
الضريبة على المحروقات: تدفيع المقيمين كلفة نفوذ الاحتكار
بالاستناد إلى أرقام الاستيراد للعام 2024، يُتوقع أن تجبي الدولة اللبنانية نحو 392 مليون دولار سنوياً من الضريبة الإضافية التي فرضتها الحكومة على أسعار البنزين والمازوت في جلسة 29 أيار/مايو المنصرم. وقد تم تمرير هذه الضريبة بحجّة تمويل المنح المالية المعطاة للعسكريين. ويمكن جباية نحو 250 مليون دولار من إيرادات هذه الضريبة في الأشهر الستة المقبلة بين حزيران/يونيو وكانون الأول/ديسمبر 2025، وهي الفترة التي تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في استهلاك المحروقات بسبب تدفق المغتربين اللبنانيين لزيارة أسرهم وتمضية عطلات الصيف، وبسبب الأنشطة السياحية واستخدام المكيّفات لمواجهة درجات الحرارة المرتفعة. وتشير أرقام الأشهر الخمسة الأولى من العام 2025 إلى ارتفاع قيمة المشتقّات النفطية المستوردة بنحو %30، ما يعني إمكانية زيادة مداخيل الخزينة لتلامس 500 مليون دولار سنوياً إذا استمر هذا الارتفاع ولم تكبحه الضريبة المستحدثة.
عادت الحكومة إلى عاداتها القديمة
أتى قرار الحكومة اللبنانية بفرض ضريبة إضافية على المشتقات النفطية متماهياً مع السياسات الضريبية المعتمدة منذ 3 عقود، والتي كانت عاملاً من عوامل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وسبباً رئيساً من أسباب السخط الاجتماعي والتفاوت الشديد في توزيع الثروة والدخل. فهذه الضريبة غير المباشرة التي تصيب الاستهلاك من دون أي تمييز على أساس الدخل، ستزيد الضغوط على ميزانيات الأسر المتآكلة أصلاً نتيجة الانهيار النقدي والتضخّم والدولرة، ولا سيما أن رفع أسعار المحروقات سينعكس ارتفاعاً في أسعار السلع الخدمات الأساسية، لارتباط أسعار النقل والكهرباء تحديداً بأسعار المحروقات، وللتدمير المنهجي الذي لحق بالبدائل المتاحة أمام السكان والمؤسسات، إذ أن السيارات الخاصة هي وسيلة النقل الرئيسة والمولدات هي الوسيلة الرئيسة لإنتاج الكهرباء، وهما وسيلتان مكلفتان جداً.
هذه الضريبة ليست جديدة، سبق أن لجأت إليها الحكومة مرّات عدّة في مراحل سابقة، وهي تقوم على تثبيت سعر صفيحة البنزين وسعر صفيحة المازوت عند مستوى محدد، فإذا انخفضت الأسعار من دون هذا المستوى تجبي الخزينة العامّة الفارق، إما إذا ارتفعت فوق المستوى المحدد فيدفع المستهلك الفارق. ووفق هذه الآلية، قررت الحكومة تثبيت الأسعار عند مستواها يوم تشكيلها في 7 شباط/ فبراير الماضي، وبذلك أًضافت في أول أسبوع من تطبيقها 100 ألف ليرة (أو 1,11 دولار) على سعر صفيحة البتزين 95 أوكتان، و101 ألف ليرة (أو 1,12 دولار) على سعر صفيحة البنزين 98 أوكتان ، و174 ألف ليرة (أو 1,94 دولار) على سعر صفيحة المازوت، ومن المتوقع أن ترتفع الأسعار أكثر في ظل انخفاض الأسعار العالمية.
المفارقة هنا أنّ قرار مجلس الوزراء أوعز بتطبيق التسعيرة الجديدة بشكلٍ فوري، وتمّ إصدار جدول جديد للأسعار عشيّة الجلسة الوزارية. وعلى عكس الانطباع السائد أن هذه الضريبة هي الوحيدة التي تتقاضاها الدولة على المحروقات، فإنّ جدول تركيب الأسعار للمحروقات السائلة الذي تحدِّده وزارة الطاقة والمياه يضمن أصلاً حصول الدولة على ضرائب قائمة تساوي 9.91% من السعر النهائي للمستهلك، وبالتالي، فان الضريبة المستحدثة هي ضريبة إضافيّة ستجنيها الخزينة العامّة إلى جانب الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 11% ورسوم «المعاملات الجمركية» ورسوم الاستهلاك الداخلي وغيرها، ناهيك عما يتضمّنه جدول تركيب الأسعار من أكلاف مختلفة معظمها وهمي ومنتفخ ينتهي في حسابات الشركات المستوردة.
استورد لبنان في العام 2024 نحو مليون و718 ألف طن من البنزين 95 أوكتان، و35,525 طن من البنزين 98 أوكتان، إضافة إلى مليونين و245 ألف طن من المازوت، وذلك بحسب أرقام الشركات المستوردة في لبنان. يوازي ذلك حوالي 117 مليون تنكة من البنزين و 135 مليون تنكة من المازوت. وإذا اعتمدنا أرقام الاستيراد نفسها للعام الحالي، يمكن للخزينة أن تجني حوالي 392 مليون دولار أميركي من جرّاء فرض هذه الضريبة، حوالي 250 مليون دولار منها ستُجبى في الأشهر الستة المقبلة، كونها تشهد زيادة مضطردة على الاستهلاك، لا سيّما المازوت خلال فصل الصيف للمولّدات الخاصّة لإنتاج الكهرباء.
من جهة أخرى، تشير أرقام الاستيراد في الأشهر الخمسة الأولى للعام 2025 ارتفاعاً بنسبة 30% في استيراد البنزين والمازوت مقارنة بالفترة نفسها في العام 2024، خصوصاً بعد أحداث سوريا وسقوط نظام الأسد، والتي شهدت عودة عمليّات تهريب المحروقات إلى سوريا عبر المناطق الحدوديّة. فبين كانون الثاني/يناير وأيار/مايو 2025، استورد لبنان حوالي 948 ألف طن من البنزين 95 أوكتان، بالمقارنة مع 647 ألف طن خلال الفترة نفسها من العام 2024. كما استورد حوالي مليون و125 ألف طن من المازوت بالمقارنة مع 800 ألف طن في الفترة نفسها من العام 2024. ومن المتوقّع أن يستمرّ ذلك في فصل الصّيف، ما يرفع من قيمة الضرائب المجباة الى حوالي 500 مليون دولار في العام.
مراعاة المحتكرين عبر عدم المسّ بأرباحهم
على غرار الحكومات السابقة، تختار الحكومة الحاليّة الطّريقة الأسرع لجني المداخيل من جيوب عموم المواطنين بدلاً من تغيير النظام الضريبي برمته واستهداف الدخل، ولا سيما الأرباح الاحتكارية التي تجنيها شركات استيراد المحروقات وغيرها. ببساطة، قرّرت الحكومة القول أنّها عاجزة عن مواجهة الكارتيل النفطي، وبدلاً من تصحيح الخلل الأساسي في جدول تركيب الأسعار عبر شطب بنود الكلفة الوهمية وتخفيض هوامش ربح الاستيراد والتوزيع والبيع الموزّعة كعلاوات وعمولات وجعالات، وبالتالي تخفيض أسعار المحروقات كدعم للإنتاج والأسر، تستسهل الحكومة إرهاق الأسر والاقتصاد بضرائب وأشبه ضرائب تنازلية بطبيعتها، أي تصيب الفقراء أكثر بكثير من الأغنياء.
الّا أن قوّة الاحتكار ونفوذه في الدولة يمنعان حصول مثل هكذا خطوة، فما حصل يعيد الى الأذهان قانون موازنة العام 2024، التي فرضت ضريبة استثنائية بنسبة 10% تخضع لها الشركات التي استفادت من الدعم الذي أمّنه مصرف لبنان لتغطية فروقات سعر الصرف. في حينها، حرّكت الشركات المستوردة كافّة أساليب الضغط، وهدّدت باستعمال قوتها الاحتكارية ووقف توزيع المشتقّات من أجل عدم تطبيق الضريبة، قبل أن يعود المجلس الدستوري ويبطلها.