Preview إسرائيل النووية

الأخطار النووية تتضاعف

يواصل الجيش الإسرائيلي، المُصنّف رابعاً بين أقوى الجيوش في العالم، عدوانه الهمجي على غزة، في حين يُمعن المستوطنون المسلحون في ترهيب فلسطينيي الضفة الغربية في أعقاب عملية «طوفان الأقصى»، التي شنّتها حركة حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

على غرار المشاريع الاستعمارية الأخرى، وُلِدت إسرائيل من رحم الإرهاب، مُستخدمة العنف لاحتلال أراضٍ عربية والفصل بين الفلسطينيين. وبما أنّ الصهيونية اعتمدت بشكل كبير على التفوّق العسكري لإقامة دولتها وسط بيئة معادية، فقد شجّعها ذلك على إنشاء برنامج تسلح نووي بعد وقت قصير من تأسيس الكيان عام 1948.

على الرغم من أنّ إسرائيل كانت كياناً حديث المنشأ، فقد شرعت في بناء مفاعل نووي كبير في منتصف الخمسينيات بمساعدة فرنسا تحت غطاءٍ من السرّية. تعاون حليفا الولايات المتّحدة لإطلاق برنامج تسلح نووي من دون علم إدارة الرئيس دوايت د. أيزنهاور، واعتُبِر ذلك آنذاك فشلاً استخباراتياً أميركياً من العيار الثقيل.

أقرّ وزير الخارجية الفرنسي موريس كوف دي كورفيل لنظيره الأميركي كريستيان هيرتر بأنّ فرنسا بالفعل ساعدت إسرائيل في إطلاق مشروعها، وأنّها ستزوّدها بالمواد الأولية، مثل اليورانيوم، التي يحتاجها المفاعل

لم يسبق للمسؤولين الأميركيين أن سمعوا بما كان يُعرف بمشروع ديمونا قبل حزيران/يونيو 1960، أي في السنة الأخيرة من ولاية أيزنهاور. وعلى ما يبدو أنّ دانييل كيمهي، وهو صاحب شركات نفط إسرائيلي، كان بلا شكّ ثملاً خلال إحدى الحفلات المُقامة في السفارة الأميركية في تل أبيب، حين اعترف لديبلوماسيين أميركيين أنّ إسرائيل بالفعل تبني «مفاعل طاقة» كبيراً في صحراء النقب، الأمر الذي وقع عليهم كالصدمة.

في برقية أرسلتها السفارة إلى وزارة الخارجية في آب/أغسطس 1960، جاء ما يلي: «قيلَ لكيمهي إنّ المشروع عبارة عن مفاعل طاقة مُبرّد بالغاز قادر على إنتاج ما يقرب 60 ميغاواط من الطاقة الكهربائية. وبحسب تقديراته، فإنّ العمل على المشروع جارٍ منذ سنتين تقريباً وأنّ إنجازه بالكامل سيستغرق سنتين أخريين».

غير أنّ الغرض من إنشاء مفاعل ديمونا لم يكن تلبية احتياجات الكيان المتزايدة من الطاقة، فبحسب ما تبيّن للولايات المتحدة لاحقاً، صُمّم المفاعل (بمدخلات من الفرنسيين) لإنتاج البلوتونيوم في إطار برنامج التسلح النووي الناشئ لإسرائيل. وفي كانون الأول/ديسمبر 1960، ووسط القلق المتزايد الذي أبداه المسؤولون الأميركيون إزاء الطموحات النووية لإسرائيل، أقرّ وزير الخارجية الفرنسي موريس كوف دي كورفيل لنظيره الأميركي كريستيان هيرتر بأنّ فرنسا بالفعل ساعدت إسرائيل في إطلاق مشروعها، وأنّها ستزوّدها بالمواد الأولية، مثل اليورانيوم، التي يحتاجها المفاعل. في المقابل، تحصل فرنسا على حصة من البلوتونيوم التي ينتجها مفاعل ديمونا.

طمأن المسؤولون الإسرائيليون والفرنسيون الرئيس آيزنهاور بأنّ مُفاعل ديمونا يُبنى لأغراض سلمية. وفي محاولة لتشتيت الانتباه، اختلق المسؤولون الصهاينة عدّة روايات مضلّلة، مؤكدين أن ديمونا قد تتحول إلى مصنع نسيج أو حتى محطة أرصاد جوية، أي شيء ما عدا مفاعل نووي قادر على إنتاج البلوتونيوم المخصص لصنع الأسلحة.

نكران الطموحات النووية

في كانون الأول/ديسمبر 1960، وبعد أن حصل الصحافي تشابمان بينشر على معلومات من عالم ذرة بريطاني قلق من أنّ إسرائيل في صدد تطوير سلاح نووي خطير (أي شديد الإشعاع)، كشف بينشر في صحيفة «ديلي إكسبرس» اللندنية أنّ «أجهزة الاستخبارات البريطانية والأميركية تعتقد أنّ الإسرائيليين ماضون في بناء أولى قنابلهم النووية التجريبية».

ردّ المسؤولون الإسرائيليون على هذا الخبر ببرقية مقتضبة من سفارتهم في لندن، قائلين إنّ «إسرائيل ليست في صدد بناء قنبلة نووية ولا نيّة لها في ذلك».

حلفاء الولايات المتحدة بدأوا يقتنعون شيئاً فشيئاً بأنّ أيزنهاور كان متورّطاً في الخداع، وأنّ إدارته قدّمت الخبرات الفنية لإطلاق البرنامج النووي الإسرائيلي 

ومع ازدياد مخاوف البلدان العربية من أنّ واشنطن تدعم مساعي إسرائيل النووية، سرّب رئيس هيئة الطاقة الذرية جون ماكون وثيقة سرية لوكالة الاستخبارات المركزية إلى جون فيني من «نيويورك تايمز»، كاشفاً امتلاك الولايات المتحدة أدلة على أنّ إسرائيل تبني مفاعلاً نووياً بمساعدة فرنسا، ما يُثبت أن واشنطن لم تكن راضية عن طموحات إسرائيل النووية.

صُدم أيزنهاور بالخبر، فإدارته لم تكن غافلة عمّا يحدث فحسب، بل أبدى مسؤولوه خشيتهم من أنّ تسلح إسرائيل النووي سيزعزع أمن منطقة مُضطربة أساساً. وجاء في برقية بعثتها وزارة الخارجية الأميركية إلى سفارتها في باريس في كانون الثاني/يناير 1961 ما يلي: «تعكس التقارير الواردة من البلدان العربية نظرة القلق التي يبديها كثيرون إزاء احتمال امتلاك إسرائيل السلاح النووي».

في الوقت الذي أخذت تنتشر أصداء المشروع النووي في الإعلام، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون إلى التخفيف من وطأة انكشاف هذا السرّ. فألقى خطاباً أمام الكنيست أقرّ فيه أنّ دولته تطوّر برنامجاً نووياً، لكنّه أنكر صحة التقارير المتداولة في الإعلام، مدّعياً أنّ «المفاعل البحثي» الذي يُبنى في النقب يخضع لإشراف خبراء إسرائيليين وهو مصمم لأغراض سلمية، وعندما يكتمل إنشاؤه سيُفتح أمام العلماء من بلدان أخرى.

بالطبع، كان بن غوريون يكذب، والأميركيون على علم بذلك. فهذا المشروع أبعد ما يكون عن الأغراض السلمية. والأسوأ أنّ حلفاء الولايات المتحدة بدأوا يقتنعون شيئاً فشيئاً بأنّ أيزنهاور كان متورّطاً في الخداع، وأنّ إدارته قدّمت الخبرات الفنية لإطلاق البرنامج النووي الإسرائيلي. وعلى الرغم من عدم صحة هذا الأمر، بات المسؤولون الأميركيون حريصين على منع مفتشي الأمم المتحدة من زيارة منشأة ديمونا خوفاً مما قد يعثروا عليه.

في أيار/مايو 1961، وبعد وصول جون ف. كينيدي إلى سدّة الرئاسة، أخذ الوضع يتغير، فقد أرسل كينيدي خبيرين من هيئة الطاقة الذرية لمعاينة منشأة ديمونا. وبدا الرئيس الأميركي مقتنعاً بالرواية الإٍسرائيلية إلى حدّ كبير، بالرغم من أنّ الخبيرين أشارا إلى أنّ المفاعل لديه القدرة على إنتاج البلوتونيوم «المناسب للأسلحة». أمّا وكالة الاستخبارات المركزية فلم تشاطر كينيدي قناعته بالمزاعم الإسرائيلية، ففي أحد تقديراتها الاستخباراتية الوطنية التي رُفعت عنها السرية، أفادت الوكالة بأنّ إنشاء المفاعل يكشف أنّ «إسرائيل ربّما قررت الشروع في برنامج للأسلحة النووية. وفي الحد الأدنى، نعتقد أنّها قررت بناء منشآتها النووية على نحو يسمح لها بتطوير أسلحة نووية بسرعة متى أرادت ذلك».

هذا بالفعل ما حصل. ففي كانون الثاني/يناير 1967، أكدت محطة «إن بي سي نيوز» أنّ إسرائيل باتت على مشارف امتلاك القدرة النووية. وكان المسؤولون الأميركيون وقتذاك على علم بأنّها قريبة من تطوير سلاح نووي، وأنّ مفاعل ديمونا ينتج بلوتونيوم يتيح صنع القنابل. وبعد مرور عقود من الزمن، أصدرت «مجلة علماء الذرة الأميركيين» (Bulletin of the Atomic Scientists) عام 2013 تقريراً موثقاً ببيانات وكالة استخبارات الدفاع الأميركية، كشفت فيه أنّ إسرائيل تمتلك 80 رأساً نووياً وأنها القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط. وبالنسبة لباكستان، فقد انتظرت حتى عام 1976 لتطوّر أوّل أسلحتها النووية. وعلى أي حال، تُصنّف باكستان عادةً على أنّها جزء من جنوب آسيا.

حتى يومنا هذا، تنكر إسرائيل امتلاك الأسلحة النووية، بالرغم من أنّها رفضت مراراً السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة منشأتها السرية. غير أنّ الأدلة المتوفرة تؤكد أنّ «مشروعاً كبيراً» جارٍ على قدم وساق في ديمونا عام 2021، وأنّ إسرائيل آخذة في توسيع منشآت إنتاجها النووية بصورة نشطة. مع ذلك، فإنّ تعذّر التفتيش من جانب الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات يعني أنّ إسرائيل لم تقرّ علانية بامتلاك رؤوس نووية وأنّها تفلت من كلّ أشكال المحاسبة.

قوة نووية مارقة؟

في أعقاب نكسة حزيران/يونيو 1967، احتلّت إسرائيل مساحات واسعة من الأراضي العربية، بينها الضفة الغربية التي استولت عليها من الأردن، وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من مصر، ومرتفعات الجولان من سوريا. ليس صدفةً أنّ ذاك العام شهد تجاوز إسرائيل العتبة النووية. ففي عام 2017، كشف تقرير أنّه عشية حرب الستة أيام، درس الإسرائيليون فكرة تفجير قنبلة نووية في صحراء سيناء المصرية في محاولة لتوجيه تهديد رادع إلى جيرانها. 

حتى يومنا هذا، تنكر إسرائيل امتلاك الأسلحة النووية، بالرغم من أنّها رفضت مراراً السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة منشأتها السرية. غير أنّ الأدلة المتوفرة تؤكد أنّ «مشروعاً كبيراً» جارٍ على قدم وساق في ديمونا عام 2021

في مقابلة مع دانييل دنفر ضمن برنامج The Dig شرحت المحامية المختصة بحقوق الإنسان نورا عريقات أنّ نظرة الإدارة الأميركية إزاء إسرائيل تبدّلت في عهد الرئيس ليندون جونسون فأصبحت تعتبرها «حليفاً قوياً في الحرب الباردة، فسارعت إلى اعتماد سياسة جديدة تضمن التفوق العسكري النوعي للكيان الصهيوني في المنطقة بحيث يصبح قادراً على إلحاق الهزيمة بأي دولة أو عدّة دول شرق أوسطية». وتابعت عريقات قائلةً إنّ «هذا الأمر حصل في سنوات الحرب الباردة للحفاظ على نطاق تأثير الولايات المتحدة في المنطقة أمام الاتحاد السوفياتي».

ظلّت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين الحليف الأقرب لإسرائيل من منطلق أنّها قادرة على خوض حروب واشنطن بالوكالة في الشرق الأوسط. ووفقاً لتقرير صادر عن مصلحة أبحاث الكونغرس عام 2014، «بين 1966 و1970، ارتفع متوسط المساعدات السنوية الأميركية لإسرائيل إلى نحو 102 مليون دولار أميركي بينما ازدادت نسبة القروض العسكرية لتصل إلى 47% من إجمالي المساعدات. أصبحت إسرائيل المستفيد الأكبر من المساعدات الأميركية الخارجية في 1974... فمن 1971 وحتى اليوم، بلغ متوسط هذه المساعدات 2.6  مليار دولار أميركي سنوياً، ثلثاها في شكل مساعدات عسكرية».

بالرغم من نية واشنطن في إقامة علاقة تكافلية قائمة على المنفعة المتبادلة مع إسرائيل، لم تتوانَ الأخيرة عن التفلّت من كلّ القيود خدمةً لمصالح القادة الصهاينة. ففي حزيران/يونيو 1981، قصفت إسرائيل مفاعل أوزيراك النووي الذي كان قيد الإنشاء في العراق بمساعدة فرنسا وإيطاليا.

حينذاك، أبدى كبار مسؤولي إدارة ريغن استياءهم من أنّ الغارة شُنّت باستخدام مقاتلات إف-16 الأميركية، إذ أنّه لم يكن يُسمح لإسرائيل قانوناً باستخدام هذه الطائرات إلّا في حالات «الدفاع المشروع عن النفس». وبعد مشاحنات سرية، قررت واشنطن التغاضي عن الهجوم واعتباره مجرّد خلاف ديبلوماسي، بعد أن اقتنعت بأنّ تدمير البرنامج النووي العراقي والإبقاء على الترسانة النووية الإسرائيلية وحدها في المنطقة يبرران الضربة الجوية.

في أواخر الثمانينيات، وإبّان الغزو السوفيِتي لأفغانستان، التحقت إسرائيل بالولايات المتحدة وباكستان والسعودية ضمن «عملية الإعصار» بهدف تزويد المجاهدين بالأسلحة لمحاربة القوات السوفيِتية. ومع انتهاء الحرب الباردة وبدء حرب الخليج الثانية في 1990، قدمت إسرائيل دعماً غير مُعلن لإدارة جورج بوش الأب معتبرةً أنّ دخولها الحرب مباشرةً سيدفع البلدان العربية إلى تأييد غزو صدام حسين للكويت. وعلى الرغم من التوتر الذي شاب علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل في فترة من الفترات، إلّا أنّ الولايات المتحدة أيقنت منذ مدة طويلة أنّ إسرائيل قادرة في بعض المناسبات على لعب دور مؤثّر في خدمة العمليات الأميركية في المنطقة من خلال المعلومات الاستخباراتية والدعم الخفي.

واقع خطير في طور النشوء

عقب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، أسدت إسرائيل المشورة لإدارة جورج بوش الابن حول الطريقة المُثلى للتعامل مع أسامة بن لادن (ويبدو أنّها قدّمت لاحقاً معلومات استخباراتية للكمين الذي أودى بحياته). لحظة اصطدام الطائرات بمركز التجارة العالمي، كانت إسرائيل في خضم الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وساد اعتقاد لدى قادتها بأنّهم قد يستفيدون من «الحرب العالمية على الإرهاب» التي أعلنها الرئيس بوش. وعندما سُئل نتنياهو، الذي كان وقتذاك رئيس وزراء سابقاً، عن تداعيات هذه الحرب على علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، أجاب «جيدة جدّاً». ثمّ عندما لاحظ شدّة تفاؤله بما جرى، استدرك قائلاً، «حسناً، ليست جيدة جدّاً، ولكن ما حدث سيولّد تعاطفاً فورياً... سيقوّي أواصر العلاقة بين شعبينا، فنحن خبرنا الإرهاب على مدى عقود، لكنّ الولايات المتحدة تشهد الآن حدثاً إرهابياً دامياً على أراضيها».

عشية حرب الستة أيام، درس الإسرائيليون فكرة تفجير قنبلة نووية في صحراء سيناء المصرية في محاولة لتوجيه تهديد رادع إلى جيرانها

بعد مرور سنة، أضحت إسرائيل أحد مروّجي العدوان الأميركي على العراق، مُسهمةً في نشر أكذوبة أنّ صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل وأنّ تهديده لا يقتصر على إسرائيل والولايات المتحدة فحسب بل يطال العالم أجمع.

في أيلول/سبتمبر 2002، وقبل ستة أشهر من بدء الغزو، أدلى نتنياهو بشهادة أمام لجنة مجلس النواب الأميركي للإصلاح الحكومي جاء فيها: «صدام طاغية ويسعى جاهداً إلى حيازة الأسلحة النووية». وتابع قائلاً: «ينبغي للولايات المتحدة اليوم تدمير نظام صدام لأنّه إذا امتلك السلاح النووي سيعرّض أمن العالم بأسره للخطر. لنكن صريحين: ما إن يمتلك صدام الأسلحة النووية، فإنّها ستقع في أيدي شبكة الإرهاب. وما إن يحدث ذلك، فإنّ استخدامها سيصبح مسألة وقت».

بالمنطق نفسه برّرت إسرائيل عام 2007 قصفها مفاعلاً نووياً مزعوماً قيد الإنشاء في سوريا. وعلى مدى السنوات، ادّعت إسرائيل أنّها هاجمت أهدافاً نووية إيرانية بطرق مختلفة، من الهجمات السيبرانية إلى القصف المباشر. وفي عام 2010، اتّهمت طهران إسرائيل باغتيال عالم الفيزياء مسعود علي محمدي والمهندس مجيد شهرياري في حادثين منفصلين، إضافة إلى عدد من العلماء الآخرين الذين يُعتقد أنّ لهم أدوار مهمة في البرنامج النووي الإيراني. وفي عام 2021، قالت إيران إنّ إسرائيل استهدفت منشأة في كرج يُعتقد أنّها كانت تُستخدم لتصنيع أجهزة طرد مركزي.

يخشى كثيرون أنّ العدوان الإسرائيلي على غزّة إذا تمدّدت رقعته إقليمياً لتشمل حزب الله في لبنان، فإنه سيجرّ إيران، الداعم الرئيس لحزب الله، إلى صدام مباشر مع إسرائيل. وهذا بدوره سيشكّل ذريعة لنتنياهو لضرب المنشآت النووية المُفترضة في إيران. وتجدر الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة دمّرت مؤخراً مخزن أسلحة تابع لإيران في سوريا، وذلك ردّاً على هجمات الصواريخ والمسيّرات التي شنّتها جماعات مسلّحة مدعومة من إيران على قوات أميركية في العراق وسوريا.

وبالنسبة للوضع الراهن في غزة، صرّح وزير التراث اليميني عميحاي إلياهو، العضو في ائتلاف نتنياهو الحكومي، بأنّ «إحدى الوسائل» للقضاء على حماس تتمثل في استخدام النووي، مُضيفاً «لا يوجد أبرياء في غزة». ردّاً على هذه التصريحات، عمد نتنياهو إلى تعليق عمل إلياهو في إجراء لا نفع منه لإسكات الانتقادات في الداخل والخارج بأنّ الحرب تلحق ضرراً جسيماً بأرواح المدنيين الأبرياء. وربّما تكمن خطورة الأمر، بالنسبة لنتنياهو، في أنّ إلياهو اعترف عن غير قصد بامتلاك إسرائيل قدرات نووية.

لا شكّ في أنّ إدارة الرئيس بايدن تخشى توسّع رقعة الحرب في المنطقة، إلّا أنّها لا تتوانى عن تقديم كل الدعم اللازم لإسرائيل من أجل القضاء على حماس، فهي لم تكتفِ بتزويد «القبة الحديدية» بصواريخ اعتراضية وأكثر من 1,800 حزمة من ذخائر الهجوم المباشر المشترك «JDAM» (لتوجيه الصواريخ) من صنع شركة بوينغ، بل قامت أيضاً بملء مخزون إسرائيل من ذخائر مقاتلات إف-35 ومروحيات سي إتش-54 الأميركية الصنع، إلى جانب مدّها بطائرات التزود بالوقود جوّاً من طراز كيه سي-46. بالإضافة إلى ذلك، أُرسلت حاملتا طائرات أميركيتان وغواصة نووية من طراز أوهايو إلى الشرق الأوسط. وأخيراً، كشف تحقيق لصحيفة «نيويورك تايمز» أنّ الولايات المتحدة أرسلت قوات كوماندوس ومسيّرات لتحديد أماكن احتجاز الرهائن الإسرائيليين (والأميركيين) في غزة.

من الواضح أنّ إدارة بايدن تسعى إلى تجنّب حرب إقليمية موسّعة في الشرق الأوسط، إلّا أنّ كلّ ما تقوم به يزيد من احتمالات حدوث هذا السيناريو. وبالطبع، فإنّ أي تصعيد عسكري يجبر إسرائيل على القتال في عدّة جبهات سيؤدي في نهاية المطاف إلى تفاقم الوضع. فماذا لو وجد نتنياهو نفسه في وضع حرج بترسانته النووية؟ هذا لا شكّ الخطر بعينه. فنحن أمام حرب لم يسلم منها حجر ولا بشر، حيث بات الصحافيون والمدارس وحتى المستشفيات أهدافاً مشروعة لآلة الحرب الإسرائيلية. بالفعل، أُسقِط ما يزيد على 25,000 طن من القنابل على غزة بحلول مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، أي ما يعادل ضعف قوّة القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما (بدون الإشعاعات). في ظلّ هذه الظروف، تشكلّ إسرائيل النووية بتجاهلها السافر للقانون الدولي خطراً ملموساً قائماً، ليس على الفلسطينيين العزّل وحسب، بل على عالم غارق أساساً في دوامة من المخاطر والفوضى. 

نُشر هذا المقال في Tomdispatch في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.