معاينة US colonization cuba

60% من ثروات المليارديرات ناتجة من الميراث والاحتكار والنهب

بحسب تقرير جديد لمنظمة «أوكسفام»، ترك تاريخ الإمبراطورية والعنصرية والاستغلال إرثاً دائماً من اللامساواة، وسمح بتركيز السلطة والثروة في أيدي قلة قليلة من البشر ومن ثمّ توارثها ضمن عائلاتهم عبر الأجيال. وهذا ليس محصوراً داخل كل بلد، وإنما بين البلدان، إذ استخرج أغنى 1% في دول الشمال العالمي 30 مليون دولار في الساعة من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في العام 2023. وفي حين يزداد الأغنياء غنى فاحشاً، تؤدّي السياسات دوراً رئيساً بتعميم الفقر، إذ خفّضت 4 من كل 5 بلدان ميزانياتها المُخصّصة للتعليم والصحة والحماية الاجتماعية، كما خفضت الضرائب التصاعدية. وتراجعت 9 من كل 10 بلدان عن حقوق العمل والحدّ الأدنى للأجور، وأنفقت البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل 48% من ميزانياتها على سداد ديونها، التي غالباً ما تكون لدائنين أثرياء من القطاع الخاص يقيمون في نيويورك ولندن.

نمت ثروة أصحاب المليارات في العام 2024 أسرع بثلاث مرّات من نموها في العام 2023، وارتفع إجمالي ثروتهم بنحو تريليوني دولار أميركي بحسب تقرير «ناهبون لا صانعون» الصادر عن منظّمة «أوكسفام». وفي حين يعيش 44% من البشر بأقل من 6.85 دولاراً في اليوم بحسب البنك الدولي، نمت ثروة كل ملياردير بنحو مليوني دولار أميركي في اليوم الواحد، وجنى أغنى 10 مليارديرات نحو 100 مليون دولار يومياً في المتوسط، لدرجة أنّهم لو فقدوا 99% من ثرواتهم، بين ليلة وضحاها، سوف يظلون من أصحاب المليارات.

في العام الماضي، توقّعت «أوكسفام» ظهور أول تريليونير في غضون عقد من الزمان، ولكن مع تسارع نمو الثروة، تغيّرت هذه التوقّعات بشكل كبير وحادّ. وفي حال استمرّ تضخّم الثروة بوتيرته الحالية، سوف يشهد العالم ظهور 5 من أصحاب التريليونات على الأقلّ في خلال عقد من الزمان. وبحسب قاعدة بيانات «اللامساواة العالمية»، يمتلك أغنى 1% من البشر نحو 45% من الثروة العالمية حالياً، وفيما يحصل أفقر 50% من البشر على 8 سنتات من كلّ دولار من الدخل العالمي، يحصل أغنى 1% منهم على 20 سنتاً، أي نحو الضعف ونصف الضعف. وبحسب البنك الدولي، يعيش 8% فقط من البشر في بلدان ذات مستويات منخفضة من اللامساواة.

توارث الثروة وتضخّمها

تعكس هذه الأرقام صورة قاتمة، إلا أنّ الواقع قد يكون أسوأ من ذلك بكثير، لا سيما أن البيانات الوطنية عن اللامساواة، لا سيما في الجنوب العالمي قديمة للغاية، وبالنسبة إلى أكثر من 100 بلد يرجع آخر قياس رسمي للامساواة إلى ما قبل العام 2020، وبالتالي لا يعكس تأثير جائحة كورونا وما تلاها من أزمة تكلفة المعيشة العالمية وموجة تدابير التقشّف. وبالفعل، باستخدام أحدث بيانات مالية عن وضع العاملات والعمّال ومستويات الضرائب والإنفاق العام في 161 بلداً، يكشّف مؤشّر الالتزام بالحدّ من اللامساواة الذي تعدّه «أوكسفام» ومنظّمة «تمويل التنمية الدولية» عن اتجاهات سلبية في الغالبية العظمى من البلدان منذ العام 2022، إذ خفّضت 4 من كل 5 بلدان حصّة ميزانياتها المُخصّصة للتعليم والصحة والحماية الاجتماعية، كما خفضت الضرائب التصاعدية. وتراجعت 9 من كل 10 بلدان عن حقوق العمل والحدّ الأدنى للأجور. وفي غياب اتخاذ إجراءات سياسية عاجلة لعكس هذا الاتجاه المثير للقلق، ترى «أوكسفام» أنه من شبه المؤكّد أنّ تستمر اللامساواة الاقتصادية في الارتفاع في 90% من بلدان العالم، وأن تكون لها تكلفة عميقة على البشر. ولعل التأثير الأعمق هو أنّه في أفقر البلدان، يمكن للناس أن يموتوا قبل عقد كامل في المتوسط من نظرائهم في الشمال العالمي.

ليس البشر فقط هم من يزداد فقرهم، وإنّما تواجه الكثير من هذه البلدان الإفلاس وتعاني من الشلل الناجم عن الديون بسبب افتقارها إلى المال لتمويل حربها على اللامساواة. وفي المتوسّط، تنفق البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل 48% من ميزانياتها على سداد ديونها التي غالباً ما تكون لدائنين أثرياء من القطاع الخاص يقيمون في نيويورك ولندن. وتفوق هذه النسبة بكثير إنفاق هذه البلدان على التعليم والصحّة مجتمعَين. وبين عامي 1970 و2023، دفعت حكومات الجنوب العالمي 3.3 تريليون دولار كفائدة لدائنين من الشمال العالمي.

يرتبط هذا التركّز الكبير للثروة بالأنظمة الاستعمارية التاريخية، ولكن أيضاً بالأنظمة الحديثة لاستغلال عمل الناس وثروتهم. ففكرة امتلاك أصحاب الثراء الفاحش للثروة بفضل جهودهم الشخصية وطاقاتهم وريادة الأعمال هي فكرة خيالية أساساً، وتشير تقديرات «أوكسفام» إلى أن 60% من ثروات أصحاب المليارات ناتجة من الميراث والاحتكار ونهب المُقدرات. وبحسب «أوكسفام»، لقد ترك تاريخ الإمبراطورية والعنصرية والاستغلال إرثاً دائماً من اللامساواة، وسمح بتركيز السلطة والثروة في أيدي قلة قليلة من البشر ومن ثمّ توارثها ضمن عائلاتهم عبر الأجيال.

صحيح أن عدد الأثرياء ارتفع كثيراً في الجنوب العالمي خلال العقد الماضي ولكن لا يزال الشمال العالمي موطناً لمعظم أصحاب المليارات. ويرجع ذلك جزئياً إلى إرث استعماري آخر. تستمرّ ديناميات استخراج الثروة حتى وقتنا الحاضر، ولا تزال مبالغ طائلة من المال تتدفّق من الجنوب العالمي إلى بلدان الشمال العالمي وأثرى مواطنيه. ففي العام 2023، استخرج أغنى 1% في دول الشمال العالمي 30 مليون دولار في الساعة من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في العام 2023. وحالياً، تسيطر دول الشمال العالمي على 69% من الثروة العالمية، وتؤوي 77% من ثروة أصحاب المليارات، وهي موطن لحوالي 68% منهم، على الرغم من أنّ سكانها لا يشكّلون سوى 21% فقط من سكان العالم.

لا يتم استخراج الثروة من الأفقر لصالح الأغنى فحسب، بل يتمّ توارثها أيضاً. ففي العام 2024 وحده، جمع أصحاب المليارات الجُدد من خلال الميراث في ظرف عام واحد ثروة تفوق كل ما جُمع من ريادة الأعمال. تشير أوكسفام إلى أن 36% من مجمل ثروة أصحاب المليارات موروثة. وخلص بحث أجرته مجلّة «فوربس» إلى أن جميع أصحاب المليارات دون الثلاثين من العمر قد ورثوا ثرواتهم، في حين يقدّر مصرف «يو بي إس» أن أكثر من ألف ملياردير اليوم سوف يتركون أكثر من 5.2 تريليون دولار لورثتهم على مدى العقدين أو العقود الثلاثة المقبلة ولن يكون انتقال الثروة هذا في معظمه خاضعاً للضرائب. وبحسب «أوكسفام»، لا تفرض ثلثا البلدان أي ضرائب على انتقال الثروة إلى الورثة المباشرين، ويعيش نصف أصحاب المليارات في العالم في بلدان لا تفرض ضريبة على الميراث أصلاً. يحافظ هذا الانتقال للثروة المُفرطة بين الأجيال على نظام عالمي ظالم ويديمه.

أيضاً تعد الاحتكارات وعمليات النهب المقوننة نتيجة سيطرة الأثرياء على الاقتصاد وصناعة القرار مُساهماً أساسياً  في تراكم الثروة لدى أغنى الأغنياء. وبحسب «أوكسفام» تساهم الاحتكارات بتراكم 18% من ثروات أغنى 10%، وتساهم عمليات النهب المقوننة أو ما يسمى «فساداً» بنسبة 6% منها. يؤدّي إحكام الاحتكارات قبضتها الخانقة على الصناعات إلى تضخّم ثروات أصحاب المليارات ووصولاً إلى مستويات غير مسبوقة. في جميع أنحاء العالم.. بدليل إنّ الدخل الإجمالي لأكبر خمس شركات في العالم هو أكثر من دخل أفقر ملياري شخص مجتمعين، أي ربع سكان العالم.