Preview نساء لبنان

الرعاية غير مدفوعة الأجر
استغلال مضاعف للنساء العاملات في لبنان

71% من الوقت المُخصّص أسبوعياً لأعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر في لبنان يقع على عاتق النساء، وهو ما ينعكس تدنيّاً في مشاركتهن في القوى العاملة التي لا تتجاوز 26%. إن إلقاء مسؤوليات الرعاية على عاتق النساء في لبنان ليس مُفاجئاً، ولا يختلف عن المنحى المُسجّل في نحو 64 بلداً أجرى البنك الدولي دراسات عنها، وتبيّن أن ثلاثة أرباع أعمال الرعاية فيها تتحمّلها النساء وحدهن. 

يحاجج كثيرون في مستوى الخسائر التي تتكبّدها الاقتصادات من جراء إقصاء النساء عن العمل المدفوع الأجر. ولكن، هذا الإقصاء ليس إلاً تمثيلاً لنمط الإنتاج الرأسمالي، فهو من جهة يلقي أعباء الرعاية على عاتق النساء من أجل إعادة إنتاج القوى العاملة. ومن جهة ثانية، يتعامل معهن كمكوّن رئيس في جيش العمّال الاحتياطي وعمالة «رخيصة الأجر»، ما يسمح بإبقاء الأجور متدنية عموماً ومعدّلات البطالة عالية ودرجة الاستغلال مرتفعة، ويزيد بالتالي ربحية رأس المال على حساب الطبقة العاملة والنساء تحديداً. 

العمل غير المدفوع

ضحايا التقشّف

يتناول تقرير صدر عن البنك الدولي في العام 2023 بعنوان «من يقدّم الرعاية؟» إشكاليات الرعاية في ثلاثة بلدان في المشرق العربي (لبنان والأردن والعراق)، ويتبيّن أن 56% من الوقت الذي تقضيه النساء في لبنان في أعمال الرعاية غير المدفوعة يخصّص لرعاية الأطفال والمسنّين والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة  داخل الأسرة، وتأتي هذه الأعمال لسدّ فجوة غير مُلبّاة بالإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية التي يفترض أن تقدّمها الدولة للأسر التي تحتاج إليها، وتعبّر بالتالي عن عدم تحمّل المجتمع ككلّ مسؤولية رعاية أفراده، وإلقاء هذه الأعباء على النساء حصراً.

يقول البنك الدولي إنّ استفادة النساء من خدمات الرعاية، الرسمية أو غير الرسمية، قد يقلّل من أعباء الرعاية الملقاة على عاتقهن، ولكن هذه الاستفادة منخفضة جداً بسبب تجيير القسم الأكبر منها إلى القطاع الخاص الربحي. وفي حين كانت الأسر قادرة على تحمّل بعضاً من هذه الكلفة، تراجعت قدرات الكثير منها على تحمّلها بعد الأزمة الاقتصادية في العام 2019. وبحسب البنك الدولي، فإن 39% من الأسر التي لديها أطفال دون سن السادسة لا تستفيد من هذه الخدمات، وترتفع النسبة إلى  64% من الأسر عند استبعاد مرحلة ما قبل المدرسة. وهو ما يجعل النساء يعوّضن عن غياب هذه الخدمات بتأديتها بأنفسهن متحمّلات بذلك عبء التقشّف وغياب الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية. 

ضعف البنية التحتية

44% من الوقت الذي تخصّصة النساء للرعاية يذهب لتأدية الأعمال المنزلية غير المدفوعة الأجر مثل الطهي والتنظيف والعناية بالأطفال وكبار السن والمرضى من أفراد الأسرة. هذه النسبة يعتبرها البنك الدولي مرتفعة نسبياً، ومؤشراً واضحاً لرداءة نوعية البنية التحتية الخاصّة بخدمات الرعاية، إذ يؤدّي ضعف الوصول إلى الكهرباء، التي تؤثّر على الأسر في لبنان، إلى الحدّ من توافر الأجهزة التي تقلّل العمل مثل الغسّالات والجلّايات على سبيل المثال، ويجعل أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر تستغرق وقتاً أطول.

تأنيث مسؤوليات الرعاية

تقضي النساء في لبنان أكثر من 12 ساعة في اليوم في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر داخل الأسرة، وهو ما يزيد بنحو 7 ساعات عمّا يقضيه الرجال في أعمال مماثلة بحسب البنك الدولي. 

كلّ ساعة إضافية تقضيها النساء في أنشطة الرعاية غير المدفوعة تقلِّل ساعات العمل المدفوع الأجر بنحو 36 دقيقة يومياً. وبحسب تقرير البنك الدولي، تفيد 73% من النساء في لبنان، اللواتي تمّ استجوابهن، بأنهن لا يملكن الوقت للعمل خارج المنزل بسبب المسؤوليات المنزلية، وتتجاوز هذه النسبة تلك المُسجّلة في كلّ من الأردن (56%) والعراق (57%). وهذا يجعل المسؤوليّات الأسرية الرادع الأقوى لمشاركة النساء في سوق العمل، ويعبّر عن طبيعة الأدوار الاجتماعية لكلّ من النساء والرجال وتأنيث الأعمال الرعائية. 

الاستغلال المضاعف

تتعرّض النساء في لبنان، ولا سيّما العاملات خارج المنزل، لاستغلال مضاعف، إذ يضطررن إلى العمل بـ«دوامين» لأن الوقت الذي يخصّصنه لأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر لا ينخفض ​​بما يتناسب مع الوقت الذي يقضينه في العمل بأجر.

وبحسب البنك الدولي، تعمل نساء لبنان العاملات ما لا يقل عن 13 ساعة يومياً، تنقسم إلى 8 ساعات في أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر و5 ساعات في العمل المدفوع الأجر، وهو ما يتجاوز الوقت الذي تقضيه النساء العاطلات عن العمل أو غير الناشطات في الرعاية المباشرة والأعمال المنزلية. وبالتالي يشكّل هذا العبء الإضافي الذي يلقى على عاتق النساء العاملات عاملاً أساسياً لتقويض مشاركتهن في سوق العمل أو العمل في وظائف بدوام كامل.