إحياء خطط «الترانسفير» الصهيونية
أعلنت الأمم المتّحدة إن جيش الاحتلال الإسرائيلي طلب ترحيل نحو 1.1 مليون فلسطيني من شمال قطاع غزة ووسطه إلى جنوبه على الحدود الفلسطينية-المصرية. وقال المتحدّث باسم الأمم المتّحدة ستيفان دوجاريك في بيان، فجر اليوم الجمعة، إن مسؤولي المنظّمة في غزة «أُبلِغوا من ضباط الاتصال في الجيش الإسرائيلي بأن جميع سكّان القطاع شمالي وادي غزّة يجب أن ينتقلوا إلى الجنوب في خلال الساعات الـ24 المقبلة (...) وهذا يعني ترحيل نصف سكّان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة». وأشار إلى أن الإنذار الإسرائيلي يسري أيضاً على «جميع موظّفي الأمم المتّحدة وأولئك الذين يقيمون في منشآت تابعة للمنظّمة بما في ذلك المدارس والمراكز الصحّية والعيادات».
وعلى الرغم من مسارعة رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزّة، سلامة معروف، إلى التحذير من أن هذا الإنذار يأتي في سياق الحرب النفسية، إلّا أن الحرب الهمجية التي تشنّها دولة الاحتلال على غزّة، أعادت إحياء خطط ترحيل الفلسطينيين، التي تأسّست عليها العقيدة الصهيونية منذ ظهورها والتي جرى تنفيذ فصول عدّة منها قبل النكبة في العام 1948 وبعدها، وقبل النكسة في 1967 وبعدها، وعلى امتداد 75 عاماً من تاريخ هذا الكيان الاستعماري والعنصري.
قبل استعمار فلسطين وتأسيس الدولة القومية اليهودية لم يكن اليهود يمثّلون سوى أقل من ثلث السكّان، ولا يمتلكون سوى أقل من 6% من الأراضي الفلسطينية، فعمدت العصابات الصهيونية بدعم من الانتداب البريطاني إلى شنّ عمليات إرهابية وتنفيذ مجازر متنقلّة بحق الفلسطينيين من غير اليهود بهدف القضاء على أكبر عدد منهم وترويع الباقيين لحملهم على اللجوء إلى أماكن أخرى والاستيلاء على أراضيهم وبيوتهم. جرى تدمير أكثر من 418 قرية، أي ثلثي قرى فلسطين، بشكل منهجي. وتكرّرت خطط الترانسفير الجماعي بعد احتلال الضفّة الغربية وقطاع غزّة في العام 1967، وبقيت هذه الخطط قائمة ولو بوتيرة أقل عبر سياسات القتل والقمع والتنكيل والمصادرة والهدم والإبعاد… وغيرها من الممارسات العنصرية والوحشية.
يُقدّر عدد الفلسطينيين اليوم بنحو 14.3 مليون فلسطيني وفلسطينية، نصفهم يعيش خارج فلسطين التاريخية، في حين يعيش 9 ملايين فلسطيني/ة كلاجئين في مخيمات الشتات في الضفّة الغربية وقطاع غزّة والأردن وسوريا ولبنان، بالإضافة إلى العديد من الدول العربية والدول الأخرى غير العربية.
منذ سنوات عدّة، يعبّر الصهاينة عن قلقهم من صمود نحو 7.1 مليون فلسطيني وفلسطينية على أرض فلسطين، من ضمنهم نحو 1.7 مليون في أراضي الـ48. وبالتالي بقي العقل الصهيوني المجرم مهجوساً بخطط الترحيل للمحافظة على غلبة ديمغرافية، إلا أن النمو السكاني الفلسطيني استمر حتّى تساوى عدد الفلسطينيين مع عدد الإسرائيليين غير العرب على أرض فلسطين التاريخية في العام 2022. لذلك، تصاعدت الدعوات إلى جعل «الترانسفير» هدفاً رئيساً للحرب على غزّة، عبر قتل أكبر عدد من السكّان وتدمير أكبر عدد من المباني والمساكن وإطباق الحصار كلّياً من البرّ والبحر والجوّ بهدف تجويع الفلسطينيين والقضاء على المرافق الصحّية والبنية التحتية المتهالكة أصلاً وإزاحة السكّان من شمال القطاع ووسطه نحو الجنوب وتكديسهم على الحدود المصرية في مساحة أضيق ممّا هي اليوم، وجعل فرص صمودهم في غزّة شبه مستحيلة.
وصفت مُقرِّرة الأمم المتّحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، فرانشيسكا ألبانيز، الحرب على غزّة بأنها «حرب إبادة». وقالت إن «ما يحدث هو أن جزءاً كبيراً من السكّان الفلسطينيين في غزّة يتم القضاء عليهم، ليس بشكل مختلف عمّا حدث من قبل، ولكن بشراسة متزايدة». واعتبرت «أن تجويع السكّان المحاصرين في غزّة وحرمانهم من الضروريات يُعدّان جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية».
قلق الصهاينة الديمغرافي
اعتباراً من العام 2022، تساوى عدد الفلسطينيين العرب المقيمين في فلسطين التاريخية (الضفّة الغربية وقطاع غزّة وأراضي 48 معاً) مع عدد الإسرائيليين (باستثناء الإسرائيليين العرب)، ويُتوقع أن يبلغ عدد الفلسطينيين 8.5 ملايين نسمة في العام 2030 في مقابل 8.1 ملايين نسمة إسرائيليين غير عرب. هذه التطوّرات الديمغرافية تمثّل مصدر قلق أساسي للصهاينة، وتغذّي نزعاتهم العدوانية والعنصرية وتعيد إحياء خطط إفراغ فلسطين من شعبها، واستخدام الإرهاب والممارسات الوحشية، بما فيها القتل والاعتقال وهدم البيوت وطرد السكّان ومصادرة الأراضي والإفقار والحرمان من الحقوق الأساسية، لترحيل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين قسراً إلى خارج حدود فلسطين التاريخية.