
رئيس الهيئة اللبنانية للطاقة الذرّية
التحاليل الإشعاعية لم تُثبت استخدام اليورانيوم في 6 مواقع
في 6 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، صدر بيان عن نقابة الكيميائيين في لبنان يحذّر من استخدام إسرائيل «القنابل التي تحتوي على اليورانيوم المنضّب» في اعتداءاتها الهمجية والمتواصلة، واستند التحذير إلى «حجم الدمار واختراق المباني والأرض لعشرات الأمتار كدليل على استخدام اليورانيوم المنضب الذي يتمتع بقوّة اختراق هائلة». وأتى التحذير بعد سلسلة غارات عنيفة تعرّض لها لبنان، من ضمنها تلك التي أدّت إلى اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله في 27 أيلول/سبتمبر الماضي، وتعرّض منطقتيْ الليلكي والغبيري المُتاخمتين لمطار بيروت الدولي لقصف مدمّر، وكذلك مناطق عدّة في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع وبيروت.
أجرت الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية تحاليل إشعاعية على 30 عيّنة لغبار الهواء في منطقتي الغبيري وكورنيش المزرعة، و25 عيّنة أخرى مُستخرجة من 6 مواقع مُتفرّقة في بيروت وضاحيّتها الجنوبية وبعلبك، تعرّضت لقصف إسرائيلي عنيف، وحامت شكوك بشأن استخدام الجيش الإسرائيلي اليورانيوم في اعتداءاته. وخلصت النتائج إلى عدم وجود أثر لليورانيوم، لا المنضّب ولا المخصّب، في هذه المواقع بما يتجاوز النسب الموجودة في الطبيعة أصلاً. لكن هل يمكن اعتبار هذه النتائج حاسمة؟ وما هي احتمالات استخدام إسرائيل لأسلحة غير اعتيادية في لبنان؟ يجيب عن هذه الأسئلة رئيس الهيئة اللبنانية للطاقة الذرّية بلال نصولي في حديث مع «صفر».
أولاً، كيف جرت عملية اختيار المواقع؟ وكيف تم المسح الميداني في ظل استمرار العدوان؟
تمّ اختيار 6 مواقع أولية لإجراء التحاليل في كلّ من طريق المطار في الغبيري، والسانت تيريز في الحدث، والليلكي على مقربة من مطار بيروت الدولي، وفي موقع اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله في حارة حريك، بالإضافة إلى الباشورة في وسط بيروت، والنبي شيت في بعلبك.
وقد تم اختيارها لتوافر شرطين أولاً استخدام صواريخ شديدة الانفجار فيها ما زاد الشكوك من استخدام مواد غير اعتيادية لقصفها، وثانياً نظراً لتعرّضها للقصف بعشرات الصواريخ ما تسبّب بفتحها. وعليه تم إجراء مسح إشعاعي، ومن ثمّ أخذت عيّنات تمثيلية من نقاط قريبة جدّاً من مكان تأثير الصاروخ أي من موقع ارتطامه.
إن العمل تحت القصف يلزمنا باتباع هذه المعايير، إذ لا معنى لأي تحليل قد يُجرى على عيّنات مأخوذة من أي مبنى، وخصوصاً المباني التي يوجد كميّات ردم هائلة فوقها، بل يجب الوصول إلى الموضع الذي ضربه الصاروخ أو على مقربة منه، لأن اليورانيوم بالأساس يُستخدم بكمّيات قليلة في الأسلحة ويتلاشى على بعد 50 متراً من الضربة، ولكي يتم التأكّد من استخدامه يجب تحليل عيّنات من موقع ارتطامه مباشرة حيث تكون الكمّيات مركّزة.
وبالفعل تمكّنت فرق الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية وسرية أسلحة الدمار الشامل في الجيش اللبناني من الوصول إلى أمتار تحت الأرض، وتحديد موضع ضرب الصاروخ، وعلى أساسه أخِذت العيّنات اللازمة.
أخِذت 25 عيّنة من هذه المواقع، من التربة ومواد البناء واللطخات الغبارية، كما عثرنا أيضاً على أجزاء من الصواريخ، وقد جرى تحليلها جميعها في مختبرات الهيئة. أيضاً عملنا على تحليل يومي لنحو 30 عيّنة لغبار الهواء ملتقط في مضخّتين (Aerosol PM2.5)، الأولى موجودة في مركز الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية في الغبيري، والثانية في كورنيش المزرعة. وأتت النتيجة سلبية، بمعنى أنه لا يوجد أي أثر لليورانيوم، لا المنضّب ولا المخصّب، في هذه المواقع بما يتجاوز النسب الموجودة في الطبيعة أصلاً.
ثانياً، هل يمكن اعتبار هذه النتائج حاسمة؟
هذه النتائج مرتبطة بالمواقع الست التي جرى مسحها فقط، وهي ست مواقع من أصل آلاف المواقع التي استُهدفت بالقصف الإسرائيلي، هناك عمل لا بد من القيام به، ولا سيما إجراء زيارات ميدانية في الجنوب والبقاع حيث الدمار هائل ومن غير المعروف لليوم ماهية الأسلحة المُستخدمة هناك.
عادة تجري أعمال المسح الإشعاعي وأخذ العينات «على البارد»، بمعنى بعد انتهاء القصف ونزع الركام والردم، كما حصل في حرب تموز 2006 حينما جرى تحليل الكثير من المواقع للتأكد من استخدام اليورانيوم، أما الآن فيتم العمل تحت القصف لمعرفة ماهية الأسلحة المُستخدمة وإن كانت هناك أخطار داهمة جرّاء استخدام مواد مُضرّة أو ممنوعة.
حالياً، يتم التنسيق مع قيادة الجيش لتأمين الدخول إلى مواقع جديدة بانتظار أن يهدأ القصف، وهي موقع اغتيال السيد هاشم صفي الدين في المريجة، ومواقع أخرى في السانت تيريز والليلكي وحارة حريك. علماً أن الهيئة سبق أن حصلت على إذن من الجيش للدخول إلى موقع اغتيال السيد هاشم صفي الدين، ولكن تم تأجيل الزيارة بسبب استمرار انتشال الجثث من تحت الردم، وكان من المفترض أن نذهب في الأسبوع الماضي ولكن اشتداد العدوان حال دون ذلك.
ثالثاً، هل هناك أي مؤشر يؤكد استخدام اليورانيوم بالاستناد إلى حجم الحفر الموجودة وشدّة الدمار؟
لا يمكن التأكّد من وجود يورانيوم من خلال الرائحة المُنتشرة أو لون الانفجار أو شدّته، بل من خلال إجراء المسوحات الإشعاعية والزيارات الميدانية لأخذ العيّنات وتحليلها وتقييم النتائج. لقد أثارت البيانات الصادرة والأخبار المتداولة ذعراً، وعليه تم التحرّك سريعاً للتأكد من هذه المعطيات، وأتت النتائج سلبية.
وهنا، لا بد من توضيح أن اليورانيوم موجود أصلاً في الطبيعة وبنسب مُحدّدة وثابتة. يوجد نظيرين لليورانيوم وهما U-235 أي اليورانيوم المخصّب الذي يستخدم في المفاعلات النووية والأسلحة ولديه قوة انفجارية هائلة، وU-238 أي اليورانيوم المنضّب وهو مادة غير منفجرة ولكن لديه استخدامات مدنية كدروع من الإشعاعات، كما لديه استخدامات عسكرية إذ يُستخدم في الأسلحة المضادة للدبّابات والدروع، بهدف تعزيز قوّتها وجعلها تتحمّل حرارة أكبر فلا تذوب عند الارتطام بالدروع أو الدبّابات، وتتمكّن بالتالي من اختراقها والانفجار داخلها.
لكن فيما يتعلّق باستهداف التحصينات أو الباطون المسلّح، يتمّ عادة تجهيز القنابل والصواريخ بمواد أكثر فعالية من اليورانيوم المنضّب، مثل التنغستن كاربايد الذي لديه قوّة تحمّل شديدة جداً تجاه الحرارة، وميكانيكاً يعتبر أقوى من اليورانيوم المنضّب. بمعنى أنه يحمي السلاح من الذوبان عند ارتطامه بالأرض، ما يسمح له باختراق أعماق أكبر والانفجار داخلها.
إن القنابل بزنة طن (مثل التي استخدمتها إسرائيل في غزّة ولبنان) عادة ما تُرمى عن ارتفاعات عالية وتكون مُجهّزة بمحرّكات لتعظيم سرعتها، ما يسمح لها بإحداث اختراقات، كما تكون مزوّدة بمواد مثل التنغستن كاربايد لتحصينها عند الارتطام. وبالتالي كلما زاد الارتفاع الذي ترمى منه القنبلة، وكان وزنها كبيراً ومجهزّة بمحرّكات لزيادة سرعتها بعد الإطلاق، ومزوّدة بمواد تحصّنها، تصبح إمكانية إحداث الاختراق أكبر وأعمق، قبل أن تنفجر.
والمقصود هنا أنه لا يوجد أي سعي للقول إن إسرائيل لم تستخدم اليورانيوم المنضّب في لبنان للحؤول دون محاسبتها أمام الجهات الدولية المعنية، أو التخفيف من جرائمها. فجرائم إسرائيل واضحة حتى من دون استخدام اليورانيوم، بدءاً من استخدام الأسلحة المحرمة دولياً مثل الفوسفور الأبيض الذي يمكن رفع شكاوى ضدّها بناءً على أدلة واضحة لاستخدامه، أو ممارسة القتل العمد للمدنيين، وتدمير البنية التحتية المدنية… في الخلاصة، هناك الكثير من الأسلحة التي تحدث أضراراً بالغة مثل الأسلحة الفراغية على سبيل المثال، التي تبث نوعاً من الغازات يسحب الأوكسيجين من الهواء في المكان المستهدف فتحدث انهياراً كبيراً، وهي من الأسلحة المحرّمة دولياً، ولكن لا بدّ من التأكد علمياً مما استخدمته إسرائيل بدلاً من المزاعم غير العلمية التي قد تجعل أي قضية مُحقّة خاسرة.