الأصول الاشتراكية للثامن من آذار/مارس
قصّة يوم المرأة العالمي

في العام 1894، لجأت كلارا زيتكين إلى صفحات المجلة النسائية التابعة للديمقراطيين الاشتراكيين «دي غلايشهايت» (المساواة)، التي كانت قد أسّستها قبل ثلاثة أعوام، للجدال ضدّ التيار الرئيس للحركة النسوية الألمانية. كتبت زيتكين: «إن النسوية البرجوازية والحركة النسائية البروليتارية حركتان اجتماعيتان مختلفتان بشكل أساسي».

كان «يوم المرأة العالمي»، منذ البداية، يوماً للمرأة العاملة، وبينما كان هدفه المباشر هو الفوز بحق الاقتراع العام للنساء، فقد كانت تطلّعاته أعظم بكثير: الإطاحة بالرأسمالية وانتصار الاشتراكية

وفقاً لزيتكين، ضغطت النسويات البرجوازيات من أجل الإصلاح من خلال صراع بين الجنسين وضدّ رجال طَبَقتهن، من دون مُساءلة وجود الرأسمالية ذاته. وعلى النقيض من ذلك، سعت النساء العاملات، من خلال صراع طبقة ضد طبقة وفي معركة مشتركة مع رجال طَبَقتهن، إلى تجاوز الرأسمالية.

بحلول العام 1900، كانت النساء في «الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني» يعقدن مؤتمرات نصف سنوية مباشرة قبل مؤتمرات الحزب، مؤتمرات تمّت فيها مناقشة جميع القضايا المُلحّة للحركة النسائية البروليتارية. وقد جعلت هذه القوة الأيديولوجية والتنظيمية من الحركة النسائية العاملة الاشتراكية الألمانية العمودَ الفقري «للحركة النسائية الاشتراكية الأممية».

في العام 1907، انعقد «المؤتمر الدولي للنساء الاشتراكيات» في شتوتغارت بألمانيا، في أول اجتماع له، معلناً أن مطلبه الرئيس هو «حق المرأة في الاقتراع العام من دون شروط تتعلّق بالملكية، أو الضرائب، أو التعليم، أو أي نوع آخر من العوائق التي قد تعيق أعضاء الطبقة العاملة من الإناث من الاستفادة من حقوقهن السياسية». وأصرّ المندوبون على أن النضال من أجل حق الانتخاب يجب أن يتمَّ «ليس بالتعاون مع الحركة البرجوازية النسائية، ولكن بالتعاون الوثيق مع الأحزاب الاشتراكية».

وعبَّرت الدعوة إلى «المؤتمر الدولي للنساء الاشتراكيات» المُقبل، الذي عُقِد بعد ثلاثة أعوام في كوبنهاغن، عن الالتزام نفسه بالنضال الطبقي البروليتاري: «إننا ندعو بإلحاح كافة الأحزاب الاشتراكية والمنظمات النسائية الاشتراكية، وكذلك كافة المنظّمات النسائية العاملة القائمة على أساس الصراع الطبقي إلى إرسال مندوباتها إلى هذا المؤتمر».

كُنّ بصحبة جيّدة عبر المحيط الأطلسي. وفي العام السابق، حدّدت النساء العاملات الاشتراكيات في الولايات المتحدة 28 شباط/فبراير «يوماً للمرأة» - وهو «حدث أثار انتباه أعدائنا»، كما أفاد مؤتمر كوبنهاغن في العام التالي.

Previewيوم المرأة العالمي

بوستر ألماني ليوم المرأة العالمي، نشر في 8 أذار/مارس 1914، وتم حظره في الأمبراطورية الألمانية.

 

وعلى غرار رفيقاتهن الأميركيات، اقترحت المندوبة الألمانية لويز زيتز إعلان «يوم مرأة عالمي» يُحتَفَل به سنوياً. وأيَّدت زيتكين الاقتراح، إلى جانب مائة مندوبة من سبعة عشر دولة.

وجاء نص قرار «يوم المرأة» على النحو التالي:

«بالاتفاق مع المنظّمات البروليتارية السياسية والنقابية الواعية في بلدانهن، يتعيَّن على النساء الاشتراكيات من جميع القوميات تنظيم يوم خاص للمرأة، والذي يجب، قبل كل شيء، أن يُعزِّز الدعاية لحق المرأة في التصويت. ويجب مناقشة هذا المطلب في إطار مسألة المرأة برمتها، وفق المفهوم الاشتراكي».

بالنسبة إلى المندوبات، فإن دعم «المفهوم الاشتراكي» لم يعن فقط تعزيز حق المرأة في التصويت، بل عني أيضاً تعزيز تشريعات العمل الخاصة بالنساء العاملات، وتوفير المساعدة الاجتماعية للأمهات والأطفال، والمعاملة المتساوية للأمهات العازبات، وتوفير دور الحضانة ورياض الأطفال، وتوزيع وجبات مجانية، وتوفير المرافق التعليمية المجانية في المدارس، والتضامن الأممي.

ببساطة، كان «يوم المرأة العالمي»، منذ البداية، يوماً للمرأة العاملة. وبينما كان هدفه المباشر هو الفوز بحق الاقتراع العام للنساء، فقد كانت تطلعاته أعظم بكثير: الإطاحة بالرأسمالية وانتصار الاشتراكية، وإلغاء كل من عبودية الأجور للعمّال والعبودية المنزلية للنساء من خلال إضفاء الطابع الاشتراكي على التعليم وأعمال الرعاية.

 «يوم المرأة العالمي» الأول

لم يُحتفَل بـ«يوم المرأة العالمى» الأول في 8 آذار/مارس، بل في 19 آذار/مارس 1911. وقد اختير هذا التاريخ لإحياء ذكرى «ثورة 1848» في برلين، وكان اليوم السابق له، 18 آذار/مارس، مخصّصاً كل عام «لأبطال آذار/مارس الذين سقطوا».

أيتها الرفيقات! النساء والفتيات العاملات! 19 آذار/مارس هو يومكن. حقكن. وراء مطلبكن تقف «الديمقراطية الاجتماعية» والعمل المنظّم. إن النساء الاشتراكيات في جميع البلدان يتضامنن معكن. ويوم 19 آذار/مارس يجب أن يكون يوم مجدكن!

وفي ألمانيا، تمّ طباعة 2.5 مليون نسخة من منشور يحث على المشاركة في «يوم المرأة» وتوزيعها. وقد وجّهت مجلّة «دي غلايشهايت» نداءها الخاص: «أيتها الرفيقات! النساء والفتيات العاملات! 19 آذار/مارس هو يومكن. حقكن. وراء مطلبكن تقف «الديمقراطية الاجتماعية» والعمل المنظم. إن النساء الاشتراكيات في جميع البلدان يتضامنن معكن. ويوم 19 آذار/مارس يجب أن يكون يوم مجدكن!».

خرجت أكثر من مليون امرأة - وكن، في الغالب، ولكن ليس حصرياً، من النساء المنظّمات في «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» والنقابات - إلى الشوارع في ألمانيا، وردّدن شعار «إلى الأمام من أجل حق المرأة في التصويت»، للمطالبة بالمساواة الاجتماعية والسياسية. ونظّمن «تجمّعات سياسية عامة شعبية» - 42 منها في برلين وحدها - ناقشن فيها القضايا التي تؤثّر على حيواتهن.

وفي جميع أنحاء العالم، خصّصت النساء العاملات يوماً لأنفسهن. في العام 1911، اختارت العاملات في الولايات المتّحدة، وسويسرا، والدنمارك، والنمسا 8 آذار/مارس يوماً للمرأة. وسُرعان ما أضاف نظرائهن في فرنسا، وهولندا، والسويد، وبوهيميا، و(بشكل حاسم) روسيا أنفسهن إلى قائمة المحتفلات.

أصبح الاحتفال بـ«يوم المرأة العالمي» في 8 آذار/مارس ممارسة عالمية في العام 1914. وتميّزت المناسبة بلافتة شهيرة كُتِبَت عليها عبارة «يوم المرأة 8 آذار/مارس 1914 - إلى الأمام مع حقّ المرأة في التصويت»، وتُظهِر اللافتة امرأة ترتدي ملابس سوداء وتلوِّح بالعلم الأحمر. وفي ألمانيا - التي اجتاحتها حالة من الهستيريا في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى - منعت الشرطة تعليق الملصق أو توزيعه علناً. وتحوَّل «يوم المرأة العالمي» الرابع إلى حراك جماهيري ضد الحرب الإمبريالية التي ستندلع بعد 3 أشهر.

وبعد 3 أعوام، اكتسب يوم 8 آذار/مارس أهمية جديدة عندما هزّت ثورة شباط/فبراير روسيا (يوم 23 شباط/فبراير في التقويم اليولياني هو يوم 8 آذار/مارس في التقويم الغريغوري). وقد أدّت النساء العاملات الروسيات دوراً رائداً في الاضطرابات. وعلى الرغم من معارضة كل الأحزاب، بما في ذلك «البلاشفة»، فقد حوَّلن مظاهرة «يوم المرأة العالمي» إلى إضراب جماهيري جرف الطبقة العاملة بأكملها في مدينة بتروغراد وأدّى ذلك إلى ميلاد «الثورة الروسية».

ما أحدثته الحرب

اندلعت الحرب في آب/أغسطس 1914، واستهلّت حقبة جديدة في تطوّر «الحركة النسائية الاشتراكية الأممية».

انقسمت الأممية الثانية بأكملها - وبالتالي «الحركة النسائية الاشتراكية الأممية» أيضاً - على أسس وطنية، واستسلمت للشوفينية. وفي ألمانيا، تبنَّى «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» (و«اللجنة العامة لنقابات العمال» التابعة له) سياسة «السلام الاجتماعي»، الأمر الذي أدّى إلى حَظْر المظاهرات المنتقدة. واللواتي انتهكن الحظر واحتفلن علناً بـ«يوم المرأة العالمي» تعرّضن للقمع على أيدي الحكومة والشرطة.

 تقام الاحتفالات بـ«يوم المرأة العالمي» في 8 آذار/مارس في جميع أنحاء العالم - لتكون بمثابة تذكير سنوي بالإمكانات الثورية للمرأة العاملة

وفي أوائل شباط/نوفمبر 1914، أصدرت كلارا زيتكين نداءً «إلى النساء الاشتراكيات في جميع البلدان»، حيث تحدّثت بقوة ضد الحرب لصالح التحرّكات الجماهيرية من أجل السلام. وكجزء من هذه المعارضة للإمبريالية، دعت زيتكين إلى انعقاد «مؤتمر المرأة الاشتراكية» الثالث والأخير في نيسان/أبريل 1915. (وقد رافق لينين الوفد البلشفي، الذي ضمَّ زوجته كروبسكايا، وليلينا زينوفييف).

وبينما كانت الحرب الإمبريالية تدور حولهن، أصدر مؤتمرهن صيحة المعركة الأممية: «الحرب على الحرب». لكن المعارضة المبدئية للنزعة العسكرية كانت قليلة. وعند عودة زيتكن إلى ألمانيا، ألقي القبض عليها بتهمة توزيع بيان عُدَّ منشوراً غير قانوني.

 تذكير سنوي

بعد انهيار «الإمبراطورية الألمانية» الثانية وتشكيل مجالس للعمّال والجنود في جميع أنحاء ألمانيا في تشرين الثاني/نوفمبر 1918، قامت البرجوازية بنوع من الثورة المضادة الديمقراطية: منحت النساء حق التصويت، لكنها وضعت البرلمان والجمعية التأسيسية، اللذين اجتمعا في فايمار، مقابل مجالس سوفييتات مندوبي العمّال.

والشخص الذي كان ينفذ أوامر البرجوازية هو الزعيم الديمقراطي الاشتراكي فريدريش إيبرت، أول رئيس لجمهورية فايمار (و«ستالين الديمقراطية الاجتماعية»، على حد تعبير المؤرّخ كارل شورسكي). وعلى يديه - وعلى يدي البيروقراطية النقابية - تحوّل مطلب حق الاقتراع العام للنساء، الذي تبنَّته الحركة العمّالية الثورية كمطلب انتقالي، إلى حاجز أمام الثورة الاشتراكية.

وبما أن «يوم المرأة العالمي» نشأ في الجناح اليساري للحركة النسائية البروليتارية، توقّفت قيادة «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» أيضاً عن الاحتفال بيوم الثامن من آذار/مارس. وحاججت أنه بتمديد حق المرأة في التصويت قد حُقِّقت أهداف العُطلة.

يُحسب «للحزب الشيوعي» أنه واصل الاحتفال بـ«يوم المرأة العالمي» تحت شعار «كل السلطة للمجالس! كل السلطة للاشتراكية!». وفي حزيران/يونيو 1921، ساعدت كلارا زيتكن في جعل الاحتفال رسمياً. وأعلن «المؤتمر الأممي للنساء الشيوعيات» الثاني، الذي ترأسته زيتكين وعُقد في موسكو، أنه سيُحتَفَل في المستقبل بـ«يوم المرأة العالمي» في جميع أنحاء العالم في 8 آذار/مارس.

ومنذ ذلك الحين، تقام الاحتفالات بـ«يوم المرأة العالمي» في 8 آذار/مارس في جميع أنحاء العالم - لتكون بمثابة تذكير سنوي بالإمكانات الثورية للمرأة العاملة. 

نشر هذا المقال في Jacobin في  8 آذار/مارس 2017.