نظرة إلى سوق التحويلات اللبنانية

  • يُعدُّ لبنان بلداً متلقّياً ومُرسلاً للتحويلات في آنٍ معا، إذ بلغ المتوسّط السنوي للتحويلات الوافدة إليه بين عامي 2011 و2022 نحو 7 مليار دولار والخارجة نحو 4 مليارات دولار.
     
  • إذا اعتمدنا المتوسّط العالمي لكلفة إجراء التحويلات، أي 6%، فهذا يعني أنّ ما لا يقلّ عن 660 مليون دولار يتمّ اقتطاعها سنوياً من أجور العمّال والعاملات وسواهم، المهاجرين والمهاجرات من لبنان وإليه.

يعمل أحمد (اسم مستعار) في السعودية، ويضطر كلّ شهر لإرسال جزء من أجره إلى أسرته المقيمة في لبنان للمساهمة في إعالتها. يلجأ في كلّ مرّة إلى أحد وكلاء شركة ويسترن يونيون في الرياض. يدفع له نحو 788 ريالاً نقداً، لتحويلها إلى الدولار وإرسالها إلى بيروت. يساوي هذا المبلغ أكثر من 210 دولارات على سعر صرف 3.75 ريالات للدولار، إلّا أن اسرة أحمد لن تستلم من وكيل الشركة هنا سوى 200 دولار، وبالتالي ستذهب 10 دولارات كأرباح مختلفة تجنيها الشركة ووكالائها في الرياض وبيروت من عملية التحويل البسيطة هذه.

يستند هذا المثال الافتراضي إلى بيانات البنك الدولي عن أسعار التحويلات في الفصل الثالث من العام 2022، التي ترصد كلفة التحويل إلى لبنان من 8 مصادر رئيسة لتحويلات العمّال والعاملات المهاجرين، وعبر وسائل وأشكال مختلفة. ووفق هذه البيانات، تُعدّ السعودية أحد المصادر الأقل كلفة للتحويل إلى لبنان. وعلى الرغم من ذلك، يبلغ متوسّط هذه الكلفة نحو 6.30% لكلّ مبلغ يقلُّ عن 200 دولار، ويصل إلى 8.47% إذا كان التحويل يتمّ من حساب مصرفي أو بطاقة ائتمان إلى حساب مصرفي آخر.

يُعتبر هذا المتوسّط مرتفعاً، وهو يوازي متوسّط الكلفة العالمي، ويبلغ ضعفي متوسّط الكلفة المستهدف في أهداف التنمية المُستدامة الذي حدّدته الأمم المتحدة والبالغ 3%. إذ تعتقد الأمم المتّحدة أن تخفيض كلفة التحويلات إلى هذا المستوى سيتيح للأسر المتلقية للتحويلات الاستفادة من 20 مليار دولار سنوياً على مستوى العالم، تذهب حالياً كأرباح إضافية إلى شركات التحويل والمصارف.

بالاستناد إلى البيانات نفسها، تُعدّ التحويلات من الولايات المتحدة الأميركية إلى لبنان هي الأعلى كلفة بين المصادر الثمانية المشمولة، إذ يبلغ المتوسّط نحو 13.17% لتحويل مبلغ يقل عن 200 دولار، ويصل إلى 22.50% من حساب بنكي هناك إلى حساب بنكي هنا. فإذا كان أحمد يعمل في ميشغن مثلاً، فهو سيتكبَّد كلفة لا تقل عن 26 دولاراً لتحويل 200 دولار شهرياً إلى اسرته في بيروت، وقد تصل الكلفة إلى نحو 45 دولاراً.

قد لا تكون بيانات البنك الدولي كافية لقياس التكلفة الفعلية التي يتحمّلها العاملون المهاجرون لإرسال المال إلى أسرهم، ولا سيّما أن الأسر المتلقّية تتحمّل أحيانا كلفة إضافية لاستلام المال، فضلاً عن أن هذه البيانات لا تغطّي كلّ مصادر التحويلات ووسائل وأشكال تحويلها. إلّا أن نظرة سريعة إلى قيمة التحويلات والأكلاف التي يتكبّدها العمّال والعاملات المهاجرين وأسرهم، تبيّن أن حجم الأرباح التي تستخرجها المصارف وشركات تحويل الأموال كبير جدّاً.

تتكوّن كلفة التحويلات التي تفرضها المصارف وشركات التحويل من رسوم (عمولات) تُفرض على إرسال مبلغ معيّن، بالإضافة إلى هامش يتمّ احتسابه على سعر الصرف عند سداد التحويلات واستلامها بعملات مختلفة، وفي بعض الأحيان، تُفرض رسوم على متلقّي الأموال. وقد تختلف مكوِّنات الرسوم هذه أيضاً وفقًا لكيفية دفع قيمة التحويل واستلامها (أي نقداً أو عن طريق إيداع في حساب مصرفي أو بطاقة ائتمان)، وسرعة التحويل ووجهته. في الواقع، مهما كانت كيفية حصول عملية التحويل، يُفترض أن يجري تحويل المال بكلفة زهيدة جدّاً، لأن العملية برمّتها تقوم على تسوية حسابات بين الوكلاء، سواء كانوا مصارف أو شركات أو وكلاء، بلا استثمار ولا مخاطر إلّا في حدود دنيا يتحمّل غالبيتها الوكلاء الصغار الذين يديرون ويشغلون مكاتب انتشار لتلقّي وتسليم التحويلات النقدية، والذين يستخدمهم الوكلاء الكبار لشركات تحويل الأموال العالمية من أجل تخفيض كلفة استثماراتهم في إنشاء عدد كبير من المكاتب/النقاط للوصول إلى مرسلي التحويلات ومتلقّيها، وبالتالي يتم نقل هذه الكلفة إلى أفراد يعملون لحسابهم في مقابل حصّة ضئيلة من الأرباح.

سوق فاسدة ومُحتكرة ومتخلّفة

يشير البنك الدولي إلى أن سوق التحويلات تفتقر إلى الشفافية وتتّسم بالمنافسة المحدودة. وبحكم أن المهاجرين يأتون غالباً من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فإن هذه السوق تتوسّع في ظل بنى تحتية مالية متخلّفة. طبعاً، تعني هذه اللغة التي تتحدّث بها المؤسسات المالية الدولية أنّ "السوق" فاسدة ومُحتكرة ومُتخلّفة وتقوم على استغلال حاجة العمّال والعاملات إلى تحويل الأموال بوتيرة مستمرّة من أجل إعالة أسرهم، وبالتالي تسرق جزءاً من أجورهم وتحرم أسرهم منها.

سوق التحويلات تفتقر إلى الشفافية وتتّسم بالمنافسة المحدودة. وبحكم أن المهاجرين يأتون غالباً من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فإن هذه السوق تتوسّع في ظل بنى تحتية مالية متخلّفة

في حالة لبنان، حيث النظام المصرفي مُفلس برمّته، والفساد مستشري، والاحتكارات متحكّمة، لا توجد معلومات موثوقة وموثّقة عن حجم سوق التحويلات الفعلية والأرباح التي يتم استخراجها منها، إلّا أن بعض المؤشّرات المعروفة تسمح بإلقاء نظرة عامّة إلى هذه "السوق" وهيكليتها واللاعبين الرئيسيين فيها.

يعدّ لبنان من البلدان المُفرطة في اعتمادها على تحويلات المغتربين لتسوية حساباتها الخارجية، أي السعي المحموم دائماً للحصول على عملة صعبة من أجل تمويل استيراد الحاجات الأساسية والكمالية وتسديد الديون الخارجية والالتزامات الأخرى وتحويل الرساميل والأرباح إلى الخارج بالعملة الأجنبية.

يُقدِّر البنك الدولي في تقريره لعام 2022 أنّ قيمة التحويلات السنوية إلى لبنان بلغت 6.8 مليار دولار، وهي قيمة مساوية تقريباً للمتوسط السنوي للتحويلات البالغ 7.09 مليار دولار في الفترة بين عامي 2011 و2022. لقد تدفّقت إلى لبنان نحو 85 مليار دولار من التحويلات الخارجية منذ بدأت أزمة العجز في ميزان المدفوعات قبل 12 عاماً.

ولبنان ليس متلقّياً للتحويلات فقط، بل مُرسلاً لها، إذ بلغ المتوسّط السنوي للتحويلات الخارجة من لبنان نحو 4 مليارات دولار بين عامي 2011 و2022، وبلغت قيمتها التراكمية نحو 45 مليار دولار. ما يعني أن سوق التحويلات النظامية اللبنانية (أي المُسجّلة والتي يمكن احتسابها) تقدّر بأكثر من 11 مليار دولار سنوياً، وقد بلغ مجموعها التراكمي أكثر من 130 مليار دولار (علماً أن بيانات البنك الدولي لم تتضمّن حتى الآن تقديرات للتحويلات الخارجة من لبنان في العام 2022).

إذا اعتمدنا المتوسّط العالمي لتكلفة عملية إجراء التحويلات، أي 6% من مجموع التحويلات الوافدة والخارجة، فهذا يعني أنّ ما لا يقلّ عن 660 مليون دولار يتم اقتطاعها سنوياً من أجور العمّال والعاملات وسواهم، المهاجرين والمهاجرات من لبنان وإلى لبنان.

المصارف أكبر الرابحين

تُعدّ المصارف أكبر الرابحين في هذه السوق، إذ تجري عبرها وفيما بينها أكثرية التحويلات. وعلى عكس الاعتقاد الشائع، لا تزال المصارف في لبنان تُعدّ الممرّ النظامي الأبرز للتحويلات المتدفّقة إلى لبنان، على الرغم من الانهيار المصرفي الكبير والتوقّف عن دفع الودائع التي كانت قائمة قبل تشرين الأول/أكتوبر 2019. في الواقع، لم تعد المصارف اللبنانية تمارس أي وظيفة ظاهرة في نظام الائتمان، وإنّما تحوّلت إلى ما يشبه الصناديق المُفلسة، التي تواصل العمل كمقدّمة خدمات فقط، تستلم المال وتسلّمه فوراً (الفريش موني)، وتقوم بتشغيل ما تبقى من موظّفيها في خدمات الوساطة بين الإدارات العامّة وأصحاب المعاملات، وفي الخدمات الاستشارية والإدارية والتمثيلية للأثرياء والرأسماليين.

على عكس الاعتقاد الشائع، لا تزال المصارف في لبنان تُعدّ الممرّ النظامي الأبرز للتحويلات المتدفّقة إلى لبنان، على الرغم من الانهيار المصرفي الكبير والتوقّف عن دفع الودائع

تربح المصارف من سوق التحويلات عبر اقتطاع نسبة منها كعمولة، أو توظيفها في عمليات من يوم ليوم وجني أرباح الفائدة منها، أو باجتذابها لجزء مهمّ من هذه التحويلات لتصير ودائع مُجمّدة أو حسابات جارية لديها. إنّ العمولات التي تجنيها المصارف من مجمل عملياتها، بما فيها إجراء عمليات التحويل، هي مصدر مهمّ للإيرادات، وهي البند الثاني الأكبر بعد الفوائد، وتقدّر قيمتها بأكثر من ملياري دولار سنوياً قبل الأزمة.

في ظل الأزمة، تفرض المصارف أكلافاً باهظة على عمليات التحويل التي ما زلت تمرّ عبرها، وتفرض قيوداً استنسابية عليها، وقد أدّى فقدان الثقة بالمصارف والتحوّل إلى اقتصاد الكاش النقدي إلى توسّع ملحوظ لشركات تحويل الأموال ووكلائها المحلّيين. ويُفترض أن تكون حصّة هذه الشركات من السوق وأرباحها قد ارتفعت في ظل الأزمة القائمة، إلّا أن التقديرات المتاحة لا تُعزِّز كثيراً هذه الفرضية، على الرغم من أن المعلومات التي تقدّمها الشركات قد لا تكون شفّافة، في ظل ما نعرفه جميعنا عن ميل الشركات في لبنان إلى عدم التصريح عن الحجم الحقيقي لأعمالها وإخفاء الأرباح والتهرّب الضريبي.

هيكلية السوق المحلية

لقد خفّضت المصارف عدد فروعها في جميع المناطق اللبنانية من 1058 فرعاً في كانون الأول/ديسمبر 2019 إلى 800 فرع في أيلول/سبتمبر 2022. وتحوّل معظم هذه الفروع إلى شبابيك لتسليم الأموال من دون التسليف، ولم تعد وظيفتها تختلف كثيراً عن مكاتب تحويل الأموال، بل إنّ المصارف نفسها تلجأ إلى التعاقد مع هذه الشركات لإجراء بعض العمليّات عبرها، ولا سيّما أن شركات التحويل الأربع الرئيسة في السوق باتت تنتشر عبر 2937 نقطة لتقديم خدماتها، أي أن 4 شركات تحويل رئيسة فقط باتت تمتلك 3 أضعاف عدد الفروع المصرفية في كلّ المناطق اللبنانية، وهو ما يستدعي تفحّص دورها وحصّتها السوقية.

4 شركات تحويل رئيسة فقط باتت تمتلك 3 أضعاف عدد الفروع المصرفية في كلّ المناطق اللبنانية، وهو ما يستدعي تفحّص دورها وحصّتها السوقية

لا يقتصر عمل شركات تحويل الأموال على التوسّط بين المرسل والمتلقي، بل إنها تقوم أيضاً بالتوسّط بين إدارات الدولة والمواطنين كمعقِّب معاملات، كما سمح لها مصرف لبنان أن تعمل مثل الصرّافين غير المرخّصين أيضاً. وقد ذكرت شركة OMT في بيان لها أخيراً أنها تُقدّم 100 خدمة عبر 1300 نقطة منتشرة في المناطق المختلفة.

لا توجد قاعدة معلومات موثّقة حول شركات تحويل الأموال المحلّية ووكالاتها للشركات العالمية، إلّا أنّ لائحة المصرف المركزي للشركات المحلّية المُرخّصة، لا تتضمّن سوى 5 شركات مُجاز لها تحويل الأموال داخلياً وخارجياً، وهذه الشركات هي: أونلاين موني ترانسفر (OMT)، شركة بوب فاينانس (Bob finance)، كاش يونايتد (Cash United)، وِش موني (Wish Money)، وترانسفر إنترناشينل (Transfer international).

تعكس بنية الملكية لهذه الشركات الطابع الأوليغارشي نفسه الذي يُهيمن على الاقتصاد اللبناني وقطاعه المالي. من المعروف أن شركة OMT تعني أمل أبو زيد، النائب السابق ومستشار رئيس الجمهورية السابق للشؤون الروسية. ويسعى أبو زيد إلى حماية شركته بزعم أنه استقال من رئاسة مجلس الإدارة بتاريخ 23/4/2009، وبالتّالي لم يعد يملأ أيّ منصب تنفيذي ولا حتّى إداري في الشركة منذ أكثر من 13 سنة. 

وتعني شركة BOB Finance بنك بيروت نفسه، ورئيسه سليم صفير، رئيس جمعية مصارف لبنان. ودخلت شركة Whish Money حديثاً إلى السوق، ويملكها توفيق عدنان كوسا. ويملك هنري إميل نجم ومجموعة سرادار المالية حصّة وازنة من شركة Cash United، أمّا شركة Transfer international فليس لديها أثر معروف، ومن غير المعروف إذا ما كانت رخصتها مُفعّلة أم لا.

تُظهر خارطة توزّع نقاط الشركات الأربع تركّزها في مناطق معيّنة حيث يتركّز نشاطها مع تركّز النشاط الاقتصادي والسكّان في بيروت وجبل لبنان. إذ تمتلك شركة OMT على سبيل المثال في منطقتين مركزيتين مثل بيروت وبعبدا، التي تبلغ مساحتهما مجموعتين 31 كيلومتراً مربّعا فقط، نحو 23% (357 وكيلاً) من الوكلاء الموزّعين على كافة الأراضي اللبنانية. في حين لا تمتلك الشركة سوى 8 وكلاء في قضاء الهرمل، الذي تبلغ مساحته 730 كيلومتراً مربّعاً. وهذه النسبة يزداد تركزها بالنسبة للشركات الاخرى، نظراً إلى أن شركة OMT تتملك الحصّة السوقية الأكبر في سوق التحويلات والعدد الأكبر من الوكلاء مقارنة بمنافسيها. 

تتركّز نقاط وكلاء شركة BOB finance بنسبة 45% في جبل لبنان. وفي حين تمتلك الشركة 92 نقطة توزيع في بيروت، يقتصر انتشارها على 80 نقطة في الشمال ككلّ.

حصة شركات التحويل

يقول مصدر في شركة OMT أنّ هذه الشركة تستحوذ وحدها على 70 إلى 80% من سوق شركات التحويل، وهذا ما يتردّد إعلامياً ويتكرَّر على ألسنة كثيرين، إلّا أن انعدام شفافية السوق لا يسمح بالتأكّد من دقّة هذا التقدير ولكنّه يسمح بملاحظة وجود درجة تركّز/ احتكار مرتفعة جدّاً في هذه السوق.

وفق ما يذكره موقع الشركة على الإنترنت، فقد بلغ حجم التحويلات عبرها في العام 2019 نحو 120 مليون دولار شهرياً، أي 1.44 مليار سنوياً. إذا تمّ التسليم بدقّة هذه المعلومات، وأخذنا بالحسبان النسبة المئوية المتبقّية من السوق (30%) للشركات الأخرى، فإن الحجم الإجمالي لقيمة التحويلات التي تمرّ عبر شركات التحويل المرخّصة في العام 2019 يقدّر بنحو ملياري دولار، أي أقل بقليل من 30 في المئة من مجمل التحويلات إلى لبنان في العام المذكور.

في ظل الانهيار المصرفي، وتزايد حاجة الأسر المقيمة إلى معونة أفرادها المهاجرين، يُفترض أن تكون حصّة شركات التحويل قد تزايدت في السنوات الثلاث الاخيرة، وتعزّز هذه الفرضية الزيادة الملحوظة في انتشار نقاط هذه الشركات في مناطق مختلفة، لكن المفارقة في ما تصرّح عنه شركة OMT والذي يوحي بأن حجم اعمالها لا يزال كما هو في العام 2019. إذ تفيد أرقام هذه الشركة أن متوسّط عدد التحويلات الواردة من الخارج للأشهر التسعة الأولى من العام 2022 بلغ نحو 250 ألف تحويل شهرياً، وبلغ متوسّط قيمة التحويلات نحو 460 دولاراً. إذا اعتمدنا متوسّط قيمة للتحويلات الشهري مع عدد التحويلات شهرياً، يتبيّن أن قيمة التحويلات الشهرية عبر OMT للعام 2022 بلغ نحو 115 مليون دولار شهرياً، وهي قيمة متقاربة لتلك المُصرّح عنها في العام 2019، أي ما يساوي 1.38 مليار دولار سنوياً. ولا شكّ أن هذه النتيجة تدفع إلى الحيرة.

أرباح العمولات الباهظة

تتطابق العمولة المقتطعة عن كل تحويل بين الشركات كافة إلى حدّ كبير. فوفق بيانات حصلنا عليه، تتصدّر كلّ من أستراليا والولايات المتحدة ودول الخليج وكندا وألمانيا النسبة الأكبر من التحويلات التي تمرّ عبر مكاتب التحويل إلى لبنان. ويتمّ فرض عمولة موحّدة على جميع هذه التحويلات من المصادر كافة تحت خانة "عمولة دولية".

إنطلاقاً من متوسط قيمة التحويل الشهري عبر شركة OMT، البالغ 460 دولاراً،  تبلغ العمولة الدولية نحو 15 دولاراً أميركياً، وتتقاضاها شركات التحويل على تحويل أي مبلغ يتراوح بين 200 و500 دولار أميركي. في حين يشير موقع western union الرئيسي إلى إنّ عمولة التحويل من المملكة العربية السعودية إلى لبنان لا تتجاوز 5.3 دولار للمبلغ نفسه. ولا شكّ أنّ هذه التباينات التي تتناقض أيضاً مع بيانات البنك الدولي، تظهر الغموض الكبير الذي يلف هذه السوق.

قد يكون سبب هذه التباينات أن شركات التحويل ووكلائها لا يفرضون عمولة فقط وإنّما يفرضون أكلافاً عدّة وهوامش ربح بحجّة التحوّط من أسعار الصرف وغير ذلك. ويضاف إلى أرباح التحويل ما تحقّقه عدد من هذه الشركات من نسب أرباح إضافية بعد سماح المصرف المركزي لها ووكلائها بشراء الدولارات لصالحه بنسبة عمولة تتراوح بين 2 و3%. وهو إجراء تزامن وإطلاق المصرف المركزي منصّة صيرفة كوسيلة إضافية لجمع الدولارات عبر المصارف. فضلاً عن العمولات التي تربحها من جرّاء إلزام أصحاب المعاملات بإجراء معاملاتهم أو تسديد فواتيرهم عبرها، من تخليص المعاملات الجمركية إلى دفع رسوم المعاينة الميكانيكية، ومن تسديد فواتير الهاتف إلى تسديد الضرائب. كما تربح من العمولات التي تتقاضاها من خلال تمرير تحويلات المنظّمات الدولية والمنظّمات غير الحكومية إلى بعض الأشخاص المستهدفين من السكّان. وفي هذا السياق، لجأ عدد من المصارف إلى شركات تحويل الأموال للإستفادة من انتشار نقاطها. إذ عمد مصرف  لبنان والمهجر على سبيل المثال على التعاقد مع شركة OMT لإصدار بطاقات دفع بالفريش دولار، فيما عمد المصرف اللبناني الفرنسي على التعاقد مع شركة Bob  لتوزيع المساعدات على النازحين السوريين لحساب منظّمة الغذاء العالمي. فيما يشبه التكامل بين قطاع مصرفي مُفلس يعيد هيكلة نفسه وشركات تحويل تتغذّى على عمولات مرتفعة لتحويلات متواضعة تحتاجها الأسر في عزّ الأزمة.