معاينة Israeli Energy Sector

قطاع الطاقة: الخاصرة الرخوة لإسرائيل

بعد تعطيل مصفاة بازان لتكرير النفط في خليج حيفا، نتيجة الأضرار التي منيت بها جراء هجوم صاروخي إيراني، عاد الإعلام الإسرائيلي ليُسلط الضوء على مخاطر قطاع الطاقة الإسرائيلي، باعتباره الخاصرة الرخوة في الحرب مع إيران، ويتمثل ذلك باعتماد البلاد على مصفاتين للنفط فقط، وعدم ضمان الحماية الكاملة لحقول الغاز المسؤولة عن إنتاج نحو 70% من الكهرباء في البلاد.

حتى تاريخ 19/6/2025، كانت مصفاتا النفط في إسرائيل متوقفتين عن العمل، إلى جانب توقف 2 من أصل 3 من حقول الغاز. وفي حال استمر هذا الوضع نتيجة لتصعيد الحرب، فإنه يهدّد بتوقف نحو نصف إمدادات الطاقة في دولة الاحتلال، بالإضافة إلى نحو 22% من مصادر توليد الكهرباء، ما سيعطل حتماً قطاع النقل في إسرائيل ويجبر الحكومة الإسرائيلية على اتخاذ تدابير استثنائية لتجنب انقطاع التيار الكهربائي في البلاد.

infographic

مصفاتان للنفط وكلتاهما مغلقتان الآن

في خلال عطلة نهاية الأسبوع، حدثت أضرار موضعية في خطوط الأنابيب داخل مجمع بازان، ما أدى إلى توقف تشغيل بعض المنشآت. أما الضرر الأكبر فوقع في وقت سابق من هذا الأسبوع، عندما تضرّرت محطة توليد الكهرباء الداخلية التي تزوّد مرافق الشركة بالطاقة، ونتيجة لذلك، توقّفت جميع أنشطة بازان.

وفقاً لوزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، من المتوقع أن تتمكن الشركة من استئناف نشاطها جزئياً في المجمع بعد نحو شهر، علماً أن ذلك سيكون كاف لتلبية احتياجات السوق المحلية. أتى هذا التصريح بعدما أدرجت وكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد آند بورز» شركة بازان على قائمة المراقبة ذات الاتجاهات السلبية، مشيرة إلى «حالة الغموض بشأن حجم الأضرار التي لحقت بالبُنى التحتية للشركة، وفترة توقفها عن العمل، وانعكاسات ذلك على أداء الشركة ونتائجها المالية».

تركز شركة بازان بشكل أساسي على عمليات التكرير، أي تحويل النفط الخام إلى منتجات وقود مثل البنزين والديزل ومشتقات أخرى تحتاجها الصناعة والمشاريع الإنشائية. وفي العام 2024، أنتجت الشركة حوالي 60% من إجمالي الديزل ونحو 50% من البنزين المستخدم في قطاع النقل الإسرائيلي.

إلى جانب شركة بازان، تُوجد في إسرائيل أيضاً مصفاة أسدود الأصغر حجماً، والتي تسهم في تكرير ما بين 35% و40% من إجمالي الوقود في البلاد. وتخضع المصفاة حالياً للإغلاق، بذريعة أعمال صيانة دورية كانت مخطّطاً لها مسبقاً، وهو أمر مستغرب في ظل الحاجة القصوى إليها الآن. مع العلم أن المنشأة تمتلك احتياطيات من الديزل والوقود تكفي لتلبية احتياجات العملاء لمدة أسبوعين فقط.

شكّل النفط حوالي 37% من إمدادات الطاقة في إسرائيل في خلال العام 2023، إلا أن قطاع النقل سيكون أكبر المتضررين من توقف الإمدادات، إذ يذهب نحو 70% من استهلاك المشتقات النفطية لتسيير قطاع النقل. أمام هذا الواقع الحرج، سارعت وزارة الطاقة، عقب توقف منشآت بازان، إلى إصدار بيان تطميني أكدت فيه عدم وجود أي نقص في الوقود داخل السوق الإسرائيلية، مشيرة إلى توفر كميات كبيرة من احتياطيات وقود الديزل. إلا أن الوزارة لم تكشف عن حجم هذه الاحتياطيات أو الفترة التي تغطيها، بذارئع أمنية. يُذكر أن محطات توليد الكهرباء ملزمة بالاحتفاظ بمخزون من الديزل يكفي لتشغيلها لمدة لا تقل عن 100 ساعة فقط.

2 من 3 حقول غاز مغلقة

في الساعات التي تلت الهجوم الإيراني الأول، أعلنت وزارة الطاقة إغلاق منصتي كاريش وليفياثان من بين 3 منصات غاز تعمل في فلسطين المحتلة، ليبقى حقل تامار الوحيد النشط في السوق المحلية. بعد بضعة أيام، أعلنت وزارة الطاقة عن استئناف جزئي لصادرات الغاز اعتباراً من 19 حزيران/يونيو 2025، وشدّد الوزير كوهين على أن التصدير لن يُستأنف إلا بعد تأمين جميع متطلبات السوق المحلية. كما أوضح أنه لن يتم اللجوء إلى استخدام الديزل أو زيادة الاعتماد على الفحم نتيجة لذلك.

يركّز ليفياثان بشكل أساسي على التصدير، بينما يخصّص حقل كاريش إنتاجه للسوق المحلية فقط. في المقابل، يُعد تامار المزود الرئيسي لشركة الكهرباء الإسرائيلية، علماً أن تامار وحده لا يستطيع أن يوفّر إلا نحو 75% من استهلاك الغاز الطبيعي في البلاد و70% من استهلاك الغاز من أجل الكهرباء.

في العادة، تُنتج أكثر من 70% من كهرباء إسرائيل من محطات تعمل بالغاز الطبيعي، الذي يُعتبر خياراً أقل كلفة وأقل تلوّثاً بالمقارنة مع الديزل والفحم. مع ذلك، فإن جميع محطات توليد الكهرباء في إسرائيل قادرة على العمل باستخدام أكثر من نوع واحد من الوقود في حال حدوث أي مشكلة تشغيلية أو أمنية.

في حال أصيبت حقول الغاز بأضرار غير كافية للتأثير على تلبية احتياجات السوق المحلية، فإن ذلك لن يمنع التأثير على الصادرات. وفقاً لتقديرات كبير الاقتصاديين في شركة BDO، تشين هيرتزوغ، فإن إغلاق منصتي الغاز يتسبب بخسائر أسبوعية تتجاوز 300 مليون شيكل للاقتصاد الإسرائيلي (أكثر من 80 مليون دولار). وتُعزى هذه الخسائر إلى انخفاض الناتج القومي نتيجة توقف صادرات الغاز، إضافة إلى فقدان الدولة لعائدات الضرائب والرسوم، علماً أن الأضرار أكبر من ذلك إن أخذنا بالاعتبار ارتفاع كلفة إنتاج الكهرباء الناتج عن زيادة الاعتماد على الفحم والديزل.

أبرز بديل للغاز الطبيعي هو الفحم، والذي استٌخدم في إنتاج حوالي 17% من إنتاج كهرباء إسرائيل في 2023، وقد عمدت شركة الكهرباء في خلال العام والنصف الماضيين الى زيادة مخزونات الفحم المخصصة لحالات الطوارئ، وتتمثل ميزة الفحم في احتياطياته الكبيرة التي تُعتبر طويلة الأمد.

أيضاً، أتت أكثر من 10% كهرباء إسرائيل من مصادر الطاقة المتجددة. وتعدّ هذه الفترة من السنة، أي فترة الصيف، هي الأفضل لإنتاج الكهرباء من الألواح الشمسية، نظراً للحرارة المناسبة وكمية أشعة الشمس الكبيرة، ولكن من الصعب في هذه المرحلة تقدير مدى مساهمة منشآت الطاقة المتجددة في تقليل الاعتماد على الديزل والحفاظ على مخزونات محطات الكهرباء.

لا يبدو أن إغلاق كاريش وليفياثان يكفيان لحدوث انقطاع كارثي في قطاع الكهرباء، مع ذلك يبقى انقطاع التيار الكهربائي أحد أبرز المخاوف التي تشغل المراقبين في إسرائيل مع تصاعد الحرب مع إيران، فمن الممكن أن تسبب أضرار جسيمة في منشآت إنتاج الطاقة الإسرائيلية توقفاً قد يمتد من أيام قليلة إلى أشهر عدة في بعض المناطق.  قبل عام، شهدت البلاد اضطرابات بعد تصريحات شاؤول غولدشتاين، المدير التنفيذي السابق لشركة «نوغا» في ظل تصاعد الصراع مع حزب الله، حيث قال: «بعد 72 ساعة من انقطاع الكهرباء في إسرائيل، ستصبح الحياة هنا مستحيلة؛ نحن في وضع حرج وغير مستعدين لخوض حرب حقيقية». ومع ذلك، فإن تحقق مثل هذا السيناريو يتطلب أضراراً أكبر في منشآت الطاقة من الحاصلة حتى الآن.