هبوط ناعم؟
- هل كان الهبوط في معدّلات تضخّم السلع في العام 2022 بسبب سياسة سعر الفائدة التي طبّقها الاحتياطي الفيدرالي؟ لا شكّ في أن نيّته الأساسيّة كانت كذلك. ولكن من الصعب تصديق أن الزيادات المتكرِّرة في سعر الفائدة التي لم تبدأ إلّا في آذار/مارس أسهمت إلى هذا الحد في كبح التضخّم بحلول تموز/يوليو.
- يبدو أنّ النشاط الاقتصادي العالمي (كما في الصين والهند وغيرهما من البلدان) على موعد مع انكماش قريب. وقد يُجمع كثيرون على أنّ الولايات المتحدة على مشارف هبوط ناعم، ولكنّ ذلك بالتأكيد لا ينطبق على سائر بلدان العالم
أعلن البنك المركزي الأوروبي الشهر الماضي عن رفع معدّل الفائدة الأساسي، أي الحدّ الأدنى لأسعار القروض الممنوحة للمؤسّسات المالية والشركات والأسر، بينما قرّر الاحتياطي الفيدرالي الإبقاء على المعدّل نفسه من دون تغيير، مع العلم أن أعضاءً من اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة يتوقّعون رفع المعدّل الفيدرالي بنسبة أعلى ولمدّة أطول ممّا كان متوقّعاً. أمّا بنك إنكلترا فحذا حذو نظيره الأميركي وثبّت أسعار الفائدة، إنّما بعد تصويتٍ متقاربٍ للجنته المعنيّة بالسياسة النقدية بنتيجة 5 مقابل 4.
يبرِّر الاحتياطي الفيدرالي وغيره من المصارف الكبرى خطوتهم بأنّها ترمي إلى خفض «الطلب المفرط» في الاقتصاد، أي الإنفاق «المفرط» من جانب الأسر والشركات (والحكومات)، من خلال رفع تكلفة الاقتراض بشكل عام، زاعمين أنّ سوق العمل قويّة، وأنّ الأجور ترتفع بمعدّلات كبيرة، وأنّ الأرباح تشهد زيادة أكثر من المتوقّع (وهو أمر بات يلقى اعترافاً واسعاً).
موجة التضخّم الأخيرة لم تأتِ نتيجة «الطلب المفرط» إنّما العرض غير الكافي، ولا سيّما في ظلّ الاختناقات التي شهدتها الإمدادات العالمية بالأغذية والطاقة وغيرها من المواد الأولية والمكوّنات
لا يكفّ قادة المصارف المركزية عن ترديد هذه النغمة على الرغم من وفرة الأدلّة التي خلصت إليها دراسات عديدة ومفادها أنّ موجة التضخّم الأخيرة لم تأتِ نتيجة «الطلب المفرط» إنّما العرض غير الكافي، ولا سيّما في ظلّ الاختناقات التي شهدتها الإمدادات العالمية بالأغذية والطاقة وغيرها من المواد الأولية والمكوّنات. هذه الاختناقات هي التي أدّت في بداية الأمر إلى ارتفاع الأسعار ليتّسع مداها لاحقاً ويطال كلّ القطاعات.
أوجزت صحيفة «فينانشال تايمز» البريطانية ما يحصل بالعبارات الآتية: «أولئك الذين تنبّأوا بهذا الارتفاع في معدّلات التضخّم بين عامَي 2021 و2022 – وهم بمعظهم استندوا إلى فرضيّة الطلب المُفرط – فشلوا كلّهم تقريباً في استشراف الهبوط السريع في التضخّم في خلال الأشهر الـ 12 الماضية مع ما رافقه من تحسّن في الأداء الاقتصادي. أمّا الاقتصاديين الذين فسّروا الانفراج الذي حصل العام الماضي من باب فرضيّة الصدمة التي ألحقتها جائحة كورونا بالعرض فباتوا بمنزلة الحكماء الآن».
من الواضح أنّ انخفاض التضخّم الكلّي في معظم الاقتصادات في خلال العام الماضي، جاء نتيجة استقرار أسعار الطاقة والغذاء وحتّى انخفاضها أحياناً. وفي مقال لصحيفة «وول ستريت جورنال»، كتب الخبير الاقتصادي آلان بليندر: «يشير انخفاض التضخّم الكلّي بنسبة أعلى من التضخّم الأساسي إلى أنّ أسعار الطاقة والغذاء كان لها دوراً حاسماً في تراجع معدّلات التضخّم... هل كان هذا الهبوط المدهش في معدّلات تضخّم السلع الأخرى في العام 2022 بسبب سياسة سعر الفائدة التي طبّقها الاحتياطي الفيدرالي؟ لا شكّ في أنّ نيّته الأساسيّة كانت كذلك. ولكن من الصعب تصديق أن الزيادات المتكرِّرة في سعر الفائدة التي لم تبدأ إلّا في آذار/مارس أسهمت إلى هذا الحد في كبح التضخّم بحلول تموز/يوليو. يسود اعتقاد بأن مفاعيل السياسة النقدية باتت تظهر أسرع من السابق – إنّما ليس بهذه السرعة. إنّ الانفراج الحقيقي الذي شهدناه نتج عن تعافي العرض، فأبرز العوامل التي أسهمت في التضخّم في 2021 والنصف الأوّل من 2022 باتت وراءنا الآن».
هذا الانخفاض في معدّلات التضخّم لم يحدث إذاً نتيجة الإجراءات التي اتخذتها المصارف المركزية على الرغم من زعمها أنّ رفع أسعار الفائدة يقلّل من «توقعات» التضخّم، على اعتبار أنّ هذه التوقّعات من جملة العوامل التي تُسهِم في إذكائه. بيد أنّه لا يمكن التعويل على الأدلّة التي تربط التضخّم بـ«توقّعات» زيادته، فالارتفاع الذي طرأ في خلال العامين الماضيين فاق التوقّعات بعد أن كانت لا تتعدّى 2% قبل عام من انتشار الجائحة، وحتى في ذروة الموجة التضخّمية ظلّت التوقّعات في حدود 3%، والآن تشير هذه التوقّعات إلى انكفاء معدلات التضخّم.
من الواضح أنّ انخفاض التضخّم الكلّي في معظم الاقتصادات في خلال العام الماضي، جاء نتيجة استقرار أسعار الطاقة والغذاء وحتّى انخفاضها أحياناً
ولكنّ التضخّم الماثل أمامنا لم يحدث بمعزل عن عوامل أخرى، حيث أنّ أسعار السوق تتّجه نحو الاستقرار كلّما تساوى العرض والطلب، وما هذا في ظاهره إلّا انعكاس للنظرية النيوكلاسيكية السائدة. غير أنّ العرض والطلب عرضة للتغيير المستمرّ في الواقع. فعلى المدى البعيد، تتأثّر الأسعار بنمو قيمة الإنتاج والإنتاجية من جهة، أي الوقت المستغرق لإنتاج سلعة ما وطرحها في السوق، ومن جهة أخرى، تتأثر بنمو المعروض المالي. لكنّ العوامل القصيرة المدى لها أيضاً تأثير على ميزان العرض والطلب، وهذا تماماً ما حصل إبّان جائحة كورونا.
فلنفترض طلباً إجمالياً يساوي 100 وعرضاً إجمالياً يساوي 100. في هذه الحالة، تستقرّ الأسعار عند مستوى معيّن. أمّا إذا انخفض العرض إلى 90 وظلّ الطلب على حاله (أي 100)، عندئذٍ سوف تنحو الأسعار صعوداً. وهذا ما حصل بالفعل على إثر الجائحة نتيجة عرقلة الإمدادات (العرض) والنمو الضعيف في الإنتاجية. وقد اعتبر مسؤولو المصارف المركزية أنّ الطلب يفوق العرض بكثير، وكانوا على حقّ للوهلة الأولى. فما كان منهم إلّا أن عمدوا إلى خفض الطلب إلى 90. ولكن إذا تراجع ميزان العرض والطلب إلى 90، فهذا يدلّ على تراجع أكبر بكثير في العجلة الاقتصادية، لا بل هو هبوط حادّ مقارنة بالـ 100 السابقة. لهذا السبب فإنّ الإجراءات التي تتّخذها المصارف المركزية لكبح التضخّم لا تؤتي ثمارها إلّا عندما يكون هذا التضخّم ناجماً عن عوامل متّصلة بالعرض، وذلك من خلال المساعدة في الحفاظ على تراجعه أو التسبّب به. ولحسن حظّ المصارف المركزية، فقد استعاد جانب العرض عافيته إلى حدّ ما، أقلّه لناحية إمدادات الطاقة والغذاء والمكوّنات. ولنفترض هنا أنّه صعد إلى 95، فهذا يعني أنّ معدّل التضخّم تباطأ ولو أنّه لا زال أعلى من ذي قبل في ظلّ نشاط اقتصادي أضعف مقارنة بالفترة السابقة.
هذه هي المرحلة التي وصلنا إليها في الاقتصادات الكبرى، فما التالي؟ هل ما زال الركود وارداً في الأشهر الستة المقبلة؟ إذا اعتمدنا الناتج المحلي الإجمالي مقياساً، فالاقتصاد الأميركي ما زال يشهد نموّاً حتى الآن، ولو بوتيرة متواضعة.
تشير التوقّعات للربع الحالي إلى ارتفاع النمو بنسبة 2% إلى 4% على أساس سنوي، ولعلّ ذلك أفضل من النتائج المسجّلة في الربع الثاني. والآن يُجمع الخبراء الاقتصاديون على أنّ الاقتصاد الأميركي متجّه في أسوأ الأحوال نحو «هبوط ناعم» (أي تجنّب الركود)، وقد لا يحدث هذا الهبوط أبداً.
وبالفعل، رحّب رئيس الاحتياطي الفيدرالي بهذا الإجماع، معلِّقاً عليه في خلال المؤتمر الصحفي للبنك بالقول: «لطالما اعتقدت أنّ الهبوط الناعم نتيجة مُرضية، وأنّ هناك سبيل إلى هذا الهبوط. هذه كانت وجهة نظري وقد عبّرت عنها سابقاً منذ أن أقلعنا»، لكّنه أضاف: «هذا الهبوط الناعم مرهون بعوامل خارجة عن سيطرتنا في نهاية المطاف، ولكنّي متأكّد من أنّه ممكن». ولكن حتى لو افترضنا أنّ الاقتصاد الأميركي نجح في تحقيق «هبوط ناعم»، فإنه لن يكون نتيجة الإجراءات التي عمد إليها الفيدرالي، إنّما المسألة مرهونة بأداء القطاعات الاقتصادية الحيوية على مستوى الإنتاجية والاستثمار والأرباح.
قبل شهرين تقريباً، جادلتُ بأنّ سيناريو «غولديلوكس» القائم على مَخرَج معتدل (لا تضخّم ولا ركود) ليس وارداً بالنسبة للاقتصاد الأميركي. صحيح أنّ معدّلات البطالة ظلّت قريبة من أدنى مستوياتها التاريخية، إلّا أنّ اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة تتوقّع ارتفاعاً بسيطاً في خلال العامين المقبلين. ولكنّ المعدّل الرسمي يغفل جوانب عدّة. فمعظم الوظائف المُستحدثة العام الماضي كانت بدوام جزئي. وبالفعل، حدث انخفاض بمقدار 311 ألف وظيفة بدوام كامل منذ نيسان/أبريل، ما يعني أن نموّ الوظائف المستحدثة يضمحل بسرعة.
تتأثّر الأسعار بنمو قيمة الإنتاج والإنتاجية، وتتأثر بنمو المعروض المالي. لكنّ العوامل القصيرة المدى لها أيضاً تأثير على ميزان العرض والطلب، وهذا تماماً ما حصل إبّان جائحة كورونا
شهدت أرقام التوظيف الرسمية تعديلاً في الآونة الأخيرة. وقد أظهرت أرقام الشهر الماضي المعدّلة فصلياً نموّاً متواضعاً بمقدار 187 ألف وظيفة، أمّا أعداد الوظائف غير المعدّلة فانخفضت بمقدار 817 ألفاً. هذا فضلاً عن أنّ بيانات الوظائف سجّلت نتائج سلبية في خلال الأشهر السبعة الماضية على التوالي. ولا يقتصر الأمر على تراجع عدد الوظائف الجديدة في القطاعات السلعية، بل يمتدّ أيضاً إلى الخدمات التي كانت تشهد طفرةً في النمو.
إضافة إلى ذلك، تشهد ساعات العمل في القطاعات انخفاضاً، ما يعني وظائف جديدة وساعات عمل أقلّ. بالعودة إلى المثال أعلاه، نرى أنّ الطلب يتضاءل في جميع الأحوال بصرف النظر عمّا يقدم عليه الاحتياطي الفيدرالي، حيث أنّ معدلات ادخار الأسر انخفضت كثيراً بعد أن كانت عالية جداً قبل الجائحة وبعدها.
تُضطرّ الأسر الأميركية المتوسِّطة على نحو متزايد إلى الاعتماد على مداخيل العمل، غير أنّ التضخم تسبّب بتآكل قدرتها الشرائية؛ أو على الاقتراض (عن طريق البطاقات الائتمانية والقروض للمشتريات الكبيرة كالسيّارات). انخفض متوسط دخل الأسر الأميركية المُعدّل بالتضخّم إلى 74,580 دولاراً أميركياً في 2022، أي بما نسبته 2.3% مقارنةً بمتوسط العام 2021 المُقدّر بـ 76,330 دولاراً أميركياً. وبلغ الانخفاض 4.7% منذ الذروة المسجّلة في 2019. وعلى الرغم من بعض بوادر التعافي في 2023 في ظلّ تراجع تضخّم الأسعار إلى ما دون الزيادات على الأجور، سيبقى متوسّط الدخل الفعلي للأسرة أقلّ مما كان عليه في العام 2019.
في المحصّلة، وصلت نسبة التخلّف عن سداد قروض السيّارات والبطاقات الائتمانية والقروض الاستهلاكية إلى أعلى مستوى لها منذ العام 2012، ما يعني أن الناس يكافحون التضخّم بديون يعجزون عن سدادها.
أمّا بالنسبة لقطاع الأعمال، فبعد أن سجّل أرباحاً قياسية في خلال فترة الجائحة وبعدها، شهدت أرباح الشركات تراجعاً في ظلّ تراجع نموّ الإنتاجية، وارتفاع الأجور ومعدّلات الفائدة على القروض. ففي الربع الثاني من العام 2023، انخفضت أرباح الشركات بنحو 10% مقارنةً بالفترة نفسها لعام 2022. تشكّل الأرباح المؤشِّر الرئيس على الاستثمار المُنتج (الذي يتأخَّر سنة عادةً، يليه انخفاض في التوظيف والاستهلاك). وبالنسبة للإنتاجية التصنيعية، فقد بلغت طريقاً مسدوداً وتباطأت بشكل حاد. وتدفع تكاليف الاقتراض المتزايدة مع ما يرافقها من هبوط في الأرباح العديد من شرائح الأعمال إلى شفير الإفلاس.
حتى لو افترضنا أنّ الاقتصاد الأميركي نجح في تحقيق «هبوط ناعم»، فإنه لن يكون نتيجة الإجراءات التي عمد إليها الفيدرالي، إنّما المسألة مرهونة بأداء القطاعات الاقتصادية الحيوية على مستوى الإنتاجية والاستثمار والأرباح
يستحوذ الإنفاق الحكومي على النصيب الأصغر من الطلب. ولا شك أنّ الإعانات السخيّة التي صُرفت في خلال جائحة كورونا جنّبت الناس خسارة مداخيلهم، إلّا أنّ هذه التقديمات توقّفت، فيما تنتهي فترة تأجيل مدفوعات قروض الطلبة الشهر المقبل. وبعد تسجيل أعلى نسبة عجز في الموازنة الفيدرالية منذ الحرب الكورية، تُفرَض الآن قيود على الإنفاق الحكومي (ما عدا الإنفاق على السلاح والدفاع طبعاً).
نضيف إلى ذلك الأزمة المصرفية التي ظهرت بوادرها في شهر آذار/مارس الماضي إثر انهيار بنوك صغيرة عدة نتيجة التهافت على سحب الودائع. وقد تم إنقاذ هذه البنوك عن طريق تسهيلات ائتمانية خاصة من الاحتياطي الفيدرالي وأموال عامة من شركة تأمين الودائع الفيدرالية. انحسرت هذه الأزمة على المدى القصير لكنّها ما زالت ترخي بظلالها على المشهد المصرفي، حيث يستمر المودعون بسحب أموالهم من البنوك الصغيرة وإيداعها في البنوك الكبرى و/أو صناديق السوق المالية.
وصلت قيمة تسهيلات التمويل الطارئ التي قدّمها الاحتياطي الفيدرالي للبنوك إلى مستوى قياسي جديد بلغ 108 مليارات دولار، على الرغم من «انتهاء» الأزمة المصرفية الإقليمية. وتدفع البنوك معدل فائدة قدره 5.5% مقابل هذه القروض. وإلى جانب هذه القروض، نجد في الميزانيات العمومية للبنوك قروضاً قدّمتها لمطوِّري العقارات التجارية (بما يشبه الفوضى الحاصلة في الصين)، حتى بات رصيد البنوك الصغيرة من العقارات التجارية يناهز 1.9 تريليون دولار. غير أنّ أسعار العقارات انخفضت بنسبة 20% وأكثر من 1.5 تريليون من تلك القروض مُفترض تجديده بحلول 2025 بمعدلات فائدة مُضاعفة.
فضلاً عن ذلك، استثمرت البنوك مبالغ طائلة في السندات الحكومية التي هبطت أسعارها في أعقاب رفع معدّلات الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي. ولعلّ الخسائر المحتملة (والمحقّقة) من هذه السندات هي التي أوصلت البنوك إلى ما كانت عليه في آذار/مارس. وهذه المشكلة لم تنتهِ، إذ إنّ الخسائر غير المحقّقة من السندات تبلغ 558 مليار دولار وهي الآن آخذة في الارتفاع. ونظراً إلى وضعها، تُحجِم البنوك بشكل متزايد عن الإقراض، في حين يواجه الكثير من الشركات الصغيرة (والكبرى) خطر الانهيار.
أمام هذا المشهد، من الصعب التنبؤ بعاقبة حميدة بحسب ما يتفق عليه الخبراء. فحتى لو حقّقت الولايات المتحدة نمواً في ناتجها المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الثالث الذي شارف على الانتهاء، ما زالت مؤسّسة غولدمان ساكس التي عهدناها شديدة التفاؤل تتوقّع انكماشاً في الربع الأخير من 2023، قبل حدوث تعافٍ متواضع في 2024. ورفع الاحتياطي الفيدرالي توقّعاته للنمو الاقتصادي الأميركي إلى 2.1% بموازاة ارتفاع طفيف في معدّل البطالة – وهذا هو بالتحديد المقصود بالهبوط الناعم. لكنّ المؤشّرات المركّبة التي تنظر إلى جميع العوامل الاقتصادية لا زالت تشير إلى احتمالية ركود عالية.
وصلت نسبة التخلّف عن سداد قروض السيّارات والبطاقات الائتمانية والقروض الاستهلاكية إلى أعلى مستوى لها منذ العام 2012، ما يعني أن الناس يكافحون التضخّم بديون يعجزون عن سدادها
ينبغي التذكير بأنّ الهبوط الناعم محصور بالولايات المتّحدة وحدها، فهي الأفضل أداءً من بين الاقتصادات الكبرى بمعدّل نمو 2% حسب الفيدرالي، مع توقّع انخفاض إلى 1.5% السنة المقبلة. أمّا أعضاء مجموعة الدول الصناعية السبع فهم إمّا يعيشون فترة ركود (ألمانيا وكندا) أو باتوا على مشارفها (فرنسا والمملكة المتّحدة واليابان). كذلك، تشهد العديد من الاقتصادات الأوروبية الأصغر حالة انكماش، مثل السويد وهولندا والنمسا، والحال نفسه بالنسبة إلى بلدان أوروبا الشرقية. أمّا غالبية بلدان ما يُسمَّى «الجنوب العالمي» فواقعة في ورطة.
عمد كلّ من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى خفض توقّعاتهم بالنمو لهذا العام والعام الذي يليه، ما ينفي إلى حدّ ما احتمالية الهبوط الناعم عالمياً. ففي الوقت الذي تسجِّل مستويات الدين العالمية ارتفاعاً قياسياً، تشهد أسعار الفائدة ارتفاعاً حاداً.
في الوقت نفسه، يبدو أنّ النشاط الاقتصادي العالمي (كما في الصين والهند وغيرهما من البلدان) على موعد مع انكماش قريب. وقد يُجمع كثيرون على أنّ الولايات المتحدة على مشارف هبوط ناعم، ولكنّ ذلك بالتأكيد لا ينطبق على سائر بلدان العالم.
نُشِر المقال على مدوّنة مايكل روبرتس في 22 أيلول/سبتمبر 2023.