Preview schools amidst war

فشل خطّة الطوارىء: العام الدراسي في مهبّ الحرب

إن مسار تطور الأحداث والعدوان الإسرائيلي على قرى الشريط الحدودي منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، يشير بوضوح إلى تصاعد العمليات العسكرية وتوسّعها، فمنذ الأسابيع الأولى بعد عملية طوفان الأقصى دعا وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، إلى شنّ هجوم على جنوب لبنان ثمّ تراجع عنه مرحلياً، وكان حتمياً لأي قارئ أن يرى أن حرباً وحشية ستطال لبنان أسوة بغزة بعد مشاهد الإبادة التي طالت الشعب الفلسطيني ومؤسساته.

أمّا حكومة تصريف الأعمال فقد باشرت منذ الشهر الأول للحرب بوضع خطة طوارئ حكومية مبنية على أحداث حرب تموز/يوليو 2006. ومع بدء العدوان، جلّ ما أعلنته اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة مخاطر الكوارث والأزمات الوطنية هو تقديم الخدمات الصحية وفتح المدارس والمهنيّات الرسمية ومراكز أخرى للإيواء، وقد استقبلت حتى اليوم ما يقارب 191 ألفاً منهم، أي أقل من 18% من النازحين الذين تجاوز عددهم اليوم 1.2 مليون نازح، أمّا الباقون فقد استأجروا بيوتاً في المناطق الآمنة، أو لجؤوا لدى الأقارب والأصدقاء، أو غادروا إلى خارج لبنان، فيما لا يزال بعضهم حتى اليوم في الشوارع والأماكن العامّة المفتوحة. 

لم تضع خطة الطوارئ الحكومية الورقية آليات وفرق عمل وتنسيق وغرف عمليات فعّالة تغطّي احتياجات المواجهة المدنية، كما لم تحدّثها. وحدها وزارة الصحة كانت مرنة ومتكيّفة على الرغم من الثغرات التي حصلت في حالات متطرّفة كتفجيرات أجهزة النداء الآلي (البايجرز)، والإقفال القسري لعدد من المستشفيات التي تم تداركها تباعاً. 

تشير الوقائع الى أن الخطة الحكومية لم تفعل إلا إيواء جزء من النازحين، وتقديم خدمات طبّية عبر وزارة الصحة، علماً أن بعض هذه الخدمات عانى من الخلل والتعثّر في تغطية العمليات الطبّية وغسل الكلى وتأمين العلاجات المزمنة للمرضى من اللاجئين، وقد تمّ حل بعضها لاحقاً، كما اعتمدت في الجانب الإنساني والغذاء على الجمعيات والمؤسّسات والدول المانحة. في الخلاصة، شابت خطة الحكومة الكثير من الثغرات الجوهرية في مقاربة مفهوم خطة الطوارئ، التي كان من المفترض تطويرها تباعاً على مدى عام تقريباً، تماشياً مع تطور الأحداث والعنف المتصاعد في غزة كنموذج، والجنوب والبقاع، وما سيحصل لاحقاً في العدوان على لبنان، كما لم تضع الخطة سيناريو أسوأ الاحتمالات ولا سيناريو لما بعد الحرب. 

إن تغييب خطة طوارئ متكاملة وشاملة، تضع أسوأ السيناريوهات بالحسبان، عطّل قطاعات ذات أهمية سيادية مثل التعليم، والأمن وحماية المواطنين، والأمن الغذائي والصحي وغيره

غاب التنسيق الفعلي بين الوزارات المعنية بالتدخل الطارئ، ونقصد هنا وزارات الدفاع والداخلية والشؤون الاجتماعية والتربية والصحة والمال والإسكان والاقتصاد والهيئة العليا للإغاثة وغيرها… تعمل كل وزارة منفصلة على الرغم من تشكيل غرفة عمليات مشتركة، ولم يجر توظيف الموارد البشرية والعينية والمالية لخدمة النازحين وتأمينهم أو تسهيل وصولهم إلى مراكز الإيواء وخدمتهم. كان لغياب التنسيق والتكامل تداعيات بدأت تظهر تباعاً مع تفاقم النزوح، وبات واضحاً منذ الأشهر الأولى من حرب الإسناد حين نزحت آلاف الأسر من القرى الحدودية ولم تقدّم لهم الدولة ما يكفي من إيواء أو خدمات طبّية كافية أو تعليم. 

انعكس الانقسام بين الأطراف السياسية على التنسيق المتكامل بين الوزراء والإدارات، بالإضافة إلى عدم كفاءة غالبية الإدارات في التخطيط وإدارة حالات الطوارئ على الرغم من الحروب السابقة، وهي ترمي مهمّة إعانة النازحين ومساعدتهم على المجتمع الأهلي والمدني والبلديات والجهات الدولية لمعالجة الأزمات، وترميها في الكثير من المناطق على الأحزاب لتنظيم الإيواء والسكن والمساعدات العينية والأمن. 

لم توظّف الحكومة الموارد البشرية، على الرغم من أن لديها أكثر من 90 ألف موظّف ومتعاقد وأجير في المؤسّسات والقطاعات الرسمية، من ضمنهم نحو 50 ألف معلماً ومعلمة. ما يزيد عن نصف الموظّفين والأجراء هم من المناطق الخطرة والمعرضة للخطر أو نازحين، أمّا البقية فيمكن توظيف عدد منهم ومن يستطيع من الموظّفين النازحين لخدمة مراكز الإيواء واللاجئين في القرى والبلدات الآمنة، أو في تنظيم أنشطة تعليمية للأطفال أو دعم البلديات لإحصاء اللاجئين وخدمتهم. حتى 17 تشرين الأول/أكتوبر 2024، كان هناك نحو 1,096 مركز إيواء يحتاج بين 5 و7 آلاف موظّف حكومي ومتطوّع لتنظيم عملية الإيواء وإدارة المستودعات وتأمين الاحتياجات لكل المراكز، فضلاً عن تكليف موظّفين حكوميين أو متطوعين للشؤون الصحية والاجتماعية والتعليم والإيواء والغذاء والتعليم والأنشطة، وتنظيم زيارات للدفاع المدني للإرشاد والحماية في الحالات الطارئة، والتنسيق مع البلدية والجهات الأهلية والمدنية والوزارات أو غرف العمليات المناطقية. كان المفترض أن يتم تكليف الموظفين والمتطوعين قبل تفاقم الاعتداءات والنزوح والاستعداد لهذا النزوح الواسع وتوقع الأسوأ. وكان من المفترض أيضاً أن تتحسب وزارة الداخلية لتسهيل السير من الجنوب إلى بيروت ومن الضاحية إلى المناطق الآمنة، وأن تقوم وزارة الدفاع وقيادة الجيش في تصنيف المناطق الآمنة والخطرة وتأمين سلامة الانتقال بين القرى والمناطق في نشرة يومية خاضعة للتعديل في أي وقت وتكون مرجعاً للناس جميعاً كما تأمين مراكز الإيواء مع قوى الأمن الداخلي. 

إن تغييب خطة طوارئ متكاملة وشاملة، تضع أسوأ السيناريوهات بالحسبان، عطّل قطاعات ذات أهمية سيادية مثل التعليم، والأمن وحماية المواطنين، والأمن الغذائي والصحي وغيره. ويبدو واضحاً من سلوك الحكومة أن الانقسامات السياسية وعدم كفاءة الإدارات الحكومية والسياسية في إدارة الأزمات منذ العام 2019 على الأقل وحتى العدوان اليوم، أدت إلى انهيار حلقات الحماية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتربوية. ونشدّد على التربية كونها قطاع سيادي، وتداعيات الفشل في ترميمه له تأثير اقتصادي واجتماعي وثقافي ومعرفي على المجتمع للسنوات العشر المقبلة على الأقل. في حين أنه يمكن ترميم بقية القطاعات ترميمها بسرعة أكبر بكثير لا سيما حيث يكون القطاع الخاص أكثر تأثيراً ويتميز بدينامية إعادة بناء أكثر فعالية في ظلّ ضعف فعالية الدولة. 

نشدّد على التربية كونها قطاع سيادي، وتداعيات الفشل في ترميمه له تأثير اقتصادي واجتماعي وثقافي ومعرفي على المجتمع للسنوات العشر المقبلة على الأقل

يظهر الانقسام السياسي وتفكّك خطة الطوارئ وفشل غرفة العمليات وضعف إجراءاتها من خلال المبررات الواهية بأن هذه الأزمة غير مسبوقة، ولا سيما في قطاع سيادي أساسي مثل التعليم. أما قرارات وزارة التربية والتعليم العالي فهي عشوائية، إذ حدّد الوزير عباس الحلبي، على مضض، مساهمة وزارته في خطّة الطوارئ بتوفير مدارس رسمية ومعاهد مهنية كمراكز إيواء - كحلّ أخير- من دون التفكير بتداعيات تعطيل العام الدراسي على المجتمع، وفي الوقت نفسه لم يحوّل المدارس الرسمية التي صارت مركز إيواء إلى مراكز مجتمعية للحدّ من تداعيات الحرب النفسية والاجتماعية والنزوح ولحماية النازحين والمضيفين وتفاعلهم الإيجابي البناء. تفاخر وزارة التربية بوضع 607 مؤسّسات تعليمية رسمية، منها 523 مدرسة رسمية كمراكز لجوء، من أصل 1,036 مركز معتمد، ويبلغ إجمالي عدد المدارس الرسمية في لبنان نحو 1,228 مدرسة وثانوية ونحو 158 معهداً مهنياً وتقنياً رسمياً، وتمثل المدارس والمعاهد الرسمية المستخدمة كمراكز إيواء نحو 47% من العدد الإجمالي للمؤسسات التعليمية. مع العلم أن مدارس محافظات الجنوب والنبطية والبقاع وبعلبك والهرمل ومنطقة الضاحية ومحيطها وبعض مناطق صيدا تمثل مناطق خطرة ومدارسها مُقفلة، ما يعني أن مراكز الإيواء تتوزّع من بيروت حتى عكار. وحدّدت وزارة التربية في لائحة أصدرتها في 16/11/2024 المدارس الرسمية التي يمكن فتحها، وعددها 310 مدارس خالية من النازحين بين روضات وأساسي وثانوية حسب النشرة الاسبوعية حول الاستجابة لحالة الطوارئ في قطاع التربية والتعليم المنشور على موقع الوزارة. وفي تصريح لاحق، أعلن الوزير الحلبي أن 200 مدرسة ممكن أن تفتح أبوابها للتعليم، علماً أن قسماً كبيراً منها هي مدارس صغيرة في الأطراف، ولا يغطي توزّعها الجغرافي كل المناطق ولا قدرة استيعابية كافية لها. 

المفترض أن تكون هذه المدارس في مناطق آمنة، ولكن من دون أن تحدّد الجهة الصالحة التي صنّفتها آمنة، خصوصاً أن العدوان يتوسّع يومياً شمالاً وصولاً إلى ما بعد نهر الأولي والضاحية والبقاع وبعلبك الهرمل شرقاً ومناطق متفرقة شمالاً في قضائي زغرتا وكسروان وغيرهما، ويترافق ذلك مع قطع الطرقات في البقاع والهرمل، من دون أن تلحظ اللائحة مخاطر انتقال التلامذة والأهالي بين القرى والمناطق. 

حتى اليوم لا تزال خطة وزارة التربية للمباشرة بالتعليم الرسمي في 4/11/2024 في المرحلة «صفر»، ومن المتوقع أن لا تتقدّم، وإذا تقدمت فلن تحظى بمصداقية شعبية أو إمكانيات التنفيذ أو ثقة المعلمين والمعلمات أو الأهالي، والمشكلة ليست في تجميع الداتا عن التوزّع الديموغرافي للعائلات النازحة والمعلمين والمدارس الآمنة فحسب، بل في سياق معطل على مستوى أعلى، يتطلب تنسيقاً بين القطاعات الأمنية والاجتماعية والصحية والإغاثية والمالية وغيرها، ويتطلب وضع رؤية وأهداف وآليات عمل غير متوفرة بالصيغ المطروحة في خطة الطوارئ الوطنية وفي اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة مخاطر الكوارث والأزمات الوطنية. فموضوع استعادة الثقة والقدرة على التواصل مع النازحين هو عامل أساسي في نجاح الخطة، كما أن مرحلة ما بعد الحرب غير واردة في خطط الحكومة ووزارة التربية، فقرى الشريط الحدودي وصولاً إلى النبطية وقراها والعرقوب منكوبة ومدمّرة بشكل شبه كامل، والعائدون إليها غداً سيواجهون دماراً غير مسبوق وبنى تحتية مدمّرة ومن ضمنها فقدانهم لمنازلهم ومدارسهم لشهور عدة قبل إعادة ترميمها واستقرارهم. 

في هذا السياق، لا نرى فعالية لخطة الطوارئ، فهي محصورة في مراكز الإيواء التي تضمّ 191 ألف نازح من أصل 1.2 مليون، ومهما بذل منسق خطة الطوارئ الحكومية، وزير البيئة ناصر ياسين، من جهد فلن ينجح في ظل التباعد على المستوى السياسي/الطائفي الذي يدفع ثمنه المواطن النازح واستقرار لبنان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وما سينتج عن هذا الخلل من تداعيات مؤسسة لحرب أهلية مقبلة. 

في حالات الحروب يكون موضوع الأمن والسلامة الغاية والهدف الأسميين، وهو مسؤولية الجهات الأمنية والجيش، وتشكل تغريدات أفيخاي أدرعي وأوامر الإخلاء أكبر خرق للسيادة الوطنية بحيث ينتظرها المواطن اللبناني ليتجنّب الموت، بينما كان من المفترض أن تقوم غرفة عمليات أمنية وطنية بهذه التحذيرات عبر شبكة تواصل ورسائل نصية للتحذير بالإشتراك مع وزارة الاتصالات ومع فرق أمنية ميدانية، على أن تقوم وزارة الشؤون وغرفة اللجنة الوطنية بإعداد مراكز لجوء للنازحين الجدد وإيوائهم بمرافقة وحماية الأجهزة العسكرية.

أعلن الوزير الحلبي أن 200 مدرسة ممكن أن تفتح أبوابها للتعليم، علماً أن قسماً كبيراً منها هي مدارس صغيرة في الأطراف، ولا يغطي توزّعها الجغرافي كل المناطق ولا قدرة استيعابية كافية لها

ويبدو أن القيادات الأمنية والعسكرية غير مكلفة تأمين الحماية والسلامة والأمن بشكل شامل ضمن خطة الطوارئ الحكومية، كما حصل بعيد إنفجار بيروت، حين نظمت قيادة الجيش التدخلات الأهلية والمدنية والمسح ووثقت أعمال الترميم والتعويض وغيره. اليوم، وعلى الرغم من أننا في حالة عدوان، لم نشهد تدابير مماثلة أو حتى قريبة من إجراءات إنفجار بيروت بسبب الخلافات السياسية/الطائفية التي أدت إلى هشاشة أداء الحكومة، لا سيما وزارة الشؤون الاجتماعية المسؤولة المباشرة عن إدارة الإغاثة والمأوى حسب خطة الطوارئ الحكومية، فهي تترأس أربع مجالات تدخل من أصل ثمانية وهي: الإيواء والأمن الغذائي والمساعدات الأساسية والحماية، كما أنها شريكة أساسية في محورين أخريين وهما الصحة والخدمات الصحية والاستقرار الاجتماعي. نفهم أن تدني أداء وزارة الشؤون الاجتماعية في تنفيذ المهام الموكلة إليها يعود إلى موقف سياسي للوزير فيكتور حجار ومن يمثل، أو عدم كفاءة لديه ولدى فريقه أو تعمّد التعطيل. كان الأجدى بخطة الطوارئ إيجاد بديل فعّال عوضاً عن وزارة الشؤون الاجتماعية أو تعديل الخطة فور فشل وزارة الشؤون الاجتماعية في أداء المهام الأساسية الموكلة إليها. ويمكن القول أن مسؤولية الإيواء، التي لم تقم بها وزارة الشؤون الاجتماعية، أدّت إلى تحويل المزيد من المدارس والمؤسسات التعليمية الرسمية كمراكز إيواء، ما انعكس على انطلاقة العام الدراسي وكلفة تعويضه وتداعياته التي تتجاوز كلفة إيجاد بدائل لإيواء نحو 190 ألف نازح في المدارس بأضعاف، كما أن عدم معالجة الخلل من قبل الحكومة وتعديل الخطة لجهة الإيواء ثبّت هذا الخلل، الذي سينتج عنه ضياع عام دراسي لنصف التلامذة في لبنان على الأقل بسبب سوء الإدارة والمناكفات السياسية وضعف الكفاءة. 

العودة إلى التعليم محفوف بثغرات كبيرة، فالخطة لم تلحظ سوى مساهمة وزارة التربية في وضع مدارس ومؤسسات تعليمية رسمية كمراكز إيواء، وكانت قد وضعت في 31/10/2023 ولم يتم تعديلها لاحقاً، ولم تأخذ بالاعتبار توسّع العدوان ليطال أربع محافظات والضاحية الجنوبية لبيروت الأكثر كثافة بين المدن والمحافظات اللبنانية. أما تحويل أعداد كبيرة من المدارس الرسمية في المناطق الآمنة إلى مراكز إيواء بالتزامن مع إنطلاق العام الدراسي 2024-2025 هو قرار مكلف جداً اجتماعيا ومالياً، ولم تفكّر وزارة التربية بالتكامل وبالمرونة مع خطة الطوارئ كما فعلت وزارة الصحة، ولم تضع خطة بديلة أو خاصة بها لتفادي خسارة عام دراسي ما عطّل مهمتها الأولى والوحيدة وهي تأمين التعليم الجيد الشامل والعادل. وعلى الرغم من «المضض» الذي أعلنه وزير التربية في خيار تخصيص المدارس كمراكز إيواء، لم يتوان عن تقديم المزيد والمزيد حتى صارت المدارس هي خطة الإيواء، ولم يتبق سوى 330 (25%) مدرسة رسمية، علماً أن قسماً منها في مناطق خطرة أو الوصول إليها خطر. فعلياً لم يتبقى سوى 200 مدرسة (تصريح إعلامي للوزير الحلبي) في مختلف المناطق ممكن أن تفتح كما صرّح الوزير في مقابلة تلفزيونية بعد تحويل الباقي إلى مراكز إيواء، كما يتواجد النصف الآخر في مناطق العدوان المستمر. فمع تحويل 45% من المدارس للإيواء و40% أخرى في مناطق خطرة، لا يستطيع الوزير اليوم الطلب من اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة مخاطر الكوارث والأزمات الوطنية إيجاد بدائل لإيواء للنازحين كما صرح في مقابلة تلفزيونية حتى يتمكن من إطلاق عام دراسي، فهذا أمر مستحيل في ظل الانقسامات السياسية والطائفية ولا إمكانية لتحقيق ربع مسعاه. 

حتى اليوم لا تزال خطة وزارة التربية للمباشرة بالتعليم الرسمي في 4/11/2024 في المرحلة «صفر»، ومن المتوقع أن لا تتقدّم، وإذا تقدمت فلن تحظى بمصداقية شعبية أو إمكانيات التنفيذ أو ثقة المعلمين والمعلمات أو الأهالي

ونشرت وزارة التربية مع الأونيسكو - المنسق الاستراتيجي للاستجابة الوطنية في مجال التعليم - تقريرها عن الفترة بين 14 و20 تشرين الأول/أكتوبر 2024، أوردت فيه أن 523 مدرسة رسمية تحوّلت إلى مركز إيواء، وكذلك 65 معهداً تقنياً ومهنياً، 19 مبنى للجامعة اللبنانية، ويضاف إليها 70 مدرسة خاصة. كما نشرت وزارة التربية لائحة بالمدارس الرسمية المخصّصة للإيواء (537 مدرسة) والمدارس التي من الممكن أن تفتح (330 مدرسة) من دون تحديد المعاهد المهنية والتقنية أو الخاصة. 

graph 01

ونشر التقرير نفسه أعداد التلامذة والطلاب في القطاعين الرسمي والخاص النازحين استناداً على تقديرات التعليم العام والمهني والجامعي للعام 2023-2024، مع التذكير أن التقرير يغطي الفترة الزمنية بين 14-20 تشرين الأول/أكتوبر 2024، ولا زالت هذه الأرقام المتداولة من تاريخ التقدير، علماً أن هناك مناطق جديدة وقرى قد استهدفت بشكل عنيف ونزح سكانها في خلال الأسبوعين الأخيرين. وأتت تقديرات التقرير على الشكل التالي:

graph 02
graph 03

إلا أن هذه الأرقام وحتى في التواريخ السابقة المشار إليها أعلاه بعيدة من الواقع ويمكن بسهولة إظهار الفروقات بالاستناد إلى النشرة الإحصائية للعام 2022-2023 ودليل المدارس من موقع المركز التربوي للبحوث والإنماء. على الأرجح أن الأرقام في الجدول أعلاه تشير إلى أعداد التلامذة النازحين ولا تشمل كلّ التلاميذ غير الملتحقين في التعليم الرسمي والخاص بسبب النزوح أو العدوان أو مخاطر الانتقال. وهي اليوم على الشكل التالي حسب الأقضية.

table

يضاف إلى هذه الأعداد من المتعطلّين في قطاع التعليم عشرات الآلاف من الأطفال المتسرّبين أو غير الملتحقين بالتعليم، فضلاً عن نسبة كبيرة من طلاب الجامعات الخاصّة وأساتذتها في مناطق العدوان والمناطق الخطرة والمتعطّلين بسبب النزوح، وكذلك غالبية وسائل النقل المخصّصة لنقل المتعلّمين.

في خلاصة هذه الجداول نفهم أن عدد التلامذة في التعليم العام ممن لم يتمكنوا من الإلتحاق بالتعليم يبلغ 773 ألف، بينما يبلغ العدد الإجمالي لتلامذة لبنان 1,079,048 تلميذ، ما يعني أن 280 ألف تلميذ فقط بالحد الأقصى، أي ما نسبته 27% من تلامذة لبنان، تمكّنوا من الالتحاق بصفوفهم في المدارس الخاصة المجانية وغير المجانية، إذ لم يحتسب في الجداول توقف 70 مدرسة خاصة مستخدمة كمراكز إيواء في بيروت وغيرها من المناطق الآمنة. 

يشوب حلول وزارة التربية خلل على مستويات عدة، ويمكن تلخيصها بإجراءات خالية من الرؤية الشمولية للتعليم ودوره وأهدافه في حالات مماثلة وإمكانية نجاحه. انعكس الخلل الأساس في الخطة على التعليم وتوفيره بالإمكانات التي تملكها الوزارة والمجتمعين الأهلي والمدني، وأتت توجهات الوزارة مركزية فوقية مؤسساتية جامدة تتطلب تمويلاً كبيراً غير متوفر وإجراءات غير قابلة للتحقيق وغير متناسقة تفتقر إلى التفاعل الاجتماعي والمدني بين النازحين والمجتمعات المضيفة، بل أسوأ من ذلك تسعى الحلول المطروحة إلى الحد من هذا التفاعل الذي يعزّز السلم الأهلي ويؤدي وظيفة التعليم في حالات الطوارئ معاً.

280 ألف تلميذ فقط بالحد الأقصى، أي ما نسبته 27% من تلامذة لبنان، تمكّنوا من الالتحاق بصفوفهم في المدارس الخاصة المجانية وغير المجانية

تقترح وزارة التربية:

  • إخلاء عدد من المدارس واستعادتها كمراكز تعليم نظامي: يتطلّب تجهيز مراكز إيواء أو خيم، وهذا أمر غير ممكن.
  • استئجار مبان مدرسية كالمدارس الخاصة في دوام بعد الظهر: الكلفة عالية جداً.
  • فتح وتجهيز مراكز تعليم: غير قابل للتحقيق لكلفتهما العالية وكلفة التجهيز ووسائل الاتصال وغيره. 
  • اعتماد التعليم أونلاين لدى الأفراد: الأجهزة غير متوفرة ولا شبكة الإنترنت ولا ظروف اللجوء والسكن في مراكز الإيواء وفي البيوت المضيفة. 
  • فتح المدارس الخالية من النازحين: عدد المدارس المتوفرة هو 200، وتوزّعها الجغرافي وقدرتها الاستيعابية غير كافية ولا تتجاوز 4,000 تلميذ.

لم تلحظ الأفكار أن التمويل هو عامل أساس في كل منها، لقد حدّدت التمويل في النشرة الأسبوعية للاستحابة لحالة الطوارئ بنحو 25.5 مليون دولار وهي تعتمد في ذلك على الجهات المانحة، كما لم تأخذ بالاعتبار كلفة النقل، فعلى الوزارة أيضاً تأمين الانتقال من وإلى الأماكن المقترحة لأعداد كبيرة من التلامذة، وتأمين سلامتهم وأن يكون الانتقال بين القرى والمناطق آمن كما وسائل النقل. كما لم تفكر الوزارة بتوظيف الموارد البشرية في المراحل التحضيرية وحصرته بالمدير وأستاذ لجمع الداتا عن النازحين وأماكنهم. كما لم تلحظ مسألة هامة غابت عنها وهي أن وزارة التربية مسؤولة عن تأمين التعليم لكل المتعلمين في الرسمي والخاص وعليها تأمين مقاعد لأكثر من 700 ألف تلميذ غير ملتحقين من التعليمين الرسمي والخاص والمهني إضافة إلى تعليم بعد الظهر حتى يتحقق مبدأ الشمولية. 

في النهاية المشكلة ليست في الداتا ولا بالإجراءات المقترحة، بل بتوظيف إمكانيات وموارد المجتمع ككل لتحقيق تعليم طارئ بالحد الأدنى، التعليم الاجتماعي المبني على تفاعل المتعلم مع محيطه البيئي، حتى لو كان طارئاً واستثنائياً، للتأسيس لمقاربة تفاعلية إيجابية بين المتعلّم والمجتمع المضيف وعائلات النازحين، على أن توفر الوزارة مستلزمات هذا التعليم الاجتماعي التفاعلي من مناهج طارئة ودعم نفسي ومعرفي واجتماعي والمتطلبات الأخرى، وأن يكون قادر على إعادة التلامذة إلى الأنماط الدراسية كما فتح نافذة مستقبلية إيجابية لمقاومة الوحشية والاضطراب اللتين يعيشهما.