Preview الكهرباء في غزة

الحصار الهمجي على غزّة: التعتيم يُهدِّد المستشفيات

في سياق حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها دولة الاحتلال على سكّان قطاع غزّة المحاصر، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس إنه أمر شركة الكهرباء الإسرائيلية بالتوقّف عن إمداد غزّة بالطاقة. وغرّد على صفحته على منصّة X قائلاً: «ما كان لن يكون بعد الآن»، في إشارة منه إلى حرمان القطاع من أكبر مصدر للكهرباء، وفرض التعتيم الشامل، الذي ينذر بكارثة إنسانية ولا سيّما على صعيد قدرة المرافق الصحّية على مواصلة تقديم الاسعافات والعمليات الجراحية لضحايا هذه الحرب الهمجية، بما في ذلك فقدان القدرة على حفظ الأدوية والأغذية التي تواجه خطر النضوب بفعل الحصار. وقد أشارت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة إلى وجود مخزون من الوقود يسمح بتشغيل المولّدات الخاصة في المستشفيات ليوم واحد إضافي (حتى يوم غد الخميس).

تتحكّم إسرائيل بموارد الطاقة في القطاع من خلال مدّ الشبكة في القطاع بنحو 10 خطوط بقدرة 120 ميغاواط. كما تتحكّم بالوقود الذي يدخل لتشغيل محطّة  توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع. وكانت إسرائيل قد استهدفت هذه المحطّة في حزيران/يونيو 2006 وأخرجتها من العمل، ومنعت إدخال المواد اللازمة لإصلاحها وصيانتها حتى العام 2009. وتستخدم إسرائيل الكهرباء كأداة من أدوات الحصار الذي تفرضه على السكّان في القطاع، وبالتالي تتزايد التوقّعات بقرب توقّف هذه المحطّة عن العمل بفعل نفاذ الوقود اللازم لتشغيلها أو تدميرها من جيش الاحتلال.

إسرائيل تضرب المستشفيات

يعدّ التوقّف عن إمداد قطاع غزّة بالكهرباء بمثابة هجوم مباشر على المستشفيات ومراكز الرعاية الصحّية في القطاع، خصوصاً أن المستشفيات في الأحوال العادية تعتمد على المولّدات لتتمكّن من القيام بعملها. وأعرب المتحدّث بإسم وزارة الصحّة في غزّة أشرف القدوة عن خشيته من توقّف المولّدات بأي لحظة خصوصاً أنها قديمة ومتهالكة ما يزيد من هدر الوقود. وسيؤدّي قطع التيّار الكهربائي وفق منظّمة الصحّة العالمية إلى التوقّف عن تقديم الخدمات الحيوية في 40 غرفة من غرف العمليّات الجراحية و11 غرفة من غرف عمليّات التوليد و5 مراكز لغسيل الكلى وإدارات الطوارئ في المستشفيّات والتي تخدم ما يقرب من 4 آلاف مريض يومياً. 

الكهرباء في غزة

وسيهدّد هذا الوضع حياة الجرحى المتدفّقين الى المستشفيات بفعل الاستهداف المباشر للأحياء والمباني السكنية، فضلاً عن نحو 113 طفلاً من الأطفال حديثي الولادة موجودين حالياً في وحدات العناية المركّزة، و100 مريض في العناية المركّزة، و658 مريضاً ممن يحتاجون إلى غسيل الكلى مرّتين في الأسبوع من بينهم 23 طفلاً. كما سيتعرّض التبريد لأغراض تخزين الدم واللقاحات للخطر. بالإضافة إلى هذه الحالات تواجه المستشفيات تحدّياً إضافياً يتمثّل في استقبال 687 شهيداً منهم 140 طفلاً و105 نساء، فضلاً عن أكثر من 3,726 جريحاً 10% منهم من الأطفال، بحسب بيان وزارة الصحّة في اليوم الثالث للعدوان على القطاع. ومن المتوقّع أن يزداد الضغط على المستشفيّات مع تصعيد العدوان الهمجي الموجّه نحو المدنيين عن سابق تصميم.

الكهرباء في قطاع غزّة

يعتمد القطاع على 3 مصادر أساسية للطاقة وهي، خطوط الكهرباء الإسرائيلية التي تمدّه بحوالي 120 ميغاواط، وشركة توزيع كهرباء غزّة التي تمدّه بحوالي 70 ميغاواط. أمّا المصدر الثالث فهو  ألواح الطاقة الشمسية والموّلدات الخاصة. وكانت مصر تمدّ القطاع بنحو 25 ميغاواط قبل أن تتوقّف عن تزويد الشبكة في العام 2017. وتواجه غزّة تعتيماً شاملاً منذ نهار السبت 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بعد أن توقّف عمل خطوط الكهرباء المربوطة مع الأراضي المحتلّة. فيما يؤكّد مدير عام شركة كهرباء غزّة أن الأربعاء 11 تشرين الأوّل/ أكتوبر هو  آخر يوم لنفاذ الوقود المخصّص لتشغيل محطّة الكهرباء وتوقفها نهائياً عن العمل.

الكهرباء في غزة

تشير الإحصاءات إلى تقليص فجوة فقر الطاقة من 404 ميغاواط إلى 244 ميغاواط بين عامي 2017 و2021. إلا أن ذلك نتج من انخفاض الطلب على الكهرباء من 541 ميغاواط إلى 433 ميغاواط في الفترة نفسها. وترجع أسباب انخفاض الطلب إلى إقفال المصانع والمؤسّسات، فقد انخفض عدد المصانع التي تعمل في غزّة بما يزيد على 95%، وانضمّ عمّالها إلى صفوف العاطلين عن العمل، وتشكّل كلفة الكهرباء أحد أسباب هذا الانخفاض، بالإضافة إلى التضييق على الواردات والصادرات والقصف المتكرّر للمصانع. أيضاً، أثّر الانقطاع الدائم في التيّار الكهربائي سلباً على القطاع الزراعي إذ أن الانقطاعات الطويلة  جعلت من المستحيل إدارة أي عمل مربح.

الحياة بلا كهرباء 

أدّت سيطرة قوّات الاحتلال على موارد الطاقة وقصفها المعامل بما فيها محطّة توليد الكهرباء إلى إعاقة أي إمكانية للتنمية، وتسبّبت تالياً في رفع معدّلات البطالة وصولاً إلى 46.6%.

الكهرباء في غزة

في الفترة الماضية، بلغت نسبة الهدر التقني 32% من الطاقة المنتجة في العام 2010. ويشكّل الهدر التقني النسبة التي تُفقد أثناء نقلها وتوزيعها نتيجة تهالك البنية التحتية للشبكة ومستوى التكنولوجيا المستخدمة. وبحسب سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية فإن الحصار الإسرائيلي على المواد اللازمة للتأهيل والصيانة والتطوير، تسبّب بجزءٍ من هذا الهدر. ومنذ العام 2019 حافظت ساعات التغذية على معدّلاتها ما بين 12-13 ساعة يومياً، حيث تساهم ألواح الطاقة الشمسية والمولّدات الخاصّة بتعزيز ساعات التغذية  هذه. إلا أن الأوضاع الحالية مع إطباق الحصار كلّياً جعلت إمكانية الحصول على الكهرباء الضرورية مسألة في غاية الصعوبة.

وفي مسح أجرته المنظّمة الدولية للصليب الأحمر على عيّنة عشوائية من 347 مقيماً ومقيمة في القطاع، صرّح 94% منهم أن انقطاع التيّار الكهربائي بهذا الشكل يؤثّر سلباً على صحّتهم، فضلاً عن أنها تؤثّر سلباً على معيشتهم خصوصاً لجهة حفظ الأغذية وتوفير المياه الصالحة للاستخدام، ويعتقد 99.4% منهم أن توفير الكهرباء بشكل كامل سيساهم في تحسين حياتهم بشكل ملحوظ.

أدّى التحكّم الإسرائيلي بقطاع الطاقة إلى تعطيل تقديم الخدمات الأساسية وتقويض سبل العيش، وانخفاض معدّلات النمو والتنمية، وتسبّبت الانقطاعات المتكرّرة في الكهرباء بارتفاع المخاطر على  المرضى في المستشفيات لا سيّما الأطفال. كما ساهم بشكل أساسي بتدمير حياة السكّان بمختلف أنواعهم الجندرية وفئاتهم العمرية، ولكنّه لم يمنع حركة المقاومة من تطوير قدراتها وشنّ هجوم انطلاقاً من القطاع المحاصر وتوجيه صفعة قاسية لكل القدرات الاستخباراتية والعسكرية والتكنولوجية لإسرائيل. إزاء هذه الصفعة المذلّة تُظهر إسرائيل بدعم دولي كامل وحشيّتها من خلال تعزيز حصارها واستكمال مسار  إبادة الفلسطينيين وتكرار مجازرها، لتبنّي لنفسها صورة واهنة عن انتصار وهمي نعرف جميعنا أنه سيشكّل حافزاً لاستمرار العمل المقاوم لا رادعاً له.