Preview كلفة الحروب الاميركية

4.5 مليون قتيل في الحروب الأميركية منذ العام 2001

أكثر من 70% من ضحايا الحروب التي تورّطت فيها الولايات المتحدة الأميركية بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، لم يُقتلوا مباشرة بفعل العنف والصراع. هؤلاء، ماتوا نتيجة مضاعفات الحرب إمّا بسبب الجوع أو المرض أو التلوّث البيئي أو الانهيار الاقتصادي أو التعرّض لصدمات نفسية.

خلقت الحروب  نمطاً موحّداً من المعاناة سوف يقود حكماً في السنوات المُقبلة إلى مضاعفة أعداد الضحايا

الحروب التي خيضت في أفغانستان والعراق وباكستان وليبيا والصومال وسوريا واليمن، حصدت حياة نحو 4.5 مليون شخص على الأقل، فيما لا يزال يعاني ملايين غيرهم حتى الآن من آثارها المدمِّرة على الرغم من مضي سنوات على انتهاء بعضها.

تقول أرقام دراسة صادرة عن مركز «واتسن الدولي» في جامعة براون بعنوان «كيف يعيش الموت أكثر من الحرب: تأثير حروب ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر على صحة الإنسان»، إنّ أكثر من 7.6 مليون طفل دون سنِّ الخامسة في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن والصومال يعانون من سوء التغذية الحاد، مُشيرةً إلى أن 95% من الأفغان لا يحصلون على ما يكفي من الطعام، وأن نحو 7.3 مليون يمني يواجهون مستويات طارئة من الجوع، فيما من المتوقّع أن يشهد الصومال في فترات مقبلة مجاعة جديدة. 

في المحصلة، وبعد دراسة بعض ملامح تلك الأثمان غير المعلنة، يتبيّن أن هذه الحروب خلقت نمطاً موحّداً من المعاناة سوف يقود حكماً في السنوات المُقبلة إلى مضاعفة أعداد ضحايا «حروب مكافحة الإرهاب».

اللامساواة في الحرب: الفقراء يموتون بشكل أسرع!

ثمة رابط متين بين ارتفاع معدّلات الوفيّات غير المباشرة للحرب والفقر. ووفق عالمة الأوبئة ليزلي روبرتس، «كلّما كان السكان أكثر فقراً وأقرب إلى حافة البقاء على قيد الحياة قبل الصراع، كلّما كانوا عرضة بشكل أسرع للموت في خلاله أو بعده».

يُعاني أهالي المناطق التي تشهد صراعاً شديداً أكثر من غيرهم، تماماً كحال المقيمين في المناطق الريفية حيث الخدمات الحكومية أقل

وبطبيعة الحال، يتبيّن أن الفقراء هم أول ضحايا الجوع وتآكل مصادر العيش وانتشار الأمراض، بسبب عدم قدرتهم على تأمين الرعاية الصحّية والحصول على المياه النظيفة والغذاء المطلوب واضطرارهم إلى العمل بظروفٍ خطيرة وغيرها من العوامل. 

تشير الدراسة الى أن الدول الأكثر ثراءً والتي لديها بنية تحتية أكبر قد تسجّل نسب وفيات غير مباشرة أقل. مثلاً في حالة العراق، بلغت نسبة الضحايا الذين توفوا بشكل غير مباشر نحو 33% فقط، وهي أقل من تلك التي سُجِّلت في اليمن (حيث البنى التحتية أقل جودة) والتي قاربت الـ60% من الضحايا ممن قضوا بشكل غير مباشر نتيجة مشاكل مرتبطة بالصراع كعدم إمكانية الوصول إلى المياه والرعاية الصحّية.

وينطبق واقع اللامساواة هذا داخل البلد نفسه، إذ يُعاني أهالي المناطق التي تشهد صراعاً شديداً أكثر من غيرهم، تماماً كحال المجموعات التي تقطن في المناطق الريفية حيث الخدمات الحكومية أقل، ممّا يجعل السكّان أكثر عرضة لتدمير الخدمات ومنعهم من الحصول على الرعاية الصحّية والخدماتية اللازمة مقارنة مع أقرانهم القاطنين في المناطق الحضرية.

سوء التغذية المسبِّب الأول للوفاة بعد انتهاء الحرب

في مُقابل كلّ حالة وفاة بسبب العنف مباشرة، ثمّة أربع حالات وفاة لأسباب غير مباشرة وفق أمانة إعلان جنيف لرصد أرقام الضحايا، مُشيرةً إلى أن عبء الوفيات غير المباشرة في غالبية الصراعات منذ أوائل التسعينيات كان يراوح بين ثلاثة إلى 15 ضعف عدد الوفيّات المباشرة. 

أكثر من 7.6 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحادّ أو الهزال في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن والصومال

ووفق الأرقام التقديرية، فإن عدد الأشخاص الذين قتلوا بشكل مباشر في الحروب التي شاركت فيها الولايات المتّحدة بعد 11 أيلول/سبتمبر يراوح بين 905 آلاف و940 ألف قتيل، في حين تراوح عدد الضحايا غير المباشرين للحرب بين 3.6 مليون و3.8 مليون شخص، ما يعني أن العدد الإجمالي للضحايا يراوح بين 4.5 مليون و4.7 مليون ضحية، أكثر من 70% منهم قتلوا بشكلٍ غير مباشر بسبب الحرب.

ومن الأسباب الرئيسة للوفاة بعد انتهاء الحرب يبرز سوء التغذية والمرض. وتُشير الأرقام إلى أن أكثر من 7.6 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحادّ أو الهزال في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن والصومال. 

في أفغانستان، شهدت البلاد بعد الانسحاب الأميرك انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، وبحسب الأرقام يعيش نصف السكّان الآن في فقرٍ مُدقعٍ (أقل من 1.9 دولار في اليوم) ولا يحصل 95% من الأفغان على ما يكفي من الطعام، وتصل النسبة إلى 100% في الأسر التي ترأسها النساء. كذلك، يعاني أكثر من 17.4 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي ويواجه 7.3 مليون مستويات طارئة من الجوع، فيما يُقدّر وفاة نحو 85 ألف طفل دون سن الخامسة بسبب الجوع. 

تدمير القطاع الصحّي وانتشار الأمراض

ثمّة مسار مشترك تخلقه الحروب المذكورة، وهو أشبه بحلقة مُترابطة بين الانهيار الاقتصادي وتدمير البنى التحتية وانعدام الأمن الغذائي والتلوّث البيئي وانتشار الأمراض. فكما أن الانهيار الاقتصادي يؤدّي إلى ارتفاع مستويات سوء التغذية، فإن الأخيرة تتسبّب بدورها في إضعاف جهاز المناعة وزيادة التعرّض لعدوى الأمراض المُصاحبة لها مثل الحصبة والكوليرا، خصوصاً على الحوامل والولادات الحديثة. 

المناطق التي تشهد صراعاً شديداً كانت أكثر عرضة للإصابة بحالات الدفتيريا بنحو 11 مرّة

ومن أهم العوامل التي ترفع أعداد الوفيّات غير المباشرة بعد انتهاء الصراع، هي الآثار المتراكمة لفقدان الخدمات الصحّية والبنى التحتية وما معاناة اليمنيين من تفشّي الأمراض المعدية بشكل كبير، بما في ذلك أكبر تفشي لوباء كوليرا في العصر الحديث (2016-2018) إلّا دليلاً على ذلك، إضافة الى أن بعض الدراسات وثّقت أن المناطق التي تشهد صراعاً شديداً كانت أكثر عرضة للإصابة بحالات الدفتيريا بنحو 11 مرّة.

صدى الصدمة والعنف وتهجير 38 مليون شخص

تسبّبت حروب ما بعد 11 أيلول/سبتمبر بتهجير نحو 38 مليون شخص غالبيتهم من الأطفال. وكنتيجة لسياق العنف الذي تخلقه الحروب، تزداد آثار العنف النفسي على سكّان المناطق التي تشهد صراعات. ففي العراق مثلاً زاد الاغتصاب والعنف الجنسي بشكل حادّ بعد العام 2003، وعانت واحدة من كل خمس نساء عراقيات من سوء المعاملة الجسدية أو النفسية منذ ذلك الحين.

عانت واحدة من كل خمس نساء عراقيات من سوء المعاملة الجسدية أو النفسية منذ الغزو الأميركي للعراق

وأظهر المسح الحكومي الأول في العراق في العام 2019 أن 17% من البالغين عانوا من اضطراب الصحّة العقلية في حياتهم، فيما تُشير التقديرات إلى أن أربعة من كلّ عشرة أطفال في المدارس (تحت سن 16 عاماً) في الموصل بالعراق يعانون من اضطرابات الصحّة العقلية مثل اضطراب ما بعد الصدمة.

إلى ذلك، قدّرت منظّمة الصحّة العالمية في العام 2017 أن واحداً من كل خمسة سوريين يعاني من مشاكل في الصحة العقلية، فيما أظهر استطلاع العام 2018 للاجئين السوريين والأفغان والعراقيين أن أكثر من 60% أصيبوا بصدمات نفسية بسبب تجارب الحرب، بما في ذلك الهجمات التي شنّتها القوات العسكرية، والتعامل مع الظروف الصعبة.


 قوانين مكافحة الإرهاب تفاقم التجويع

أعاقت قوانين مكافحة الإرهاب الأميركية في كثيرٍ من الأحيان جهود الإغاثة الإنسانية، وأدّت إلى تفاقم آثار المجاعة. في العام 2009، علّقت الولايات المتّحدة أكثر من 50 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للصومال، بما في ذلك جميع عمليات التسليم عبر برنامج الغذاء العالمي. وفي العام 2010، انسحب برنامج الأغذية العالمي من جنوب الصومال، وفي العام التالي، وسط موجة جفاف كبيرة في يوليو/تموز 2011، أعلنت الأمم المّتحدة حدوث مجاعة في هذه المنطقة أثّرت على أكثر من ثلاثة ملايين شخص. وفي الوقت الحالي، يواجه الصومال احتمال حدوث مجاعة أخرى.