
32 مليار دولار أرسلها المغتربون اللبنانيون في 5 سنوات
تلقّى لبنان نحو 39 مليار دولار كتحويلات جارية في السنوات الخمس التي أعقبت الانهيار في خريف العام 2019، فيما خرجت منه تحويلات بقيمة 11.3 مليار دولار، ما يعني أنه تلقّى صافي تحويلات بقيمة 27.7 مليار دولار، وبمعدّل سنوي يتجاوز 5.5 مليار دولار. كما العادة، لم توجّه هذه التحويلات الوازنة للاستثمار في الاقتصاد وتقوية الإنتاج أو النهوض من الأزمة، بل جرى استخدامها لامتصاص أكثر من 56% من العجز التجاري الذي بلغ نحو 49.5 مليار في خلال الفترة نفسها.
لا تختلف الحالة الراهنة عن الحالة البائسة التي وصل إليها لبنان في سنوات ما بعد الحرب الأهلية وصولاً إلى الانهيار المدوّي في العام 2019، بل تكاد تكون أكثر بؤساً منها، وتفسّر حاجة لبنان المستمرّة إلى الدولارات واستخدامه سياسة تشجيع الهجرة لتغذية إدمانه على التحويلات. ففي تلك الفترة، كما الآن، لم يعانِ لبنان شحاً بالأموال، بل تدفّقت إليه رساميل وتحويلات بقيمة تجاوزت 300 مليار دولار، ولكن جرى استخدامها لتمويل العجز التجاري وتغذية المضاربات العقارية والاستثمار في الديون.
تعبّر التحويلات الجارية عن الأموال التي يتلقّاها بلد ما من دون مقابل. وفي الحالة اللبنانية فهي تأتي إلى القطاع العام والجمعيات والمنظّمات غير الحكومية من مانحين خارجيين، وإلى الأسر على شكل تحويلات من اللبنانيين العاملين في الخارج. وتشكّل التحويلات الجارية جزءاً من الحساب الجاري الذي يقيس أيضاً قيمة تبادلات السلع والخدمات والدخل المحقّق بين البلد والعالم، والذي يعدّ بدوره جزءاً من ميزان المدفوعات الذي يرصد الأموال الوافدة إلى البلد وتلك الخارجة منه.
هذه الحسابات ليست مجرّد أرقام إحصائية إنّما مؤشّرات لها دلالاتها، إذ تسمح بفهم سمات الاقتصاد اللبناني الذي يعتمد بشكل كبير على «المنح المشروطة» من الجهات الخارجية و«الهدايا المجّانية» التي تأتيه من المهاجرين لتغذيته بتدفقات ثابتة من العملات الأجنبية، كبديل أساسي عن اعتماده على الإنتاج المحلي، فتؤدّي دوراً حيوياً في رفد الدخل المتاح للاستهلاك أو الاستثمار، كما تساهم في تمويل العجز التجاري الذي يعتبر العنصر البنيوي الرئيس في نزيف العملات الأجنبية من لبنان.
بحسب مصرف لبنان، دُعِمت التحويلات الجارية في السنوات الخمس الماضية، بشكل أساسي، بتدفّقات ثابتة من المغتربين اللبنانيين والتحويلات الوافدة إلى الحكومة والمنظّمات غير الحكومية العاملة في لبنان.
بين عامي 2020 و2024، حصلت الوزارات اللبنانية على تحويلات بقيمة 518 مليون دولار، فيما خرج منها نحو 260 مليون دولار، لتحقّق فائضاً صافياً بنحو 258 مليون دولار. دخلت معظم هذه التحويلات بين عامي 2023 و2024 لمواجهة تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان، بعد أن خضعت الوزارات اللبنانية لـ«قصاص خارجي» منع عنها التحويلات في السنوات الثلاث التي تلت الأزمة.
في خلال الفترة نفسها، تدفّق نحو 6.7 مليار دولار من المساعدات والمنح إلى جمعيات المجتمع المدني والمنظّمات غير الحكومية العاملة في لبنان. وفي المقابل، حوّلت هذه الجمعيات نحو 1.7 مليار دولار إلى الخارج، ليصل صافي ما حصلت عليه إلى 4.96 مليار دولار. وقد ساهمت هذه الأموال بتغطية نحو 10% من عجز الميزان التجاري للسلع والخدمات.
أمّا بالنسبة إلى تحويلات المغتربين اللبنانيين فقد شكّلت الرافد الأساسي للتحويلات الجارية. تدفّق إلى لبنان نحو 31.8 مليار دولار بين عامي 2020 و2024 من المهاجرين اللبنانيين، فيما خرج منه في خلال الفترة نفسها نحو 9.3 مليار دولار سدّدها العاملون الأجانب فيه إلى أسرهم في الخارج، ليصل صافي تحويلات المغتربين إلى 22.5 مليار دولار. لطالما شكّلت تحويلات المغتربين مصدراً أساسياً للعملات الأجنبية التي تتدفّق إلى لبنان، الذي يحلّ في المرتبة الرابعة عالمياً، بعد تونغا وطاجيكستان ونيكاراغوا، لناحية نسبة التحويلات من مجمل الناتج المحلي الإجمالي (26.6%) بحسب البنك الدولي. وقد ساهمت هذه التحويلات في دعم استهلاك الأسر اللبنانية وسدّ 55.4% من العجز في فاتورة الاستيراد في السنوات الخمس الماضية. إلى ذلك، ترافق نمو التحويلات مع فشل القطاع المصرفي، وبالتالي الاعتماد المتزايد على نقل الأموال باليد أو عبر خدمات تحويل الأموال. والواقع أن التدفّقات النقدية باليد ارتفعت بنسبة 5%، بينما ارتفعت التحويلات عبر شركات تحويل الأموال بنسبة 11%. في المقابل، بقيت التحويلات المصرفية هامشية، إذ لا يزال الكثير من المرسلين يتفادون الرسوم والتأخيرات الزمنية المرتبطة بالقنوات المصرفية.