Preview إضراب عمال السيارات في الولايات المتحدة

قرن من التحول في صناعة السيارات الأميركية

يتصدر الإضراب، أي إضراب، في قلب صناعة السيارات الأميركية شاشات الأخبار على الدوام. إذ تقع هذه الصناعة في القلب من تاريخ الولايات المتحدة الاقتصادي. من الناحية التاريخية، أعادت الإضرابات في هذا القطاع صياغة العقد الاجتماعي الأميركي. وفي النزاع الحالي تتردد تلك الأصداء بخفوت. لقد قرر الرئيس بايدن دعم اعتصام نقابة عمال السيارات المتحدين، وزاد على ذلك بالتدليل على الأهمية التاريخية لهذا النضال. وحسبما نقل عنه إريك ليفيتز: «وول ستريت لم تبنِ هذه البلد، بل الطبقة الوسطى. والنقابات بَنَتِ الطبقة الوسطى. هذه حقيقة. فلنستمر، أنتم تستحقون ما حصلتم عليه. وتستحقون أكثر بكثير مما تتقاضونه الآن». ولمّا سأله أحد المراسلين عما إذا كان يؤيد مطلب النقابة بزيادة 40% على الأجور طوال العقد المقبل، ضغطت مجموعة من العمّال بهتافاتها على بايدن ليقول «نعم».

في المقابل، التقى دونالد ترَمب الذي يخطب ود الطبقة العاملة الأميركية أيضاً، مع عمّالٍ غير نقابيين. يرى كِلا المرشحين في الإضراب حدثاً سياسياً لا يفوّت. لمعرفة موقع هذا القطاع في التاريخ الاقتصادي الأميركي الحالي نحن بحاجة إلى مزيد من السياق.

تحدثتُ وكاميرون عبادي، في بودكاست وانس آند توز، عن الإضراب ودلالة ظهور بايدن.

صعود الفورديّة وافولها

على الرغم من أهمية الإضراب، فالسؤال الأهم: كيف وصلنا إلى هنا. إن ثلاثي ديترويت ليس اليوم، حتى ضمن صناعة السيارات الأميركية، سوى قطعة في أحجية الصور المقطّعة إلى جانب شبكات إنتاج وتوزيع كبرى، أوروبية وآسيوية، زائد تسلا الشركة الأميركية غير النقابية الرائدة في صناعة السيّارات الكهربائية. لقد باتت الولايات المتحدة، بعدما كانت المركز الأوحد لصناعة السيارات في العالم، مجرد طرف في مشهدٍ عالمي معقّد تهيمن عليه أطراف غير أميركية.

في خلال معظم فترات القرن العشرين، على الأقل لغاية الثمانينيات منه، كانت صناعة السيارات، أكثر من أي صناعة أخرى، مصدر تميّز الاقتصاد الأميركي وما جعله ثرياً للغاية.

أسفر الانتقال من نظام التنقّل المعتمد على السكك الحديدية والخيول، إلى نظام يعتمد إلى حد كبير على السيارات والشاحنات، عن إعادة تعريف أسلوب الحياة الأميركي فجأةً في أوائل القرن العشرين.

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كانت نسبة 80% من جميع السيارات في العالم مصنوعة في الولايات المتحدة. بحلول الستينيات، كانت ديترويت صاحبة أعلى حصة للفرد من الدخل في الولايات المتحدة

بدأ نموذج هنري فورد للإنتاج الضخم مع الطراز T اولا، الذي دخل السوق في العام 1908، وكان له الفضلَ في تحقيق طفرة هائلة وغير مسبوقة في الإنتاجية. أصبح مصنع فورد ريفر روج مِحَج المهندسين الصناعيين من جميع أنحاء العالم. وفي العام 1914، تغيَّرَت صفقة الأجور والأسعار بفعل تطبيق فورد لنظام يوم العمل بخمسة دولارات الذي صار ممكناً بفضل الإنتاجية العالية لخطوط التجميع الضخمة. بحلول منتصف القرن العشرين، أصبحت الفورديّة مرادفًا لأسلوبٍ أميركيّ خاص في الإنتاج الضخم سوف يمكِّن العمّال أنفسهم من استهلاك ثمار عملهم.

يقدم كتاب ستيفان لينك الأخير تاريخاً سياسياً واقتصادياً رائعاً لهذه الظاهرة العالمية.

ومهما تحدّثنا عن مدى ارتباط صعود قوة الولايات المتحدة في القرن العشرين بالسيارات فإننا لا نبالغ. في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كانت نسبة 80% من جميع السيارات في العالم مصنوعة في الولايات المتحدة. بحلول الستينيات، كانت ديترويت صاحبة أعلى حصة للفرد من الدخل في الولايات المتحدة.

مثَّلت الفورديّة قوة إنتاجية بعواقب جيوسياسية. وكانت ديترويت محورية في صعود الولايات المتحدة بصفتها قلعة الديمقراطية. إذا استطعت إنتاج السيارات بكمية ضخمة، يمكنك عندئذٍ إنتاج القنابل، كانت هذه على الأقل الفكرة الراسخة في عقل فورد.

لقد كانت رؤيةً إنتاجية، تردّد صداها لأكثر من نصف قرن حتى يومنا هذا، حيث يستشهد كل من المدافعين عن الصفقة الخضراء الجديدة وعملية السرعة القصوى بقيادة دونالد ترامب بالإنتاج الضخم للطائرات في الحرب العالمية الثانية، للتدليل على ما تستطيع الصناعة الأميركية تحقيقه في ظل التوجيه الصحيح.

واليوم، أصبحت الشخصيات في مجال التكنولوجيا والتمويل أيقونات للرأسمالية. أمّا في منتصف القرن، فقد كان المسؤولون التنفيذيون في قطاع صناعة السيارات في الطليعة. في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كان وزراء دفاع أيزنهاور وكينيدي وجونسون مسؤولين تنفيذيين في مجال صناعة السيارات– تشارلز ويلسون من جنرال موتورز وروبرت ماكنمارا من فورد.

لم تكن الفورديّة مجرّد نظام إنتاجٍ ضخم، بل كانت نموذجاً اجتماعياً أيضاً. وبقدر ما كانت أميركا تتمتع بصفقة الرعاية الاجتماعية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد تميّزت هذه الصفقة بالصراعات بين شركات السيّارات والعمّال المنظمين في الفترة بين الإضراب عن العمل في 1936-1937 ومعاهدة ديترويت في العام 1950 بين جنرال موتورز ونقابة عمّال صناعة السيارات المتحدين. وقد وضع هذا الولايات المتحدة فعلياً على المسار الصحيح نحو نموذج الرعاية الاجتماعية القائم على تأمين القطاع الخاص للرعاية الصحية ومعاشات التقاعد، وإعانات البطالة، وتعديل الأجور على أساس كلفة المعيشة. خلقت هذه الاتفاقية بين النقابة والصناعة الخلط المستمر في الولايات المتحدة بين «الطبقة الوسطى» و«الطبقة العاملة». ولا يزال العمّال الذين تمثّلهم النقابة يتفاوضون اليوم للحصول على حزمة التعويضات الكاملة، وليس مجرد الأجور. وهذا حقق لمن كان جزءاً من قوة العمل الأساسية في صناعة السيارات مبلغاً يفوق متوسط الأجور والمزايا.

لا يزال عمّال السيارات، كما تبين البيانات، من الأعلى أجراً بين العمّال اليدويين في الولايات المتحدة، بيد أن تقلبات منحنى التعويضات الحقيقية بين هبوط وصعود منذ سبعينيات القرن العشرين تُلخِّص بإيجاز الطبيعة غير المستقرة والقتالية لامتيازاتهم.

لم تقف الصناعة الأميركية مكتوفة الأيدي حيال الهزيمة. في الثمانينيات من القرن العشرين، اخترعت الصناعة الأميركية الساعية إلى الخلاص سيارات الدفع الرباعي

طوال الخمسينيات والستينيات، وعلى الرغم من أن عمال السيّارات الأميركيين كانوا في أفضل حالاتهم، فقد كانت الصناعة في الواقع تنمو بالأساس في مكان آخر من العالم. في 1950، بلغت حصة الولايات المتحدة زهاء 75% من إنتاج السيارات في العالم. لكن من حيث عدد الوحدات المُنتَجة، ظل الإنتاج الأميركي ثابتاً عند قرابة 10 ملايين سيارة في السنة. لقد تزايد الإنتاج في الأميركيتين، بالتحديد في كندا والمكسيك، مدفوعاً بالاستثمارات من ديترويت وأوروبا. لم يتخذ التسارع الشديد موقعه في أميركا الشمالية، بل بعيداً عن مجال النفوذ الأميركي – في اليابان وأوروبا الغربية.

في السبعينيات، وعلى ضوء ارتفاع سعر النفط في 1973 و1979، ارتَدَّت هذه المنافسة إلى الولايات المتحدة مع تآكل شديد في حصة ثلاثي ديترويت السوقية.

في السبعينيات، ودفاعاً عن نفسها شنَّت النقابة سلسلة من الإضرابات، واستطاعت في البداية على الأقل إجبار ثلاثي ديترويت على احترام عقود العمال الموقعة في ديترويت في مصانعهم في أنحاء البلاد. لكن بحلول الثمانينيات لم يقتصر الأمر على طوفان الواردات، بل إن منافسي ديترويت من أوروبا وآسيا بدأوا بالفعل تأسيس منشآت إنتاجية في الولايات المتحدة، وخصوصاً في الولايات الجنوبية المعادية للنقابات العمّالية.

بين 1979 وأوائل الثمانينيات، كانت كرايسلر أول قطعة دومينو تسقط، إذ أفلست. في غضون ذلك، جاهدت فورد وجنرال موتورز للحفاظ على حصتيهما السوقية. أنقذ كارتر كرايسلر. وأرهبت إدارة ريغان اليابانيين ليحدّوا من الواردات. بيد أن ديترويت دخلت في مسار تراجعٍ لا رجعة فيه. منذ الثمانينيات، لم تعد الشركات الأميركية مَن يقود الصناعة في العالم، بل تويوتا.

اضفاء الطابع الإقليمي على الإنتاج

تحكي أرقام التوظيف العالمية في جنرال موتورز قصّة صعود وهبوط هذه الصناعة. فقد بلغ عدد موظّفي جنرال موتورز في الولايات المتحدة ذروته في العام 1979 عند 618,365، لتكون بذلك أكبر جهة توظيف خاصة في الولايات المتحدة. وكان عدد موظفيها في جميع أنحاء العالم 853 ألفاً. منذ ذلك الحين كان الانخفاض الاتجاه الوحيد. في العام 2022، وظّفت جنرال موتورز 167 ألفَ موظفٍ.

لم تقف الصناعة الأميركية مكتوفة الأيدي حيال الهزيمة. في الثمانينيات من القرن العشرين، اخترعت الصناعة الأميركية الساعية إلى الخلاص سيارات الدفع الرباعي. وفي الوقت نفسه، كان أداء فورد أفضل نسبياً من جنرال موتورز وكرايسلر بسبب الشعبية المستمرّة لسيارتها، وبالتحديد امتياز إف-150. وفي حين تحوّلت العائلات الأميركية في الضواحي إلى سيّارات الدفع الرباعي، فإن الأميركيين ذوي الدم الأحمر أنصار الحزب الجمهوري ظلّوا المستهلك الرئيس لسيارات البيك أب.

لقد فتحت الجهود المبذولة من بوش وكلينتون لتمرير اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) الباب أمام تحقيق اللامركزية في سلاسل التوريد إلى المكسيك. وعلى نحو متزايد، أعادت صناعة أميركا الشمالية تشكيل نفسها كمركز في صناعة عالمية منظمة حول مجموعات إقليمية. لربما فقدت صناعة السيارات موضتها شيئاً فشيئاً في أوائل القرن الحادي والعشرين، لكنها كانت في الواقع أحد محرّكات الأعمال الرئيسة للعولمة.

لم يقتصر الأمر على إضفاء ثلاثي ديترويت الطابع الإقليمي على الإنتاج في جميع أنحاء أميركا الشمالية، فقد ذهبت جنرال موتورز على وجه الخصوص وراء نظيراتها الآسيوية والأوروبية إلى الصين. في العام 2021، باعت جنرال موتورز في الصين عدداً أكبر من السيّارات مقارنةً بالولايات المتحدة. والواقع أنها باعت من السيّارات في الصين عدداً أكبر من مبيعاتها في كل المناطق الجغرافية الأخرى مجتمعةً. لذا، فإن شركة فولكس فاغن ليست شركة السيارات العالمية الكبرى الوحيدة التي تواجه «مسألةً صينية».

يمكن التفكير في هذه الظاهرة الشعبوية في الولايات المتحدة منذ العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين من زاوية أنها أزمة الفورديّة. فقد اعتاد الساسة الأميركان الإشارة إلى السيارات حين يريدون إظهار النزعة الوطنية الاقتصادية

وفي الوقت نفسه، أصبحت السوق المحلية الأميركية على نحو متزايد ساحة لممارسة الحروب الثقافية التي قسمت المجتمع الأميركي. فالسيارة إف-150 الأكثر مبيعاً على الإطلاق تمثِّل أيقونة الـMAGA. تظهر أبحاث السوق أن ملكية سيارات البيك أب الباهظة الثمن التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود، تميل إلى الحزب الجمهوري مقابل الحزب الديمقراطي بنسبة 8 إلى 1 تقريباً.

لكن كانت أميركا في الوقت نفسه منصة انطلاق وحقل اختبار للتنقل الكهربائي. كانت ولاية كاليفورنيا منذ سبعينيات القرن الماضي المكان الذي أجريت فيه التجارب الأولى على السيارات العاملة بالبطارية. في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان الأميركيون الليبراليون أوائل مَن تبنوا أول سيارة هجينة ناجحة، وهي تويوتا بريوس. في عهد بوش، وحروب النفط والإنكار المناخي للجمهوريين، كانت قيادة سيارة بريوس بمثابة وسام شرف للأميركيين التقدميين.

لا يحب الأميركيون سياراتهم فحسب، بل هم بحاجة إليها. لكن نظراً للحضور الهائل للمُصنِّعين الأجانب، فإن ذلك وحده لم يعد يؤمّن مستقبل شركات ديترويت الثلاثة الكبار التي لا يتعين عليها إنتاج السيارات فحسب، بل إنتاج الربح منها. وفي حين كانت استراتيجية فورد المتخصصة تعني انسحابها خطوة بخطوة من تصنيع السيارات العادية، وجدت جنرال موتورز وكرايسلر نفسيهما في ورطة. 

في العام 2009، في أعقاب أزمة 2008، حدث ما لم يكن في الحسبان. لم تعلن كرايسلر حدها إفلاسها، بل جنرال موتورز أيضاً. والأمر المهم هنا أنه على النقيض من حالة البنوك، استغرق الأمر عدة أسابيع من إدارة أوباما لاتخاذ قرار بشأن إنقاذها. كانت الشروط المفروضة في نهاية المطاف أصعب بكثير من تلك المطلوبة من البنوك في وول ستريت. تلقت القوى العاملة ضربة كبيرة في الأجور.

لقد كانت أكثر من مجرد كارثة مؤسسية، فقد أثَّرت في المجتمع الأميركي ككل وفي صورته الذاتية. في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قارنت مجموعة من الأرقام المشتركة بين جنرال موتورز وأبل في بدايتها: في العام 1955، حققت جنرال موتورز إيرادات بلغت 105 مليار دولار بأرقام العام 2010، ما يعادل تقريبًا أرباح شركة أبل في العام 2014. وفي العام 1955، حققت جنرال موتورز هذه الإيرادات من خلال القوى العاملة الأميركية في جنرال موتورز البالغة 470 ألفاً بالإضافة إلى 70 ألف موظف يعملون في الخارج في الشركات التابعة مثل فوكسهول وأوبل وهولدن. سوف تستمر جنرال موتورز لتجمع قوة عاملة تزيد عن 800 ألفاً في السبعينيات. في العام 2012، حققت شركة أبل، شركة العقد الأميركية الشهيرة، إيرادات بقيمة 108 مليارات دولار، مع عدم تجاوز عدد موظفيها في الولايات المتحدة لـ40 ألف موظف. ولم توظف على نحو مباشر في الخارج سوى 20 ألف شخص. إذ تتكوّن الغالبية العظمى من قوتها العاملة من 700 ألف موظف أجنبي متعاقد. كانت جنرال موتورز شركة أميركية ذات بصمة عالمية واضحة المعالم. وعلى النقيض من ذلك، تُعَد شركة أبل شبكة عالمية معقدة بعقلٍ كاليفورنيّ. وفي صيف 2013، أعلنت ديترويت، التي كانت ذات يوم موطن أعظم صناعة في الولايات المتحدة، إفلاسها. 

يمكن التفكير في هذه الظاهرة الشعبوية في الولايات المتحدة منذ العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين من زاوية أنها أزمة الفورديّة. فقد اعتاد الساسة الأميركان الإشارة إلى السيارات حين يريدون إظهار النزعة الوطنية الاقتصادية.

وفي السنوات العشر التالية، تعافت شركات السيارات القديمة في الولايات المتحدة، وقامت بتحديث عروضها بشكل كبير وحققت أرباحاً جيدة. لكن من الواضح أن العصر الكلاسيكي لصناعة محركات الاحتراق الداخلي في ديترويت يقترب من نهايته.

هذه المصانع ستحتاج في المحصلة إلى عمالة أقل بنسبة 30% لصناعة سيارة كهربائية. وهذا هو الظل الذي يخيم على 150 ألفاً من عمال السيارات الذين تمثلهم النقابة

على الرغم من أن تويوتا قادت الخطوات الأولى نحو السيارات الهجينة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإن شركةً أميركية في العقد الأول من القرن الحادي هي مَن اتخذ الخطوة نحو التنقل الكهربائي الكامل. لكن تلك الشركة لم تكُنْ أياً من الشركات الثلاث الكبرى في ديترويت، بل كانت تسلا. ومن العدم، ومع ركوبها على موجة الحماس بعد عرضها الرائع لجدوى التنقل الكهربائي، تجاوزت القيمة السوقية لشركة تسلا في العام 2017 قيمة شركتي فورد وجنرال موتورز.

في تشرين الأول/أكتوبر 2021، سوف يُقيَّم أحدث بطل للسيارات في أميركا، وهي شركة غير نقابية، بأكثر من قيمة أكبر 10 شركات صناعة سيارات تالية لها مجتمعة.

وكما تعلم شركة تسلا جيداً، فإنها لا تتنافس مع شركات فورد وجنرال موتورز وكرايسلر، بل مع العلامات التجارية الأوروبية الراقية ومع منافسين جدد في سوقها الرئيسة في الصين.

التحول إلى السيارات الكهربائية

وعلى الرغم من خطاب الرئيس، فإن المعركة الدائرة بين نقابة عمال السيارات المتحدين والشركات الثلاث الكبرى لن تقرر مستقبل الطبقة المتوسطة الأميركية، أو حتى مستقبل صناعة السيارات في الولايات المتحدة، دع عنك بقية العالم. لكنها مع ذلك قطعة أساسية من أحجية تحول الطاقة. في مرحلة التحول إلى السيارات الكهربائية، تتسابق الشركات الثلاث الكبرى للحاق بمنافسيها المتقدمين. وتتوقع خططها الاستثمارية ضخ 100 مليار دولار في منشآت الإنتاج الجديدة. وبحسب تقديرات شركتي فولكس فاغن وفورد، فهذه المصانع ستحتاج في المحصلة إلى عمالة أقل بنسبة 30% لصناعة سيارة كهربائية. وهذا هو الظل الذي يخيم على 150 ألفاً من عمال السيارات الذين تمثلهم النقابة. لن تكون هناك معاهدة ديترويت جديدة. تنتشر مصانع البطاريات ومصانع السيارات الكهربائية الجديدة، سواء بَنَتها الشركات الثلاث الكبرى أو الشركات المُصنِّعة الأجنبية، من الشمال إلى الجنوب على طول ممر السيارات من ميشيغان إلى المكسيك.

لكن وكما يشير إريك ليفيتز، فإن الإضراب يحمل أهمية سياسية بالغة لأنه، بصرف النظر عن أجور العمال محل النزاع وظروفهم، يكشف عن الاختلاف الصارخ بين الحزبين المتنافسين في انتخابات السنة القادمة:

ثمّة حزب قادر على الاحتشاد إلى جانب العمال، إذا تعرض لما يكفي من الضغوط داخل الائتلاف ووجد الحافز الانتخابي. وسوف يعرض الحزب الآخر صورة شعبوية بينما يوجه مظالم العمال نحو أهداف أخرى غير أصحاب العمل ويقيم شراكات مع الشركات التي تعمل بالطرق الملتوية لتقويض قدرة العمال على المفاوضة. وأياً كان ما قد ينتج عن إضراب النقابة، فهو على الأقل جعل الاختيار الذي يواجه العمال الأميركيين واضحاً.

 هذه هي الرسالة التي ظل فريق بايدن يدفع بها ليس منذ الأسبوع الماضي فحسب، بل منذ بداية الرئاسة. وقد عضدوها بقرارات سياسية. وحقيقة أن استطلاعات الرأي متقاربة، حيث تظهر العديد من استطلاعات الرأي تقدماً كبيراً لترَمب في التنافس المباشر مع بايدن، تخبرك بمدى خطورة الوضع في الولايات المتحدة في العام 2024.

نشر هذا المقال على مدوّنة أدم توز في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2023. 

علاء بريك هنيدي

مترجم، حاصل على ماجستير في المحاسبة، وشارك في تأسيس صحيفة المتلمِّس. صدر له ترجمة كتاب ديفيد هارفي «مدخل إلى رأس المال» عن دار فواصل السورية، وكتاب جوزيف ضاهر «الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني» عن دار صفصافة المصرية، وكتاب بيتر درَكر «الابتكار وريادك الأعمال» عن دار رف السعودية، وكانت أولى ترجماته مجموعة مقالات لفلاديمير لينين عن ليف تولستوي صدرت ضمن كراس عن دار أروقة اليمنية. كما نشر ترجمات عدّة مع مواقع صحافية عربية منها مدى مصر، وإضاءات، وذات مصر، وأوان ميديا.