Preview قوافل الحرية

«أسطول الحرية» يُبحِر مُجدّداً نحو غزّة

قبل نحو أسبوعين، دمّرت قوّات الاحتلال الإسرائيلي نصباً تذكارياً لسفينة مَرمرة التركية منصوب في غزّة. هذا النصب تمّ تشييده في العام 2011 تكريماً للشهداء والضحايا الذين سقطوا على متن السفينة التي أبحرت ضمن «أسطول الحرّية» في العام 2010 بهدف كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزّة وتوصيل المساعدات إليها.

قوافل الحرية

تُعدُّ سفينة مرمرة أهم سفن الأسطول في حينها، وكان على متنها أكثر من 500 ناشط ومتضامن وداعم للقضية الفلسطينينة، وتعرّضت يومها، وهي في المياه الدولية، لهجوم من قوّات كوماندوز خاصّة تابعة للبحرية الإسرائيلية، وراح ضحيّة الهجوم نحو عشر ناشطين أتراك وجُرِح العشرات بعدما استخدمت القوّات الإسرائيلية الرصاص الحيّ وأقدمت على ضرب جميع ركّاب السفينة وتعنيفهم وترهيبهم.

في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أُعلِن عن انطلاق «أسطول حرّية» جديد، ينطلق من مدينة اسطنبول باتجاه قطاع غزّة بهدف كسر الحصار عنه، وتحدّي سلطة الاحتلال. يقول فولكان أوكجو، أحد منظّمي المهمّة، إن الأسطول سيضمّ نحو ألف قارب يحمل 4,500 شخص من 40 دولة، ومن بينهم 313 قارباً يحمل نشطاء تضامن روسيين فلسطينيين و104 قوارب تحمل نشطاء إسبان، فيما سينضم 12 قارباً تركياً فقط إلى الأسطول هذه المرّة، وتغيب المشاركة العربية الوازنة عنه. 

هذا ما أُعلن عنه حتى الآن، ولو أن الشكوك بشأن استكمال هذه المهمّة تبقى قائمة بين عدد من الناشطين بسبب الضغوط الشتّى التي تمارسها دولة الاحتلال لكسر أي مقاومة بوجهها.

ووفق البيان التأسيسي لحملة تنظيم المهمّة، فإن أولوية المبادرة تكمن بـ«إرسال سفن الإغاثة والمساعدات الطبّية بالتنسيق مع الجهات الدولية ذات الخبرة في الإشراف على قوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية، بما يتوافق مع القوانين والأنظمة الدولية التي تحكم توصيل المساعدات في خلال أوقات الصراع».

الناس في جميع أنحاء العالم باتوا يعرفون أن التضامن مع القضية الفلسطينية قد يكون مميتاً، ومع ذلك ينخرطون بهذا العمل التضامني بكلّ شجاعة

ويأتي التركيز على مبدأ الإشراف الدولي على مسار القافلة بسبب تاريخ دولة الاحتلال في الاعتداء على القوافل التي سُيِّرت نحو غزّة منذ العام 2008. فمن أصل 22 سفينة على الأقل توجَّهت إلى غزّة لكسر الحصار منذ العام 2008، منعت إسرائيل 16 سفينة من الوصول إلى القطاع سواء عبر مصادرة المساعدات أو ترهيب الناشطين ودفعهم إلى التراجع، وصولاً إلى قتلهم. ما يعني أن أكثر من 70% من السفن التي اتجهت إلى قطاع غزّة منعت من الوصول إليه بسبب الاعتداءات الإسرائيلية.

تُعدُّ سفينة الكرامة القطرية التي وصلت إلى القطاع بتاريخ 20 كانون الأول/ديسمبر 2008، وعلى متنها شخصيات تمثل جمعيات خيرية قطرية، آخر السفن التي تدخل إلى غزة منذ محاصرتها. فبعد أسبوع من هذا التاريخ، أي في 27 كانون الأول/ديسمبر 2008، بدأت إسرائيل حربها التي أطلقت عليها اسم «عملية الرصاص المصبوب» التي انتهت في 18 كانون الثاني/يناير 2009، وترافقت مع تشديد الحصار ومنع أي سفينة من الدخول إلى القطاع ولو اضطرها الأمر إلى قتل من على متنها.

من هنا، مثّلت حادثة سفينة مرمرة تتويجاً لحدّ الغطرسة التي مارستها تدريجياً في سياق تشديد الحصار، كما أنها شكّلت مثالاً فاقعاً لكيفية تجاوز كل الأعراف الدولية.

في حديث مع موقع «صفر»، وفي سياق تكرار الناشطين لهذا النوع من المبادرات على الرغم من «العواقب الإسرائيلية»، يرى الأستاذ الجامعي والمناضل اليوناني نيكولاس كوزماتوبولس، الذي شارك في إحدى هذه القوافل أن «الناس في جميع أنحاء العالم باتوا يعرفون أن التضامن مع القضية الفلسطينية قد يكون مميتاً، وهناك العديد من الحالات التي سبقت حادثة سفينة مَرمرة، قُتِل فيها نشطاء متضامنون، وعليه إنّ التضامن ينطوي على أذى شخصي، والناس الذين ينخرطون بهذا العمل التضامني على دراية بالأمر وهم ينخرطون به ويخاطرون بكلّ شجاعة».

المفارقة الأبرز هو غياب «الحماسة» العربية المدنية وتخلّفها عن المبادرة لقيادة قوافل المساعدات، «التي يمكن أن تحرّك جبالاً في حال تكاتفت من أجل قضية

يُشير كوزماتوبولس أن التقييم الحالي للوضع يبيّن كيف خسرت إسرائيل عند إقدامها على قتل الناشطين ومعاناتها من مشاكل جيوسياسية ودبلوماسية مع بعض البلدان مثل تركيا وغيرها، وبالتالي، «من المستبعد أن تعيد إسرائيل فعل القتل  لكنها قد تلجأ إلى مصادرة السفن وترحيل طاقمها والاقتصار على تحقيق خسائر مادية».

أما المفارقة الأبرز التي تثيرها إعادة إحياء الأسطول فهو تسجيل غياب «الحماسة» العربية المدنية عن هذا النوع من المهّمات، وتخلّفها عن المبادرة لقيادة هذا النوع من التحرّكات «التي يمكن أن تحرّك جبالاً في حال تكاتفت من أجل قضية» على حدّ تعبير كوزماتوبولوس.

ولعلّ التصدّي الرسمي المصري لانطلاق قافلة «ضمير العالم» باتجاه غزّة التي دعت إليها نقابة الصحافيين المصريين الشهر الفائت، يشرح جزءاً من أسباب غياب تلك الحماسة العربية. لم تمنع السلطات الرسمية المصرية القافلة من تجاوز معبر رفح فحسب، بل أقدمت أجهزة الأمن المصري منذ أيام على ترحيل أربعة نشطاء أجانب من مجموعة «دوليون من أجل فلسطين» بعد احتجازهم لساعات عقب مشاركتهم في وقفة احتجاجية أمام وزارة الخارجية في القاهرة للمطالبة بالحصول على التصريح الأمني للقافلة.

والجدير ذكره أن هذه القافلة كان يجب أن تصل إلى القطاع في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بهدف كسر الحصار والضغط من أجل وقف حرب الإبادة الجماعية الحاصلة، التي زهقت حتى اليوم روح أكثر من 15 ألف إنسان في غزة.