فضح هراء الشركات

  • مراجعة لكتاب «هُراء الشركات: فضح الأكاذيب وأنصاف الحقائق التي تحمي الربح، والسلطة، والثروة في أميركا» لنيك هاناور وجوان والش ودونالد كوين، الذي يجمع اقتباسات استخدمتها الشركات على مدار 150 عاماً في إعلاناتها وسردياتها، لإظهار كيف أنها تكرّر الادعاءات نفسها من أجل تعطيل التغيير الاجتماعي التقدّمي والحفاظ على مصالحها وأرباحها.

من فوائد دراسة التاريخ أنها تُعلِّمك اكتشاف الأنماط المتكرّرة. تفهم من خلالها بعض الاطرادات المتعلّقة بكيفية عمل المجتمعات البشرية وكيفية حدوث (أو تعطيل) التحسينات اللازمة للظروف الاجتماعية. إن رؤية ما حدث من قبل تُدرِّبك على صراعات الحاضر. لذلك، على سبيل المثال: عندما ترى كيف نجحت الحملات الدعائية ضد «الضمان الاجتماعي» و««نظام الرعاية الصحّية الأميركي» في الأربعينيات والستينيات من القرن العشرين، يُمكنك أن ترى أصداءها في الترويج الحالي للخوف من «الرعاية الصحية للجميع». وعندما ترى كيف قلَّلت شركات التبغ من مخاطر التدخين، فإنك تفهم الألعاب التي تستخدمها شركات الوقود الأحفوري المعاصرة للتغطية على أضرار منتجاتها.

إن الأثرياء والأقوياء على استعداد لقول أي شيء، حتى أسوأ الأشياء التي يمكن تخيّلها، للاحتفاظ بثروتهم وسلطتهم

يُقدِّم الكتاب الجديد «هُراء الشركات» من تأليف نيك هاناور، وجوان والش، ودونالد كوين خدمة عامة مفيدة من خلال جمع ثروة من الاقتباسات من 150 عاماً من السياسة الاجتماعية الأميركية لإظهار كيف تتكرّر مجموعة معيّنة من نقاط الحديث مراراً في الجهود المبذولة لتعطيل التغيير الاجتماعي التقدمي. وكما كتب هاناور في مقدّمته: 

«على مدى القرن ونصف القرن الماضيين، وفي مجموعة واسعة من القضايا بما في ذلك الحد الأدنى للأجور، والسلامة في مكان العمل، واللوائح البيئية، وحماية المستهلك، وحتى في قضايا لا جدال فيها أخلاقياً مثل عمالة الأطفال والفصل العنصري، استخدمت الشركات، التي كانت تستفيد من الأوضاع الراهنة، بشكل فعَّال سلسلةً مألوفةً من المزاعم «الاقتصادية» التي لا أساس لها وخطابات تروِّج للخوف في جهودها لإبطاء أو إلغاء الإصلاحات الضرورية. وكما سوف يُظهِر أي فحص سريع للاقتباسات التي أدرجناها في هذا الكتاب، فإن الأثرياء والأقوياء على استعداد لقول أي شيء، حتى أسوأ الأشياء التي يمكن تخيلها، للاحتفاظ بثروتهم وسلطتهم. لكن على الرغم من عدم وجود قاع لبئر الوقاحة هذه، هناك نمط متكرّر».

على مدى العقود العديدة الماضية، قيل لنا إن «التدخين لا يسبّب السرطان، والسيارات لا تسبّب التلوث، وشركات الأدوية الجشعة ليست مسؤولة عن أزمة إدمان المواد الأفيونية». إن التعرّف إلى هذا النمط المتكرّر أمر أساسي لاكتشاف «هُراء الشركات» الذي لا حدود له، ومن المهم تعلم كيفية اكتشاف هذا النمط، لأن القصص التي تُسرَد في الدعاية الشركاتية، كما كتب المؤلفون، غالباً ما تكون معقولة ظاهرياً: «على الأقل ظاهرياً، يُقدِّمون مبرراً يهتمّ بالمصلحة العامة ويبدو معقولاً لمواقف هي في الواقع مدفوعة بالكامل بالمصلحة الذاتية». عندما يقول أصحاب المطاعم إن رفع الحد الأدنى للأجور سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف العمالة لديهم، وسيضطّرون من ثمّ إلى تقليص عدد الموظّفين أو إغلاق المطاعم بالكامل، أو تعلن شركات التبغ أن منتجاتها غير ضارّة، فقد تبدو هذه الأشياء صحيحة. لكنها ليست كذلك.

على مدى عقود، قيل لنا إن «التدخين لا يسبّب السرطان، والسيارات لا تسبّب التلوث، وشركات الأدوية  ليست مسؤولة عن إدمان المواد الأفيونية». إن التعرّف إلى هذا النمط المتكرّر أمر أساسي لاكتشاف «هُراء الشركات»

ويُحدِّد هاناور، ووالش، وكوين بعض الأنواع المتمايزة من الهُراء، وهي: 

هذه ليست مشكلة أصلاً: أبسط استراتيجية هي الإنكار التام. السجائر لا تسبّب السرطان. الاحترار العالمي لا وجود له. الأطفال العاملون يشعرون بالسعادة ويتعلَّمون مهارات قيِّمة، أو كما قالت المجلة الصناعية «كول إيدج» في العام 1912: نعلم أن «المنجم صحي» بالنسبة إلى الأطفال بسبب آثاره المفيدة على «نموهم العضلي وطول عمرهم». بل إن الاستعباد جيّد حتى بالنسبة إلى المُستعبَدين، أو كما قال جون سي كالون في العام 1837: «لم يسبق للجنس الأسود في وسط أفريقيا، منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا، أن وصل إلى مثل هذه الحالة من التحضُّر والتحسُّن».

السوق الحرة تعرف أفضل: حتى عندما يُعترَف بالمشكلة، يُزعَم أن القوانين والأنظمة غير ضرورية. ويجد هاناور ووالش وكوين أنه في كل مرة يُكشَف فيها عن انتهاكات الشركات، بدءاً من موت الناس في المناجم إلى المصانع التي ينبعث منها التلوث، يدَّعي ممثلو الصناعة أن المشكلة ستُحل من دون قوانين وأنظمة لأن معالجة المشكلة ستكون في مصلحة القطاع الخاص. الأمر ليس كذلك بالطبع. إن التخلّص من النفايات السامة وتعريض العمّال «غير الضروريين» للخطر يمكن أن يكون سلوكاً عقلانياً تماماً من الناحية الاقتصادية. على سبيل المثال، أكدت «غرفة التجارة الأميركية» في العام 1973 أن «أصحاب العمل لا يسمحون عمداً بوجود ظروف عمل تسبّب الإصابة أو المرض. إن السلامة مُفيدة للعمل».

ليس خطأنا، بل خطؤك: تدَّعي الشركات دائماً أنها تتصرَّف لصالح موظّفيها وعملائها، حتى لو كانت تُلحِق الضرر بكليهما لصالح حاملي أسهمها. يُظهر «هُراء الشركات» أن أحد الأساليب الشائعة هو إلقاء اللوم على الضحية. في عصر ما قبل أحزمة الأمان والوسائد الهوائية، على سبيل المثال، كانت الوفيات في حوادث السيارات تُعزى إلى سوء القيادة. وبالتالي، لو تحلَّى الناس بالمسؤولية الشخصية، لظلوا آمنين. على سبيل المثال، ادَّعت «جمعية الفحم الوطنية الأميركية»، التي اتُّهمت بتعريض عمّال المناجم للخطر، أن «السبب الأساسي للحوادث» هو «الإهمال من جانب العمّال». ووضعت شركة «بوردو فارما»، في مذكرة استراتيجية داخلية، خطتها لإلقاء اللوم على المدمنين بشأن الآثار القاتلة لمنتجات الشركة. في الواقع، بالنسبة إلى الشركة، لم يكونوا «مدمنين»، وإنما يجب الإشارة إليهم بدلاً من ذلك باسم «مُسيئي استخدام الأدوية». 

قالت المجلة الصناعية «كول إيدج» في العام 1912: نعلم أن «المنجم صحي» بالنسبة إلى الأطفال بسبب آثاره المفيدة على «نموهم العضلي وطول عمرهم»

هذا يقتل العمل: هذه لعبة كلاسيكية خالدة. قيلت عن الحد الأدنى للأجور منذ الثلاثينيات من القرن العشرين، عندما قُدِّم الحد الأدنى الفيدرالي للأجور للمرة الأولى. لكن الكارثة التي يتمّ تهديدنا بها لا تحدث أبداً. ويستشهد المؤلفون بمثال حركة «الكفاح من أجل الـ 15» التي شارك فيها هاناور. قبل أن تُمرِّر مدينة سياتل قانون الحد الأدنى للأجور البالغ 15 دولاراً في الساعة، كان أصحاب المطاعم يُحذِّرون من أن قطاع المطاعم سيدخل في حالة من الفوضى بسبب هذا التغيير. لكن ذلك لم يحدث هناك، ولم يحدث في أي مكان آخر قُدِّمت فيه أجور تُيسِّر العيش على الناس. وتبيّن أن التحذيرات لم تكن سوى هُراء شركات. ويقول المؤلفون إن هذا التحذير لا يقل عن تهديد رجال العصابات: «لديك اقتصاد جميل، وسيكون من الشائن أن يحدث له أي شيء يضر به».

لن يؤدي ذلك إلا إلى تفاقم الأمور: إنها العبارة المبتذلة القديمة القائلة بأن الإصلاحات التقدّمية «تضر فقط بالأشخاص الذين تحاول مساعدتهم». الامتناع المستمر عن فعل أي شيء. ببساطة، خطر القيام بشيء ما مرتفع للغاية. هذا ما قالته شركة «موبيل» في العام 1997: «علم تغيُّر المناخ غير مؤكَّد إلى الحد الذي لا يسمح له بوضع خطة عمل يمكن أن تُغرق الاقتصادات في الاضطرابات». وكل رعب يفيد الوضع الراهن يُبرَّر بحجة مفادها أن البدائل من شأنها أن تجعل الجميع في حال أسوأ. يَقتبس «هُراء الشركات» من المُدافع عن العبودية توماس ديو، الذي كتب في العام 1832 أنه «لا يمكننا التخلص من العبودية من دون التسبُّب في ضرر أكبر لكل من السادة والعبيد». حتى إن المؤلفين يقتبسون من أحد معارضي حق المرأة في التصويت ادعاءه بأن «الأطباء» خلصوا إلى «أن آلاف الأطفال سيتعرضون للأذى أو القتل قبل الولادة بسبب التأثير الضار للإثارة السياسية - التي جاءت في غير وقتها - على أمهاتهم» إذا بدأت الأمهات في التصويت.

إنها الاشتراكية: يُظهِر «هُراء الشركات» أن كلمات «اشتراكية» و«شيوعية» قد نُشِرَت بأكثر الطرق اتساماً بالمبالغة. قالت «الرابطة الوطنية للمُصنِّعين» في العام 1938 إن «قانون معايير العمل العادل» «يُشكِّل خطوة في اتجاه الشيوعية، والبلشفية، والفاشية، والنازية». وحتى بيل كلينتون، النيوليبرالي الذي اعتنق أولويات السياسة الجمهورية، أُطلق عليه لقب الاشتراكي عندما حاول إجراء تعديلات طفيفة على نظام الرعاية الصحية!

تكمن قوة «هُراء الشركات» في حجم ما ينطوي عليه من بحث أرشيفي. إنه كتاب صغير الحجم، لكنه يحوي الكثير من الاقتباسات، والكثير منها مُثير جداً للاشمئزاز، وكلها توضِّح أنه كلّما تغيرت الأشياء، كلّما ظلت على حالها. والكتاب مليء بمقتطفات مذهلة من السجل التاريخي، مثل هذه المادة التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» عام 1964: 

 

 

Previewإعلان

إعلان لدراسة صناعية تُطمئن المُدخنين، تقول إن هناك تقرير صادر عن «مجلس التبغ» لم يجد أي علاقة بين السجائر وأمراض القلب. وأن الدراسات التي أجريت في السنوات العشر الماضية، لم تجد أي دليل مختبري يربط سرطان الرئة أو أمراض القلب القاتلة بتدخين السجائر، حسبما أكد «مجلس أبحاث التبغ» أمس في تقريره لعامي 1963-1964».

وفيما يلي بعض النقاط البارزة الأخرى التي وجدها المؤلفون في الأرشيفات: ادَّعت شركة «كرايسلر»، في العام 1972، أنه «لا يوجد دليل علمي يُظهِر تهديداً للصحة من انبعاثات السيارات في الهواء الطبيعي المعتاد الذي نتنفسه. ولا حتى في المدن المزدحمة». ووصف لي إياكوكا، رئيس شركة «فورد»، أحزمة الأمان ومساند الرأس بأنها «مضيعة كاملة للمال». وادَّعى إياكوكا لاحقاً أن «قانون الهواء النظيف» يمكن أن «يمنع استمرار إنتاج السيّارات». وقالت «شركة الرصاص الوطنية» (1923) إن «الرصاص يساعد في الحفاظ على صحتك». وكتب «معهد كاتو» الداعم للسوق الحرة في العام 2000 أن «سوق القروض عالية المخاطر الخاصة بالرهن العقاري، التي تجعل الأموال متاحة للمقترضين ذوي الائتمان الضعيف أو الذين لديهم تاريخ ائتماني ضئيل أو ليس لديهم تاريخ ائتماني، يُقدِّم مثالاً جيداً للمنافسة». (عفواً!) زعمت «جمعية اللُب والورق الأميركية» أن «النفايات الصناعية لا تُشكِّل تهديداً للصحة العامة». كل هذه الخطابات مألوفة بشكل محبط، مثل قول «جمعية مصنعي ولاية إلينوي» في العام 1934 إن التأمين ضدّ البطالة «سيؤدي إلى مزيد من التدخل غير الضروري للحكومة في مجال المشاريع الخاصة، ما يؤدّي بدوره إلى تفاقم الصعوبات التي سبَّبتها بالفعل اللوائح، والقيود، والمنافسة الحكومية واسعة النطاق». وقالت «الرابطة الوطنية لمتعهدي التأمين على الحياة» عن «نظام الرعاية الصحية الأميركي» في العام 1965 إنه «سينشئ برنامجاً صحياً لا يخدم سوى القليل من الأغراض الاجتماعية الضرورية أو لا يخدم أي غرض اجتماعي ضروري على الإطلاق، وسيكون بمثابة تدخُّل مباشر، وغير مبرّر، وغير عادل تماماً في المؤسسات الخاصة». ومراراً وتكراراً نسمع تنويعات طفيفة من هذه الثيمات المألوفة.

من بين اكتشافات المؤلفين المفضلة لدي الاقتباس الذي كتبه إدوارد أنيس، رئيس «الجمعية الطبية الأميركية»، في العام 1971، والذي يهاجم الحق في الرعاية الصحية على هذا النحو: «يعتقد البعض أن من حق الناس الحصول على الرعاية الصحية بوصفها حقاً من حقوقهم، سواء كانوا يعملون أو لا. وهذا أمر يُعادل سخافة القول بأن الطعام، والملبس، والمأوى مَسَائِل حق - اتخاذ خطوة أبعد من ذلك تعني التحوّل إلى نظام ثوري يقترب من الشيوعية».

يقتبس المؤلفون من أحد معارضي حق المرأة في التصويت ادعاءه بأن «الأطباء» خلصوا إلى «أن آلاف الأطفال سيتعرضون للأذى أو القتل قبل الولادة بسبب التأثير الضار للإثارة السياسية على أمهاتهم» إذا بدأت الأمهات في التصويت

نعم، الحق في عدم الجوع حتى الموت سيكون هذا أمراً سخيفاً، أليس كذلك؟

المغزى هنا ليس فقط تصنيف الأمثلة الأكثر وقاحة في التاريخ للدعاية القائمة على المصلحة الذاتية، بل تعليم القراء كيفية فهم الحجج القابلة للدَّحض. يُشجِّع المؤلفون القراء على الانخراط في التفكير النقدي: التحقُّق من أساليب البحث ومصادر التمويل الكامنة وراء الادعاءات، وتعلُّم كيفية رواية قصص أفضل من الجانب الآخر. إنها مهمة أُقدِّرها، لأنها تشبه ما حاولت القيام به في كتابي «الرد على اليمين: ردود موجزة على 25 حجة مُحافِظة» وما حاولنا القيام به في مجلتنا «دليل الطالب لمقاومة دعاية جامعة براغر». وكما يُلاحِظ مؤلفو «هُراء الشركات»، فإنه بالنسبة إلى معظم الناس، قد يكون من الصعب التمييز بين الدعاية والحجة الصادقة لأننا ببساطة «ليس لدينا الوقت الكافي لمعرفة من على حق»، وهذا هو السبب في أنه من السهل على الشركات زرع الشك فينا. لكن من خلال تعلُّم التفكير النقدي والقدرة على اكتشاف الأنماط المتكررة بناءً على الاطرادات التاريخية، يمكننا تقليل احتمالات خداعنا.

ومن الصحيح أيضاً أنه من خلال النظر إلى مدى وضوح العيوب التي تبدو عليها هذه الحجج القديمة، يمكننا بسهولة رؤية سخافة الحجج التي تُطرح علينا اليوم. نعلم الآن أنه كان من باب الهُراء أن قال المصنِّعون في نيويورك في العام 1913 إن قواعد مكافحة الحرائق ستؤدي إلى «محو الصناعة في هذه الولاية». وعلى نحو مماثل، عندما قالت شركة «دوبونت» في العام 1988 إن حظر المواد الكيميائية التي تُدمِّر طبقة الأوزون يعني أن «صناعات بأكملها يمكن أن تنهار». والشيء نفسه ينطبق على قول «رابطة الحرية الأميركية» في العام 1935 إن «الضمان الاجتماعي» سيكون «نهاية الديمقراطية». إن الخطأ المطلق في هذه التصريحات الواثقة لابد أن يُسهِّل علينا رؤية كيف أن التحذيرات بشأن «الرعاية الصحية للجميع» و«الصفقة الجديدة الخضراء» في عصرنا الحالي زائفة على نحو مُماثل.

لست متأكداً في الواقع من أن الهُراء الموجود في «هُراء الشركات» «شركاتي» على وجه التحديد. يُبيِّن المؤلفون أن أنواع الحجج نفسها استُخدمت حتى ضد الحقوق المدنية وحق المرأة في التصويت، حيث توجد بُنى سلطة أخرى نَشِطة. في تحليلي الخاص للحجج اليمينية، وجدت الإطار الذي قدّمه ألبرت هيرشمان في كتابه «خطاب الرجعيين» مفيداً. يوضِّح هيرشمان أن أولئك الذين يحاولون معارضة إدخال تغييرات في بنية السلطة - سواء كانت الشركات التي تحاول حماية ثرواتها أو الرجال الذين يحاولون حماية امتيازاتهم الخاصة - يستخدمون الأفكار المتكررة المألوفة نفسها عن كيف أن الإصلاح التقدمي الحالي من شأنه أن يُنهي الحضارة، ويضرّ بالمستفيدين المقصودين، إلخ.

أولئك الذين يحاولون معارضة إدخال تغييرات في بنية السلطة يستخدمون الأفكار المتكررة المألوفة نفسها عن كيف أن الإصلاح التقدمي من شأنه أن يُنهي الحضارة، ويضرّ بالمستفيدين المقصودين

سوف يجعل «هُراء الشركات» القُرّاء مُتهكِّمين، بطريقة جيّدة، حتى نتمكن من الضحك عندما نسمع، على سبيل المثال، مارك زوكربيرغ يقول في العام 2021 إن وسائل التواصل الاجتماعي لها «فوائد إيجابية على الصحة العقلية» ويُنكر أن «فايسبوك» يمكن أن «يجعل الناس غاضبين أو مكتئبين» على أساس أن «الحوافز الأخلاقية والتجارية والإنتاجية» كلها تدفع الشركة في الاتجاه الآخر. وهذه مجرد نسخة أخرى من ادعاء آلان غرينسبان في العام 1963 بأنه «من المصلحة الذاتية لكل رجل أعمال أن يتمتَّع بسمعة التعامل الصادق والمنتَج عالي الجودة». وهذا هُراء الآن بقدر ما كان هُراءً حينها، لأنه بالطبع قد يكون من مصلحة «فايسبوك» إثارة الغضب أو الاكتئاب لدى الناس، إذا كان الغضب يجعل الناس مدمنين على المنتَج.

الآن، نواجه، كما لاحظ المؤلفون، كارثة تهدّد العالم، ألا وهي تغيّر المناخ. يكتبون: «إن تغيّر المناخ هو الموضع الذي قد تؤدّي فيه عقلية «إنها ليست مشكلة أصلاً» إلى إحداث الضرر الأكثر كارثية على الإطلاق». إن هُراء الشركات يُعرِّض حياة الناس للخطر، والأضرار التي تسبّبها شركات التبغ الكبرى تتضاءل بجانب التكاليف المحتملة للكارثة المناخية التي خلقتها صناعة الوقود الأحفوري. إن القدرة على رؤية الهُراء - وتحصين النفس ضده - لا يمكن أن تكون أكثر إلحاحاً.

نُشِر المقال في Current Affairs في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2023.