Preview الدين الحكومي في لبنان

جبال الديون المُكدَّسة على كاهل السكّان

تراكمت جبال من الديون على مدى السنوات الثلاثين الماضية، وفي حين أن هناك إقرارٌ كاملٌ وتامّ بعجز الدولة عن سدادها، ثمّة عقلٌ «غريب عجيب» لا يعمل إلّا لتضخيم هذه الديون ورمي أثقالها على عاتق السكّان جميعاً، الأحياء اليوم والذين لم يولدوا بعد.

انخفضت قيمة مجمل الدَّيْن الحكومي في لبنان من 87.1 مليار دولار في نهاية عام 2019 إلى 57.8 ملياراً في كانون الثاني/يناير 2023، إلّا أن هذا التراجع لم يكن نتيجة إعادة هيكلة منظّمة للديون الحكوميّة، بل نتيجة انهيار سعر الصرف بنسبة تصل إلى 98% في هذه الفترة، ما ساهم في تخفيض قيمة الدَّيْن بالعملة المحلّية مقوّمة بالدولار من نحو 51.6 مليار دولار إلى 1.8 مليار دولار (وفق متوسّط سعر الصرف في كانون الثاني/ يناير 2023)، علماً أن قيمة هذا الدَّيْن مقوّمة بالليرة ارتفعت من 87.3 تريليون ليرة إلى 91.8 تريليون ليرة.

وعلى الرغم من قرار الحكومة بتعليق سداد سندات الدَّيْن بالعملات الأجنبيّة (يوروبوندز) اعتباراً من اذار/مارس 2020، إلّا أنّ الدَّيْن الحكومي بالعملات الأجنبية زاد في الفترة نفسها نحو 22.3 مليار دولار، أي بمعدّل 7.3 مليار دولار سنوياً. والمعروف أن الحكومة اللبنانيّة لم تستكمل هذه الخطوة بأي إجراءات  لشطب هذه الديون أو جزءٍ منها أو أقلّه إعادة هيكلتها، ممّا ساهم باستمرار تراكم الفوائد على أصل السندات والمتأخّرات، وترتب عنها زيادة إضافيّة ناتجة من الفوائد على المتأخّرات.

في الحصيلة، ارتفعت حصّة الدَّيْن الخارجي من مجمل الدَّيْن الحكومي من نحو 39% قبل الأزمة إلى 97% في كانون الثاني/يناير 2023، وذلك قبل احتساب قيمة الديون بالعملات الأجنبية التي عمد حاكم مصرف لبنان الى تسجيلها في ميزانية المصرف كالتزامات على المالية العامّة، وتقدّر حتى الآن بنحو 58.8 مليار دولار.

الدين الحكومي في لبنان

لا يزال الصراع الداخلي في لبنان متمحوراً حول الخسائر المصرفيّة، ويدفع هذا الصراع خطوةً خطوةً باتجاه تكريس تحميل الدولة الجزء الأكبر من الخسائر، وبالتالي مُراكمة المزيد من الديون على السكّان على الرغم من العجز عن تحمّلها. يحصل ذلك عبر خطّة مُمنهجة ينفّذها المصرف المركزي لنقل الخسائر من ميزانيته إلى المالية العامّة، ويعمد قبل انتهاء ولاية حاكمه في تموز/يوليو المقبل إلى توزيعها كأعباءٍ إضافيّة على الأجيال الحالية والمستقبليّة.

ففي 15 شباط/فبراير الماضي، فجأة، وبسحر ساحرٍ، ظهرت قروض جديدة بالعملة الأجنبيّة على الحكومة اللبنانية، تمّ تسجيلها للمرّة الأولى في ميزانية مصرف لبنان من دون أي مسوغٍ قانوني، وبلغت قيمتها نحو 16.6 مليار دولار. ثمّ في بداية حزيران/يونيو الحالي، أضاف بنداً جديداً إلى ميزانيّته لتسجيل الخسائر الناجمة عن تعديل سعر الصرف متذرّعاً بالمادتين 75 و115 من قانون النقد والتسليف التي تجيز له شراء العملات الأجنبية وبيعها في السوق وتسجيل نتائجها في حساب خاص. لكن ما قام به مصرف لبنان هو نقل جزء كبير من الخسائر التي كان يخفيها في بند «أصول أخرى» والناجمة عن هندساته الماليّة وعمليّاته مع المصارف التجارية في خلال 3 عقود، وقد بلغت قيمتها نحو 42.2 مليار دولار وفق سعر الصرف الرسمي الجديد (15 ألف ليرة لبنانية للدولار).

هذه المليارات من الدولارات المُسجّلة كديون إضافيّة على الحكومة تعني أن الدولة سوف تجبيها كضرائب وإيرادات مستقبليّة من السكّان، وكذلك سوف تجرّدهم من أصولهم لمنحها للدائنين الذين أقرضوا الدولة في السنوات الماضية واستفادوا من الفوائد المدفوعة على حساب السكّان وحقّهم بالحصول على الخدمات العامّة من كهرباء وطبابة مجّانية وتعليم رسمي جيّد وتطوير البنية التحتية...

صورة رقميّة عن الدَّيْن الحكومي في لبنان

يُقال أن أزمة العملة تفيد المدينين على حساب الدائنين، بمعنى أن انهيار سعر صرف عملةٍ ما، يؤدّي إلى انخفاض قيمة الديون المقوّمة بها، ممّا يفيد المدينين الذين يردّون ديونهم بقيم أقل ممّا كانت عليها، على حساب الدائنين الذين يتكبّدون الخسائر الناجمة عن انهيار قيمة العملة.

لكن في حالة الدولة اللبنانية المدينة يحصل العكس، إذ أن انخفاض الدَّيْن بالعملة المحلّية نتيجة انهيار سعر الصرف قابله زيادة غير مُبرّرة في الدَّيْن بالعملات الأجنبية نتيجة عدم المباشرة بإعادة هيكلة الديون، وأضيف إليه الالتزامات الجديدة بالعملة الأجنبية التي رتّبها البنك المركزي في سياق محاولاته الرامية إلى التملّص من مسؤوليّته المباشرة عن الخسائر المُحقّقة في الجهاز المصرفي ونقلها إلى السكّان جميعهم، فبعد إضافة ما يسجّله البنك المركزي كديون على الحكومة في ميزانيته سيرتفع الدين الحكومي العام إلى أكثر من 116.6 مليار دولار، أي ضعف ما هو مصرّح عنه حتى الآن في بيانات وزارة المالية.

الدين الحكومي في لبنان