
موازنة إسرائيل لعام 2025 تعزّز مخاوف وكالات التصنيف
وافقت الحكومة الإسرائيلية على موازنة العام 2025 البالغة 607 مليار شيكل في بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، وكان الهدف المُعلن هو تقديم موازنة تسمح بدعم الاحتياجات الأمنية المتزايدة ودفع التعويضات للمتضرّرين من الحرب، فضلاً عن تقليل العجز وتشجيع النمو. لكن بحسب معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، يبدو أن الموازنة المُعتمدة قد تتمكّن من توفير غلاف اقتصادي للاحتياجات الأمنية، ولكنها لن تكون قادرة على تأمين الاحتياجات الاقتصادية الواسعة. والواقع أن السلوك الاقتصادي للحكومة الإسرائيلية يؤكّد مخاوف شركات التصنيف الائتماني، التي خفّضت تصنيف إسرائيل مرات عدّة في خلال العام الماضي وحذّرت من خطر حدوث أزمة مالية فعلية.
عودة إلى الأساس
صُمّمت موازنة العام 2025 على خلفية عام كامل من الحرب، التي ألحقت خسائر كبيرة بالاقتصاد الإسرائيلي، وهذا ما تؤكّده مؤشرات عدة.
أولاً، تجاوز العجز السنوي في أيلول/سبتمبر 2024 النسبة المُخطّط لها بنحو نقطتين مئويتين، وبلغ 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنحو 1.5% فقط في العام السابق.
ثانياً، تأثّر النمو بشدّة. ففي العام 2023، بلغ معدّل النمو 2% فقط، وعند أخذ النمو السكاني في الاعتبار يصبح نمو حصّة الفرد من الناتج سلبياً بنحو 0.1%. وفي العام 2024، بلغت توقّعات النمو 1% فقط، وهو ما سوف يؤدي إلى نمو سلبي بنسبة 1% للفرد.
ثالثاً، تم إغلاق ما يقرب من 59 ألف مؤسسة تجارية في إسرائيل منذ بداية الحرب، في مقابل افتتاح 36 ألف مؤسسة جديدة أخرى. لكن في عام عادي، يتم افتتاح ما لا يقل عن 50 ألف مؤسسة تجارية جديدة في إسرائيل، في مقابل إغلاق 40 ألف مؤسسة أخرى. ما يعني أنه لولا الدعم الحكومي، لكان من الممكن أن يكون الضرر الذي لحق بالشركات أكثر خطورة، ومن المُحتمل أن ينعكس الضرر في السنوات المقبلة، لا سيما مع استمرار الحرب وتنامي الأعباء على جنود الاحتياط وعائلاتهم.
الخصائص الرئيسة للموازنة
تعكس الموازنة الجديدة زيادة قدرها 20 مليار شيكل مقارنة بموازنة العام 2024 (587 مليار)، وزيادة كبيرة بقيمة 100 مليار شيكل مقارنة بالموازنة الأصلية لعام 2024 التي تمت الموافقة عليها قبل بدء الحرب. وتعكس الزيادة في الموازنة ارتفاعاً في النفقات المرتبطة بإدارة الحرب الحالية، علماً أن موازنة وزارة الحرب لعام 2025 تبلغ 117 مليار شيكل، وهو ما يعادل حجم موازنتها لعام 2024. والتي يتوقّع معهد دراسات الأمن القومي أن ترتفع أكثر.
وبعيداً من موازنة وزارة الحرب، ينعكس تأثير الحرب في الكثير من أبواب الموازنة الحالية، مثل الخطّة الخمسية لإعادة تأهيل الشمال وتطويره بنحو 15 مليار شيكل، برنامج «تاكوما» بقيمة 5 مليارات شيكل، الذي يهدف إلى إعادة تأهيل المستوطنات في غرب النقب، وبرامج أخرى تهدف إلى تعويض ضحايا الحرب.
تتسم موازنة 2025 بخاصيتين بارزتين؛ أولاً، ارتفاع العجز المستهدف إلى أكثر من 4%، ومن المتوقع أن يتجاوز عتبة 5% بعد اعتماد توصيات لجنة ناحل، وهي لجنة أقرب إلى اليمين المتطرّف وتزيد من نفود وزارة المال داخل الجيش الإسرائيلي، وقد تم تعيينها بهدف تقييم ميزانيات الحرب وتحديثها، وتقديم التوصيات العينية والتفصيلية بشأن صفقات السلاح النوعية الكبرى، وتطوير وإنتاج وسائل قتالية تضمن تفوّق الجيش الإسرائيلي على مختلف الجبهات، والمصادقة على صفقات كبرى لشراء الأسلحة والمنظومات الحربية التي تلائم المهام الحربية والاستراتيجية. ثانياً، عدم تضمّن الموازنة الحالية أيه إجراءات اقتصادية لافتة من شأنها دعمها محرّكات النمو في المستقبل.
وكما يبدو هناك توافق في التوقعات بين وزارة المال وبنك إسرائيل وصندوق النقد الدولي وشركات التصنيف الائتماني، على أن الاقتصاد الإسرائيلي سوف يعاني في العام المقبل من عجز مرتفع ونمو اقتصادي منخفض. ولو أن المؤسسات الإسرائيلية أكثر ميلاً إلى التفاؤل من المؤسسات الدولية، التي تبيّن أنها أكثر دقة.
في الطريق إلى أزمة مالية؟
حتى الآن تموّل حكومة الاحتلال التكلفة الاقتصادية للحرب عن طريق زيادة الديون. وبالنتيجة سجلت زيادة كبيرة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل التي اقتربت من 70%، وكذلك في علاوة المخاطر على السندات الإسرائيلية التي ارتفعت إلى مستوى يزيد على 1.7%، بالمقارنة مع 0.8% قبل الحرب. علماً أن علاوة المخاطر تقيس الفروق بين عائدات السندات الحكومية بالدولار، نسبة إلى العائد على سندات الحكومة الأميركية لعشر سنوات.
تعتبر علاوة المخاطر الحالية في إسرائيل مماثلة لرومانيا وأعلى من العلاوات على المخاطر في دول مثل البيرو والمكسيك والمجر. لذلك من غير المستغرب أن جميع وكالات التصنيف الائتماني خفّضت تصنيف إسرائيل في العام الماضي، وقدّمت توقعات سلبية للاقتصاد الإسرائيلي.
لقد خفضت موديز تصنيفها ثلاث درجات، وستاندرد آند بورز درجتين، وفيتش درجة واحدة. ويقترب تصنيف إسرائيل من مستوى «التصنيف غير المرغوب فيه»، وهو ما قد يكبح الكثير من المستثمرين عن شراء سندات الدولة الإسرائيلية وحتى الشركات الإسرائيلية.
وفي ظل النهج الحالي، فإن احتمالات وقوع إسرائيل في أزمة مالية في السنوات المقبلة سوف تزداد. لقد شهدت إسرائيل أزمة مماثلة في خضم الانتفاضة الثانية. ووفق هذا السيناريو، يفقد المستثمرون الثقة في قدرة الدولة على سداد ديونها، فيما ترتفع علاوة المخاطرة، وتعجز الحكومة عن تمويل نفقاتها من خلال زيادة الديون، ما قد يقود إلى أزمة مالية، ومن ثمّ إلى ركود عميق. وبحسب معهد دراسات الأمن القومي، فإن هذه الأحداث لا تسبّب أضراراً بالقوة الاقتصادية لإسرائيل فحسب، بل بالمجهود الحربي برمّته. وعليه، من الصعب تصوّر وضع تحتفظ فيه إسرائيل بحرية العمل الأمنية بينما ينهار اقتصادها.