معاينة drones

الحروب المُدارة عن بُعد
دور شركات التكنولوجيا كمقاول حربي

الدور الناشئ لصناعة التكنولوجيا كمقاول حربي يحوّل ساحة المعركة العالمية بطرق مخيفة. نحن نشهد الآن كيف تشكّل التكنولوجيا القائمة على البيانات الحرب الحديثة، على الرغم من صعوبة الفهم الكامل لمستوى الموت والدمار الذي ينتظرنا.

أحد أكثر الأمثلة إثارة للرعب بشأن تقدّم وادي السيليكون في المجال العسكري هو استخدام إسرائيل لخدمات التخزين السحابي من أمازون وغوغل وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتخزين معلومات المراقبة عن سكان غزة، كجزء من عقد يُعرف باسم «مشروع نيمبوس». تساعد هذه التكنولوجيا إسرائيل في معالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات عن الفلسطينيين، بما في ذلك التعرّف إلى الوجوه بالإضافة إلى المعلومات الديموغرافية. ويُقال إن أدوات الذكاء الاصطناعي قد استُخدمت لمراقبة الفلسطينيين وإجبارهم على مغادرة أراضيهم، وفي بعض الحالات، مكّنت هذه الأدوات الجيش الإسرائيلي من تنفيذ اغتيالات جوّية أسفرت عن مقتل وإصابة الكثير من المدنيين.

أحد أكثر الأمثلة إثارة للرعب بشأن تقدّم وادي السيليكون في المجال العسكري هو استخدام إسرائيل لخدمات التخزين السحابي من أمازون وغوغل وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتخزين معلومات المراقبة

تحوّلت ساحة المعركة في أوكرانيا إلى مختبر لأحدث التقنيات العسكرية. تستخدم شركة «بالانتير»، المتخصّصة في تحليل البيانات والتي تربطها علاقات وثيقة مع مجتمع الاستخبارات الأميركي، أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأقمار الصناعية والبيانات مفتوحة المصدر وتصوير الطائرات من دون طيار، والإشراف على معظم جهود الاستهداف العسكري الأوكراني، خصوصاً ضد الدبابات والمدفعية الروسية. وفي الوقت الذي تُلقب فيه «بالانتير» بتاجر الأسلحة الذكية في القرن الحادي والعشرين، اجتاحت الكثير من شركات التكنولوجيا الأخرى أوكرانيا. تبيع هذه الشركات أنظمة أسلحة وتُراكم كميات هائلة من البيانات بشأن كيفية إدارة المعارك وكيفية تفاعل الأشخاص والآلات تحت النار. تُعتبر البيانات نفسها مورداً حيوياً ومكسباً لهذه الشركات، لأنها وقود أنظمة الذكاء الاصطناعي - حيث يجب تزويدها بكمّيات كبيرة من الصور من بيئات معقدة لتعمل بكفاءة.

يمتلك البنتاغون حالياً أكثر من 800 مشروع فعّال لتطوير الذكاء الاصطناعي العسكري (حسب معرفتنا الحاليّة)، بالإضافة إلى أنظمة أسلحة ذاتية التحكم تُطوّر وتُختبر بطريقة سرية. يهدف التطوير السريع لأسلحة الذكاء الاصطناعي في واشنطن إلى حد كبير إلى مواجهة الطموحات العالميّة للصين. تقول ميشيل فلورنوي، مستشارة دفاعية أميركية عملت في مكتب وزير الدفاع في عهد بيل كلينتون وباراك أوباما، إنه ينبغي تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي وتطبيق المفاهيم التشغيلية الجديدة في ساحة المعركة. تربط فلورنوي علاقات وثيقة بشركات الدفاع عبر شركة الاستشارات «ويست إكسيك أدفايزرز» التي شاركت في تأسيسها مع وزير الخارجية الحالي أنتوني بلينكن. شغلت فلورنوي أيضاً عضوية مجلس إدارة شركة بوز ألن هاملتون، وهي من شركات المقاولات الدفاعية، وتعتبر شخصية مثيرة للجدل بسبب دعمها لتدخل الناتو في ليبيا ومساهمتها في تصعيد التدخل العسكري الأميركي في أفغانستان. ومن اللافت أنها تُعتبر من أبرز المرشحين لمنصب وزير الدفاع لو أصبحت كامالا هاريس رئيسة. ذكرت فلورنوي في مقابلة مؤخراً أن سباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي جارٍ بالفعل في الصين وبين الشركات الأميركية، وأشارت إلى أن واشنطن، على عكس موسكو وبكين، التزمت بالمعايير الدولية لضمان استخدام هذه التكنولوجيا القوية بمسؤولية.

يمتلك البنتاغون حالياً أكثر من 800 مشروع فعّال لتطوير الذكاء الاصطناعي العسكري بالإضافة إلى أنظمة أسلحة ذاتية التحكم تُطوّر وتُختبر بطريقة سرية

لكن ما يجري على أرض الواقع يدحض خطاب فلورنوي. تعتبر شركة بالانتير التي تتخذ من دنفر مقراً لها، مزوّداً رئيساً لأدوات الذكاء الاصطناعي وتقنيّات «التكنولوجيا القتالية» للعمليات الإسرائيلية في غزة. يستخدم الجيش الإسرائيلي طائرات قتالية ذاتية التحكّم — طائرات رباعية المراوح يُتحكم بها عن بُعد — في مناطق مدنية مكتظة بالسكان. هاجمت هذه الطائرات، التي تصنعها شركة «إلبيت سيستمز» الإسرائيلية، مئات المدنيين، متسببة بقتل وإصابة العشرات في وقت واحد. قال شهود عيان إن الطائرات المسيرة أطلقت النار على مئات الأشخاص الذين كانوا يصطفون لاستلام مساعدات غذائية في كانون الثاني/يناير 2024، في شارع الرشيد بالقرب من ساحل مدينة غزة. تمتلك شركة «إلبيت سيستمز» مصانع أسلحة في نيو هامبشاير وتكساس في الولايات المتحدة، وفي ليسترشير في بريطانيا.

في الوقت نفسه، يتعيّن على اثنين من أبرز مصنعي الأسلحة المملوكين للدولة في إسرائيل استخدام خدمات التخزين السحابي من أمازون وغوغل، كجزء من مشروع «نيمبوس». توفّر إحدى هذه الشركات، «رفائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة»، للجيش الإسرائيلي صواريخ وطائرات من دون طيار وأنظمة أسلحة أخرى. تصنع «رفائيل» خط صواريخ يُعرف باسم «سبايك» يمكنه إحداث رشاش قاتل من شظايا المعدن التي تمزق الأنسجة. أفاد محللون عسكريون أن صواريخ «سبايك» استُخدمت على الأرجح في هجوم جوي بطائرة مسيرة بتاريخ 1 نيسان/أبريل، ما أدى إلى مقتل سبعة من عمّال الإغاثة العاملين مع منظمة «وورلد سنترال كيتشن». تمتلك «رفائيل» فرعاً أميركياً يزوّد الجيش الأميركي بصواريخ «سبايك». هذه الأسلحة ليست جديدة؛ فقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش أدلة على استخدام الجيش الإسرائيلي لهذه الصواريخ ضد المدنيين في غزة في العام 2009. عند انفجارها، تنتشر مئات القطع من شظايا التنغستن المكعّبة، ما يوفر «قوة قتل» تعمل على تمزيق أهدافها حرفياً بينما تخترق المعادن الرقيقة وكتل الإسمنت.

تعتبر شركة بالانتير التي تتخذ من دنفر مقراً لها، مزوّداً رئيساً لأدوات الذكاء الاصطناعي وتقنيّات «التكنولوجيا القتالية» للعمليات الإسرائيلية

باعتراف الشركة نفسها، تتمتع الصواريخ «باحتمالية عالية للإصابة والقتل»، ويبدو أن هذا هو الهدف. استهداف هذه الأسلحة الذاتية القاتلة الأبرياء وتدمير البنية التحتية المدنية ليس خطأً. إن السعي المستمر لأسلحة ذات دقة عالية وحروب مدعومة بالذكاء الاصطناعي أمر لا يتوقف، ويقوده الطمع في جزء كبير منه مع قليل أو بلا أي احترام لقدسية الحياة. النقاش العام بشأن تحالف الشرّ بين شركات التكنولوجيا الناشئة وشركات الأسلحة والحكومات يُعدّ ضعيفاً للغاية. عبّر الكثير من الخبراء والصحافيين عن قلقهم إزاء استحواذ الجهات الفاعلة غير الحكومية، على طائرات مسيرة رخيصة، ومع ذلك، يعتقدون أن الأسلحة الذاتية ستمكّن واشنطن وحلفائها من فرض قوّتهم الصلبة في الخارج، كما لو أن هذه السياسة ستجعل العالم أكثر أماناً. يخشى الأكاديميون التقدميون أن القطاع الخاص، وليس الحكومة، هو الذي يحدّد الأجندة التنظيمية، كما لو أن واضعي القواعد في قطاع الأمن قد أصبحوا تحت سيطرة الشركات. يبدو أن هؤلاء الأكاديميين قد نسوا أن الرئيس الأميركي دوايت د. آيزنهاور هو الذي صاغ عبارة «المجمع الصناعي العسكري» في خطابه الوداعي في العام 1961. لقد كان التعاون بين الجهات الخاصة والعامة سلساً دائماً.

ليس من المستغرب أن ثمة نقصاً مزعجاً في الشفافية حول الدوافع النهائية لتطوير أنظمة الأسلحة الذاتية القاتلة وطبيعة التقنيات الجديدة قيد التطوير. هناك أيضاً ندرة في النقاش بشأن كيفية إدارة المجتمع عملياً لهذه التصعيدات لتجنب مخاطر كارثة عالمية. في أيلول/سبتمبر، أعلنت وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية الأميركية (DARPA) عن مشروع «ثلاثي الأطراف» جديد لدمج أبحاثها الدفاعيّة مع مختبر العلوم والتكنولوجيا للدفاع البريطاني (Dstl) ووكالة أبحاث وتطوير الدفاع الكندية  (DRDC)، الذراع العلمي والتقني لوزارة الدفاع الوطني. يتضمن المشروع في ظاهر الأمر أبحاثاً وتطويراً في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والأنظمة القابلة للتكيف والتقنيات المرتبطة بمجال المعلومات، لكن جوهر المشروع ونطاقه لا يزالان غامضين، لسبب وجيه ربما.

السعي المستمر لأسلحة ذات دقة عالية وحروب مدعومة بالذكاء الاصطناعي أمر لا يتوقف، ويقوده الطمع في جزء كبير منه مع قليل أو بلا أي احترام لقدسية الحياة

ينبغي ألا نقبل بشكل أعمى ما تفرضه علينا شركات التكنولوجيا والمستفيدون منها في الحكومة وصناعة الأسلحة، ولا ينبغي لنا كأفراد أن نساهم في تأجيج الحروب المدعومة بالذكاء الاصطناعي كمستهلكين. نحن بحاجة إلى فحص هذا التحوّل الجذري، وعلى الأقل، يجب علينا أن نفهم كيف تشكّل هذه التقنيات خطراً على حياة الإنسان وقد تتحدى في النهاية طبيعة الإنسان كما نعرفها. 

نُشِر هذا المقال في Canadian Dimension في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وتُرجِم إلى العربية ونُشِر في موقع «صفر» بموافقة مسبقة من الجهة الناشرة.