النموذج الليبرالي يعيق العمل المناخي الراديكالي
- مراجعة لكتاب كريستوفر شو «الليبرالية وتحدّي تغيّر المناخ» الذي يقدّم نقداً حاداً للسرديات الليبرالية السائدة عن تغيّر المناخ، موضحاً كيف تعيق هذه الأيديولوجيا الاستجابات الجذرية اللازمة لمواجهة الأزمة. ويناقش شو 5 «حواجز مناخية ليبرالية» تؤثر على السياسات والبحوث والنشاطية، ما يؤدي إلى حلول تكرّس الوضع القائم.
في كتابه «الليبرالية وتحدّي تغير المناخ»، يُقدّم كريستوفر شو نقداً مُقنِعاً للسرديات الليبرالية السائدة فيما يتعلق بتغيّر المناخ. ويفحص الكتاب عن كثب تأثير الأيديولوجيات الليبرالية على خطاب أزمة المناخ واستراتيجيات الحَكَامة المتعلقة بهذه الأزمة، ويُحاجج أن هذه الأطر تعيق في كثير من الأحيان تطوير استجابات ضرورية أكثر راديكالية وتحويلية لحل الجمود السياسي الحالي بشأن الحد من انبعاثات الغازات المسبِّبة للانحباس الحراري العالمي. ويركّز تحليل شو على ما يسمّيه «الحواجز المناخية الليبرالية الخمسة»، التي - من خلال التأثير بشكل جماعي على الأبحاث والسياسات والنشاطية المتعلقة بتغيّر المناخ - تبني مستقبلاً «لا يختلف سياسياً وأخلاقياً واقتصادياً عن الليبرالية المدمّرة للحياة الموجودة اليوم» (ص.3).
الحاجز الأول: تغير المناخ ليس تحدّياً للفردانية
المقدمة والفصل الأول يضعان الأساس النظري للكتاب من خلال مراجعة أدبيات سابقة عن العلاقة بين الليبرالية وتغيّر المناخ. ومن خلال التعامل مع كتابات باحثين نقديين مثل بيري أندرسون وكريستوفر كودويل وجاك إيلول وفرانك فيشر وسلافوي جيجيك، يطرح شو إشكالية الوعدَ بـ«عالم خالٍ من الانبعاثات» في ظل الليبرالية، ويشير إلى أن تغيّر المناخ كشف عن التناقضات والصراعات المتأصلة في الليبرالية.
استُبعِدَت أصوات «الجنوب العالمي» والأصوات المهمّشة من «الشمال العالمي» إلى حد كبير عند تحديد ميزانية الكربون
ثم يتعمّق الفصل الثاني في تأكيد الليبرالية على الفردانية وآثار هذا التأكيد على العمل المناخي. ويناقش الفصل العوامل الأيديولوجية التي تقود فَردَنَة قضايا المناخ وإشكالية أن «الفرد يمكن تجريده من ظروفه الاجتماعية والتاريخية» (ص. 28). ثم يُقارن الفصل بين خطابات المناخ الليبرالية والمنظورات الماركسية، التي تؤكد أن «طبيعتنا الحقيقية اجتماعية، وأن الظروف التاريخية والاجتماعية هي المحرِّكات - والقيود - الحقيقية لفاعليتنا» (ص. 36).
الحاجز الثاني: البناء الليبرالي لتغيّر المناخ صحيح عالمياً
يتتبّع الفصل الثالث التطوّر التاريخي للمعايير المؤسّسية الليبرالية داخل الحَكَاميّة المناخية الدولية. ويُفسّر مأسسة المعايير التي تُشرعِن هيمنة الغرب الليبرالية على العالم، على النحو الذي يؤدي غالباً إلى تهميش المُقاربات البديلة. ومن خلال الاهتمام باللغة السياساتيّة التي تتبنّاها «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ» و«اتفاقية الأمم المتّحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ»، يكشف الفصل كيف تعكس هذه المعايير أجندة ليبرالية تمنح الأولوية للحلول القائمة على السوق على التغيير النظامي وتتجاهل مخاوف العدالة المناخية. على سبيل المثال، استُبعِدَت أصوات «الجنوب العالمي» والأصوات المهمّشة من «الشمال العالمي» إلى حد كبير عند تحديد ميزانية الكربون التي على العالم التعامل معها في ظل «مستوى مقبول من المخاطر المناخية» وكيفية إدارة هذه الميزانية من خلال تجارة الكربون أو غيرها من الآليات.
الحاجز الثالث: تغير المناخ ليس ظاهرة تاريخية
يناقش الفصل الرابع تهميش التغيير والصراع التاريخيين في الخطابات والسياسات العامة فيما يتعلق بحلول تغيّر المناخ. ويسلط النقاش الضوءَ على دور المثقفين الليبراليين في تطوير المعرفة والاستجابات السياساتية التي تصوّر تغيّر المناخ كقضية قابلة للحل من خلال الليبرالية البرجوازية. وهذا، وفقاً لشو، مدفوع بسياسة طبقية لأن «الكثير من الباحثين الاجتماعيين يميلون إلى تفضيل السيناريوهات التي تَعِد بالظروف اللازمة لتكرار امتيازات ومكانة طبقتهم» (ص. 60). ويُقلّل إنكار الماضي من حضور الطبقة العاملة في السرديات المتعلّقة بالتحولات من أجل الاستدامة.
يجد الفاعلون التقدميون الذين لديهم دراية جيدة بحالة الطوارئ المناخية أنه «من المستحيل تقريباً التعبير عن ملامح مجتمع مختلف راديكالياً»
الحاجز الرابع: لدينا التقنيات اللازمة لحل تغيّر المناخ
يُقيَّم الإيمان بأن التكنولوجيا ستكون بمثابة علاج لتغيّر المناخ في الفصل الخامس. وينتقد هذا الفصل الاعتقاد السائد - المُتجذِّر في العقلانية الآلية - في العلم والتكنولوجيا، ويُحاجج بأن الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا «ينزع الشرعية عن عقلانيةٍ بديلة غير آلية وعن الأسئلة السياسية الحقيقية، لأنها ذاتية وقابلة للجدال إلى الأبد» (70). ونتيجة لذلك، يصبح المواطنون عاجزين، وتُتَجَاهل الاستجابات غير العلمية (على سبيل المثال، تلك المرتبطة بوجهات نظر السكان الأصليين) للتدمير البيئي.
الحاجز الخامس: القصص الجديدة ستنقذنا
يركز الحاجز الأخير على سرد القصص، واحتضان قوة اللغة كوسيلة تربط وعينا بالعالم وتسعى إلى زرع الخيال الليبرالي في أذهان المواطنين المهتمّين بالمناخ. ويفحص الفصل السادس بشكل نقدي تأكيدات الليبرالية على أن التغييرات غير الصراعية ستنقذ البشرية من أزمة المناخ، ويشير إلى أن «قصص المستقبل قليل الانبعاثات يكتبها عموماً برجوازيون ليبراليون وتعكس مصالح وامتيازات وآمال هذه الطبقة» (ص. 90). وعلى النقيض من ذلك، يتبنَّى الفصل منظور المادية التاريخية وينظر إلى القوة المادية لتغير المناخ باعتبارها اضطراباً لا يمكن حلّه من خلال التفكير بالتمنّي الذي تروّج له الليبرالية.
وبعد توضيح الحواجز الخمسة، يُقدِّم الفصل السابع رؤى جُمِعَت من 14 مقابلة مع أكاديميين وناشطين وصنّاع قرار أجريت خلال صيف وخريف العام 2022. وبشكل جماعي، تكشف المقابلات عن إحباط مشترك تجاه نموذج العمل المناخي الحالي. كما تُسلِّط الضوء على «أزمة البدائل» التي قدّمها الإطار الليبرالي، حيث يجد الفاعلون التقدميون الذين لديهم دراية جيدة بحالة الطوارئ المناخية أنه «من المستحيل تقريباً التعبير عن ملامح مجتمع مختلف راديكالياً» (ص. 113). ثم في الفصل الثامن الختامي، يلخص شو الحجج المقدّمة في جميع أنحاء الكتاب ويكرّر ضرورة وجود رؤى وأساليب أكثر راديكالية لحَكَامية المناخ يمكن أن تتجاوز حدود الليبرالية. وهو يدعو إلى استجابات مناخية غير ليبرالية تعطي الأولوية للمشاركة الديمقراطية والعمل الجماعي وتفكيك التفاوتات النظامية، وبالتالي تحدّي الهيمنة الليبرالية. ومع ذلك، فإن النبرة العامة للفصل الثامن متشائمة، حيث تعتبر فصل الفردانية عن الاستهلاكية أمراً غير قابل للتطبيق في ضوء المبادئ الاقتصادية السائدة في الغرب اليوم.
فصل الفردانية عن الاستهلاكية أمراً غير قابل للتطبيق في ضوء المبادئ الاقتصادية السائدة في الغرب اليوم
بشكل عام، يُقدِّم كتاب «الليبرالية وتحدِّي تغير المناخ» انتقادات ثاقبة للمقاربات الليبرالية في التعامل مع أزمة المناخ في 131 صفحة فقط. ويستند التحليل بقوة إلى تقاليد النظرية النقدية ويدعو القرّاء إلى إعادة النظر في المعتقدات الراسخة عن المسؤولية الفردية والحلول التكنولوجية والسرديات الليبرالية التي تؤطر العمل المناخي. ويقدِّم الكتاب حجة قوية مفادها أنه من الضروري الانخراط في خطاب عام بشأن آفاق الليبرالية لمساعدتنا في التنقّل عبر تعقيدات العمل المناخي بطريقة تُعزّز الاستدامة والعدالة والمساواة. ومن بين العيوب البسيطة للكتاب أن حججه المكثّفة تفترض أن القرّاء يمتلكون فهماً لائقاً لموضوعات مثل الليبرالية وحَكَامَة المناخ والأيديولوجيا. وبالتالي، فإن القرّاء الأساسيين للكتاب هم الأساتذة أو الطلاب الذين يدرسون سياسات تغيّر المناخ، على الرغم من ادعائه الأوسع بأنه مورد حيوي لصناع السياسات والناشطين والباحثين. ومع ذلك، ما زلت أوصي به بحماسة لأي شخص مهتم باكتساب فهم أعمق للعلاقة بين تغيّر المناخ والليبرالية.
نُشِرت هذه المراجعة في LSE Review of Books في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 بموجب رخصة المشاع الإبداعي.