Preview الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي

ما قصّة الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي على المدينين؟

غالباً ما تُركِّز المناقشات المعاصرة حول إدارة شؤون الاقتصاد العالمي على دور «صندوق النقد الدولي»، الذي يمكن القول إنه أقوى منظمة دولية تُقدِّم - من بين مسؤوليات أخرى - القروض إلى البلدان التي تمر بأزمات اقتصادية. وقد تكرّر آخر هذه المناقشات في مراكش في تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث اتفقت الدول الأعضاء في الصندوق على زيادة قدرته الإقراضية، مع الحفاظ على التخصيص الحالي للأصوات، الذي يُفضِّل بغالبية ساحقة الاقتصادات الكبرى في الشمال. وقد أدى هذا إلى إدامة التصوّر السائد على نطاق واسع بأن الصندوق جابٍ يعمل لصالح الدول الدائنة، وهي المسألة التي ستبرز من جديد في «اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي». وعلى الرغم من أن قروض الصندوق تحمل معها أسعار فائدة منخفضة، فإن تكلفتها الحقيقية التي تتحمّلها البلدان المدينة تتلخّص في الالتزام بتنفيذ إصلاحات اقتصادية بعيدة المدى.

العديد من البلدان تقع في أزمات اقتصادية بسبب صدمات خارجية لا تستطيع السيطرة عليها إلا قليلاً. وكانت جائحة «كوفيد-19» مثالاً واضحاً على ذلك، حيث أدت زيادة الإنفاق الحكومي لتمويل التعافي إلى اضطرار العديد من البلدان إلى عملية سداد غير مستدامة للديون

ولم تكن قروض الصندوق مرتبطة دائماً بمثل هذه الالتزامات. لقد تأسَّس الصندوق في «مؤتمر بريتون وودز» في العام 1944 لتنظيم النظام المالي الدولي. وكانت مسؤولياته الرئيسة ذات شقين: الدور البائد الآن المتمثل في الإشراف على نظام أسعار الصرف المربوطة، ودوره باعتباره مُقرِض الملاذ الأخير بالنسبة إلى البلدان التي تواجه مشاكل في تمويل الواردات الضرورية أو خدمة ديونها الخارجية. في البداية، قدّم «صندوق النقد الدولي» القروض من دون أي شروط مرفقة - بما يتفق مع وجهة نظر جون ماينارد كينز، ممثل الحكومة البريطانية في «مؤتمر بريتون وودز». وعلى النقيض من ذلك، كان المهندس الرئيس الآخر للصندوق، هاري ديكستر وايت من وزارة الخزانة الأميركية، ناجحاً في نهاية المطاف في سعيه لفرض تنفيذ إصلاحات في مقابل المساعدة المالية، وهي الممارسة المعروفة باسم «المشروطية».

لكن لماذا الاعتماد على المشروطية في المقام الأول؟ هناك مبرران رئيسان: أولاً، ضمان سداد الأموال فعلياً للصندوق، وثانياً، تجنُّب «المجازفة الأخلاقية»، أي الخطر المتمثل في استمرار البلدان في تبني سياسات غير مستدامة إذا كان بإمكانها دائماً توقُّع خطة إنقاذ أخرى من الصندوق بقيود محدودة. إن التخوُّف الأول مبالغ فيه: فالبلدان نادراً ما تعجز عن السداد للصندوق، وحالات الفشل القليلة في السداد تكون مؤقتة بطبيعتها عموماً. وتتجاهل الحجة الثانية حقيقة مفادها أن العديد من البلدان تقع في أزمات اقتصادية بسبب صدمات خارجية لا تستطيع السيطرة عليها إلا قليلاً. وكانت جائحة «كوفيد-19» مثالاً واضحاً على ذلك، حيث أدت زيادة الإنفاق الحكومي لتمويل التعافي إلى اضطرار العديد من البلدان إلى عملية سداد غير مستدامة للديون.

كان إدخال المشروطية خطوة مثيرة للجدل. فقد دعت بريطانيا إلى اتباع نهج متساهل لا يلزم فيه سداد القروض إلا بمعدل فائدة منخفض نسبياً، في حين دفعت الولايات المتحدة باتجاه مشروطية موسَّعة. وتَلَخَّصَ نهج «بريتون وودز»، الساعي لاسترضاء هذين الموقفين، في جعل الاتفاق النهائي غامضاً بشأن تفاصيل المشروطية، وهي قضية تعيَّن حلّها على المستوى البيروقراطي الفني بمجرد إنشاء الصندوق بالفعل. وبالتالي، تُرِكَت الشروط والأحكام الدقيقة لقروض الصندوق ليتمّ تحديدها في قروضه الأولية، ثم ظلت ثابتة بشكل ملحوظ حتى السبعينيات من القرن العشرين.

في هذه السنوات الأولى من عمليات الصندوق، طالب موظَّفوه البلدان المقترضة بتلبية مجموعة من الأهداف الاقتصادية الإجمالية، مثل تناسُب الإيرادات مع المدفوعات، أو زيادة الاحتياطيات الدولية، أو الحد من التوسّع الائتماني المحلي، أو إزالة قيود الصرف. وكانت جميعها عبارة عن تدابير تطفّلية كثيراً ما اعترض عليها المقترضون، ولكنها كانت أيضاً محدودة ويمكن التنبؤ بها ومؤقتة ويمكن التراجع عنها. ربما امتنعت حكومة ما عن خفض أجور موظّفي الخدمة المدنية أو تجميد عمليات التوظيف العام أو الحد من الاستثمار العام، لكنها كانت حرّة في زيادة الإنفاق في المستقبل، عندما لم تعد تحت وصاية الصندوق وعندما كانت ظروفها الاقتصادية أكثر ملاءمة.

لكن في الثمانينيات من القرن العشرين، تغيرت طبيعة المشروطية بشكل كبير. فمع اجتياح أزمة الديون العالمَ النامي في العام 1982، بدأ الصندوق - بمبادرة وإصرار من الولايات المتحدة - في تغيير الطرق التي يقدم بها الدعم للمقترضين. وتماشياً مع روح العصر النيوليبرالية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، نُظِرَ إلى التدخل الحكومي باعتباره عاملاً رئيساً في المشاكل الاقتصادية، وكان توسيع نطاق الأسواق هو الحل الموصوف. وأصبحت مجموعة الإصلاحات اللاحقة تعرف بسياسات «التكيُّف الهيكلي»، وكثيراً ما يكون من الصعب للغاية عكسها - وهذا في الواقع جزء من جاذبيتها بالنسبة إلى الصندوق. على سبيل المثال، بمجرد خصخصة أحد الموارد الطبيعية، فإن إعادة تأميم هذا المورد تكون أمراً بالغ الصعوبة. وتظل سياسات التكيُّف الهيكلي هذه تُشكِّل حجر الزاوية في عمليات الإقراض التي يقدمها الصندوق اليوم.

كيف شكلت مشروطية «صندوق النقد الدولي» العالم الذي نعيش فيه؟

المشروطية مهمة. بالنسبة للمقترضين، فإن الآثار مباشرة وواضحة. ووصول موظفي الصندوق إلى عاصمة بلد ما «للتفاوض» على قرض يمثل بداية فترة طويلة عادة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية، حيث يدرس فريق الصندوق طبيعة المشاكل الاقتصادية ويطرح مجموعة من الإصلاحات لمعالجتها. وتسعى هذه الإصلاحات إلى إحداث تغيير جذري في المعايير الأساسية لاقتصاد البلد المقترض، مثل دور الدولة، واختصاص الأسواق، ودرجة الاندماج الدولي.

أصبحت مجموعة الإصلاحات اللاحقة تعرف بسياسات «التكيُّف الهيكلي»، وكثيراً ما يكون من الصعب للغاية عكسها - وهذا في الواقع جزء من جاذبيتها بالنسبة إلى الصندوق. على سبيل المثال، بمجرد خصخصة أحد الموارد الطبيعية، فإن إعادة تأميم هذا المورد تكون أمراً بالغ الصعوبة

إن إلقاء نظرة فاحصة على تطبيق الصندوق للمشروطية يكشف عن حجم مشاركة المنظمة في إعادة تشكيل الاقتصادات السياسية المحلية. توضِّح خريطة العالم أدناه إجمالي عدد الشروط المطبقة على جميع قروض الصندوق بين عامي 1980 و2019. البلدان المظللة باللون الأسود لديها أكبر عدد من الشروط خلال هذه الفترة، حيث يكون إجمالي عدد الشروط أكبر من 1050. والبلدان المظللة باللون الرمادي الفاتح لديها أدنى عدد من الشروط، 350 أو أقل. أما البلدان التي ليس لديها أي لون تظليلي فلم تخضع لأي شروط على الإطلاق خلال هذه الفترة. وتَظهر أرمينيا وقيرغيزستان وملاوي وباكستان ورومانيا والعديد من بلدان غرب أفريقيا كبلدان تتحمّل أعلى أعباء المشروطية عموماً: فقد تلقت جميعها قروضاً متكررة تحمل درجة عالية من المشروطية.

PreviewIMF conditionnality

ومن الواضح أن تجارب البلدان المختلفة مع مشروطية الصندوق كانت متباينة. على سبيل المثال، كان لدى موريتانيا برامج للصندوق نَشِطة لمدة ثلاثين عاماً من أصل أربعين عاماً تمَّت تغطيتها، والتي تضمَّنت إجمالي 1175 شرطاً. ولم يكن لدى بلدان أخرى سوى لقاءات قصيرة مع الصندوق، وهو ما انعكس في مشروطية محدودة نسبياً. على سبيل المثال، حصلت جنوب أفريقيا على قرض مدته عام واحد فقط يحمل أحد عشر شرطاً بين عامي 1982 و1983. واحتفظت ليتوانيا، التي خضعت لـ 417 شرطاً، بعدد متوسط من الشروط الموضوعة على المقترضين من الصندوق. ولم تخضع معظم الدول ذات الدخل المرتفع لأي شروط خلال الفترة المشمولة لأنها لم تقترض من الصندوق، على الرغم من أن قبرص واليونان وأيسلندا وأيرلندا والبرتغال تمثل استثناءات ملحوظة.

وبطبيعة الحال، على الرغم من كونها موحية، هناك حدود لمثل هذه الأكوام من الشروط. ليست كل شروط الصندوق متماثلة، وكثيراً ما تكون الانتقادات الشائعة التي تقول إن الصندوق يدافع عن سياسات «ذات مقاس واحد للجميع» مبالغاً فيها. يختلف كل برنامج من برامج الصندوق في المزيج الدقيق من السياسات التي يسعى إلى إصلاحها، وهذا يؤثر بشكل مختلف على البلدان المقترِضة. ويحتوي البرنامج عادة على عنصر مشروطية شديد الصياغة ينطبق على جميع المقترضين (على سبيل المثال، الالتزام بعدم تحمل ديون جديدة)، فضلاً عن عنصر مُصمَّم خصيصاً يشمل إصلاحات هيكلية عبر مجموعة من مجالات السياسات.

هناك ثلاثة أنواع من الإصلاح تستحقُّ اهتماماً خاصاً. أولاً، تستهدف إجراءات الخصخصة بشكل مباشر انخراط الدولة في الاقتصاد. وتستهدف هذه السياسات عادة المؤسسات المملوكة للدولة، والتي أنشأتها العديد من البلدان لخلق أو رعاية الأسواق، وغالباً ما كان المقصود منها ضمان أن يؤدي استغلال الموارد الطبيعية إلى تحقيق أرباح عامة، وليس أرباحاً خاصة. وكما هو الحال مع نظيراتها في القطاع الخاص، فإن هذه المؤسسات غالباً ما تعاني من سوء الإدارة أو تظل غير قادرة على المنافسة. ومع ذلك، في حين أن شركات القطاع الخاص التي تدار بشكل سيئ يمكن أن تتوقف عن العمل، فإن الشركات المملوكة للدولة تستمر في الحصول على الدعم من الميزانية العامة وتتكبد خسائر كبيرة. وكان الرد المعتاد للصندوق هو الدعوة إلى خصخصة هذه المؤسسات، الأمر الذي يمكن أن يدر بعض الدخل لدولة تعاني من ضائقة مالية، ولكنه يأخذ مجالات النشاط الاقتصادي من أيدي القطاع العام. ويشتري المستثمرون هذه الشركات المملوكة للدولة بتكلفة منخفضة، حيث يؤدي الانكماش الاقتصادي عادة إلى تثبيط تقييمها، كما أن انخفاض قيمة العملة المحلية يجعلها أكثر جاذبية لحاملي العملات الأجنبية. وفي كثير من الأحيان، يكون هؤلاء المستثمرون شركات أجنبية متعددة الجنسيات، ويتمتعون بعد ذلك بالحماية - بموجب قوانين التجارة الدولية وترتيبات قانونية أخرى - من أي انتكاسات محتملة في السياسة المستقبلية.

ثانياً، يسمح إلغاء القيود التنظيمية الاقتصادية لقوى السوق بالعمل في ظل متطلبات تنظيمية أقل تحددها هيئات الدولة. ويُحاجج أنصار هذه الفكرة أن السوق، وليس القطاع العام، هو الأفضل تجهيزاً لتخصيص الموارد بكفاءة. ومع ذلك، فإن إلغاء القيود التنظيمية الاقتصادية يُحابِي عادةً مصالح الشركات الكبرى - على سبيل المثال، من خلال إدخال تغييرات على قانون الضرائب - في حين يهمل احتياجات الشركات الصغيرة والقوى العاملة. والواقع أن تحرير أسواق العمل كان بمثابة السياسة الأساسية للصندوق. وتؤثِّر مثل هذه الإصلاحات على موظفي القطاعين العام والخاص: فالأولون عادةً ما يشهدون انخفاضاً في أعدادهم، وتجميداً في رواتبهم، وتعليقاً في أي عمليات توظيف جديدة، بينما يشهد الأخيرون تفكيكاً لترتيبات المفاوضة الجماعية، إلى جانب إضفاء المرونة الشاملة على شروط العمل، بما في ذلك تعويضات التوظيف والفصل والطرد من العمل.

أخيراً، تنطوي تدابير تحرير التجارة على تخفيضات في التعريفات الجمركية والحواجز غير الجمركية أمام التجارة من أجل تسهيل الاندماج في الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من أن مثل هذه التدابير يمكن أن تحفز النمو الاقتصادي، فإن المكاسب الناجمة عن تحرير التجارة تُوزَّع عادةً بشكل غير متساو على العمالة المتخصصة للغاية وليس على الأسر الفقيرة. ومن الممكن أن تُعرِّض هذه التدابير أيضاً الصناعات المحلية للمنافسة الدولية قبل أن تتمكن تلك الصناعات من الاقتدار على المنافسة أصلاً، ما يمنع شركات «الجنوب العالمي» بشكل أساسي من تلقي ذلك النوع من الدعم الحكومي الذي عزّز صناعات «الشمال العالمي» في المراحل المبكرة من عملية تنميتها.

وتطمح شروط الصندوق إلى ما لا يقل عن إجراء إصلاحات جوهرية للترتيبات السياسية والاقتصادية التي تتبناها البلدان، وهو ما من شأنه أن يخلق فائزين وخاسرين محليين في هذه العملية. وبمجرد تطبيق هذه الإصلاحات، فإنها تعمل على خلق ديناميكيات ذاتية التعزيز، حيث يصعب إعادة تنظيم مجالات السياسات التي تُسَوقَن، كما يصعب عكس مسار الاندماج الاقتصادي الدولي المتزايد.

لكن البلدان المقترضة من الصندوق ليست وحدها المتأثرة بالمشروطية، فبلدان «الشمال العالمي» تتأثَّر بشكل غير مباشر أيضاً. الصندوق يدعو إلى تحرير أسواق العمل، وخفض الضرائب، وزيادة الانفتاح الاقتصادي في البلدان النامية، مما يمنح الشركات في الشمال فرصاً جديدة لنقل إنتاجها إلى الخارج، وبالتالي خفض فرص العمل والاستثمار في بلدها الأصلي. إن التحرير الاقتصادي وإلغاء القيود التنظيمية في «الجنوب العالمي» لهما آثار لاحقة على «الشمال العالمي»، وهذه هي العواقب التي ساهمت في موجة الشكوك الحالية تجاه العولمة.

المشروطية في الوقت الحاضر

احتل «صندوق النقد الدولي» مركز الصدارة في التعامل مع الضغوط المالية وضغوط الديون منذ ظهور جائحة «كوفيد-19». وباستثناء القروض الطارئة في فترة الجائحة، لجأت 47 دولة إلى الصندوق للحصول على قروض مشروطة منذ العام 2020. وغالبية هذه القروض مُخصّصة لبرامج إقراض مدتها ثلاثة أو أربعة أعوام تنصُّ على إصلاحات سياسية واسعة النطاق. ولا يشمل هذا فقط بعض أفقر دول العالم، مثل أفغانستان وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بل وأيضاً الدول ذات الدخل المتوسط، مثل الأرجنتين ومصر وسيشيل.

تستهدف إجراءات الخصخصة انخراط الدولة في الاقتصاد. وتستهدف هذه السياسات المؤسسات المملوكة للدولة، والتي أنشأتها العديد من البلدان لخلق أو رعاية الأسواق، وغالباً ما كان المقصود منها ضمان أن يؤدي استغلال الموارد الطبيعية إلى تحقيق أرباح عامة، وليس أرباحاً خاصة

وتشير التجربة المقارنة مع هذه القروض إلى أن التقشف آخذ في الارتفاع. وتُقدِّم أوغندا مثالاً على ذلك، حيث انضمَّت إلى برنامج للصندوق يمتد إلى ثلاثة أعوام في حزيران/يونيو 2021 لدعم الاستجابة لأزمة «كوفيد-19» وتحسين القدرة على تحمّل الديون. لقد دعا الصندوق أوغندا إلى خفض عجز الموازنة الأولية بشكل حاد: من 7.1% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2020-2021 إلى 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2021-2022، مع التخطيط لمزيد من التخفيضات في الأعوام اللاحقة. وقد دُعِمَت هذه الأهداف بمعايير أداء ربع سنوية بشأن تناسُب الميزانية الأولية للحكومة المركزية وبشرط هيكلي تطلَّب من وزارة المالية ومفوِّض هيئة الإيرادات الأوغندية اعتماد خطة تنفيذية لاستراتيجية تتعلق بالإيرادات. وتُلحِق هذه التخفيضات ضرراً غير متناسب بالأسر الفقيرة وتقوِّض قدرة أوغندا على الاستثمار في استراتيجيات التكيُّف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره.

وفي بنغلاديش، دعا الصندوق إلى خفض عجز الموازنة الأولية من 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة 2023-2024 إلى 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية البرنامج الذي يمتد لثلاثة أعوام، على أن يُحقَّق ذلك من خلال تخفيضات دعم الطاقة. وفي حين ادَّعى الصندوق أن الإعانات ستُلغى تدريجياً بطريقة تحمي الفقراء من خلال الحفاظ على الإنفاق الاستثماري العام ودعم الحد من الفقر، فإنه لم يُقدِّم أي تفاصيل حول كيفية تحقيق ذلك، مما دفع جماعات المجتمع المدني إلى إمعان النظر في الأمر. والواقع أن الصندوق يتمتَّع بسجل حافل في عدم ربط إلغاء إعانات دعم الطاقة بتوفير القدر الكافي من الطاقة أو غير ذلك من أشكال الحماية الاجتماعية لأولئك الأكثر تأثراً بمثل هذه الإلغاءات، كما أظهرت الاحتجاجات الأخيرة في باكستان وسريلانكا.

يَزعم الصندوق أنه يهتم الآن بالعواقب السلبية للتقشف، وغالباً ما يشير إلى كيفية حماية الإنفاق الاجتماعي من التخفيضات من خلال الشروط التي تنص على الحدود الدُنيا للإنفاق. ومع ذلك، فقد وجد تحليل أجرته «أوكسفام» لسبعة عشر برنامجاً حديثاً للصندوق أنه أمام كل دولار شجَّع الصندوق البلدان على إنفاقه على الحماية الاجتماعية، طلب منها خفض 4 دولارات من خلال تدابير التقشف. وخلص التحليل إلى أن  الحدود الدُنيا للإنفاق الاجتماعي كانت غير كافية إلى حد كبير، وغير متسقة، ومبهمة، وفي نهاية المطاف فاشلة.

هل هناك طريقة أفضل؟

إن برامج الإقراض التي يقدمها «صندوق النقد الدولي»، وما يرتبط بها من مشروطية، تطفّلية ومرهقة، وتميل البلدان إلى تجنّبها لأطول فترة ممكنة. وفي بعض الحالات، تَبنِي الدول احتياطيات أجنبية لدعم عملاتها في حالة ظهور أزمة اقتصادية. وهذا تكتيك مفيد، ولكنه يُقيِّد الأموال التي يمكن استخدامها بطرق أكثر إنتاجية، وبالتالي يحدّ من الحيّز المالي المتاح للحكومات. أو تتجنّب البلدان - وقد ردعتها المشروطية الصارمة - طلب المساعدة من الصندوق حتى اللحظة الأخيرة، عندما تتفاقم الأزمة، وهو ما يستلزم درجات أكبر من ضبط الأوضاع الاقتصادية.

إن تحرير أسواق العمل كان بمثابة السياسة الأساسية للصندوق. وتؤثِّر مثل هذه الإصلاحات على موظّفي القطاعين العام والخاص: فالأولون عادةً ما يشهدون انخفاضاً في أعدادهم وتجميداً في رواتبهم، بينما يشهد الأخيرون تفكيكاً لترتيبات المفاوضة الجماعية، إلى جانب إضفاء مرونة شاملة على شروط العمل

إن إصلاح ممارسات الإقراض التي يتبنّاها الصندوق حتى يتمكَّن من تقديم مشورة أكثر فعالية ومُناسَبَة أمر ضروري حتى تتمكن المنظمة من الوفاء بوعدها. ومع أخذ هذا في الاعتبار، فإنه على رأس جدول الأعمال - خصوصاً في خلال «اجتماعات الربيع» لهذا العام - الحاجة إلى إعادة النظر في أهداف وطموحات المشروطية، وليس فقط من حيث الحد من عدد ونطاق الشروط المدرجة في البرامج، ولكن أيضاً تحدي المنطق الكامن للتقشف. إن أجندة التقشف لا تُشكِّل في جوهرها سوى حل قصير الأمد وقصير النظر للمشاكل المالية. فهي تُحرِّر الموارد أمام الحكومات لسداد الديون، ولكنها تضر بحياة الناس وسبل عيشهم خلال ذلك. وعلى المدى الطويل، فإن التقشف ليس مستداماً اجتماعياً أو اقتصادياً، لأن مواجهة التحديات الملحِّة - مثل تغير المناخ وتفشي عدم المساواة - سوف تتطلب استثمارات عامة.

من بين نقاط الحديث الشائعة لدى الصندوق أن الإدارة المالية العامة السليمة تُشكِّل شرطاً ضرورياً لتحقيق التنمية. ونحن لا نختلف مع هذا المنطق، ولكننا نرى أنه ليس شرطاً كافياً لتحقيق التنمية المستدامة. فمن دون سياسات حماية اجتماعية تُحافِظ على سبل العيش وتُحفِّز الطلب الاقتصادي، ستعاني المالية العامة في نهاية المطاف وستتعثر التنمية. وبعبارة أخرى، فإن التقشف مُدمِّر للذات ومكلف للغاية من الناحية الاجتماعية. ولا يمكن أن يظل الرد السياسي الأساسي على عدم الاستقرار والأزمات.

نشر هذا المقال في «فينومينال وورلد» في 18 نيسان/أبريل 2024. وهو يعتمد على كتاب ألكساندروس كينتيكيلينيس وتوماس ستابس الأخير «ألف تخفيض: الحماية الاجتماعية في عصر التقشف» (متاح من «مطبعة جامعة أكسفورد»).