Preview أرباح شركات النفط في لبنان

القضيّة الأساس في موضوع «أرباح شركات النفط» في لبنان

مع صدور قرار المجلس الدستوري في أوائل نيسان/أبريل الجاري، المتعلّق بالطعون المُقدّمة في مواد موازنة العام 2024، عادت إلى الواجهة المادة 94 التي فرضت ضريبة على «المستفيدين من الدعم» من شركات ومؤسّسات، وربطت تطبيقها بقرار يصدر عن وزير المال، إذ أبطل المجلس الدستوري المادة بكاملها لعدم الوضوح لناحية وعاء الضريبة المفروضة واتسامها بالغموض الذي يترك هامشاً من الاستنسابية لوزير المالية في تطبيق النص. وبذلك انتصرت الكارتيلات على أنواعها في هذه الجولة من المبارزة بعد أن حرّكت أساليب الضغط كافة، واستخدمت شبكة علاقاتها مع الطبقة السياسية، وهدّدت باستعمال قوتها الاحتكارية وخلق أزمة انقطاع في بعض المواد الاستهلاكية المهمّة كالبنزين والمازوت للضغط من أجل عدم تطبيق الضريبة. 

طغت الكثير من الآراء القانونية عن عدم جواز فرض ضريبة بمفعول رجعي، وعدم قانونية فرض ضريبة جديدة إلّا بقانون، لكن بعيداً من النقاش القانوني، وكيفية طرح المادّة ومن ثمّ إلغاءها، من الواضح أن السلطة السياسية تعتمد سياسة المقايضة أو الابتزاز في بعض تفكيرها الضريبي، فهي لم تكن تسعى إلى تقويض الأرباح الاحتكارية من هذه المادّة، وإنّما ادعاء أن لها حصّة «إجرة» منها. فها هم الذين شيطنوا «الدعم» ووصفوه بأقذع الألفاظ يتصدّون اليوم لمحاولات اقتطاع، ولو بنسبة ضئيلة جداً، من الأموال التي كسبها التجّار فوق أرباحهم المعتادة. وهكذا، اختفت السردية عن تجّار يحتكرون أسواق النفط والدواء والقمح والغذاء، وقاموا بتخزين السلع المدعومة ورفعوا أسعارها أو هرّبوها إلى خارج لبنان، وحلّت محلّها سردية أخرى أن التجّار لم يربحوا من الدعم، وإنّما المستهلكين و«الأشباح».

في هذا السياق، يبرز «كارتيل النفط» في لبنان كنموذج فاقع عن الدور المزدوج الذي تلعبه الدولة، فمن جهة تمنحه أرباحاً لا يستحقّها، ومن جهة تطالبه بالمساهمة في تمويل الجهاز الذي يؤمّن له الحماية والسوق والامتيازات لتحقيق هذه الأرباح. ولكنها لا تفكّر بذلك إلا بعقلية الجباية والتسويات والمحاباة، وليس انطلاقاً من الحاجة الملحّة لإصلاح النظام الضريبي وجعله أكثر عدالة وكفاءة.

كارتيل النفط وأرباحه

الغموض المقصود

فرضت المادة 94 من قانون الموازنة لعام 2024 ضريبة استثنائية بنسبة 10%، تخضع لها «المؤسّسات والشركات التي استفادت من الدعم الذي أمّنه مصرف لبنان لتغطية فروقات سعر الصرف». ولكن هذه المادة حصرت التكليف بـ«المبلغ الذي يفوق 10 آلاف دولار»، وتركت «تحديد دقائق تطبيقها لقرار يصدر عن وزير المال».

من الواضح أن السلطة السياسية تعتمد سياسة المقايضة أو الابتزاز في بعض تفكيرها الضريبي، فهي لم تكن تسعى إلى تقويض الأرباح الاحتكارية من هذه المادّة، وإنّما ادعاء أن لها حصّة «إجرة» منها

الغموض الذي يلفّ هذه الضريبة مقصود، وإحالة توضيحها إلى قرار يصدره وزير المال، يوماً ما، هي مقصودة أيضاً. فهذه الضريبة لم تكن مطروحة في مناقشات الموازنة في البرلمان إلا كفكرة عامّة وبسيطة، تقول إن الدولة التي تسعى إلى زيادة إيراداتها، عليها التفتيش عنها لدى الذين استفادوا من دعم فروقات أسعار الصرف عبر منصّة «صيرفة» وتمويل الاستيراد وسوى ذلك. ولكن لم تجرِ دراسة الكيفية التي يمكنها تحقيق ذلك: ما الذي تريد أن تستهدفه هذه الضريبة الاستثنائية؟ هل كلّ مبالغ الدعم؟ أم فروقات سعر الصرف؟ مجمل ايرادات الشركات أم الأرباح المحقّقة والاستثنائية؟ أم الذين احتالوا واستفادوا من الدعم لأغراض غير المُخصّص لها؟ ثم، لماذا تصيب الضريبة فقط المبلغ الذي يفوق 10 آلاف دولار؟ ما الذي يعنيه هذا في مجال الحديث عن تمويل الاستيراد؟ هل كان هناك مستفيدين من «الدعم» بمبالغ تقل عن 10 آلاف دولار؟ ولماذا؟ ثم ما هي الفترة الزمنية التي تستهدفها هذه الضريبة الاستثنائية؟ هل تعود إلى أيلول/سبتمبر 2019 عندما حصر مصرف لبنان بيع الدولار بسعر الصرف الثابت باستيراد السلع الحيوية الثلاث: القمح، الدواء، الوقود؟ ثم، لماذا أقرّت ضريبة على مبالغ الدعم وصيرفة وتم إسقاط الضريبة على القروض بالدولار التي جرى تسديدها على سعر الصرف الثابت، والتي تتجاوز قيمتها 3 مرّات مبالغ الدعم وصيرفة، وحقّق المدينون أرباحاً فاحشة على حساب أصحاب الودائع والاستقرار المصرفي والنقدي؟

لقد صيغت هذه المادة بهذه الطريقة الغامضة أو المُبهمة لإثارة ما يكفي من الالتباسات، وبالتالي إبقاء الباب مفتوحاً أمام تسوية مع التجّار الكبار، الذين أعلنت «الهيئات الاقتصادية» باسمهم رفضها لهذه الضريبة والدعوة لـ«إعادة الأمور إلى نصابها». في هذا الإطار، لم يفوّت «كارتيل» شركات استيراد النفط الفرصة ليُظهِر سماته الاحتكارية. وتولّى قيادة الاعتراض على هذه الضريبة، وهذا متوقّع، باعتبار أن الجزء الأكبر مما سُمِّي «دعم» كان مخصّصاً لاستيراد الوقود على أنواعه، وهدّد بالتوقّف عن استيراد المحروقات وتوزيعها في حال تطبيق الضريبة، وافتعال أزمة كالتي افتعلها في السنوات الماضية للاستئثار بالدعم نفسه وتحقيق المزيد من الأرباح منه. ففي ظل تحلّل الدّولة، وبدل إصلاح النظام الضريبي وتفكيك البنية الاحتكارية التي استفاد منها أصحاب الثروات والرساميل، يستمرّ  المحتكرون في أخذ الناس رهائن كلمّا شعروا بتهديد لمكاسبهم غير المشروعة.

ما هي الضرائب المترتّبة على شركات النفط؟

منذ الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990)، ظهرت شركات استيراد المشتقات النفطية الخاصة كشكل بديل عن احتكار الدولة لهذه التجارة، ولكن ليس على قاعدة مزاعم المنافسة، وإنّما على قاعدة تنظيم سيطرة هذه الشركات، ومن يقف ورائها، على هذا الاحتكار وتقاسمه. وشكّلت الشركات منذ ذلك الوقت كارتيلاً مكتمل الأوصاف ينهش الاقتصاد والمستهلكين ويرتب عليهم أكلافاً باهظة لتعظيم أرباحه برعاية جهاز الدولة نفسه، الذي سخّر قوّته القانونية لخدمة المصالح الخاصة لأعضاء الكارتيل. مع مرور الزمن، أوجد الكارتيل النفطي موقعاً حاسماً له في آلية اتخاذ القرارات في الدولة، وراكم أشكالاً ووسائل مختلفة لتعظيم أرباحه باطراد، وإخفاء مصادر هذه الأرباح وطبيعتها، والتهرّب من دفع الضرائب عليها. لذلك، لا توجد بيانات موثوقة وشاملة عن الأرباح المُحقّقة من تجارة المحروقات، إلا أن المفكرة القانونية تمكّنت من الاطلاع على البيانات المالية لشركة «كورال» وحدها (كون هذه الشركة مسجّلة في بورصة لندن وهي ملزمة بنشر بياناتها المالية الدورية)، وتبيّن إن أرباحها تضخّمت كثيراً في خلال سنوات الدعم. إذ أنّ أرباح الشركة وحدها ارتفعتْ في العام 2022 إلى 384 مليون دولار بعدما كانت في العام 2019 لا تزيد عن 1.4 مليون دولار. أضف إلى أنّ قيمة أصولها ارتفعت من 113 مليون دولار في العام 2019 إلى 700 مليون دولار في العام 2022. فهل من الطبيعي أن تحقّق شركة، مهما كان شأنها، هذه القفزة الخيالية في بياناتها المالية في خلال 3 سنوات كانت الأصعب على لبنان وعلى الاقتصاد اللبناني بمختلف قطاعاته؟ وهل هي صدفة أن تتحقّق هذه الأرقام في الفترة التي شهدت دعم المحروقات؟.

بعيداً من المادّة 94 الملغاة، تخضع شركات استيراد النفط للضريبة المفروضة على شركات الأموال، التي تبلغ حالياً 17% فقط. ارتفعت هذه الضريبة من 10% في العام 2000 إلى 15%، وثمّ إلى 17% في السنوات الأخيرة، وتم إجهاض المحاولات الأخيرة في قانون موازنة 2024 لرفعها إلى 25% لتصبح على مستوى الحد الأعلى لمعدّل الضريبة على الرواتب والأجور والأرباح المهنية. يجري التذرّع بالضريبة المنخفضة على أرباح شركات الأموال بأن المساهمين في هذه الشركات يخضعون لضريبة بنسبة 10% على توزيعات الأرباح، أي أنها في الحصيلة تسدّد أكثر من 25% كضرائب على أرباحها، وهذه المزاعم تتعارض مع الواقع القانوني الذي يجعل الشركة كياناً مستقلاً عن كيانات المساهمين، فالشركة تسدِّد الضريبة على أرباحها من نشاطها، في حين أن المساهمين يسدِّدون الضريبة على دخلهم الشخصي من هذه الأرباح، فوفق بيانات شركة «كورال» يمكن ملاحظة المفارقة التالية التي تنطبق على أكثرية شركات الأموال، ومنها شركات استيراد النفط أو المصارف وغيرها، فالأرباح التي تحققها الشركة يتم استعمالها بطرق متعددة، منها توزيع أرباح سنوية على المساهمين، ولكن منها أيضاً زيادة ثروة المساهمين من خلال زيادة قيمة ملكيتهم وزيادة رساميلهم، ففي حالة شركة «كورال» ارتفعت الأرباح ولكن الاهم أن قيمة الشركة في السوق (ثروة المساهمين) ازدادت نحو 587 مليون دولار، من دون أن يتحمّل هؤلاء أي عبء ضريبي.

مهما كان الرأي أو طريقة القياس، يُعد معدل الضريبة في لبنان منخفضاً وفقاً للمعايير الدولية والتاريخية، ويعكس طبيعة النموذج الاقتصادي الذي بني بعد الحرب، وراكم الثروات في يد قلّة من المحتكرين، ومنحهم السلطة.

مع ذلك، لا تطبّق هذه الضريبة بالضرورة على شركات استيراد المشتقّات النفطّية في لبنان. يقول المحامي المتخصّص في القوانين الضريبية كريم ضاهر إن «لدى هذه الشركات طرق متنوّعة للتحايل على القوانين الضريبية والتهرّب من دفعها. يمكن لبعض هذه الشركات أن تكون على شكل «شركات قابضة» (Holding Company) تدير الشركات المُشغّلة الأخرى المتفرّعة عنها، وبالتالي لا تنطبق عليها ضريبة الشركات المذكورة ولا ضريبة الدخل على إيرادات رؤوس الأموال، إنّما تُعامل بميزة قانونية تهدف إلى تسهيل أعمالها وإعطائها الحوافز الاستثمارية، كما تُعفى من تسديد الضرائب على الفوائد المقبوضة على القروض الممنوحة للشركات التابعة لها التي تتجاوز مدة القرض فيها ثلاث سنوات وأكثر. عملياً، تخضع شركات الهولدينغ لضريبة سنويّة قدرها 5% على مجموع إيرادات الشركة التابعة العاملة في لبنان، كما تخضع لضريبة قدرها 10% على عائدات تأجير براءات اختراع والحقوق المحفوظة التي تملكها (License fees)، و10% على فوائد إقراض القروض للشركات التابعة، في حال وجودها». بالنتيجة، تتهرّب شركات الهولدينغ المقنّعة من دفع الضرائب التي يفترض أن تخضع لها الشركات الأخرى العاملة في لبنان، وهذه إحدى وسائلها لمراكمة المزيد من الأرباح.

لقد صيغت المادة بهذه الطريقة الغامضة أو المُبهمة لإثارة ما يكفي من الالتباسات، وبالتالي إبقاء الباب مفتوحاً أمام تسوية مع التجّار الكبار

من ناحية أخرى، يبرز نوع آخر من الشركات التي لها فروع في الخارج أو مُسجّلة في بورصات خارج لبنان، والقوانين اللبنانية تسمح للوزارات المعنية، إذا ما أرادت، كشف مثل هذه العمليّات من الغشّ والتحقيق في هويّة الأشخاص المترابطين خارج لبنان كما في إمكانيّة وجود شركات وسيطة تراكم الأرباح في الخارج. بحسب ضاهر فإن «المادة 10 من القانون 44/2008 المتعلّق بالإجراءات الضريبية، والمادتان 11 و13 من المرسوم التطبيقي 2488/2009، عرّفت التهرّب الضريبي ووضعت أسساً له. كما أن القانون رقم 55/2016 المتعلّق بتبادل المعلومات الضريبيّة يسمح لوزارة المال طلب معلومات ضريبية ذات صلة لفرع شركة لبنانية في الخارج بغية التحقيق في أي عمليّة تهرب محتملة».

الضرائب على شركات النفط مُضاعفة في العالم

في الواقع، تظهر مقارنة للنسب الضريبية على شركات النّفط واستيراد وتوزيع المحروقات وجود فوارق كبيرة بين تلك المعمول بها في لبنان وبعض دول المنطقة والعالم.

فعلى سبيل المثال، تشكل ضرائب الشركات حصة لا يستهان بها من الإيرادات في مصر وتونس والمغرب. ففي مصر مثلاً، يتمّ فرض ضريبة بنسبة 22.5 % من صافي الأرباح السنوية على مجمل الشركات، فيما تخضع الهيئة المصرية العامة للبترول لضريبة توازي 40%، وشركات البحث عن البترول والغاز وإنتاجها لضريبة تقدّر بنحو 40.55 %. أمّا في تونس، فتُحدد  نسبة الضريبة على أرباح الشركات بنحو 25%، أما في حال كانت من ضمن شركات الخدمات في قطاع المحروقات أو المؤسّسات الناشطة في قطاع إنتاج ونقل المحروقات فتخضع لضريبة بنسبة 35%. إلى ذلك، برزت مطالبات في المغرب مؤخّراً من أجل رفع قيمة الضريبة على شركات الاتصالات والمحروقات إلى 40%، حيث أن الضريبة الحالية على جميع الشركات هي 20%، وترتفع إلى 35% في حال كانت أرباحها السنويّة تفوق الـ 100 مليون دينار (9 مليون دولار أميركي).

أما في إسبانيا مثلاً، فيبلغ معدّل الضريبة على الشركات 25%، لكن بالنسبة للشركات التي تعمل في مجال النفط والغاز تصل الضريبة إلى 30%، مثلها مثل بريطانيا حيث الضريبة على هذه الشركات هي 30% على الأرباح، ويضاف إليها 10% إضافيّة.

بنية السوق الاحتكارية

تجني شركات استيراد الوقود أرباحاً كبيرة ومضمونة في الظروف كلّها. فمن دون الوقود التي تستورده هذه الشركات، مباشرة أو عبر عقود الشراكة مع الدولة، لا ماء ولا كهرباء ولا نقل ولا إنتاج… ولا حياة، كل الحياة تتعطّل، ومع ذلك، تخلّت الدولة كلياً عن واجباتها في ضمان أمن إمدادات الطاقة وديمومتها وجيّرتها إلى الشركات الخاصة، التي باتت تمتلك قوّة هائلة عبر التحكّم بشريان الحياة.

تتهرّب شركات الهولدينغ المقنّعة من دفع الضرائب التي يفترض أن تخضع لها الشركات الأخرى العاملة في لبنان، وهذه إحدى وسائلها لمراكمة المزيد من الأرباح

تقدّر القيمة السنوية لواردات النفط والغاز على أنواعها بنحو 5.5 مليار دولار في العام 2022 و2.8 مليار دولار في الأشهر الثماني الأولى العام 2023، بحسب الجمارك اللبنانية، وبلغ المتوسط السنوي للسنوات العشر الماضية نحو 4.5 مليار دولار. هذه السوق الضخمة تغذّت من الاستعاضة عن خدمات الدولة بخدمات رديفة، ولا سيما استبدال مؤسسة كهرباء لبنان بشبكة مولّدات الأحياء، واستبدال النقل العام المشترك بشبكة تجارة السيارات الشخصية ومقاولات الطرق والنقل الرديء.

تحقق شركات استيراد النفط أرباحاً كبيرة من العقود مع الدولة لاستيراد الفيول أويل وغيره، ولا سيما في ظل عدم شفافية هذه العقود والشبهات العميقة بوجود فساد كبير فيها، إلا أن السوق الموجّهة إلى المستهلكين هي الأكبر والأكثر تأثيراً على مستويات الأرباح، أي سوق البنزين المخصّص للنقل الخاص والمازوت المخصص للكهرباء الخاصّة.

للأسف، لم تتوفّر بعد بيانات رقمية تفصيلية للعام 2023 بأكمله، ولكن تفيدنا البيانات المتاحة عن الأشهر التسعة الأولى من العام 2023، التي حصلنا عليها من شركات الاستيراد، إن شركات النفط استوردت 1،357،197 طناً من البنزين، (نحو 51 مليون و234 ألفاً و187 صفيحة بنزين)، و1,660,146 طناً من المازوت (نحو 70 مليون و141 ألفاً و168 صفيحة مازوت). إذا افترضنا أن استهلاك البنزين والمازوت بقي ثابتاً طيلة العام، والسعر للمستهلك بقي ثابتاً، فهذا يعني أن السوق المحلية تستهلك سنوياً أكثر من 68 مليون صفيحة بنزين وأكثر من 93 مليون صفيحة مازوت. ووفق جدول تركيب الأسعار الصادر في 15/4/2024، يمكن افتراض أن متوسط سعر صفيحة البنزين من عيار 95 و98 أوكتان للمستهلك هو مليون و757 ألف ليرة، ومتوسّط سعر صفيحة المازوت هو مليون و562 ألف ليرة، نصل إلى حساب تقديري لقيمة سوق استهلاك البنزين بقيمة 119 تريليون و476 مليار ليرة، أو ما يعادل مليار و334 مليون دولار على سعر صرف 89,500 ليرة، وسوق استهلاك المازوت بقيمة 145 تريليون و266 مليار ليرة، أو ما يعادل مليار و623 مليون دولار. أي أن القيمة السنوية لسوقي استهلاك البنزين والمازوت لا تقل عن مليارين و957 مليون دولار.

من يستأثر بالسوق؟

وفق البيانات المتاحة للأشهر التسعة الأولى من العام 2023، تستحوذ شركة كورال/ليكويغاز على 21% من الحصة السوقية للبنزين، تليها توتال بنسبة 19%، ومن ثمّ يونيترمينال بنسبة 13%، ومدكو بنسبة 12%، وأخيراً الوردية بنسبة 11%. أمّا في المازوت، فالحصة الأكبر هي أيضاً لشركة كورال/ليكويغار التي تستحوذ على 26% من السوق، تليها يونيترمينال بنسبة 24%، ومن ثم هيبكو/كوجيكو بنسبة 14%، وأخيراً IPT بنسبة 10%.  

يتيح تقرير سابق (كم ندفع لكارتيل النفط في كلّ صفيحة بنزين؟) المجال واسعاً لتخيّل حجم الأرباح التي تحققها هذه الشركات من خلال الدولة، لذلك، يبدو الأجدى المطالبة بإخضاع هذه الشركات للتدقيق والتحقيق من أجل تحديد قيمة التهرّب الضريبي وتطبيق القوانين، وثم توجيه السجال إلى أصل العلّة الكامن في النظام الضريبي، إذ أن معدّل الضريبة على أرباح الشركات مبالغ في خفضه وهناك مجال واسع لرفعه، وهناك حاجة لفرض ضرائب نوعية مرتفعة على الأرباح التي تتجاوز حدّاً معيناً أو التي تنجم عن احتكار أو استغلال مورد عام أو الإضرار بالبيئة والطبيعة.

يعد إصلاح النظام الضريبي برمته واجباً، لا سيما عندما يتعلّق الأمر بكارتيل جنى الأرباح على مدى عقود، وازدادت أرباحه المعلنة وغير المعلنة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019 حتى الآن، وبقيت مرتفعة بعد رفع الدّعم بالكامل عن المحروقات في أيلول/سبتمبر 2021. إلا أن القضية يجدر أن تتمحور حول واجبات الدولة في تأمين إمدادات الطاقة، والعمل على تخفيض استيراد النفط عبر البدائل في إنتاج الكهرباء وتخفيض كلفتها وانشاء النقل العام الواسع الاستخدام للتنقل داخل المدن وفيما بينها.