Preview الديون العالمية

60% من البلدان الفقيرة في مرحلة «الديون الحرجة»

في خضم أكبر قفزة تشهدها أسعار الفائدة العالمية على مدى أربعة عقود، أُجبرت الدول النامية على تسديد 443.5 مليار دولار لخدمة ديونها العامة الخارجية في العام 2022، بزيادة نسبتها 5% عن العام 2021. وقد أدّى ارتفاع خدمة الدين العام الخارجي إلى استنزاف إضافي متواصل للموارد الشحيحة أصلاً المتاحة لهذه البلدان، ما انعكس مزيداً من التدهور في الإنفاق العام الضروري لتأمين احتياجات الناس الأساسية، مثل الصحة والتعليم والبيئة.

الديون العالمية

وفقاً لما جاء في «تقرير الديون الدولية» الصادر عن البنك الدولي، أدّى ارتفاع أسعار الفائدة إلى تفاقم المخاطر المتعلّقة بالدين في جميع البلدان النامية، ففي السنوات الثلاث الماضية وحدها، تخلف 18 بلداً نامياً عن سداد ديونه السيادية، وهو عدد أكبر من العدد المُسجّل في العقدين الماضيين معاً. ويواجه اليوم نحو 60% من البلدان منخفضة الدخل خطر بلوغ مرحلة المديونية الحرجة أو أنها بلغت هذه المرحلة بالفعل.

بلغت حصّة الدائنين من القطاع الخاص (مصارف، صناديق، مستثمرون…) نحو 185 مليار دولار من المبالغ التي سدّدتها البلدان النامية لخدمة ديونها الخارجية، أي نحو 42% من مجمل المبالغ المسدّدة. وهذه هي المرّة الأولى منذ العام 2015 التي يحصل فيها الدائنون من القطاع الخاص على أموال أكثر ممّا أعادوا توظيفه في الديون الجديدة لهذه البلدان. 

يوجد 74 بلداً في العالم، يقل فيه نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي عن 1,315 دولار سنوياً، وتمثّل مجموعة البلدان المنخفضة الدخل أو الفقيرة. ووفق بيانات البنك الدولي المحدّثة، بلغت الديون العامّة الخارجية لهذه المجموعة نحو 1.1 تريليون دولار في العام 2022، أي أكثر من ضعف ما كانت عليه في العام 2012. ففي هذه الفترة (2012-2022)، ارتفعت الديون الخارجية لهذه البلدان بنسبة 134%، في حين لم يرتفع دخلها القومي الإجمالي إلا بنسبة 53%.

صاغ توماس بيكيتي في كتابه الشهير «رأس المال في القرن الحادي والعشرين» معادلة بسيطة لاستطلاع ما ستكون عليه الأوضاع في المستقبل، سمِّيت بمتباينة r>g. يرمز حرف r إلى العوائد على رؤوس الأموال، ومنها العوائد على رؤوس الأموال الموظّفة في الدين، ويرمز حرف g إلى معدّل النمو الاقتصادي، أي مجمل العوائد التي يحقّقها مجتمع ما. وبالتالي عندما تكون عوائد رأس المال الخاص أعلى من عوائد المجتمع كلّه، فإن ذلك  يزيد اللامساواة ويُضعف النمو الاقتصادي نفسه، ويؤدّي إلى فشل البلد بالتنمية والتقدّم ويرفع مستوى التوترات الاجتماعية. وفي حالة ارتفاع عوائد رأس المال الأجنبي من الديون الخارجية، فإن هذه العوائد لا تؤثّر فقط على عدالة التوزيع الداخلي وتوسيع الأزمات المحلية، بل يؤدّي أيضاً إلى نهب الموارد المحلية وشفط عوائدها إلى البلدان الغنية المهيمنة التي يستقر فيها معظم الدائنين.