Preview الأسلحة المحرمة

الأسلحة المحرّمة في الحروب الإسرائيلية

في أواخر حزيران/ يونيو 2006، وخلال الحرب التي شنّتها قوات الاحتلال الإسرائيلية على قطاع غزة، صدرت عدة تقارير تتحدث عن «سلاح غامض» استخدمه الاحتلال ضد الفلسطينيين، الذين كانوا يعانون وقتها من جروح «غريبة» و«مروعة» أحدثتها «قنابل جديدة». حينها، نقلت وحدة الطوارئ في مستشفى الشفاء (أكبر مستشفى في قطاع غزة) عن أطبائها قولهم أن إسرائيل تستخدم «سلاحاً كيميائياً جديداً»، وأن «حصارها كان تمريناً على ذخيرة جديدة» أدّت إلى تلف الأنسجة الرخوة الداخلية في أجسام المُصابين، فضلاً عن عدم تمكن الأطباء من الكشف عن الشظايا في الأشعة السينية بسبب ذوبانها في أجسادهم.

الاسلحة المحظورة

تبيّن لاحقاً أن تلك الأسلحة تنتمي إلى فئة أسلحة «الدايم» التجريبية، التي تعدّ الأسلحة المفضّلة للقوات الجوية الأميركية، من أجل استهداف من تعتبرهم «إرهابيين مختبئين بين المدنيين» على ما يقول الصحافي الباحث جايمس بروكس، الذي خلُص بعد تحقيقاته الاستقصائية إلى أن الجيش الإسرائيلي استخدم الأراضي الفلسطينية المحتلة كمنطقة لتطوير الأسلحة لعقود من الزمن، حيث قام باختبار الكثير من الأسلحة التي تحتوي على اليورانيوم المنضب والغازات السامة. فما هي أسلحة الدايم؟ وماذا عن بقية الأسلحة المحرمة دولياً التي تستخدمها إسرائيل؟

أسلحة الـDIME : استهداف كيميائي للجينات

«سلاح إسرائيل الجديد يقطع أرجل ضحاياه، ويترك آثار الحرارة والحروق بالقرب من نقطة البتر، وكأنه تم استخدام المنشار لقطع العظم». هكذا وصف رئيس قسم الطوارئ في مستشفى شهداء الأقصى في غزّة ثار الأسلحة الإسرائيلية بعد معاينته ضحايا الهجوم الذي شنّته إسرائيل على القطاع في العام 2006، لافتاً إلى تعرض الكثير من الأطفال المُصابين لتمزّق في الجلد وتحويل العضلات إلى «عجينة مغطاة بالدم».

75% من جرحى الحرب الذين أدخلوا الى أحد المستشفيات في قطاع غزة احتاجوا حينها إلى عمليات بتر في أعقاب الهجوم

في تقريره «الولايات المتحدة وإسرائيل تستهدفان الحمض النووي في غزة؟ قنبلة الدايم: سلاح سام للجينات»، نشر على موقع Media Monitors Network، يناقش الباحث جايمس بروكس في تأثير أسلحة الـDIME (اختصاراً لـ Dense inert metal explosive) على المدنيين، شارحاً أن تلك  الأسلحة تنتج انفجاراً قوياً غير عادي داخل منطقة صغيرة نسبياً، فتنشر «شظايا دقيقة» شديدة السخونة من مسحوق سبائك التنغستن المعدنية الثقيلة (HMTA). وبحسب الدراسات العلمية، فإن مادة HMTA هي مادة سامة كيميائياً تتسبّب في بتر الأطراف وتضرّ جهاز المناعة، وتتسبّب بالإصابة بالسرطان بسرعة.

وتُشير أرقام المنظمة الدولية للإغاثة في حالات الطوارئ الطبية في العام 2006  إلى أن 75% من جرحى الحرب الذين أدخلوا الى أحد المستشفيات في قطاع غزة احتاجوا حينها إلى عمليات بتر في أعقاب الهجوم. كذلك، تقول أرقام وزارة الصحة الفلسطينية إن نسبة الوفيات بالسرطان في فلسطين ارتفع في العام 2011 إلى 12.4% من إجمالي الوفيات، الأمر الذي جعل السرطان السبب الثاني للوفاة في قطاع غزة بعد أمراض القلب (باستثناء القتل المباشر)،  فيما توقّع الأطباء حينها تضاعف الأعداد في خلال السنوات المقبلة بسبب مادة اليورانيوم في الأسلحة.

وتتسبّب مادة الـHMTA، كاليورانيوم المنضب، بتسمّم الجينات وإحداث طفرات جينية. وقد اعتبر التقرير أن «الشظايا الدقيقة» السامة من نوع HMTA هي «أحدث تطوّر في سلسلة طويلة من الأسلحة المسبّبة للسرطان والسامة الجينية التي طوّرها الجيش الأميركي ونشرها»، مُشيراً إلى أن القصد من وراء هذه الأسلحة هو «الحرب الكيميائية الجينية». بمعنى آخر، من ينجو من القصف، قد يُصاب بالسرطان والتشوّهات الدائمة!

تُشير  القوات الجوية الأميركية إلى هذا النوع من الأسلحة باسم FLM (الذخائر المميتة المركزة)، التي تعد، بالنسبة لها، «الأسلحة المفضّلة لاستهداف الإرهابيين المختبئين بين المدنيين»، ذلك أن «الهدف المثالي لتلك الأسلحة هو قتل كلّ إنسان بشكل موثوق داخل منطقة الانفجار». 

إلى ذلك، فإنّ آثار هذا النوع من الأسلحة لا يقتصر على الخسائر البشرية، إذ أنه يطال المحيط البيئي، ووفق التقرير «ثمة احتمالات بأن تبقى التربة في منطقة الانفجار قاحلة لفترة غير محدّدة من الزمن».

الفوسفور الأبيض: حروق بليغة لا تخمد

أثناء قيامهم بتنظيف جراح بعض المصابين جرّاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة أواخر العام 2008، لاحظ  عدد من الأطباء أن غالبية تلك الجراح كانت «تشتعل» ثانية في أجساد المدنيين، الذين كانوا يعانون من حروق كثيفة وعميقة بلغ بعضها العظام وأتلف العضلات.

يؤدي انفجار قذائف الفسفور الأبيض جواً إلى نشر 116 شظية مشتعلة مشرّبة بالمادة على مساحة يتراوح قطرها بين 125 و250 متراً

في هذا العدوان، «تعرّف» الفلسطينيون إلى القنابل الفسفورية التي سقطت كأمطار النار على رؤوسهم على حد تعبير تقرير صدر عن منظمة «هيومن رايتس ووتس» في العام 2009 بعنوان «أمطار النار: استخدام إسرائيل غير القانوني للفسفور الأبيض في غزة».

ومن المعلوم أن مادة الفوسفور الأبيض تُستخدم في صناعة الذخائر والألعاب النارية والمتفجّرات والقنابل الدخانية، كما أنه يدخل في صناعة الأسمدة ومبيدات القوارض وهو يعد من المواد الكيميائية شديدة السمية للإنسان والهواء والمياه.

وتكمن خطورة هذه المادة بأنها قاتلة، حتى لو كانت نسبة الحروق التي تتسبّب بها تطال أقل من 10% من الجسم! فهي قد تصيب الكبد أو الكليتين أو القلب بأضرار.

ويشتعل الفوسفور ويحترق لدى اتصاله بالأوكسيجين، ويستمر في الاحتراق حتى درجة 1500 فهرنهايت (816 درجة مئوية) حتى لا يتبقى منه أي شيء أو حتى ينتهي ما حوله من أوكسجين. لذلك، حين يلامس الجلد فهو يؤدّي لحروق كثيفة ومستديمة، وأحياناً تصل إلى العظام. 

منذ أيام، وثقت المنظّمة استخدام اسرائيل للفسفور الأبيض في كلّ من غزّة ولبنان، منبّهة من أن شظايا الفوسفور الأبيض يمكن أن تفاقم الجروح حتى بعد العلاج، مُشيرةً إلى أنه «حتى الحروق الطفيفة نسبياً غالباً ما تكون قاتلة». 

أما بالنسبة للناجين، فتؤدّي الندبات الواسعة إلى شدّ الأنسجة العضلية وتسبّب إعاقات جسدية، فيما تتسبّب صدمة الهجوم  والعلاج المؤلم الذي يتبعه والندوب المتغيّرة المظهر إلى أذى نفسي وإقصاء اجتماعي.

ويؤدي انفجار قذائف الفسفور الأبيض جواً إلى نشر 116 شظية مشتعلة مشرّبة بالمادة على مساحة يتراوح قطرها بين 125 و250 متراً، اعتماداً على ارتفاع الانفجار، وبالتالي تعريض المزيد من المدنيين والمنشآت المدنية لأضرار محتملة مقارنة بالانفجار الأرضي الموضعي.

الأسلحة الحرارية والقذائف المسمارية

في خلال نحو شهر ونصف الشهر من العداون الذي شنّته إسرائيل في حزيران/يونيو 2014  على غزة، سقط نحو 100 مليون مسمار على القطاع وفق تقديرات وزارة الداخلية الفلسطينية، مُشيرةً إلى استخدام إسرائيل القنابل المسمارية المحرمة دولياً.

القذيفة المسمارية هي سلاح مضاد للأفراد يتم إطلاقه عادة من دبابة، وتنفجر القذيفة في الهواء وتطلق آلاف السهام المعدنية

هذه المعطيات كذّبت مزاعم إسرائيل في العام 2010 بشأن تخلّصها من هذا النوع من القذائف، فيما يجري الحديث حالياً عن إعادة استخدامها في الحرب الراهنة. 

ووفق منظّمة «بتسليم» الإسرائيلية، فإن القذيفة المسمارية هي سلاح مضاد للأفراد يتم إطلاقه عادة من دبابة، وتنفجر القذيفة في الهواء وتطلق آلاف السهام المعدنية، التي يبلغ طولها 37.5 ملم، وتنتشر في الهواء وتتفرّق على شكل قوس مخروطي الشكل طوله 300 متراً وعرضه حوالي 90 متراً. أما الغاية من استخدامها، فهي التأكد من إصابة أكبر قدر من الأشخاص عبر تناثر المسامير التي تحدث جروحاً عميقة.

ثمة سلاح آخر يجري الإشارة إليه أيضاً وهو سلاح القنابل الفراغية، أو ما يعرف بالأسلحة الحرارية. ووفق معهد ليبر للقانون والحرب، فإن الأسلحة الحرارية تسبّب الضرر عن طريق تعظيم موجة الصدمة والضغط الزائد المرتبط بالانفجار. 

ويتضمّن الضغط الزائد موجات من الطاقة الناتجة عن انفجار «ينتج عنه إصابات وأضرار من خلال السحق والانحناء والتدحرج والكسر».

وعادةً ما يتم تعبئة هذه الأسلحة بالوقود الصلب المتطاير أو مواد شديدة الاشتعال. وبمجرد بلوغ الأسلحة الهدف، يؤدّي الانفجار الأولي أو «الشحنة المتناثرة» إلى نشر سحابة من الوقود عبر الهدف، بينما يؤدّي الاحتراق الثانوي إلى انفجار سحابة الوقود والأوكسيجين الجوي. والنتيجة هي كرة نارية ضخمة تنتج موجة انفجارية قوية بشكل خاص، لتشمل الضغط السلبي (تأثير الفراغ المتبجح) حيث يستهلك الانفجار الأوكسيجين الجوي. يؤدّي هذا الضغط الاستثنائي إلى انهيار المباني، وتمزّق الأعضاء، ويلغي العديد من أشكال الغطاء بما في ذلك المنشآت الموجودة تحت الأرض. 

وبفعل هذه الأسلحة، تسبّبت إسرائيل في حرب العام 2014 بهدم نحو 12 ألف وحدة سكنية بشكل كلّي، وحوّلت 160 ألف وحدة غير صالحة للسكن، وفق إحصائيات أعدتها الأونروا بالتعاون مع برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي (UNDP).

يقول المعهد إن وصف الضغط الزائد الناتج عن التفجير الحراري يتجسّد بشعور الفرد بأن رئتيه تخرج من فمه، لافتاً إلى أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية تُشير إلى أن الأشخاص الذين لم يتم طمسهم بالكامل، من المرجّح أن يعانوا من العديد من الإصابات الداخلية غير المرئية، بما في ذلك انفجار طبلة الأذن وسحق أعضاء الأذن الداخلية والارتجاجات الشديدة، وتمزّق الرئتين والأعضاء الداخلية، وربما العمى، خاتماً: «لا جدال في أن الأسلحة المتفجّرة لديها القدرة على إلحاق معاناة مروعة».