Preview تسلا السويد

عمّال «تسلا» يؤدِّبون إيلون ماسك

انضمّت نقابات سائقو الشحن في الدنمارك وفنلندا وهولندا إلى الإضراب الذي بدأه 130 عاملاً ميكانيكياً في ورش الخدمة والصيانة التي تتعامل معها شركة «تسلا» في السويد، مع إعلانها في 20 كانون الأول/ديسمبر الحالي عن توقّفها عن نقل شحنات سيّارات «تسلا» التي تتّخذ من تكساس في الولايات المتّحدة مقراً لها. لا تمتلك «تسلا» مصانع لإنتاج السيّارات في السويد لكنّها تمتلك ورشاً لصيانة السيّارات الكهربائية في مختلف أنحاء البلاد التي  تُعتبر من الأسواق المهمّة لها. 

بدأت المعركة في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، في 10 ورش تتوزّع على 7 مدن سويدية مع إضراب 130 عاملاً ميكانيكياً ينتسبون إلى نقابة عمّال المعادن التي تضمّ 300 ألف عامل للمطالبة بعقد عمل جماعي. إلا أن رفض الشركة، أدّى إلى استمرار إضراب العمّال، وأسفر عن سلسلة من الإضرابات التضامنية معهم، إذ انضمّ عمّال الشحن في المرافئ إلى رفاقهم الميكانيكيين في شركة «تسلا»، وأصدرت نقابتهم قراراً بالامتناع عن نقل سيّارات «تسلا» من المرافئ ابتداءً من 7 تشرين الثاني/نوفمبر. وفي 17 من الشهر نفسه انضمّ عمّال الكهرباء وامتنعوا عن تقديم أي خدمات في منشآت «تسلا» ومكاتبها، وفي 20 من الشهر نفسه، رفض الاتحاد السويدي لموظّفي الخدمة والاتصالات تسليم البريد والطرود إلى شركة صناعة السيارات الكهربائية، وبالتالي اكتمل الحصار الذي فرضه العمّال على «تسلا»، التي أصبحت تعاني اليوم من تراجع قدرتها على صيانة السيّارات وبيعها في أحد أكبر أسواقها.

الثراء الفاحش من الأجور المنخفضة

لم يتوقّع إيلون ماسك، الرجل الفاحش الثراء، أن يواجه قتالاً عمّالياً في السويد، وهو المعروف بمعاداته للنقابات ويرى أنها تنشر روح السلبية في شركاته. ففي مؤتمر عقدته «ذي نيويورك تايمز»، عبّر عن رفضه لفكرة النقابات، وأشار إلى أنها تخلق تمييزاً وتقسّم المجتمع إلى فلاّحين ولوردات. ومؤخّراً وصف النقابات السويدية بـ«المجنونة»، بسبب طريقة كفاحها وتضامنها النقابي. 

اكتمل الحصار الذي فرضه العمّال على «تسلا»، التي أصبحت تعاني اليوم من تراجع قدرتها على صيانة السيّارات وبيعها في أحد أكبر أسواقها

لماسك سجل حافل في هضم حقوق العمّال. فالرجل الأغنى في العالم، الذي ازدادت ثروته بقيمة 28 مليار دولار وصولاً إلى 245 مليار دولار بسبب ارتفاع أسهم شركته «تسلا» بنسبة 17% في خلال العام الماضي، صرف 80% من العاملين في شركة «إكس» (تويتر سابقاً) بعد استحواذه عليها في تشرين الأول/أكتوبر 2022. ولم يكتف بذلك في حينها، بل انتشر حديث عن إجباره عمّال الشركة على النوم في مكان العمل بعد أن كتب تغريدة يقول فيها «سوف نعمل وننام هنا حتى إصلاح المؤسّسة»، قبل أن يضطر إلى حذفها لاحقاً. 

يرفض ماسك أن تُظهر النقابات طبيعة العلاقة الاستغلالية التي يقيمها أصحاب العمل مع العمّال، ولكنّه لا يمانع التصرّف كسيّد يمتلك العمّال كعبيد، فيصرفهم من العمل لأنهم لم يتفاعلوا مع تغريداته، أو يمنعهم من ارتداء قمصان نقابية لا تعجبه، أو يحرمهم من حقوقهم خلافاً للقوانين في مناقشة سياسة الأجور وظروف العمل في شركاته التي تنتج السيّارات وتطلق الصواريخ إلى الفضاء بفضل كدح العمّال، ويهدّد عمّاله علناً على منصّة «أكس» مُحذّراً إياهم من الإنخراط في العمل النقابي تحت طائلة حرمانهم من حقوقهم المُكتسبة في الأسهم. وأكثر من ذلك، يتقاضى العمّال في شركات ماسك أجوراً أقل من نظرائهم في شركات أخرى، وهذا ما يعدّ سبباً من أسباب ثرائه الفاحش الذي يراكمه من خفض الأجور لقنص المزيد من الأرباح، ويدعمه بمواقفه المعادية لحرية العمّال وحقّهم في مناقشة ظروف عملهم والانتساب إلى النقابات.

مع ذلك، قد يكون أخطأ ماسك في فتح المعركة مع النقابات السويدية التي لا تزال متماسكة أكثر من غيرها وتتمتّع بميزة التضامن، وقد وصل الانتساب إليها إلى 70% في العام 2022، فيما تشمل عقود العمل الجماعية نحو 90% من العاملين في السويد. فتداعيات المعركة في السويد قد تنعكس على مصانع «تسلا» في ألمانيا، التي تراقب القتال الدائر بين نقابات الشمال الأوروبي وبين الرأسمالي الأكثر معاداة للنقابات وحقوق العمّال. وكانت كريستينا بينر، رئيسة اتحاد عمّال المعادن في ألمانيا، وهو أكبر الاتحادات العمّالية في البلاد، قد حذّرت ماسك من الاستمرار في منع 12 ألف عاملٍ في مصانعه في فرانكفورت والمدن الألمانية من الانضمام إلى الاتحاد الأكبر في البلاد. وعليه، لا شك أن نجاح النقابات السويدية سوف يشكّل حافزاً للنقابات الألمانية التي تحاول بناء الثقة مع الناس عبر بناء النقابات القوية، ولا سيما بعد الإحباط الناجم عن صعود حزب البديل اليميني المتطرف

النقابات حيّة تُرزق

قد لا يكون هناك تشابه في الأوضاع والظروف والقوى بين اتحاد عمّال السيّارات في الولايات المتّحدة واتحاد عمّال المعادن السويدي، إلا أن انتصار الاتحاد السويدي على إيلون ماسك بعد انتصار الاتحاد الأميركي على أكبر صانعي السيّارات في الولايات المتّحدة، ستكون له آثار واضحة على ضفتيْ الأطلسي، والقتال الذي تخوضه النقابات الأوروبية منذ 3 أشهر يتكئ على الانتصار الذي حقّقه عمّال السيّارات الأميركيين، ولا سيّما لجهة فرض عقود العمل الجماعية على شركات «جنرال موتورز» و«فورد موتور» وشركة «ستيلانتس» المالكة لعلامة «كرايسلر».

يرفض ماسك أن تُظهر النقابات طبيعة العلاقة الاستغلالية التي يقيمها أصحاب العمل مع العمّال، ولكنّه لا يمانع التصرّف كسيّد يمتلك العمّال كعبي

والمعركة ضد «تسلا» ليست إلا واحدة من المعارك الكبيرة التي ظهرت في النصف الثاني من العام 2023. على سبيل المثال، نجح اتحاد عمّال الصناعة في الولايات المتّحدة، على إجبار متاجر «ستار باكس» في كانون الأول/ ديسمبر على الاستجابة للمطالب بتحسين الأجور بعد شهر من الإضرابات، التي طالت جميع متاجرها في مختلف الولايات الأميركية، ونجح الاتحاد نفسه في خلال الفترة نفسها في إجبار شركة «أمازون» على توقيع اتفاقية عمل جماعي لكل عمّالها بعد سلسلة من الإضرابات العالمية المشتركة في ألمانيا وفرنسا والولايات المتّحدة.

في سياق محاولات النهوض بالعمل النقابي والعمّالي، دفعت حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل ضد الفلسطينيين إلى تحرّكات عمّالية تضامنية ساهمت في إعادة النقابات إلى دائرة الضوء. فقد نظّم العديد من النقابات عمليات إعاقة لحركة السفن التي تشحن الأسلحة إلى إسرائيل، وصدرت دعوات نقابية لإغلاق مصانع أسلحة متورّطة مع إسرائيل في أنحاء مختلفة من أوروبا وأستراليا وفي الولايات المتّحدة أيضاً. وتميّزت النقابات الهندية بموقف قوي للتضامن العمّالي والنقابي برفضها اتفاقية تصدير العمّال إلى دولة الاحتلال واتهامها حكومة مودي بمشاركة الاستعمار الإسرائيلي في جريمة تطهير الشعب الفلسطيني وإبادته. وآخر التحركات النقابية التضامنية مع الشعب الفلسطيني كانت خلال وقفة لعمّال شركة التكنولوجيا العملاقة «غوغل» للمطالبة بسحب التعاون بين الشركة وإسرائيل في مشروع للذكاء الاصطناعي تستخدمه إسرائيل للتزوّد بمراكز بيانات وخدمات حوسبة تساهم في الفصل العنصري.

تشهد الحركة النقابية صعوداً في الدول المتقدّمة أثر جائحة كوفيد-19، ويتزايد الاهتمام بالتنظيم النقابي بعد أن نجحت إضرابات عدّة متفرقة وأسفرت عن فوائد للعمّال، ما شجّع أقرانهم على المشاركة في التنظيم النقابي. 

صحيح أن الحركة النقابية سجّلت انتعاشاً في الفترة الأخيرة، إلا أنها لا تزال مشتّتة ومشرذمة بعد 4 عقود من الهيمنة النيوليبرالية على عالم يتزايد فيه انعدام الأمن الاقتصادي وعدم المساواة والفقر، فيما تواصل الحكومات سياساتها المنحازة إلى أصحاب العمل، وتقدّم الحروب والأوبئة والهجرة مادة دسمة للأحزاب اليمينية المتطرّفة للترويج لخطاب شعبوي معادي للأجانب واللاجئين ويحمّلهم سبب الأزمات، وهو خطاب يجذب الكثير من الفئات ويعزّز فرص وصول اليمين المتطرّف إلى مواقع السلطة بما يسهّل ضرب أنظمة الرعاية الاجتماعية والعمالة المستقرة والأجور. مع ذلك، لا يمكن إغفال أن نجاح الاضطرابات العمّالية يعدّ دافعاً لإعادة النقاش بشأن أهمّية العمل النقابي وفعاليته في الدول المتقدمة وفي دولنا أيضاً.