Preview الديون في البلدان العربية

البلدان العربية: خدمة الديون لا الشعوب

يستحوذ عددٌ من الدول العربية على مراتب متقدّمة عالمياً في مؤشّرات الدين. بحسب قاعدة بيانات UNCTAD، تتصدّر مصر قائمة البلدان العربية بحصّة مدفوعات الفائدة المُترتبة على الدَّيْن العام من مجمل الإيرادات العامّة الضريبية وغير الضريبية (32.8%)، وتحلّ في المرتبة الخامسة عالمياً. إلى ذلك، يحلّ لبنان في المرتبة الأولى عربياً لناحية حجم الدين كنسبة من ناتجه المحلّي (150.6%)، وكذلك في المرتبة الأولى في حصّة الدين الخارجي من مجمل الناتج المحلي (136.2%)، وتعيش بلدان أخرى مثل الأردن وتونس على جرعات مُتتالية من الديون من المؤسّسات المالية الدولية. باختصار، تعاني معظم الشعوب في البلدان العربية المتوسّطة والمنخفضة الدخل من ظروف اجتماعية صعبة، وبطالة متجذّرة، وتراجع استثمار الدولة في مستقبل أفضل لها، فيما ترزح تحت أعباءً ضريبية ومديونيات ضخمة.

الوضع في هذه البلدان العربية، شبيه بما يحدث في الكثير من البلدان النامية التي ترزح تحت عبء مديونية ضخمة نمت على مدار عقودٍ بسبب السياسات النيوليبرالية التي اخترقتها تدريجياً منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقضت بتنفيذ سلسلة من التعديلات الهيكلية على اقتصاداتها، وأبرزها تخفيض المعدّلات الضريبية على الأرباح والريوع بحجّة جذب الاستثمارات. وسرعان ما أدّت هذه السياسة إلى تراجع الإيرادات العامّة في العديد من هذه البلدان، وولّدت عجوزات في موازناتها العامّة، جرى سدّها دورياً عبر الاستدانة. ومع تنامي هذه العجوزات، استمرّت الديون في الارتفاع وكذلك الفوائد المترتبة عليها، وعلقت هذه البلدان في مصيدة الدَّيْن. ولكي تستمرّ في دفع ديونها والفوائد المُترتبة عليها، خفّضت نفقاتها الاجتماعية واستثماراتها في البنية التحتية. بمعنى آخر، من أجل خدمة ديونها تخلّت هذه الدول عن وظيفتها الأولى وهي خدمة شعوبها، وبات الدين من الآليّات السهلة المتبعة لتحويل الثروة من كلّ المجتمع إلى قلّة من الدائنين.

الإنفاق على الاستثمار

تتفاوت نسب الإنفاق على الاستثمارات العامّة والمشاريع الضخمة من مجمل الناتج المحلّي بين البلدان العربية. ففي حين تسجّل البلدان العربية النفطية الغنية معدّلات أعلى من تلك المُسجّلة في البلدان المتقدّمة، فإنها تنخفض في البلدان العربية الأخرى، وتصل في لبنان (2%) واليمن (0.8%) إلى مستويات أدنى من تلك المسجّلة في البلدان النامية.

تُعدُّ الاستثمارات أساسية لتطوير القطاعات الاقتصادية المولّدة لفرص العمل وتحفيز النموّ وتحسين الأداء الاقتصادي وتشجيع التطوّر والابتكار التكنولوجي وتنمية رأس المال البشري، فضلاً عن أنها تعبّر عن مستوى رفاه المجتمع. وبالتالي، إن تراجع هذه الاستثمارات لصالح تسديد الديون والفوائد المترتبة عليها، يعيق عملية التطوير الاقتصادي في هذه البلدان وتحقيق النمو. كذلك يحرمها من الفرص الراهنة للاستثمار في مستقبل أفضل لشعوبها.

الديون في البلدان العربية

الإنفاق على الصحّة والتعليم

في حين أن تلبيّة الاحتياجات الصحّية للأفراد والحصول على التعليم يندرجان ضمن حقوق الإنسان المعترف بها عالمياً، تعتبرهما منظّمات الأمم المتّحدة أيضاً من المؤشّرات الأساسية المُحدِّدة لرفاه المجتمع وتحسين الفرص وتحفيز التنمية البشرية. مع ذلك، يُعدُّ الإنفاق الحكومي على التعليم والصحّة في معظم البلدان العربية غير النفطية منخفضاً عند مقارنته مع الناتج المحلّي الإجمالي.

الديون في البلدان العربية

بالنسبة للإنفاق على التعليم، تسجّل معظم البلدان العربية باستثناء بعض البلدان النفطية في الخليج (الكويت والسعودية وسلطنة عمان) وبلدان المغرب العربي (تونس والجزائر والمغرب) مستويات أقل من تلك المُسجّلة في البلدان الغنّية، وتقلّ في بعضها عن المستويات المُسجّلة حتى في البلدان المنخفضة الدخل. أمّا بالنسبة للإنفاق على الصحّة كنسبة من الناتج المحلّي، فتنخفض النسب في كل الدول العربية عن النسب المسجّلة في البلدان الغنية، ولكنّها تسجّل مستويات أفضل عند مقارنتها بالدول النامية.

الديون في البلدان العربية