلك المشاريع على ازدهار المهن المتصلة بقطاع البناء. إن أوامر الإنتاج، وقدرة الاستثمار، وطفرة البناء، والوظائف الحكومية، تعمل مجتمعة على دعم تشغيل العمالة، وهو ما يُعدّ شرطاً أساسياً لتنظيم النقابات.

إن أوامر الإنتاج، وقدرة الاستثمار، وطفرة البناء، والوظائف الحكومية، تعمل مجتمعة على دعم تشغيل العمالة، وهو ما يُعدّ شرطاً أساسياً لتنظيم النقابات

غير أن جائحة كوفيد-19 شوّهت نظام المفاوضة الفردية – مفاوضات الأجور التنافسية والخاصّة وتخطيط المسار الوظيفي الذي ترعاه الشركة – الذي عمل من خلاله أصحاب العمل والسياسيون على تجميد تطلّعات وطاقات العمّال. إن إعانات البطالة المُعزّزة التي دامت 18 شهراً (منذ بدء العمل بقانون cares الذي وقّعه ترامب) حرّرت ما يزيد عن 53 مليون عامل ولو بصورةٍ مؤقتة من نير الكدّ اليومي. وأميط اللثام عن القوى الفاعلة في تنظيم العمل والمحتجبة عن الأنظار في العادة، الأمر الذي قاد إلى الحدّ من الارتضاء بسيطرة المدراء المُطلقة على شروط التوظيف وأحكامه. ظهر الأجراء كقوة غير منظّمة أثناء الوباء، وفي نيسان/أبريل 2021، استجاب البيت الأبيض عبر إنشاء فريق العمل المعني بتنظيم العمّال وتمكينهم برئاسة وزير العمل مارتن والش ونائبة الرئيس كامالا هاريس. وفي شباط/فبراير 2022، أوصى الفريق بتغيير القواعد الإدارية في اتجاه تمكين العمّال وإماطة العقبات القائمة منذ فترة طويلة على طريق التنظيم.

هل تندرج كلّ هذه الأمور في عملية شحذ قدرة العمّال على التفكير والتصرّف كطبقة؟ وإلى متى يمكن لهذا المزاج الجديد أن يستمر؟

بدأ التوجس يتسرّب إلى أصحاب العمل. فقد حذّرت شركة المحاماة العمّالية ليتلير مندلسون في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي من أن «القوى العاملة اليوم تُفتّش عن قضية، والنقابات تتدخل ساعيةً لملء الفراغ». وفي مؤتمر الموظّفين الإقليمي على مستوى ثلاث ولايات، الذي عقد في فندق تايمز سكوير ماريوت في تموز/يونيو الماضي، اضطلعت إحدى اللجان بإعداد المديرين التنفيذيين والمتخصّصين في الموارد البشرية «لعودةِ الحركة العمّالية، وما يعنيه ذلك بالنسبة لشركاتهم». عن طريق الغرائز الدفاعية، يشعر كبار المسؤولين بما لا يمكن أن يوصف إلاّ بالوعي الطبقي الجديد في الحياة الأميركية.

ومع ذلك، إذا سألت شخصاً منخرطاً في العمل المنظّم اليوم عمّا إذا كانت الولايات المتّحدة تبعتد عن النيوليبرالية، فسوف يتّهمك بالمثالية. إن الانتشار الذي برز في الآونة الأخيرة للمفاوضة الجماعية لا يعدو كونه انتشاراً ثقافياً وخطابياً في معظمه، ولم تؤدِ النقابات حتى وقت قريب دوراً يذكر في التحوّلات السياسية والاقتصادية التي شهدتها مرحلة الوباء. وعلى الرغم من كل العلامات الدالة على الوعي الطبقي، لا تزال الحركة العمّالية الجديدة في بداياتها. نحو ثُلث عضوية النقابات في العام 2022، أي 70 ألف عضو من أصل 200 ألف، جاء نتيجة التنظيم الجديد، بينما أتت غالبية الأرباح ثمرة للأجور الجديدة في المتاجر المنظّمة بالأساس. بيد أن هذا الجزء من سوق العمل شهد نمواً أبطأ: لقد واصلت حصّة النقابات من العمالة الوطنية انخفاضها من 10.3% في العام 2021 إلى 10.1% في العام 2022. لقد بالغت الثقافة المعاصرة في تقدير التنظيم الجديد، أما إذا احتكمنا إلى غالبية المقاييس – عدد الناخبين المؤهلين، وعدد الانتخابات، وعدد الأصوات والفائزين في الانتخابات، وعدد العمّال الذين شاركوا في الإضرابات – فقد كان النشاط النقابي في خلال العامين الماضيين يدور حول مستويات عاميْ 2009 و2010، وأقل مما كان عليه في خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين. 

وبالتالي، تشبه المخاوف التي تعتري أصحاب العمل من جرّاء «عودة الحركة العمّالية» البارانويا التي ألمّت بأصحاب المزارع أثناء فترة ما قبل الحرب، حيث راحوا يحذّرون من حياكة المؤامرات، وحرّموا معرفة القراءة والكتابة، ودقّوا نواقيس الخطر على الرغم من الغياب التام للتمرّد. وعلى الرغم من كل التدابير الواضحة التي تتخذها الشركات الأميركية تأهبّاً لمواجهة التمرّد في أسواق العمل، فإنها لم تواجه بعد ذلك النوع من العمل الجماعي الجدير بتأكيد مخاوفها، أو القادر على تغيير الميزان السياسي في الكونغرس بما يرجِّح كفّة إصلاح قانون العمل. يحتاج تجاوز النيوليبرالية إلى القيام بنوعٍ من العمل التنظيمي بين الملايين من الأشخاص غير المنظّمين. وحتى يشتد عود النقابات العمّالية وتنمو قدرتها التغيريّة، يظل كل حديث عن نظامٍ ما بعد نيوليبرالي حديثاً  نظرياً. 

يشعر كبار المسؤولين بما لا يمكن أن يوصف إلاّ بالوعي الطبقي الجديد في الحياة الأميركية

هل يمكن لمعركتيْ العقود الوطنية أن تساهم في تغيير هذه الصورة؟ إن أكبر الحملات النقابية الجارية قياساً إلى أعداد العمّال الممثلين فيها، تتضمّن التفاوض على العقود الوطنية للنقابات القائمة: المعركة الأولى، خاضها 150 ألف عامل من اتحاد عمّال السيّارات لدى شركات صناعة السيّارات في ديترويت، والثانية خاضها 340 ألف من سائقي الشاحنات لدى خدمة الطّرود المتّحدة، وقضى هؤلاء الصيف يستعدّون لمسيرة في الأول من آب/أغسطس. وتمثّل كلتا الحملتين التعاقديتّين تعبيرات مؤسسية تنمّ عن رغبة جماعية جديدة: كلتاهما تقودهما مجموعة من القادة الجدد جرى انتخابهم وطنياً ويستخدمون خطاباً راديكالياً مغايراً، وانتقامياً في بعض الأحيان، وكلتاهما تهدفان إلى عكس التنازلات التي قدّمت فيما يتعلّق بالأجور، والتي مُنحت استجابة لإعادة الهيكلة العالمية لأسواق المنتجات (في حالة اتحاد عمّال السيّارات) أو استجابةً لإعادة التصنيف القانوني لعلاقات العمل (نقابة سائقو الشاحنات). وبوصفها حملات تعاقدية، فهي تركز بالضرورة على الأعضاء الحاليين. وتشير الأصداء التي أحدثتها خارج النقابات إلى الطبيعة غير المباشرة لثقافة العمّال الجديدة. 

إذا أراد العمّال أن يستوعبوا هذا الزخم بقصد تنظيمه في حركة عُمّالية وطيدة ومُتنامية، فما من سبيل آخر بخلاف استهداف ذلك النطاق المترامي من العمّال غير المنظّمين من خارج حدود الحملات التعاقدية التي يخوضها اتحاد عمّال السيّارات وسائقو الشاحنات. 

تتكوّن القوى العاملة في الولايات المتّحدة من نحو 166 مليون شخص ينتمون إلى ما يقرب من 131 مليون أسرة. بينهم 14 مليون عامل لا غير، أي ما يقرب من عامل واحد من كل 12 عامل، كانوا أعضاءً في النقابات في خلال العام 2022؛ نصفهم تقريباً يعمل في القطاع العام، ومنهم 2.6 مليون أستاذ في المدارس العامة و2.3 مليون موظّف في الدولة. في حين يعمل 7 ملايين آخرون في الصناعات مدارة من مُلاّكها ومديريها، الذين يتمتعون بخبرة عريضة في توظيف العمالة غير النقابية وتدريبها وتشغيلها. ويشمل هؤلاء 1.2 مليون عامل في مجال الرعاية الصحية (من إجمالي 18.7 مليون)؛ ونحو 1.1 مليون عامل في مجال التصنيع (من أصل 14.6 مليون)؛ ونحو مليون عامل بناء (من أصل 8.6 مليون)؛ بالإضافة إلى 729 ألف عامل نقل في شركات الطيران والسكك الحديدية والمياه والشاحنات والحافلات (من أصل 3.2 مليون)؛  650 ألف عامل بيع بالتجزئة (من أصل 15 مليون)؛ و600 ألف معلم خاص (من أصل 5 ملايين)؛ عدا عن 190 ألف عامل في المرافق (من أصل 968.000)؛ و 373 ألف موظف مكتبيّ (من أصل 16.6 مليون)؛ ونحو 117 ألف عامل في مجال الخدمات الغذائية (من أصل 8.6 مليون)؛ و81 ألف عامل فُندقيّ (من أصل 1.1 مليون). وتتركّز الأقلية المنظّمة أساساً في المعاقل الاقتصادية الإقليمية: ممر وسط المحيط الأطلسي، ونيو إنغلاند، ومدن السيارات الشمالية، وساحل المحيط الهادئ، وشيكاغو وميلووكي، وفي بعض المدن الغربية مثل لاس فيغاس وفينيكس (بفضل حركة «إتحدوا هنا»).

وتُعانى العديد من النقابات اقتصادياً بسبب المنافسة غير النقابية في الأسواق الخاصة بمنتجاتها وخدماتها. ففي مقابل كل شركة مثل خدمة الطرود المتحدة أو جنرال موتورز تعدّ طرفاً في عقد رئيسي، توجد شركة مثل فيديكس أو نيسان ليست كذلك؛ وفي مقابل كل متجر نقابي، توجد عشرات المتاجر المنافسة غير النقابية. تحدّدت البيئة الاقتصادية للعمّال على مدى العقود الأربعة الماضية من خلال نمط يتمحور حول توحيد الملكية بين الشركات المتعاقدة مع النقابات ذات الأيدي العاملة عالية التكلفة، التي تدخل في صفقات قاسية الشروط بالقياس إلى قواها العاملة المنظّمة من أجل حماية حصّتها في السوق ضمن نظام المنافسين غير النقابيين؛ إفلاس أصحاب العمل هي الورقة الرابحة. هذا هو نمط التنظيم الصناعي السائد في ظل النيوليبرالية، والذي يتّسم، كما أظهر أستاذ اقتصاد العمل ديفيد ويل، بتقسيم المسؤوليات المنوطة بأصحاب العمل، لا تجاه المفاوضة الجماعية فحسب، بل تجاه التوظيف نفسه، إلى درجة قيام الشركات بإعادة تصنيف العمل على أنه تعاقد مستقل.

ويعد التحوّل الذي طرأ على صناعة السيّارات مثالاً واضحاً على ذلك. فخلافاً لما شهدته صناعات الصلب والفحم والنسيج والملابس ــ وهي التي شكّلت ساحات المعارك العمّالية في أوائل القرن العشرين ــ لم يتعرّض تشغيل العمالة في قطاعي السيّارات وقطع غيار السيّارات للانكماش في الثلث الأخير من القرن العشرين. إن الفكرة القائلة بأن تراجع التصنيع في عهد ريغان أدّى إلى الحدّ من التشغيل في صناعة السيّارات هي محض أسطورة. لقد بلغ التشغيل في هذه الصناعة ذروته في العام 2000، مُسجّلاً ما يقرب من 1.3 مليون عامل.

ويعود السبب الرئيس في نزوح العمالة الصناعية إلى منافسة الواردات في صناعة قطع الغيار ونمو التجميع غير النقابي بواسطة الشركات المتعدّدة الجنسيات في الولايات المتّحدة، وليس إلى منافسة في مصانع التجميع في الخارج. بحلول أواخر التسعينيات، كان ما يقرب من خُمْس عمّال الصناعة يتركّزون في الجنوب، بينما انطلقت الشركات اليابانية والألمانية في إقامة المصانع غير النقابية على المضمار النقابي في بنسلفانيا (فولكس فاغن)، وأوهايو (هوندا)، وكاليفورنيا (تويوتا)، وميشيغان (مازدا)، إلينوي (ميتسوبيشي)، إنديانا (سوبارو وتويوتا)، وكنتاكي (تويوتا وفولفو). وسواء كانت تلك المصانع مملوكة لأجانب أو كانت موجودة في الجنوب، فإن نسبة متزايدة من المصانع الجديدة المندرجة في هذه الصناعة كانت غير نقابية. سعت الشركات إلى تقليص الأسواق النقابية، بدءاً من دلفي وفيسُتون، وصولاً إلى الأقسام الداخلية التي باعتها فورد وجنرال موتورز استجابة لاتفاقية التجارة الحرّة لأميركا الشمالية. وحتى انهيار الدوت كوم، واصلت كل من دلفي وفيستون توظيف أكثر من 60 ألف عامل أميركي. لقد كان الركود الذي أعقب الأزمة، إلى جانب سلاسل التوريد الجديدة التي تم إنشاؤها بموجب اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (NAFTA)، هو الذي أدّى إلى تقليص الطلب على العمالة المحلّية في الصناعة: انخفض معدّل التوظيف لدى «الخمسة الكبار» في اتحاد عمّال السيارات - جنرال موتورز، وكرايسلر، وفورد، ودلفي، وفيستون - بمقدار 54 ألف وظيفة، بحلول أوائل العام 2003. وفي المجمل، تخلّت الصناعة عن 300 ألف وظيفة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع انخفاض إجمالي العمالة إلى أقل من مليون وظيفة عشية الأزمة المالية العالمية. وهكذا زاد أصحاب العمل نفوذهم في التفاوض على العقود.

تكيّفت النقابات من خلال الموافقة على «تقسيم» العمّال. وفي العام 2006، تبنّت شركة كاتربيلر عقوداً ذات مستويين، وفي العام 2007 فعلت شركات صناعة السيارات «الثلاث الكبرى» (جنرال موتورز، وفورد، وكرايسلر) الأمر نفسه. وعشية انهيار الرهن العقاري الثانوي، انخفض إجمالي أعضاء اتحاد عمّال السيارات إلى 460 ألف عضو، وكان أقل من 200 ألف من هؤلاء العمّال يعملون في الشركات الثلاث الكبرى. وقد أدّى إفلاس شركات فيستيون، وجنرال موتورز، وكرايسلر في خلال الأزمة المالية إلى انخفاض هذا العدد إلى أقل من 150 ألف عامل، وبموجب شروط خطّة الإنقاذ التي فرضتها إدارة أوباما، وافق اتحاد عمال السيّارات على التنازل عن حق الإضراب حتى العام 2015. 

نحو ثُلث عضوية النقابات في العام 2022، أي 70 ألف عضو من أصل 200 ألف، جاء نتيجة التنظيم الجديد، بينما أتت غالبية الأرباح ثمرة للأجور الجديدة في المتاجر المنظّمة بالأساس

إن الاستثمار الأجنبي، وإعادة الهيكلة المحلية، والمنافسة من جانب المصنّعين والموردين غير النقابيين، أعطت الصناعة شكلها الحديث. وتستمر العلامات التجارية في توظيف نحو 300 ألف عامل في الولايات المتحدة، وشراء قطع الغيار من حوالى 4 آلاف شركة توظّف 700 ألف عامل. ومن بين هذا المليون، يمثل اتحاد عمّال السيارات اليوم 150 ألف عامل فقط. 

في مواجهة هذه الرياح المعاكسة، كان التحدي التاريخي للعمّال هو إنشاء رؤوس جسور بين المنافسة غير المنظّمة، مع السعي في الوقت نفسه إلى المفاوضة الجماعية التي تحمي الربحية واستقرار التوظيف في أماكن العمل النقابية. لقد خسر عمّال صناعة السيارات في المصانع غير النقابية بشكل روتيني انتخابات تمثيل اتحاد عمّال السيارات: في عامي 1989 و2001، في مصنع نيسان في سميرنا2001 بولاية تينيسي؛ وفي عام 2017، في مصنع نيسان في كانتون، ميسيسيبي؛ وفي عامي 2014 و2019، في مصنع فولكس فاغن في تشاتانوغا بولاية تينيسي. وكانت هذه المصانع، وقت انتخابها، توظّف ما مجموعه 10 آلاف عامل؛ في الفرز النهائي، عبر المصانع الثلاثة، كان هناك 3,569 صوتاً لا غير لصالح اتحاد عمّال السيارات، و6,180 صوتاً ضدّه. في خلال الحملات، هدّد أصحاب العمل بأن الانضمام إلى النقابات سيؤدّي إلى تقليص إنتاج المصانع، أو حتى إلى إغلاقها تماماً.  كان الانضمام إلى النقابات أمراً محفوفاً بالمخاطر، وغير مضمون العواقب.

لقد مُني عمّال السيّارات في المصانع غير النقابية بخسارة الانتخابات الخاصة باتحاد عمّال السيّارات بصورةٍ دوريّة: في عامي 1989 و2001 في مصنع نيسان في سميرنا بولاية تينيسي؛ وفي العام 2017 في مصنع نيسان في كانتون، ميسيسيبي؛ وفي عامي 2014 و2019 في مصنع فولكس فاغن في تشاتانوغا بولاية تينيسي. وفي غضون فترة الانتخابات كانت هذه المصانع توظّف ما مجموعه 10 آلاف عامل. وفي الفرز النهائي، صوّت ما يقرب من 3,569 عامل عبر المصانع الثلاثة لصالح اتحاد عمّال السيّارات، بينما صوّت 6,180 عامل ضده. وفي خلال الحملات الانتخابية، هدّد أصحاب العمل بأن الانضمام إلى النقابات سيؤدّي إلى تقليص إنتاج المصانع، أو حتى إلى إغلاقها تماماً. كان الانضمام إلى النقابات أمراً محفوفاً بالمخاطر، وغير مضمون العواقب.

وقد واجه العمّال مشاكل مماثلة في مجال صناعة النقل، التي تتعرّض فيها ملكية الشركة للتغيير السريع في إطار تفريغ الالتزامات التعاقدية أمام محاكم الإفلاس. تضاعف عدد شركات النقل غير النقابية في خلال السبعينيات. قام الكونغرس بفتح أسواق جديدة بهدف منافستهم من خلال قانون Motor Carrier في العام 1980، الذي حرّر لائحة التنظيم الفيدرالية. أدّى الركود العميق والمطوّل الناجم عن صدمة فولكر في العام نفسه إلى تسوية مجال الشركات النقابية: انخفض عدد الموقّعين على اتفاقية الشحن الوطنية الرئيسية التابعة لاتحاد سائقي الشاحنات من 500 في العام 1979 إلى أقل من 40 في العام 1985. انخفض عدد سائقي المسافات الطويلة الذين تشملهم معايير اتحاد سائقي الشاحنات من 300 ألف في العام 1979 إلى 136 ألفاً في العام 1998. وفي الوقت نفسه، ارتفع العدد الإجمالي لسائقي الشاحنات. فقد قفز من مليون سائق في أوائل التسعينيات إلى 1.4 مليون اليوم. وبحسب جمعية السائقين المستقلين المعنية بالمالك والمشغّل، يعمل ما بين 350 ألف إلى 400 ألف سائق بوصفهم متعاقدين مستقلّين. اليوم، لا يوجد سوى تكتلان كبيران طرفان في اتفاقية الشحن الرئيسي غير التابعة لاتحاد سائقي الشاحنات والتي تغطّي نحو 33 ألف عامل - أي ربع إجمالي سائقي الشاحنات النقابيين - من إجمالى 1.7 مليون عامل من عمّال النقل.

على العكس من صناعة النقل، التي تتنافس فيها آلاف الشركات على أجزاءٍ صغيرة من السوق الوطنية، لا يضمّ مجال تسليم الطرود سوى 4 شركات فحسب تتنافس في العديد من الأسواق المحلية. تظل «خدمة الطرود المتحدة» أكبر هذه الشركات من حيث الإيرادات معقلاً نقابياً، حيث توظف ما يقرب من 340 ألف عضواً من اتحاد سائقي الشاحنات عبر منشآتها. من حيث الحجم، تسيطر «خدمة الطرود المتحدة» على ربع سوق خدمات الطرود الخاصة في الولايات المتحدة، وهو أعلى قليلاً من شركة فيديكس غير النقابية - وهي الشركة التي شهدت نمواً كبيراً وتضاعفت أرباحها خلال الإضراب الوطني الأخير الذي خاضته «خدمة الطرود المتحدة» في العام 1997.

تكشف شركة فيديكس عن ذلك العداء الفظّ تجاه النقابات الذي تتسم به الشركات الأميركية. فاز أعضاء اتحاد سائقي الشاحنات بانتخابات المجلس الوطني للعلاقات العمّالية في متجر فيديكس الذي يضمّ 20 عاملاً في هارتفورد، كونيتيكت، في العام 2007، لكن الشركة خاضت معركة ناجحة استمرت عشر سنوات لإلغاء النتائج. صوَّت نحو 400 عامل في أربع منشآت تابعة لشركة فيديكس لصالح التمثيل النقابي منذ العام 2014، ولكن في ثلاثة من تلك المرافق، نجحت الشركة في إلغاء اعتماد النقابات بعد رفض التفاوض معهم.

كان النشاط النقابي في خلال العامين الماضيين يدور حول مستويات عاميْ 2009 و2010، وأقل مما كان عليه في خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين

في بداية الوباء، واصلت معظم النقابات التأكيد على الحماية بدلاً من المراهنة على النمو. في العام 2020، عمد اتحاد عمّال السيارات إلى تخصيص ما يقرب من 6% من ميزانيته للتنظيم؛ بينما خصّص اتحاد عمّال الصلب 3% من ميزانيته لا غير. خفّض اتحاد عمّال الأغذية والتجارة إنفاقه التنظيمي من 9% من ميزانيته في العام 2013 إلى أقل من 4% في العام 2021. سعى جيمس بي هوفا، رئيس الأخوية الدولية لسائقي الشاحنات بين عامي 1998 و2022، إلى حماية الأسواق الحالية من خلال الإذعان لمطالب الشركات بالحدّ من تكاليف العمالة، وذلك من خلال تخفيض الأجور والمزايا في العقود الحالية، والتدرّج في تطبيق معاييرٍ أقلّ للعمّال الجدد. في العام 2018، ألحق هوفا  عمّالاً من الدرجة الثانية بالاتفاقية الرئيسية لخدمة الطرود المتّحدة عندما وافق على عقدٍ صوّت عليه أعضاء خدمة الطرود المتحدة. لقد أدّى فقدان الهدف الأسمى إلى الفساد. في العام 2019، اتهمت وزارة العدل قادة أقسام كرايسلر وجنرال موتورز في اتحاد عمّال السيّارات إلى جانب اثنين من أعضاء المجلس التنفيذي، باختلاس أموال من مراكز تدريب إدارة العمل المشتركة وقبول الرشاوى.

لقد أُفسح المجال أمام القادة الجدد لأخذ زمام المبادرة. قامت الهيئات المحلّية التابعة للاتحاد الأميركي للمعلّمين والرابطة الوطنية للتعليم بتنظيم حشد المعلّمين على مستوى الولاية لعام 2018. ويمثل اتحاد عمّال أمازون - الذي يعد أكبر وحدة تفاوضية معتمدة جديدة منذ بدء المجلس الوطني للعلاقات العمّالية في نشر السجلات الرقمية، على الرغم من عدم قدرته على تفعيل حقه في المفاوضة الجماعية - اتحاداً ناشئاً أنشأه زملاء العمل في مدينة نيويورك.

وقد تبنت نقابتان الموقف الجديد علانية: اتحاد عمّال السيّارات واتِحاد سائقي الشاحنات. في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، انتخبت نقابة سائقي الشاحنات، وهي أكبر نقابة للقطاع الخاص في البلاد، شون أوبراين رئيساً. لقد هزم ستيف فايرما الذي أيّده هوفا بهامش اثنين إلى واحد، مع تصويت أكثر من 173 ألف عضو. قام أوبراين بحملة ضد انخفاض حصة نقابة سائقي الشاحنات في السوق، وضد خطّ هوفا المتمثل في تقليص الأجور والمعاشات التقاعدية وامتناعه عن الدعوة إلى إضراب في المجلس الوطني للعلاقات العمالية في العام 2018. ضمّ ائتلافه التجمّع اليساري سائقو الشاحنات من أجل الاتحاد الديمقراطي. يضطلع التجمّع بجمعِ مستحقاته الخاصة وتوظيف عمّاله، وثلاثة من قادته هم الآن أعضاء في المجلس التنفيذي لنقابة سائقي الشاحنات المكون من 27 عضواً. وينضم إليهم مقاتلون من خارج الاتحاد الديمقراطي مثل ليندسي دوجيرتي، رئيسة نقابة فرع نقابة سائقي الشاحنات في المنطقة 399، والتي أدّت دوراً فعّالاً في تعطيل الإنتاج أثناء الإضراب المستمر لنقابةِ الكتاب الأميركية.

في آذار/مارس، أكمل اتحاد عمّال السيارات استفتاء القيادة الخاص به. في العام 2019، عيّن المجلس التنفيذي للنقابة المكون من 14 عضواً رئيسياً جديدا ردّاً على تحقيق الرشوة الفيدرالي. في العام التالي، جمع الأعضاء ما يكفي من التوقيعات لإجراء استفتاء لتغيير طريقة المتبعة في انتخاب القادة. تاريخياً، اختار اتحاد عمّال السيّارات أعضاء مجلسه التنفيذي من خلال 900 مندوب يحضرون المؤتمر الدستوري للنقابة. في تموز/يوليو الماضي، وللمرّة الأولى في تاريخها، أرسلت النقابة بدلاً من ذلك بطاقات اقتراع إلى كل عضو من أعضائها في انتخابات يشرف عليها مراقب عيّنته المحكمة. قامت قائمة الإصلاح بقيادة شون فاين - كهربائي سابق في اتحاد العمّال عن منطقة 1166 في كوكومو، إنديانا، والذي عمل لمدة 10 سنوات في منشأة تدريب كرايسلر - بحملة من أجل قيادة جديدة. ضمت القائمة العديد من الموظفين الآخرين من قسم كرايسلر. ويبدو أن ضلوعها في المخالفات قد أثار ما يكفي من السخط لتحدي القيادة المتبقية.

وأسفر فرز الأصوات عن جولة إعادة على ثلاثة مناصب داخل المجلس التنفيذي، بما في ذلك منصب الرئاسة. وكما فعل تحالف أوبراين مع سائقي الشاحنات من أجل الاتحاد الديمقراطي، عمدت قائمة فاين إلى القيام بحملة بالتعاون مع التجمع اليساري تحت شعار «يا جميع العمّال اتحدوا من أجل الديمقراطية»، تجمّعت حول مجلة Labour Notes وقرائها من السكان المحليين من ذوي التعليم العالي. قدّم سكان كرايسلر المحليون، والسكان ذوو التعليم العالي والياقات البيضاء، وسكان الغرب الأوسط المحاصرون اقتصادياً الغالبية المرجِّحة لقائمة فاين. ومع ذلك، لم تُحسم الانتخابات بفارقٍ عظيم. قدمت كلاً من المنطقة 8 التابعة لاتحاد عمّال السيارات في الجنوب موطن كاري الرئيس الحالي، ونقابة المصوّرين الدوليين في ديترويت معقل تشاك براوننغ نائب رئيس الاتحاد، الغالبية الكبرى الداعمة للقادة الحاليين. في جولة الإعادة التي ضمّت 142 ألف صوت، والتي انتهت في آذار/مارس، فاز براوننغ بغالبية اثنين إلى واحد واحتفظ بمنصبه. خسر كاري بفارق أقل من 500 صوت.

تمثل القيادات الجديدة لهاتين النقابتين الرئيسيتين - اللتين تحصلان معاً على 525 مليون دولار من الإيرادات السنوية وأكثر من مليار دولار من صندوق الإضرابات - ولو بطرق مختلفة، شراكة جديدة وغير مؤكدة بين الراديكاليين والضباط المهنيين ذوي العقلية التجارية. قام فاين بتعيين اثنين من الصحافيين اليساريين لقيادة فريقه الجديد. يقوم كريس بروكس، وهو كاتب سابق في Labour Notes ومنظم في NewsGuild، بدور الرئيس فيه، بينما يشغل الصحافي المستقل جونا فورمان منصب مدير الاتصالات. أسّس كل من فايَن وأوبراَين حملاتهِما على إلغاء العقود ذات المستويين ورفع أجور العمّال الجدد وفق المعايير القديمة. ظهر السيناتور بيرني ساندرز مع كلا الزعيمين.

تشبه المخاوف التي تعتري أصحاب العمل من جرّاء «عودة الحركة العمّالية» البارانويا التي ألمّت بأصحاب المزارع أثناء فترة ما قبل الحرب، حيث راحوا يحذّرون من حياكة المؤامرات، وحرّموا معرفة القراءة والكتابة، ودقّوا نواقيس الخطر على الرغم من الغياب التام للتمرّد

نظراً لأن عقد نقابة سائقي الشاحنات مع نقابة خدمة الطرود كان من المقرّر أن ينتهي في 1 آب/أغسطس، فقد أعطى الاتحاد الشركة موعداً نهائياً في 1 تموز/ يوليو لنهاية العقد، بحيث يكون أمام الأعضاء 4 أسابيع للتصديق على العقد الجديد وتجنّب الإضراب. مدّدت النقابة لاحقاً هذا الموعد النهائي إلى 5 تموز/يوليو، وفي امتياز مدته 13 ساعة وافقت الشركة على إلغاء مستوى الأجور الأدنى، ومع ذلك فشل الطرفان في التوصّل إلى تسوية للأجور. نتيجة لذلك، حشد الاتحاد اعتصامات تدريبية وأعلن عن سلسلة من المسيرات في المدن الكبرى، استعداداً لمنتصف ليل 1 آب/ أغسطس. وفي غضون انتظار تصديق الأعضاء على الاتفاق كان الإضراب يبدو وشيكاً طوال شهر يوليو، حتى 7 أيام قبل انتهاء العقد، عندما أعلن فريق أوبراين عن اتفاق مبدئي. لقد كان أداء فريق التفاوض ممتازاً، وانضم تجمّع العمّال من أجل الاتحاد الديمقراطي إلى النقابة لدعم الاتفاقية. قامت نقابة عمّال السيارات من جانبها باتخاذ جملة من الإجراءات الوظيفية الدفاعية في عامي 2007 و2019؛ ويبدو أن الخطاب الهجومي الصريح في الجولة الحالية يَعِد بتعليق العمل. وقال فاين في منتصف تموز/يوليو، قبل أيام من بدء المفاوضات: «سواء كان هناك إضراب أم لا، فإن الأمر يعود إلى شركات فورد وجنرال موتورز وستيلانتس». (ستيلانتس هي الشركة المتعددة الجنسيات التي تنتمي إليها كرايسلر الآن). «إنهم يعرفون ما هي أولوياتنا».

هل يمكن لحملات العقود التي تخوضها نقابة سائقي الشاحنات واتحاد عمّال السيّارات أن تشقّ الطريق في خلال هذه البيئة الجديدة، التي يتنامى فيها الحماس للعمل المنظّم؟ يزعم البعض أنه في استطاعة تأمين الزيادة في الأجور أن يبرهن على فائدة المفاوضة الجماعية ويزيد من جاذبية النقابات لدى غير المنظّمين. ولكن السمة المميزة لعصرنا تتلخّص في الانحدار المستمر للعمل المنظّم، والذي تشير الميول التجارية والحملات النقابية الحالية إلى أنه سوف يستمر.

من المهم بالنسبة لأولئك الذين يفكرون في تنشيط العمل المنظم أن يفهموا كيف تحدّ مهمة المفاوضة الجماعية بالضرورة من التطلعات الطموحة التي لونت الثورات الداخلية في نقابة سائقي الشاحنات واتحاد عمّال السيارات. وحتى الآن، حلّت الجهود التنظيمية الجديدة في المرتبة الثانية بعد حملات التعاقد التي تستهدف الشركات التي توظف أكثر من ثلث أعضاء كل نقابة. وهذا يعني أن سلطة القادة المتشددين تعتمد على المطالب التي يقدمونها للأعضاء الحاليين، وليس  لغير المنظّمين، والذين تظل مشاركتهم المستقبلية غير مؤكدة.

قال أوبراين بعد وقت قصير من تنصيبه: «يتعيّن علينا أن نعمل على تنظيم أمازون». حتى أن نقابة سائقي الشاحنات أطلقت حملة «أمازون ديفيشن»، بقيادة راندي كورغان رئيس نقابة العمّال في سان بيرناردينو، كاليفورنيا. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الاعتراضات القوية والسديدة التي وجّهها أوبراين لجيف بيزوس، فقد فازت أمازون بنسبة 12% من سوق تسليم الطرود. وعلى النقيض من ذلك، نمت شركة فيديكس حتى أصبحت في حجم خدمة الطرود المتّحدة تقريباً. يواجه اتحاد عمّال السيّارات مشاكل مماثلة. فقد توصّلت أجزاء صناعة السيّارات التي تطوّرت منذ فترة طويلة طرقاً للعمل من دون اللجوء إلى المساومة جماعية.

نظراً لصعوبة الفوز بالمتاجر الكبيرة في ظل أنماط التخويف والإكراه الحالية، احتكر الخيال الجماعي لقادة العمّال في خلال عهد بايدن فكرة النمو من خلال اتفاقيات الحياد، التي يمتنع بموجبها أصحاب العمل عن تنظيم حملات مناهضة للنقابات بين عمالهم. وقد استحوذ هذا المنظور على جماعات الضغط العمالية المنظمة في واشنطن وحلفاء الحزب الديمقراطي، الذين سعوا إلى استخدام لغة الحياد لمتلقي التمويل الفيدرالي والإعفاءات الضريبية - وهي اللغة التي فشل الكونغرس في تضمينها إما في قانون الحد من التضخم أو قانون الرقائق والعلوم. ومع ذلك، فقد دعا فاين إلى إدراج العاملين في صناعة السيارات الكهربائية الناشئة في الجولة الحالية من المفاوضة على العقود في اتحاد عمّال السيارات. لا تمتدّ هذه الخطوة الاستراتيجية إلى أبعد من الموقعين الحاليين - فهي لا تشمل الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية المملوكة لأجانب أو لمالكين جدد - وتتوقف على الشراكة مع واشنطن. إنها لا تشكّل ادعاءً بتمثيل 850 ألف من عمّال صناعة السيارات غير المنتمين إلى النقابات.

على الرغم من كل هذا، لا تزال هناك قوة جديدة مؤكدة تدعم المعاملات في سوق العمل: وهو الوعي الطبقي الجديد في الولايات المتّحدة. لقد ظهر بغض النظر عن التدهور المستمر لحصة النقابات في السوق، والإخفاقات المتكرّرة للأولويات التشريعية الرئيسة للعمل، والشعور المتزايد بأن العمّال وحدهم هم الذين يمكنهم تحقيق الأمن والكرامة التي يعدهم بها أصحاب العمل والنظام السياسي الأكبر. ينعكس ذلك في الثقافة الشعبية، حيث عادت السخرية التي هُمّشت منذ فترة طويلة في الوعي الشعبي إلى الانتشار: الاعتقاد بأن الولايات المتحدة مجتمع فاسد، تحكمه نخبة غير كفؤة بل ومعتلّة اجتماعياً. ويتردّد صدى ذلك من خلال القصص التي يرويها الصحافيون عن انتخابات 2016 و2020، وتلك التي بدأوا يروونها عن العام 2024. والدليل الأكثر عمقاً يكمن في الخطاب الليبرالي ذاته، حيث أصبحت أهداف النمو القوي لتشغيل العمالة وتعزيز قدرة العمّال على المساومة نقاطاً للحديث الاقتصادي القياسي. ولم يعد النقاد ينتقدون فكرة استخدام مقولة الطبقة العاملة في التحليل أو يسخرون من احتمالية قيامها بفعلاً جماعياً.

إن أي مناقشة للمحنة التي يعيشها العمّال اليوم لابد أن تنطلق من ضرورة مساعدة الذات بواقعيةٍ صارمة. وعلى الرغم من كل الدلائل التي تشير إلى سنوح الفرصة باعتراف قادة العمّال، إلا أنه لا يوجد حتى الآن إجماع بشأن كيفية بناء المنظّمة اللازمة للحصول على قدر أكبر من السلطة. قد يشعر كوادر النقابات كما لو أن المهمّة الضخمة المتمثلة في تنظيم المؤسّسات غير المنظمة هي أمر يتعذر عليهم الاضطلاع به. سوف يتطلب الأمر القيام بالتنظيم الذاتي للعمّال الذين يضطلعون بالمهمة الشاملة المتمثلة في تنظيم الإضرابات، في الأغلب ضد إرادة قادتهم وتحدياً لأوامر المحكمة؛ عند ذلك فحسب يمكن لأي اتحاد دمجهم في بنيةٍ أكبر. ومع ذلك، فمن الصحيح أنه يستحيل بلوغ الهدف من دون لجوء النقابات إلى استخدام مواردها الحالية لمواصلة الحملات. من غير المرجح أن تذهب عودة فكرة النقابة إلى أبعد من المسافة التي تقطعها النقابات لتحقيقها.

لا شك أن الوعي الطبقي الجديد يعزّز المواقف التفاوضية التي تتخذها نقابة سائقي الشاحنات ونقابة العمّال المتّحدين. بيد أنه لا يستطيع أن يغير توازن القوى التي تحكم البلاد ما لم يتم استثماره في حملات واسعة النطاق قادرة على مواجهة مراكز السلطة الاقتصادية والسياسية القائمة. وقد أوضح مسار إدارة بايدن هذه الحقيقة. وفقاً للخطاب الليبرالي الجديد، حقّق التوسع المالي في عامي 2020 و2021 نجاحاً باهراً: فقد تضاعف المعدل السنوي لنمو متوسط الأجر في الساعة، والذي كان 2.7% في السنوات الثماني التي سبقت الوباء، إلى أكثر من الضعف في السنوات الثلاث الماضية، ليصل إلى 6.6%، وأكثر من 7% بالنسبة لأولئك الذين يكسبون أقل من المتوسط. ولكن على الرغم من تغيّر وجهات النظر بين كتاب البيزنس وكتاب أعمدة الرأي لدينا، فإن الجدل الحاد المتعلق بالتضخم، الذي استمر لمدة 16 شهراً والذي بدأ في أوائل العام 2021 وبلغ ذروته في الصيف الماضي، يشير إلى أن البعض يعتقد أنه قد تمّ تقديم التنازل عما يكفي من السلطة للعمال. حصر الكونغرس الإنفاق في تحصيل الضرائب، وعارض زيادة الضرائب على سندات خزانة الشركات أو الفئات الأعلى. ويظل التأمين الصحي الوطني أو برنامج الإسكان الفيدرالي - ناهيك عن أي نوع من تجميد الإيجارات أو أسعار السلع الأساسية - مادة للجدل الفكري وليس النقاش التشريعي.

تتكوّن القوى العاملة في الولايات المتّحدة من نحو 166 مليون شخص ينتمون إلى ما يقرب من 131 مليون أسرة. بينهم 14 مليون عامل لا غير، أي ما يقرب من عامل واحد من كل 12 عامل، كانوا أعضاءً في النقابات في خلال العام 2022

يعمل قادة المناضلين في اثنتين من أكبر النقابات الدولية في ظل ظروف هيمنة الشركات المطلقة. وعندما نمت النقابات، تجاوزتها الأسواق غير النقابية. وعندما ارتفعت الأجور، ارتفعت الأسعار بالمثل. لن تتمكّن أي مجموعة من العمّال أو قادة العمّال من تحدّي الوضع الراهن من دون وجود منظمة جديدة تمتد إلى ما هو أبعد من المعاقل الحالية. من يستطيع اليوم أن يوفّر عن حقّ البرنامج الذي يسعه النهوض بتنظيم ملايين العمّال غير المنظمين في هذا البلد؟ لا تزال تلك الإمكانية غير متاحة بعد. ويشير هذا العائق بالذات إلى أننا لم نصل بعد إلى أعماق نضَالاتنا المعاصرة.

واجه العمّال مشاكل مماثلة في مجال صناعة النقل، حيث تتعرّض ملكية الشركة للتغيير السريع في كثير من الأحيان من أجل تفريغ الالتزامات التعاقدية أمام محاكم الإفلاس. تضاعف عدد شركات النقل غير النقابية في خلال السبعينيات. فتح الكونغرس أسواقاً جديدة من أجل منافستهم من خلال قانون الناقلات الآلية لعام 1980، الذي حرّر تنظيم الأسعار الفيدرالية. أدّى الركود العميق والمطوّل الناجم عن صدمة فولكر في العام نفسه إلى تطهير مجال الشركات النقابية: انخفض عدد الموقّعين على اتفاقية الشحن الرئيسي لاتحاد سائقي الشاحنات من 500 في العام 1979 إلى أقل من 40 في العام 1985. انخفض عدد سائقي الشاحنات لمسافات طويلة الذين تغطّيهم معايير اتحاد سائقي الشاحنات من 300 ألف في العام 1979 إلى 136 ألف في العام 1998. وفي الوقت نفسه، ارتفع العدد الإجمالي لسائقي الشاحنات. فمن حوالي مليون سائق في أوائل التسعينيات، ارتفع معدّل التوظيف إلى 1.4 مليون حالياً. ويعمل ما بين 350 ألف إلى 400 ألف سائق إضافي بوصفهم متعاقدين مستقلين، وذلك وفقاً لجمعية السائقين المستقلين. اليوم، ليس هناك سوى تكتلان كبيران طرفان في اتفاقية الشحن الرئيسي غير التابعة لاتحاد سائقي الشاحنات والتي تغطي نحو 33 ألف عامل - أي ربع إجمالي سائقي الشاحنات النقابيين - من إجمالى 1.7 مليون عامل من عمال النقل. 

على عكس النقل بالشاحنات، حيث تتنافس آلاف الشركات على أجزاءٍ صغيرة من السوق الوطنية، لا يضم تسليم الطرود سوى 4 شركات فحسب تتنافس في العديد من الأسواق المحلية. تظل «خدمة الطرود المتحدة» أكبر هذه الشركات من حيث الإيرادات، معقلاً نقابياً، حيث توظف 340 ألف عضواً من اتحاد سائقي الشاحنات عبر منشآتها. ومن حيث الحجم، تسيطر «خدمة الطرود المتحدة» على ما يقرب من ربع سوق خدمات الطرود الخاصة في الولايات المتحدة، أعلى بقليل من شركة فيديكس غير النقابية - وهي الشركة التي شهدت نمواً كبيراً وتضاعفت أرباحها في خلال الإضراب الوطني الأخير لشركة «خدمة الطرود المتحدة» في العام 1997. 

تُعبّر شركة فيديكس عن ذلك العداء الفظّ للنقابات الذي يُعرف عن الشركات الأميركية. فاز أعضاء اتحاد سائقي الشاحنات بانتخابات المجلس الوطني للعلاقات العمّالية في متجر فيديكس الذي يضمّ عشرين عاملاً في هارتفورد بكونيتيكت في العام 2007، لكن الشركة خاضت معركة ناجحة استمرت 10 سنوات لإلغاء النتائج. صوّت نحو 400 عامل في 4 منشآت تابعة لشركة فيديكس للشحن لصالح التمثيل النقابي منذ العام 2014، ولكن في ثلاثة من تلك المرافق، نجحت الشركة في إلغاء اعتماد النقابات بعد رفض التفاوض معهم. 

في بداية الوباء، واصلت معظم النقابات التأكيد على الحماية بدلاً من المراهنة على النمو. في العام 2020، خصّص اتحاد عمّال السيّارات 6% من ميزانيته للتنظيم؛ بينما خصّص اتحاد عمّال الصلب 3% لا غير. خفّض اتحاد عمّال الأغذية والتجارة إنفاقه التنظيمي من 9% من ميزانيتهِ في العام 2013 إلى أقل من 4% في العام 2021. سعى جيمس بي هوفا، رئيس الأخوية الدولية لسائقي الشاحنات بين عاميْ 1998 و2022، إلى حماية الأسواق الحالية من خلال الإذعان لمطالب الشركات بالحدّ من تكاليف العمالة، من خلال تخفيضات الأجور والمزايا في العقود الحالية، والتدرّج في تطبيق معايير أقلّ للعمّال الجدد. في العام 2018، قدّم هوفا شريحة ثانية من العمّال إلى الاتفاقية الرئيسية لـ«خدمة الطرود المتحدة» عندما وافق على عقد صوّت عليه أعضاء «خدمة الطرود المتحدة». لقد أدى فقدان الهدف الأسمى إلى الفساد. في العام 2019، اتهمت وزارة العدل قادة أقسام كرايسلر وجنرال موتورز في اتحاد عمّال السيارات إلى جانب اثنين من أعضاء المجلس التنفيذي، باختلاس أموال من مراكز تدريب إدارة العمل المشتركة وقبول الرشاوى.

لقد تُرِك الأمر للقادة الجدد من أجل أخذ زمام المبادرة. قامت الهيئات المحلّية التابعة للاتحاد الأميركي للمعلّمين والرابطة الوطنية للتعليم بتعبئة المعلمين على مستوى الولاية لعام 2018. ويمثل اتحاد عمّال أمازون - الذي يعد أكبر وحدة تفاوضية معتمدة جديدة منذ بدء المجلس الوطني للعلاقات العمالية في نشر السجلات الرقمية، على الرغم من عدم قدرته على إنفاذ حقه في المفاوضة الجماعية - اتحاداً ناشئاً أنشأه زملاء العمل في مدينة نيويورك.

وقد تبنت نقابتان الموقف الجديد علانيةً: اتحاد عمال السيارات واتِحاد سائقي الشاحنات. في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، انتخبت نقابة سائقي الشاحنات، وهي أكبر نقابة للقطاع الخاص في البلاد، شون أوبراين، رئيساً. لقد هزم ستيف فايرما بهامش اثنين إلى واحد، مع تصويت أكثر من 173 ألف عضو له. قام أوبراين بحملة ضد انخفاض حصة نقابة سائقي الشاحنات في السوق، وضدّ نمط هوفا المتمثل في تقليص الأجور والمعاشات التقاعدية وعدم رغبته في الدعوة إلى إضراب في المجلس الوطني للعلاقات العمالية في العام 2018. ضم ائتلافه التجمّع اليساري وسائقي الشاحنات من أجل الاتحاد الديمقراطي. يقوم التجمع بجمع مستحقاته الخاصة ويوظّف موظفيه، وثلاثة من قادته هم الآن أعضاء في المجلس التنفيذي لنقابة سائقي الشاحنات المكون من 27 عضواً. وينضم إليهم مقاتلون من خارج الإتحاد الديمقراطي مثل ليندساي دوجيرتي، رئيسة نقابة هوليوود 399، والتي لعبت دوراً فعالاً في إيقاف الإنتاج أثناء الإضراب المستمر لنقابةِ الكتاب الأميركية. 

تُعانى العديد من النقابات اقتصادياً بسبب المنافسة غير النقابية في الأسواق الخاصة بمنتجاتها وخدماتها. ففي مقابل كل شركة تعدّ طرفاً في عقد رئيسي، توجد شركة ليست كذلك؛ وفي مقابل كل متجر نقابي، توجد عشرات المتاجر المنافسة غير النقابية

في آذار/مارس، أكمل اتحاد عمّال السيّارات استفتاء القيادة الخاص به. في العام 2019، عيّن المجلس التنفيذي للنقابة المكوّن من 14 عضواً رئيسياً جديداً ردّاً على تحقيق الرشوة الفيدرالي. في العام التالي، جمع الأعضاء ما يكفي من التوقيعات لإجراء استفتاء لتغيير طريقة انتخاب القادة. تاريخياً، اختار اتحاد عمّال السيارات أعضاء مجلسه التنفيذي من خلال 900 مندوب يحضرون المؤتمر الدستوري للنقابة. في تموز/يوليو الماضي، وللمرة الأولى في تاريخها، أرسلت النقابة بدلاً من ذلك بطاقات اقتراع إلى كل عضو من أعضائها في انتخابات يشرف عليها مراقب عيّنته المحكمة. قامت قائمة الإصلاح بقيادة شون فاين - كهربائي سابق في اتحاد العمال عن منطقة 1166 في كوكومو، إنديانا، والذي عمل لمدة 10 سنوات في منشأة تدريب كرايسلر - بحملة من أجل قيادة جديدة. ضمت القائمة العديد من الموظفين الآخرين من قسم كرايسلر. ويبدو أن ضلوعها في المخالفات أثار ما يكفي من السخط لتحدي القيادة المتبقية. 

وأسفر فرز الأصوات عن جولة إعادة لثلاثة مناصب داخل المجلس التنفيذي، بما في ذلك منصب الرئاسة. وكما فعل تحالف أوبراين مع سائقي الشاحنات من أجل الاتحاد الديمقراطي، قامت قائمة فاين بحملة مع تجمّع يساري تحت اسم «يا جميع العمّال اتحدّوا من أجل الديمقراطية»، والذي تم تنظيمه حول مجلة Labour Notes وقرائها من السكّان المحليين من ذوي التعليم العالي. قدّم سكّان كرايسلر المحليون، والسكان المحليون ذوو التعليم العالي والياقات البيضاء، والسكان المحليون في الغرب الأوسط المحاصرون اقتصادياً الغالبية لقائمة فاين. لكن الانتخابات لم تكن اكتساحاً. قدمت كلاً من المنطقة 8 لاتحاد عمال السيارات، في الجنوب - موطن كاري، الرئيس الحالي - ونقابة المصورين الدوليين في ديترويت - معقل تشاك براوننغ، نائب رئيس الاتحاد - الغالبية الكبيرة للقادة الحاليين. في جولة الإعادة التي ضمّت 142 ألف صوت، والتي انتهت في آذار/مارس، فاز براوننغ بغالبية اثنين إلى واحد واحتفظ بمنصبه. خسر كاري بفارق أقل من 500 صوت. 

تمثل القيادتان الجديدتان لهاتين النقابتين الرئيسيتين - اللتان تحصلان معاً على 525 مليون دولار من الإيرادات السنوية وأكثر من مليار دولار من أموال الإضراب - شراكة جديدة وغير مؤكدة بين الراديكاليين والضبّاط المهنيين ذوي التفكير التجاري، وإن كان ذلك بطرق مختلفة. عيَّن فاين صحافيين يساريين لقيادة فريقه الجديد. كريس بروكس، كاتب سابق في Labour Notes ومنظم في NewsGuild، هو رئيس أركانه، والصحافي المستقل جونا فورمان هو مدير الاتصالات. بنى فاين وأوبراين حملاتهما على إلغاء العقود المكوّنة من مستويين ورفع أجور العمّال الجدد وفقاً للمعايير القديمة. ظهر السناتور بيرني ساندرز مع كلا الزعيمين. 

نظراً لأن عقد نقابة سائقي الشاحنات مع نقابة خدمة الطرود كان من المقرر أن ينتهي في 1 آب/أغسطس، فقد أعطى الاتحاد الشركة موعداً نهائياً في 1 تموز/يوليو لإنهاء الاتفاقية، بحيث يكون أمام الأعضاء أربعة أسابيع للتصديق على العقد الجديد وتجنّب الإضراب. مدّدت النقابة لاحقاً هذا الموعد النهائي إلى 5 تموز/يوليو، وفي امتياز مدّته ثلاث عشرة ساعة وافقت الشركة على إلغاء مستوى الأجور الأدنى، ومع ذلك فشل الطرفان في التوصل إلى تسوية للأجور. نتيجة لذلك، حشد الاتحاد اعتصامات تدريبية وأعلن عن سلسلةٍ من المسيرات في المدن الكبرى، كل ذلك استعداداً لمنتصف ليل 1 أغسطس. جعلت حاجة الأعضاء للتصديق على أي اتفاق الإضراب يبدو حتمياً طوال شهر تموز/يوليو - حتى 7 أيام قبل انتهاء العقد، عندما أعلن فريق أوبراين عن اتفاق مبدئي. لقد كان أداء فريق التفاوض ممتازاً، وانضم تجمّع العمّال من أجل الاتحاد الديمقراطي إلى النقابة لدعم الاتفاقية. اتخذت نقابة عمّال السيارات من جانبها، إجراءات وظيفية دفاعية في عامي 2007 و2019؛ ويبدو أن الخطاب الهجومي الصريح في الجولة الحالية يَعِد بتعليق العمل. وقال فاين في منتصف تموز/يوليو، قبل أيام من بدء المفاوضات: «سواء كان هناك إضراب أم لا، فإن الأمر يعود إلى شركات فورد وجنرال موتورز وستيلانتس (ستيلانتس هي الشركة المتعددة الجنسيات التي تنتمي إليها كرايسلر الآن) إنهم يعرفون ما هي أولوياتنا». 

هل يمكن لحملات العقود التي تخوضها نقابة سائقي الشاحنات واتحاد عمّال السيارات أن تكون رائدة في هذه البيئة الجديدة، حيث يبدو أن الحماس للعمل المنظمة ينمو؟ يزعم البعض أن تأمين زيادة كبيرة في الأجور من شأنه أن يبرهن على فائدة المفاوضة الجماعية ويزيد من جاذبية النقابات لدى غير المنظّمين. ولكن السمة المميزة لعصرنا تتلخّص في الانحدار المستمر للعمل المنظّم، والذي تشير الميول التجارية والحملات النقابية الحالية إلى أنه سوف يستمر. 

من المهم لأولئك الذين يبحثون عن إحياء العمل المنظّم أن يفهموا كيف أن مهمة المفاوضة الجماعية تحد بالضرورة من التطلعات الطموحة التي لوّنت الثورات الداخلية في نقابة سائقي الشاحنات واتحاد عمّال السيارات. وحتى الآن، جاءت الجهود التنظيمية الجديدة في المرتبة الثانية بعد حملات التعاقد التي تستهدف الشركات التي توظّف أكثر من ثلث أعضاء كل نقابة. وهذا يعني أن قوة القادة المتشدّدين تعتمد على المطالب التي يقدّمونها للأعضاء الحاليين، وليس على غير المنظمين، والذين تظل مشاركتهم المستقبلية غير مؤكدة. 

في خلال الأزمة المالية إلى انخفاض هذا العدد إلى أقل من 150 ألف عامل، وبموجب شروط خطّة الإنقاذ التي فرضتها إدارة أوباما، وافق اتحاد عمال السيّارات على التنازل عن حق الإضراب حتى العام 2015

قال أوبراين بعد وقت قصير من تنصيبه: «يتعيّن علينا أن ننظّم أمازون». حتى أن نقابة سائقي الشاحنات أطلقت «أمازون ديفيشن»، بقيادة راندي كورغان رئيس نقابة العمال في سان بيرناردينو، كاليفورنيا. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الاعتراضات القوية والسدِيدة التي وجهها أوبراين لجيف بيزوس، فقد فازت أمازون بنسبة 12% من سوق تسليم الطرود. وعلى النقيض من ذلك، نمت شركة فيديكس حتى أصبحت في حجم خدمة الطرود المتحدة تقريباً. يواجه اتحاد عمال السيارات مشاكل مماثلة. ابتكرت أجزاء صناعة السيارات التي نمت منذ فترة طويلة طرقاً للعمل من دون مفاوضة جماعية.

نظراً لصعوبة الفوز بالمتاجر الكبيرة في ظل أنماط التخويف والإكراه الحالية، احتكر الخيال الجماعي لقادة العمّال في خلال عهد بايدن فكرة النمو من خلال اتفاقيات الحياد، حيث يمتنع أصحاب العمل عن تنظيم حملات مناهضة للنقابات بين عمالهم. وقد استحوذ هذا المنظور على جماعات الضغط العمالية المنظمة في واشنطن وحلفاء الحزب الديمقراطي، الذين سعوا إلى استخدام لغة الحياد لمتلقي التمويل الفيدرالي والإعفاءات الضريبية - وهي اللغة التي فشل الكونغرس في تضمينها إما في قانون الحدّ من التضخّم أو قانون الرقائق والعلوم. ومع ذلك، فقد دعا فاين بشكل معقول إلى إدراج العاملين في صناعة السيارات الكهربائية الناشئة في الجولة الحالية من المفاوضة على العقود في اتحاد عمال السيارات. لا تمتد هذه الخطوة الاستراتيجية إلى أبعد من الموقعين الحاليين - فهي لا تشمل صانعي السيارات الكهربائية المملوكين للأجانب أو الجدد - وتتوقف على الشراكة مع واشنطن. إنه ليس ادعاءاً لتمثيل 850 ألف من عمال السيارات غير النقابيين.

على الرغم من كل هذا، لا تزال هناك قوة جديدة لا جدال فيها تدعم المعاملات في سوق العمل: وهو الوعي الطبقي الجديد في الولايات المتحدة. لقد ظهر بغض النظر عن التدهور المستمر لحصة النقابات في السوق، والإخفاقات المتكررة للأولويات التشريعية الرئيسية للعمل، والشعور المتزايد بأن العمّال وحدهم هم الذين يمكنهم تحقيق الأمن والكرامة لأنفسهم التي يعدهم بها أصحاب العمل والنظام السياسي الأكبر. ينعكس ذلك في الثقافة الشعبية، حيث أصبحت السخرية التي هُمّشت منذ فترة طويلة إلى أطراف الوعي الشعبي أمراً شائعاً: الاعتقاد بأن الولايات المتحدة مجتمع فاسد، تحكمه نخبة غير كفؤة وحتى معتلّة اجتماعياً. ويتردد صدى ذلك من خلال القصص التي يرويها الصحافيون عن انتخابات 2016 و2020، وتلك التي بدأوا يروونها عن العام 2024. والدليل الأكثر عمقاً يكمن في الخطاب الليبرالي ذاته، حيث أصبحت أهداف النمو القوي لتشغيل العمالة وتعزيز قدرة العمال على المفاوضة نقاطاً للحديث الاقتصادي القياسي. ولم يعد النقاد ينتقدون فكرة الطبقة العاملة كمقولةٍ للتحليل، أو يسخرون من فكرة أنها قد تمارس قوة جماعية.

إن أي مناقشة للمحنة التي يعيشها العمال اليوم لابد أن تنطلق من ضرورة مساعدة الذات بواقعية صارمة. وعلى الرغم من كل الدلائل التي تشير إلى سنوح الفرصة باعتراف قادة العمّال، إلا أنه لا يوجد حتى الآن إجماع حول كيفية بناء المنظمة اللازمة للحصول على قدر أكبر من السلطة.  قد يشعر موظفو النقابات كما لو أن المهمة الضخمة المتمثلة في تنظيم المنظمات غير المنظمة هي أمر خارج عن سيطرتهم. سوف يتطلب الأمر اضطلاع العمال بالتنظيم الذاتي بواسطة العمال الذين يضطلعون بالمهمة الشاملة المتمثلة في تنظيم الإضرابات، على الأرجح دفاعاً عن قادتهم وتحدياً لأوامر المحكمة؛ عندها فقط يمكن لأي اتحاد دمجهم في بنية أكبر. ومع ذلك، فمن الصحيح كذلك أن يستحيل بلوغ الهدف من دون لجوء النقابات إلى استخدام مواردها الحالية لمواصلة الحملات. من غير المرجح أن تذهب عودة فكرة النقابة إلى أبعد من المسافة التي تقطعها النقابات لتحقيقها.

هدّد أصحاب العمل بأن الانضمام إلى النقابات سيؤدّي إلى تقليص إنتاج المصانع، أو حتى إلى إغلاقها تماماً. كان الانضمام إلى النقابات أمراً محفوفاً بالمخاطر، وغير مضمون العواقب

لا شك أن الوعي الطبقي الجديد يعزّز مواقف نقابة سائقي الشاحنات ونقابة العمّال المتحدين على طاولة المفاوضات. بيد أنه لا يستطيع أن يغير موازين القوى التي تحكم البلاد ما لم يتم توجيهه إلى حملات واسعة النطاق قادرة على مواجهة مراكز السلطة الاقتصادية والسياسية القائمة. وقد أوضح مسار إدارة بايدن هذه الحقيقة. وفقاً للخطاب النيوليبرالي، حقّق التوسّع المالي في عامي 2020 و2021 نجاحاً باهراً: فقد تضاعف المعدل السنوي لنمو متوسط الأجر في الساعة، والذي كان 2.7% في السنوات الثماني التي سبقت الوباء، إلى أكثر من الضعف في السنوات الثلاث الماضية، ليصل إلى 6.6%، وأكثر من 7% بالنسبة لأولئك الذين يكسبون أقل من المتوسط. ولكن على الرغم من تغير الرأي بين كتاب الأعمال وكتاب أعمدة الرأي لدينا، فإن الجدل الحاد حول التضخم لمدة 16 شهراً والذي بدأ في أوائل العام 2021 وبلغ ذروته في الصيف الماضي يشير إلى أن البعض يعتقد أنه تم التنازل عن ما يكفي من السلطة للعمّال. حصر الكونغرس الإنفاق في تحصيل الضرائب، وعارض زيادة الضرائب على سندات خزانة الشركات أو الفئات الأعلى. ويظل التأمين الصحي الوطني أو برنامج الإسكان الفيدرالي ــ ناهيك عن أي نوع من تجميد الإيجارات أو أسعار السلع الأساسية ــ مادة للجدل الفكري وليس النقاش التشريعي. 

يعمل قادة المناضلين في اثنتين من أكبر النقابات الدولية في ظل ظروف هيمنة الشركات المطلقة. وعندما نمت النقابات، تجاوزتها الأسواق غير النقابية. وعندما ارتفعت الأجور، ارتفعت الأسعار بالمثل. لن تتمكّن أي مجموعة من العمّال أو قادة العمّال من تحدي الوضع الراهن من دون وجود منظّمة جديدة تمتد إلى ما هو أبعد من المعاقل الحالية. من يستطيع اليوم أن يوفّر عن حقّ البرنامج الذي يسعه النهوض بتنظيم ملايين العمّال غير المنظمين في هذا البلد؟ لا تزال تلك الإمكانية غير متاحة بعد. يشير هذا العائق بالذات إلى أننا لم نصل بعد إلى أعماق نضَالاتنا المعاصرة.

نشر هذا المقال في Dissent Magazine في خريف 2023.