Preview الجيش الذي يقهر

3 حقائق عن القوّة العسكرية الإسرائيلية

تمتلك إسرائيل قدرات عسكرية هائلة. يُعدُّ جيشها الأكبر في الشرق الأوسط، ويحلُّ في المرتبة 18 بين أقوى جيوش العالم، عدا أنه انتصر في جميع الحروب التي خاضها مع جيوش نظامية عربية، بحيث نُسِجت عنه أساطير أبزرها أنه «الجيش الذي لا يُقهر». هذه الأسطورة التي خطّتها إسرائيل من أجل إحاطة نفسها بهالة من القوّة خدمةً لمشروع الاستعمار الاستيطاني الذي أوجدها، سمحت لها أيضاً بتطوير صناعتها الدفاعية والتكنولوجية وحوّلتها إلى عاشر بلد مُصدِّر للسلاح في العالم. لكن هذه الصورة تهتزّ اليوم بفعل حركات المقاومة التي قوَّضت وهماً مُسلّماً به بأن موازين القوى لا تُكسَر ولا تتبدّل.

إن الأسطورة التي خطّتها إسرائيل عن «جيشها الذي لا يُقهر» من أجل إحاطة نفسها بهالة من القوّة خدمة لمشروعها الاستعماري الاستيطاني، تهتزّ بفعل حركات المقاومة التي قوَّضت وهماً مُسلّماً به بأن موازين القوى لا تُكسَر ولا تتبدّل.

تُعدُّ العملية التي قامت بها حركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الحالي الأقوى في تاريخ إسرائيل، إذ تشكِّل الدخول الأول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة منذ العام 1948، وتكسر الأساطير الإسرائيلية عن «جيشها الذي لا يُقهَر»، وتضرب هالة القوّة التي بنتها إسرائيل طوال ثمانية عقود، خصوصاً بعد تعطيل فعالية القبّة الحديدية التي اخترقتها مئات الصواريخ، وكسر جدار الفصل العنصري الذي بنته إسرائيل حول غزّة محوّلة إياها إلى أكبر سجنٍ في العالم، واختراق الرادارات والكاميرات والأجهزة العسكرية المتطوّرة المنشورة حول القطاع، والدخول إلى قواعد عسكرية ومستوطنات إسرائيلية في منطقة الغلاف. وبحسب الكثير من التحليلات، لقد خسرت إسرائيل الحرب حتّى قبل بدء الجولة الجديدة منها، بحسب السفير الأميركي السابق في إسرائيل دان كيرتزر فإن «حماس انتصرت فعلياً». 

مع ذلك، لا يوجد شكّ بأن إسرائيل قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بقطاع غزّة وشعبها وبنيتها التحتية، وأن تستهدف قادة «حماس»، وهذا ما تقوم به فعلياً بغطاءٍ ودعمٍ غربيين، لاستعادة هالة القوة التي خسرتها وترميم سرديّتها عن نفسها بأنها «لا تُقهَر» حفاظاً على مشروعها الاستعماري الاستيطاني. ولكن تداعيات الإجرام الإسرائيلي ووحشيّته لا ينحصر بغزّة فحسب، بل يطال كلّ البلدان المحيطة بها وحتّى البعيدة منها، ما يجعلها خطراً على السلام العالمي.

1-  عقيدة القوّة تكلِّف 100 ألف قتيل، ومليون أسير، و7 ملايين في الشتات

يُعدُّ استخدام القوَّة وبنائها السمة المائزة لكلّ المشاريع الاستعمارية الاستيطانية، التي تهدف إلى استبدال شعبٍ أصلي بشعبٍ مستعمرٍ آخر، من خلال الإبادة الجماعية والتهجير القسري وقضم الأراضي. والاستعمار الاستيطاني ليس حدثاً أحادياً وإنّما مساراً مستمرّاً من العنف يمارسه المستعمِرون ضدّ الشعوب الأصلية إلى حين محوها عن الوجود. وهذا بالضبط ما تفعله إسرائيل منذ نحو ثمانية عقود.

منذ بدء الهجرة اليهودية إلى فلسطين في نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، سعت الحركة الصهيونية وعصاباتها، ومن بعدها إسرائيل وجيشها إلى ترسيخ نظام اجتماعي-اقتصادي قائم على استخدام القوّة وبنائها وتعظيمها. ارتفع الإنفاق العسكري لإسرائيل (وفق أسعار العام 2021) من 434 مليون دولار إلى 23.4 مليار بين عامي 1948 و2022، بمعدّل 2,623 دولاراً للفرد الواحد، ما وضعها في المرتبة الخامسة عشرة عالمياً بين أكثر الدول إنفاقاً على التسلّح، وفي المرتبة الثانية في الشرق الأوسط بعد المملكة العربية السعودية وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI). وقد سمح هذا الإنفاق الكبير ببناء أحد أكبر الجيوش في العالم. يحلُّ الجيش الإسرائيلي في المرتبة الثامنة عشرة بين الجيوش الأقوى عالمياً وفق مؤشِّر Global FirePower، عدا أنه مُسلّح بترسانة نووية ويمتلك قدرات عسكرية وتكنولوجيا دفاعية متطوِّرة. 

أدّت سياسة التطهير العرقي والإحلال السكّاني والسيطرة على الأرض إلى قتل أكثر من 100 ألف فلسطيني وفلسطينية منذ النكبة في العام 1948، واعتقال مليوناً آخرين منذ العام 1967 بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فضلاً عن تشريد 7 ملايين و200 ألف فلسطيني وفلسطينية في الدول العربية المجاورة وغير العربية. في المقابل، تمّ إحلال اليهود المهاجرين مكان الفلسطينيين، بحيث ارتفع عدد المستوطنات والبؤر الاستيطانية وفق إحصاءات «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» من مستوطنة واحدة في العام 1967 إلى 349 مستوطنة وبؤرة استيطانية في العام 2023، تضمّ حالياً نحو 727 ألف مستوطناً.

القوة العسكرية الإسرائيلية

2- الأسلحة الإسرائيلية: إجرام مُتمدِّد من فلسطين إلى بقاع الأرض 

لا شكّ أن أسطورة «الجيش الذي لا يُقهَر» تنطوي على أبعاد أيديولوجية وسياسية استخدمتها إسرائيل لرسم صورة عن نفسها خدمت مشروعها للاستعمار الاستيطاني، ولكنها سمحت لها أيضاً باستثمار هذا الصيت لتطوير صناعة عسكرية وتقنيات دفاعية وضعتها في المرتبة العاشرة ضمن البلدان المُصدِّرة للأسلحة باستحواذها على 2,3% من مجمل سوق الأسلحة العالمية في العام 2022 بحسب SIPRI. سوّقت إسرائيل لأسلحتها وتقنيّاتها الدفاعية والعسكرية بكونها ذات «فعالية مُثبتة»، فهي استخدمت الفلسطينيين وجيرانهم العرب كحقل تجارب لأسلحتها وتقنياتها العسكرية في حروبها الهمجية والوحشية التي خاضتها ضدّهم، ومن ثمّ باعتها كأسلحة ذات فعالية مُثبتة درّت عليها مليارات الدولارات. بلغت القيمة التراكمية لمبيعات الأسلحة الإسرائيلية بين عامي 2000 و2022 نحو 139 مليار دولار بحسب بيانات وزارة الحرب الإسرائيلية.

أطلقت إسرائيل صناعتها العسكرية على نطاقٍ واسعٍ في أعقاب حرب حزيران/يونيو 1967، بعدما حظرت فرنسا تصدير الأسلحة إليها، وهي المورد الرئيسي لها. طوَّرت إسرائيل صناعة الأسلحة، بدءاً من صناعة الأسلحة الصغيرة ومدافع الهاون وتعديل وتجديد الطائرات والدبّابات الموجودة، وصولاً إلى بناء وتطوير الطائرات المقاتلة والدبّابات القتالية والزوارق الحربية، عدا عن الصواريخ المتطوّرة وتقنياتها والتكنولوجيات الدفاعية الحديثة. وبدءاً من التسعينيات ربطت قطاعي التكنولوجيا والاتصالات بهذه الصناعة وأنتجت العديد من البرمجيّات المتطوّرة للتنصّت والتجسّس العسكري. وقد استفادت إسرائيل من الدعم المادي الأميركي لصناعتها الذي يقدّر بنحو 3 مليارات دولات سنوياً. 

تضاعفت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية في خلال العقد الأخير ووصلت إلى 12.5 مليار دولار في العام 2022، من ضمنها 4 مليارات كعقود بيع من حكومة إلى حكومة، بحسب التقرير السنوي لوزارة الحرب الإسرائيلية. ويعود ذلك إلى ارتفاع الطلب على السلاح بحكم الحرب الروسية – الأوكرانية، وعقود التسلّح التي وقّعتها مع الدول العربية التي طبّعت معها بموجب اتفاقية أبراهام (أي المغرب والإمارات والبحرين). 

تعدّ منطقة آسيا-المحيط الهادئ أكثر المناطق استيراداً للأسلحة الإسرائيلية بنسبة 30%، تليها أوروبا بنسبة 29%، ومن ثم الدول العربية المطبِّعة بنسبة 24%. فيما تستحوذ أميركا الشمالية على 11% من مجمل صادرات الأسلحة الإسرائيلية وتليها أفريقيا وأميركا اللاتينية بنسبة 3% لكلّ منهما. وتستحوذ مبيعات المركبات الجويّة والمسيّرات على نسبة 25% من مجمل الصادرات، تليها الصواريخ وأنظمة الدفاع الجويّة بنسبة 19%، ومن ثمّ الرادارات والأنظمة الإلكترونية العسكرية بنسبة 13%، وأخيراً أنظمة الأمن السيبراني بنسبة 6%. 

وكما ساهمت برمجيّات التجسّس الإسرائيلية - وأكثرها شهرة برمجيّة «بيغاسوس» - في مساعدة الأنظمة الديكتاتورية على قمع المعارضين والصحافيين في بلدانهم، ساهمت أيضاً الأسلحة الإسرائيلية في تسعير الحروب في الكثير من البلدان وارتكاب المجازر الجماعية وحروب الإبادة والتطهير العرقي بحقّ العديد من الشعوب في أميركا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا الشرقية. على سبيل المثال، قتلت الأسلحة الإسرائيلية التي بيعت لميليشيات الهوتو أكثر من مليون مدني في رواندا في تسعينيات القرن الماضي، كما سعّرت الحرب الأهلية في غواتيمالا بين عامي 1960-1996 حيث استخدمت لإبادة شعب المايان، واستخدمتها صربيا أيضاً في مجازرها بالبوسنة في العام 1995 قبل أن تمنح إسرائيل العديد من أفراد الجيش الصربي الجنسية الإسرائيلية لتفادي الاعتقال والمحاكمة بارتكاب جرائم حرب. كما باعت إسرائيل أسلحتها إلى الهند التي استخدمتها في احتلال كشمير وقتل أهلها وتشريدهم. وبيعت الأسلحة الإسرائيلية إلى أذربيجان منذ العام 1988 حيث استخدمت ضدّ الأرمن في حرب التطهير العرقي التي تمارس في آرتساخ.

القوة العسكرية الإسرائيلية

3- القوّة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط

على الرغم من عدم اعترافها بامتلاك أسلحة نووية، تشير وثائق الخارجية الأميركية التي رُفِعت السرّية عنها إلى بدء إسرائيل في تطوير برنامج نووي منذ منتصف ستينيات القرن الماضي بعد حرب أكتوبر، وحيازتها نحو 90 رأساً نووياً وفق SIPRI. وهذا ما يجعلها القوّة الشرق أوسطية الوحيدة التي تملك سلاحاً نووياً، وثامن قوّة نووية في العالم. 

في أعقاب العملية الأخيرة التي قامت بها حركة حماس، دعت عضو حزب الليكود ريفيتال تالي غوتليف إلى استخدام السلاح النووي وكتبت على منصّة إكس «لقد حان الوقت لاستخدام صاروخ يوم القيامة (النووي). يجب إطلاق الصواريخ غير المحدودة القوة. لا نريد أن تسوّي حياً بالأرض، بل أن تسحق غزّة وتسويها بالأرض بلا رحمة!». يرى كثيرون أن اللجوء إلى استخدام السلاح النووي مُستبعدٌ، خصوصاً أن في المرّة الأخيرة والوحيدة التي استعمل فيها في هيروشيما وناكازاكي قتل نحو ربع مليون شخص في ثوانٍ، إلّا أن وحشية إسرائيل التي تملك سجلاً حافلاً بارتكاب جرائم الحرب واستخدام الأسلحة المحظورة لا يضمن شيئاً. 

بحسب تقديرات SIPRI، تمتلك إسرائيل نحو 90 رأساً نووياً، فيما يشير محلِّلون آخرون إلى وجود أكثر من 300 سلاح نووي. تستند تقديرات SIPRI إلى كمّيات البلوتونيوم (740-1090 كيلوغراماً) الصالحة للاستخدام والموجودة في إسرائيل، إلّا أن سياسة «الغموض النووي» التي تتبعها الأخيرة ورفضها أن تشملها عمليات التفتيش الدورية التي تجريها وكالة الطاقة الذرية على المنشآت النووية لا يسمح بمعرفة الحجم الدقيق للترسانة النووية الإسرائيلية ولا خصائصها. 

مع ذلك، تشير تقديرات SIPRI إلى أن 30 سلاحاً نووياً هي عبارة عن قنابل يمكن إيصالها بطائرات F-16I أو F-15. ويرجّح أن تكون مخزّنة في قاعدة أو اثنتين من قواعد القوّات الجوّية، مثل قاعدة تل نوف في وسط إسرائيل وقاعدة حتسريم في صحراء النقب. ويرجّح أيضاً أن 50 سلاحاً نووياً هي عبارة عن رؤوس حربية قد تستخدم في صواريخ أريحا الباليستية الأرضية، ويُعتقد أن هذه الصواريخ مخزّنة في 23 كهفاً ومخبئاً في قاعدة سدوت ميخا الجوّية غرب القدس، حيث يمكن لكلّ مخبئ أو كهف أن يخزِّن قاذفتين. كما تدير إسرائيل خمس غوّاصات ألمانية الصنع من طراز دولفين ترسو في ميناء حيفا على ساحل البحر الأبيض المتوسّط، وتفيد التقارير بأن جميع أو بعض هذه الغوّاصات مجهّزة لإطلاق أسلحة نووية وأنها تحتوي على 10 رؤوس حربية في صواريخ كروز.

القوة العسكرية الإسرائيلية