Preview جرائم الناتو

أجندة قمّة الناتو 2024
هندسة الجرائم

احتفل حلف الناتو في واشنطن بذكرى مرور 75 عاماً على إنشائه، ويطمح لتنفيذ خطّة استراتيجية طويلة الأمد للسلام والأمن العالميين. وفي حين يركّز العديد من المحلّلين على زلّات لسان الرئيس الأميركي جو بايدن وبعض الشكليات المُستغربة بوصفها مادة تسلية لعموم الناس، على الجماهير الثورية في العالم أن يصبّوا اهتمامهم على بنية النظام العالمي لفهم سياق الأحداث التي سوف ترسم تراجع الإمبراطورية وتحديد مكامن الخطر الذي يلوح في الأفق. لقد كشفت قمّة الناتو 2024، مرّة جديدة، أن هذا الحلف هو تهديد للإنسانية، خصوصاً في ظل سعيه المستمرّ لتوسيع رقعة إرهابه في مختلف بقاع الأرض.

يمكن اعتبار كل الدول المشاركة في الناتو على أنها متواطئة بشكل مباشر في إبادة الفلسطينيين، إمّا عبر تصدير الأسلحة إلى الدولة الصهيونية أو عبر قصف البلاد التي تساند النضال الفلسطيني

انعقدت القمّة في وقت تتزايد فيه حدّة التوترات في العالم، والتي يؤدّي الناتو دوراً أساسياً. في غرب آسيا، يمكن اعتبار كل الدول المشاركة في الناتو على أنها متواطئة بشكل مباشر في إبادة الفلسطينيين، إمّا عبر تصدير الأسلحة إلى الدولة الصهيونية أو عبر قصف البلاد التي تساند النضال الفلسطيني. مثال على ذلك، عملية «حارس الازدهار» التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية ضد اليمن. أمّا في أوروبا الشرقية، يحارب الناتو حتّى «الأوكراني الأخير» من أجل كسر روسيا. يقود الناتو بروباغندا تسوِّق لمحاربته من أجل الديمقراطية والسلام، وفي المقابل تسعى دول الجنوب إلى إيجاد أشكال أخرى من التعاون وبدائل عن الناتو، كونها تعرف جيّداً تاريخه الإجرامي. أما أوروبا فهي تثبت للعالم في كل يوم أنها لم تتعلّم شيئاً من تاريخها.

منذ بدء العملية العسكرية الروسية في العام 2022، جهد الناتو في إعادة تلميع صورته نظراً لتاريخه التدميري في كل أنحاء العالم. وانصبّت تصاريح القادة الأوروبيين، من رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للتأكيد على أن دعم القتال من أجل «الديمقراطية» في أوكرانيا هو عقيدة لا نقاش فيها. وعلى الرغم من كل محاولاته لتغطية الطبيعة الإرهابية لنشاطاته، تلتصق بالناتو وصمة الإجرام ويحفل تاريخه بإرثٍ إجرامي في شنّ حروب من دون أسباب وإلحاق الدمار من دون مبرّر، كما حصل في يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق وليبيا، فضلاً عن تقويض كل المشاريع البديلة عن الإمبريالية التي تقودها الولايات المتحدة. 

مراجعة تاريخية

لفهم الطبيعة الإرهابية للناتو، لا بدّ من مراجعة تاريخ هذا الحلف العسكري والأثر الذي خلّفه على دول الجنوب وغيرها من الدول في العالم. بعد الحرب العالمية الثانية، انقسم العالم بين المعسكر السوفياتي الشرقي والمعسكر الرأسمالي الغربي. وبالنسبة إلى حركات التحرّر الوطني في دول الجنوب، تمثّل التناقض الرئيسي في عصرها في النضال ضدّ الاستعمار، متبنّية النهج الماركسي اللينيني. ومن خلال طرح مسألة التحرّر الوطني ربطاً بتفكيك هرمية الاقتصاد السياسي الذي يدير النظام العالمي، أصبح التضامن الإقليمي أكثر مركزية. وهذا ما وجده الناتو تهديداً لنشاطات الرأسمالية الغربية الاستغلالية، فاتّخذ إجراءات لخنق هذه الحركات، وقام بعسكرة القارة الأفريقية عبر مساعدة البرتغال في قمع نضالات الشعوب ضدّ الاستعمار في غينيا بيساو وأنغولا وموزمبيق، كما دعم نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وسلّحه لقمع السكان الأصليين، وشنّ اعتداءات على الدول المجاورة الداعمة لحركات التحرّر، وتعاون مع المخابرات الأميركية لاغتيال رئيس وزراء الكونغو باتريس لومومبا. هذه بعض من الإجراءات الفاشية التي ارتكبها الحلف في دول العالم.

تقدِّم حالة يوغوسلافيا نموذجاً يعكس التاريخ الوحشي لحلف الناتو وتظهره كتهديد لأي دولة لا تستجيب لإملاءات الإمبريالية الأميركية

إن النزعة الإرهابية الإمبريالية لحلف الناتو راسخة في وثائقه التأسيسية وتتحدّث عن سعي لخلق شرخ بين حركات التضامن العالمي في الجنوب العالمي، وخصوصاً التضامن بين دول آسيا ودول أفريقيا. عندما قام عبد الناصر مع جواهر نهرو وتيتو ونكروما بخلق تحالف سياسي بين حركات التحرّر في كل من آسيا وأفريقيا في العام 1950، اعتبر حلف الناتو أنّ هذه الخطوة هي «تهديد من تحالف شيوعي قومي ضدّ الغرب». فشنّ هجمات على جبهة التضامن الأفرو-آسيوية، وعمل على تلطيخ سمعتها عبر حملات البروباغندا بهدف التسبّب بانقسامها عبر «تجاهل الحركة، أو مضايقتها من خلال عرقلة إقامة المؤتمرات ونشر الدعاية السيئة حولها». وعندما عُقِد لقاء الدول الأفريقية في أكرا لمناقشة مفهوم «الشخصية الأفريقية»، صبّ الناتو جهده للإضاءة على المزايا الخاصّة للهويات القومية وبالتالي تخطّي المزايا الجامعة. بعبارة أخرى، دعمت بروباغندا الناتو هذا الخطاب من أجل التركيز على نقاط الاختلاف المفاهيمية والروحية في التجمّع الأفرو-آسيوي لخلق الانقسامات في الحركة. ونلاحظ هيمنة مفهوم «البلقنة» عند حلف الناتو كاستراتيجية لإحكام السيطرة الدائمة على دول الجنوب. 

قضت العملية الأولى لحلف الناتو في التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بتدمير يوغوسلافيا وتقسيمها. تقدِّم حالة يوغوسلافيا نموذجاً يعكس التاريخ الوحشي لحلف الناتو وتظهره كتهديد لأي دولة لا تستجيب لإملاءات الإمبريالية الأميركية. 

يوغوسلافيا كانت إحدى الدول التي احتلّت الصفوف الأمامية في حركة دول عدم الانحياز، ودعمت نضالات التحرّر الوطني، ونقلت التكنولوجيا من الشمال إلى الجنوب مساهمة في تطوير العديد من الدول المستقلّة حديثاً بعيداً من منطق الحرب الباردة. دمّر الناتو بقنابله هذا الإرث التاريخي، وبلقن الدولة وقسّمها باعتماده على مجموعات سياسية رجعية وظلامية، بدءاً من أحزاب اليمين المسيحي الأصولية إلى الأحزاب الوهابية الإسلامية.

ومن يوغوسلافيا في التسعينيات إلى ليبيا في العام 2011، كان هدف هذه التدخلات العسكرية هو تركيع الدول وتجريدها من سيادتها واستقلاليتها السياسية، وإجبار قادتها السياسيين على الانخراط في الاقتصاد العالمي. وبالفعل هذا ما صرّح به علانية الجنرال في حلف الناتو ويسلي كلارك في خلال الحرب على يوغوسلافيا: «هدم البنية التحتية الأساسية في يوغوسلافيا وتدميرها وتلفها والقضاء عليها نهائياً». تمّت بلقنة يوغوسلافيا وتقسيمها إلى دويلات صغيرة ومطيعة وجرى تفكيك اقتصادها الصناعي. ومع استلام القوى الرجعية الموالية للغرب الحكم، حوّلوا هذه الدويلات إلى مواقع مثالية لاستخراج المعادن بأسعار بخسة والاستغلال المفرط للعمّال والتوسّع العسكري للناتو في المنطقة. 

وفي هذه الحملات، يستخدم الناتو أكثر الأسلحة فتكاً، بما فيها الأسلحة الكيميائية، متجاهلاً كل المعايير البيئية وأثرها طويل المدى على الأجيال المقبلة. في أي مكان تدخّل فيه حلف الناتو، استخدم اليورانيوم المنضّب، وهي مادة مسرطنة تؤدّي إلى زيادة كبيرة في العيوب الخلقية ومعدلات الإصابة بالسرطان (أنظر الفلوجة - العراق على سبيل المثال). يعلم حلف الناتو أنّ هذا النوع من الاعتداءات والجرائم الإرهابية مدان، لذلك يجبر الأطراف الشرعية للموافقة على شروط تضمن حصانته من أي ملاحقة قانونية، وتمدّه بالحماية على مستوى البعثات الدبلوماسية.

هذه بعض بنود اتفاقية رامبوييه التي أُجبرت يوغوسلافيا على التوقيع عليها لإنهاء الحرب المدمّرة فيها:

تمّت هندسة هذا الشكل من التصنيع العسكري لخدمة الإمبريالية وتوسّع الناتو في مسار مضاد لمصالح القوى العاملة

يتمتّع العاملين في الناتو بحصانة من أي عملية توقيف أو تحقيق أو احتجاز لدى السلطات في الجمهورية الاتحادية اليوغوسلافية.

• يتمتّع العاملين في حلف الناتو مع مركباتهم وسفنهم وطائراتهم ومعداتهم بِحرّية غير مشروطة للتنقل من دون عوائق في جمهورية يوغسلافيا الاتحادية، بما في ذلك المجال الجوي والمياه الإقليمية اليوغسلافية. كما يمنح العاملون في الناتو، على سبيل المثال لا الحصر، حق الإقامة المؤقتة، وإجراء المناورات، واستخدام أي مناطق أو مرافق ضرورية لتوفير الدعم والتدريب وتنفيذ العمليات. 

• إعفاء حلف الناتو من الرسوم والضرائب وغيرها من الرسوم والتفتيش والتنطيمات الجمركية، بما في ذلك تقديم اللوائح وغيرها من الوثائق الجمركية الروتينية الضرورية للأفراد والمركبات والسفن والطائرات والمعدّات واللوازم، فضلاً عن المؤن التي تدخل أراضي جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية أو تخرج منها أو تعبرها دعماً لعمليات الناتو. 

• لا يمكن توجيه الاتهامات لحلف الناتو فيما يتعلّق بالملاحة الجوية أو هبوط الطائرات وإقلاعها سواء كانت مملوكة من حكومات أو مستأجرة. وبالمثل، لا يمكن توجيه الاتهامات أو فرض رسوم على سفن حلف الناتو، سواء كانت مملوكة من حكومات أو مستأجرة، لمجرّد دخولها المرافئ وخروجها منها. المركبات والمعدات والطائرات المستخدمة في دعم عمليات الناتو لا تخضع لعملية تسجيل وترخيص ولا للتأمين التجاري. 

• إعفاء العاملين في الناتو من دفع الضرائب على الرواتب والمكافآت التي يحصلون عليها من الناتو أو أي مدخول آخر يحصلون عليه من خارج الجمهورية الاتحادية اليوغسلافية.

• ضمان حق الناتو في استخدام المطارات والطرقات وسكك الحديد والمرافئ من دون أي بدل أو رسوم أو تكاليف طوال فترة الاستخدام. لا يجوز للناتو المطالبة بإعفائه من تسديد التكاليف لقاء خدمات محددة، غير أن لا يمكن إيقاف هذه الخدمات حتّى تسديد كلفتها. 

• إعفاء العاملين في الناتو وممتلكاتهم المنقولة المستوردة أو المستحوذ عليها أو المصدّرة خارج الجمهورية الاتحادية اليوغسلافية من أي رسوم وضرائب بما في ذلك التفتيش الجمركي.

• يحق للناتو استيراد وتصدير المعّدات والمؤن واللوازم الضرورية لعملياته من دون أي رسوم وضرائب. وهذه المنتجات تكون مُخصّصة إمّا للاستخدام الرسمي للناتو أو للبيع إلى العاملين مع الناتو. البضائع التي تباع يجب أن تكون حصراً لاستخدام من العاملين في الناتو وليس نقلها إلى أفراد غير مرخصين. 

من غير المفاجئ أن لا يتحدّث رؤساء العالم في اجتماع حلف الناتو عن الإرث الإرهابي الطويل لهذا الحلف وتاريخه الإجرامي المتفلّت من العقاب. لكن الماضي يعطي دروساً عن التراجع الحالي للإمبريالية: يزعمون أنّ إرهاب الناتو يجب أن يتوسّع أكثر وينهب العالم.

أجندة إجرامية للمستقبل

مؤخّراً، يقوم الناتو بالتوسّع بعيداً من شمال الأطلسي. وتقوم إحدى الآليات المستخدمة لتبرير توسّعه العالمي على تعيين قيادات رجعية في دول الجنوب واعتبارهم حلفاء رئيسيين للناتو من خارج الحلف. سمحت هذه الآلية بانضمام نحو 20 دولة إلى هذا التحالف العسكري الإرهابي، وفي الآونة الأخيرة انضمّت كينيا إلى هذه اللائحة السيئة السمعة. يتجاهل الناتو عن قصد السيادة الوطنية والاستقلال التنموي للدول الأخرى، ويرى أن توسّعه أمر طبيعي وصحّي لإحكام القبضة على العالم، كما حصل في حالة دول البلقان ودول حلف وارسو سابقاً. ومع ذلك، إذا أثارت دولة ما تساؤلات بشأن نشاطات الناتو، أو طلبت منه صراحة التوقّف عن التوسّع وتوفير ضمانات أمنية، تفعّل ضدّها آلة البروباغندا. كل دولة قامت بذلك، على سبيل المثال روسيا، أصبحت تلقائياً في حكم الدولة الاستبدادية والدكتاتورية التي تشكّل تهديداً للأمن العالمي ولطموحات التوسّع غير المحدود للناتو. هذه هي الظروف التي أدّت إلى الحرب في أوكرانيا، وأدرجت ضمن النقاط الأساسية في أجندة قمة 2024. 

مئات المليارات التي أعطيت لأوكرانيا لا تنتهي في أوكرانيا، إنما تبقى في عجلة الاقتصاد الأميركي لإنتاج المزيد من الأسلحة المحلية

دعونا نتناول الاتجاهات الرئيسة التي يهدف حلف شمال الأطلسي إلى تعزيزها وتوسيعها:

  1. الناتو في أوكرانيا. وافقت دول الناتو على إطلاق بعثة «للمساعدة الأمنية والتدريب لأوكرانيا»، مركزها اللوجيستي ألمانيا، مع منشآت لتدريب القوات الأوكرانية وتنسيق نقل المعدات إلى الجبهات، بالإضافة إلى تعهّد بدفع 40 مليار يورو لأوكرانيا في العام المقبل. 

  2. توحيد اقتصادات الحرب. تمّ تخصيص بند ضمن أجندة القمة لمناقشة توحيد اقتصادات دول الناتو وجمعها في اقتصادات عسكرية، والبحث في تدابير مختلفة لرفع حصة الاستثمار في صناعة الأسلحة. حالياً، تساهم معظم دول الناتو بنسبة 2% من ناتجها المحلي لصالح الحلف. وتمّ الاتّفاق على «إزالة العوائق أمام التجارة والاستثمار» وفتح المجال أما الأسواق الحرة لتحكم القوى العاملة في هذه الدول. ولتبرير هذه الإجراءات، سارعت آلة البروباغندا للترويج بأنّ هذه الاستثمارات في أوكرانيا تهدف إلى الحدّ من الطموحات الإمبريالية لبوتين. غير أنّ بلينكن نفسه عبّر عن رفضه لهذه الحقيقة التي لا جدال فيها، والتي تروّج لها باستمرار الدعاية الليبرالية-النازية في الغرب. قال إن مئات المليارات التي أعطيت لأوكرانيا لا تنتهي في أوكرانيا، إنما تبقى في عجلة الاقتصاد الأميركي لإنتاج المزيد من الأسلحة المحلية. وبالفعل، هناك اتفاقات بمليارات الدولارات توقّع من الكونغرس وبايدن وتنتهي على شكل عقود مع لوكهيد مارتن وغيرها من شركات الأسلحة. إذاً، سوف تدفع دول الناتو 2% من إجمالي ناتجها المحلي لشراء الأسلحة الأميركية: 1,000 صاروخ باتريوت، صواريخ مضادة للطائرات بقيمة 700 مليون دولار، 850 طائرة (F-35 على سبيل المثال). بعبارة أخرى، تمّت هندسة هذا الشكل من التصنيع العسكري لخدمة الإمبريالية وتوسّع الناتو في مسار مضاد لمصالح القوى العاملة. 

  3. التوسّع في الجنوب العالمي. كما حصل في «عقيدة مونرو» عندما اعتبرت الولايات المتحدة وسط أميركا وجنوبها جيراناً جنوبيين لها، بدأ الناتو بِتبنّي هذه الاستراتيجية في قمّة مدريد في العام 2022. فقد أُعلنت منطقة شمال أفريقيا على أنها الجار الجنوبي للناتو لإعطاء الشرعية لأي نشاط عسكري قد يقوم به الحلف في المنطقة. وفي القمة الأخيرة، أعلن الناتو بفخر عن توسيع مكاتبه من الكويت والعراق وافتتاح مكتب تمثيلي في بلد عربي محكوم بنظام رجعي وهو المملكة الهاشمية الأردنية، وبحسب البيان: «سيضمن المكتب تقريب العلاقات بين الناتو والأردن عبر تحسين الحوار السياسي والتعاون العملي، وبما يساهم بالتالي في فهم مشترك وأعمق للسياق الوطني والإقليمي». تدرك الجماهير الثورية الأهداف التي تكمن وراء هذه الخطوة جيداً. النظام الرجعي في عمّان يساعد عملياً في حرب الإبادة، ويحمي الدولة الصهيونية، ويطيع الإمبريالية الأميركية بالكامل. وخير مثال على ذلك، استخدام القوات الجوية الأميركية للمجال للأردن في عملية اعتراض الصواريخ الإيرانية في نيسان/أبريل الماضي، التي أطلقتها إيران رداً على تفجير القنصلية الإيرانية في دمشق. في الوقت الذي تتم الإشادة بالأردن وبدوره الرجعي الفعّال في حماية الإمبريالية والصهيونية، أصبح من الممكن أيضاً التعاون مع الأردن بشكل أعمق في المخطّطات الإرهابية العالمية للناتو. 

  4. الناتو في أستراليا. تدّعي آلة البروباغندا الخاصة بالناتو أن الدول المعادية للحلف أصبحت أقرب من بعضها البعض وهي تحمل طموحاً إمبريالياً. وعلى نسق المعزوفة النازية الليبرالية، لا ينفك الناتو يردّد: تحرّكت روسيا غرباً نحو أوكرانيا، وتنشئ الصين بنية تحتية خارج شرق آسيا. لكن في الوقت نفسه، يحرص الناتو على عدم الكشف عن توسّعاته إلى مناطق أخرى في العالم بما فيها المحيط الهادئ. في أيلول/سبتمبر 2021، وقّعت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأستراليا على اتفاقية AUKUS لإنشاء قاعدة للغوّاصات النووية بالقرب من الصين. أدانت الصين هذه الإجراءات الاستفزازية، وكذلك الحركات المناهضة للحرب، ووصفوها بالإمبريالية المفرطة. مع ذلك، يصرّ حلف الناتو على توفير القواعد الرئيسة للإرهاب العالمي بوجه جموع القوى العاملة في العالم، وتوسيعها رويداً رويداً. ومع توسّع الناتو، من ضمّ حلفاء رئيسيين من خارجه إلى إقامة شراكات في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، لم يعد الحلف يشمل اليابان فقط، إنما أصبح يدعو دولاً مثل كوريا وأستراليا ونيوزيلندا للانضمام إليه وكأنه يبني حصان طروادة الإمبريالية

  5. توسيع لائحة الدول المعادية: الصين، روسيا، إيران، كوريا الشمالية وبيلاروسيا. بطبيعته التوسّعية، يقوم حلف الناتو حكماً على زيادة المنضوين ضمن لائحة الدول المعادية له. على سبيل المثال، عندما لا تسير الحرب في أوكرانيا لمصلحة الناتو، على الرغم من المليارات التي صرفت على هذه الحرب والأرواح التي أزهقت، يتم توجيه اللوم على دول أخرى لإلهاء الجماهير. في هذا السياق، لا يختلف خطاب الناتو عن خطاب الخارجية الأميركية، من حيث اعتبار الدول الأخرى دول أعداء. على سبيل المثال، يقول أمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ في خطاب يصعب تمييزه عن تصريحات وزارة الخارجية الأميركية: 

«أصبحت الصين عنصراً حاسماً في حرب روسيا ضد أوكرانيا.... كما أنّ بعض الدول الاستبدادية الأخرى مثل إيران وكوريا الشمالية تدعم حرب روسيا... هذا يزيد من أهمّية العمل مع حلفائنا الذين يشبهوننا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ... كلّها خطوات مهمة إذ أننا نرى جميعنا بوضوح أنّ ما يحصل في أوروبا يهمّ آسيا وما يحصل في آسيا يهمّ أوروبا. في هذا العالم الأكثر خطورة، يجب أن نقف معاً لندافع عن مصالحنا الأمنية المشتركة ونحافظ على قيمنا المشتركة». 

دائماً ما يأتي الإجرام بعد الغطرسة، وهذا ما يفسّر تصرّف الناتو كما لو أن لديه الحق في وضع القوانين وعلى الجميع الطاعة وتطبيق المعايير الدبلوماسية نفسهابكل عجرفة، يقدّم الناتو نفسه على أنه معقل الأمن والديمقراطية، وبالتالي يلوم الجمهورية الشعبية الكورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية الصين الشعبية وجمهورية روسيا الاتحادية وجمهورية بيلاروسيا، ويعتبرهم متآمرون يتحدّون هيمنة الناتو. 

غير أنّ الجماهير الثورية في العالم تدرك أنّ محاولات اتّهام الصين وإيران وبيلاروسيا وكوريا الشمالية بأنها محرّك أساسي في ما يعتبره الناتو الحرب الروسية غير المبرّرة على أوكرانيا ما هي إلّا ادّعاءات مغالطة تاريخياً وكاذبة سياسياً. بداية، هذه الدول لديها علاقات تاريخية مع روسيا منذ ما قبل 24 شباط/فبراير 2022. ثانياً، عندما كانت أوروبا في خضم عملية الانفصال عن روسيا عبر فرض العقوبات عليها وعزلها منذ العام 2014، قامت روسيا بالاتجاه شرقاً بحثاً عن شركاء وحلفاء يمكن الاعتماد عليهم وبناء علاقات تجارية وتعاونية معهم. ثالثاً، لا يقوم هؤلاء الحلفاء باستخدام قوّتهم كسلاح لفرض تدابير اقتصادية قسرية وفق قيادات الدول. على العكس، إنهم يدفعون لإقامة علاقات ثابتة بين الشعوب، لتصمد عند تغيير القادة. حتّى عند اندلاع أي حرب أو مناوشات على الحدود فيما بين هذه البلاد، لا تتأثّر طبيعة تلك العلاقات. 

دائماً ما يأتي الإجرام بعد الغطرسة، وهذا ما يفسّر تصرّف الناتو كما لو أن لديه الحق في وضع القوانين وعلى الجميع الطاعة وتطبيق المعايير الدبلوماسية نفسها. في حين يتسلّح الغرب بعملات عالمية قوية تمكّنه من استخدامها كسلاح لفرض العقوبات على هواه، تستمر دول الجنوب في إقامة العلاقات واعتماد محادثات السلام والدبلوماسية لإيجاد حلول لمشاكلها. في هذا الصدد، اقترحت الصين خطة سلام للحرب الأوكرانية. وهنا نسأل ماذا اقترح الناتو أو الغرب في المقابل؟ هل يمكن اعتبار القمة التي يشارك فيها أحد طرفَي النزاع بمثابة جهود سلام؟ هل إرسال الولايات المتحدة القنابل إلى إسرائيل لقتل الفلسطينيين وتشويههم وتقطيع أطرافهم هو عمل ديبلوماسي؟ غطرسة الناتو تجعله من أكثر الكيانات العالمية عدائية وإثارة للحروب. الناتو هو منظمة إرهابية، إنه تهديد للسلام العالمي.\

ماذا نتوقّع من الناتو؟

«في بعض الدول الأفريقية، ترى ناس يدعمون بوتين، ويدعمون ما يقوم به بوتين في دونباس. يقولون: بوتين أنقذ دونباس، وسوف يأتي إلى أفريقيا لإنقاذنا. ما هو نوع الذكاء الذي يقف وراء هذا النوع من السلوك؟» - جوزيب بوريل.

عندما تساءل جوزيب بوريل عن سبب رفض الناس في أفريقيا حرب الناتو على روسيا، ردّ السبب إلى بروباغندا روسية. لقد اعتدنا على الملاحظات العنصرية للمسؤولين الأوروبيين، إذ أنّ بوريل قام قبل وقت ليس ببعيد بتشبيه القارة الأفريقية بغابة يمكن لها تهديد الحديقة الأوروبية. وفي حين ينعدم التفكير بإمكانية أن يكون الأفارقة أول من شهد على الطبيعة الإرهابية لحلف الناتو، يجري توقّع بأن يصدّق الجميع أنّ الناتو يقاتل من أجل حرية الإنسانية. 

لن يؤدّي أي تغيير في الإدارة الأميركية إلى المساس في الإمبريالية. الحزبان الأميركيان إمبرياليان، وكلاهما يسلّحان العالم وينتجان بروباغندا ضد عالم متعدّد الأقطاب مناهض للإمبريالية

الإمبريالية هي مسار يقوم على استغلال القوى العاملة في العالم. ولتحقيق ذلك تخلق أسس أيديولوجية قادرة أن تدفع بالجماهير للقبول بالإنفاق العسكري غير المحدود من جهة والعيش في أسوأ ظروف معيشية من جهة ثانية وسط معاناة في الوصول إلى الخدمات الاجتماعية. من هنا، لا بد أن نتوقّع أن يخوض الناتو حرباً أيديولوجية لتبرير سياساته الإرهابية، معتمداً على كل الوسائل ومسخّراً كل الأدوات بما فيها مراكز البحوث والأكاديميا ووسائل الإعلام، وغيرها. في المقابل، هذه الحرب سوف تتوسّع بشكل عنيف كردّ فعل على انحدار الإمبريالية. 

لذا، من غير المفاجئ أن يقوم الناتو بتعيين قادة عسكريين سابقين، وجنرالات في الناتو، ومدراء مصانع الأسلحة في مراكز البحوث الموالية للحلف للعمل على تصدير الأفكار والتقارير والمقالات التي تجعل حروبه مقبولة بين الجماهير. على سبيل المثال، الجنرال السابق في الناتو المذكور آنفاً، ويسلي كلارك، الذي دعا إلى تدمير البنية التحتية ليوغوسلافيا، يعمل الآن في مجلس إدارة المجلس الأطلسي، وقبل يوم من انعقاد قمة الناتو، نشر مقالاً يدعو فيه إلى اعتماد مجموعة إجراءات  لضمّ العالم إلى الناتو، وقد تم بالفعل إقرارها في القمة.

من المتوقع أن يوسّع الناتو حرب الموارد تجاه دول الجنوب خصوصاً بعد أن أقرّت القمة الحماية لـ «سلاسل توريد المعدات الدفاعية». وتأتي محاولة الانقلاب في بوليفيا 2019، وانقلاب البيرو في 2022، كنماذج عن آليات التدخل التي يعتمدها الناتو لإخضاع تلك البلدان للإملاءات النيوليبرالية وإعدادها لعملية تقضي باستخراج مواردها بأرخص الأثمان. لذا يتوجّب على الجماهير الثورية في العالم أن تكون حذرة من هذه التطوّرات وأن تجهّز نفسها عسكرياً وأيديولوجياً لمواجهة البروباغندا التي تمطر عليها لتبرير حروب الناتو المقبلة. إنّ الدمار الذي يحدثه الناتو يبدأ بتصريحات عنصرية شبيهة بتصريحات بوريل ومن ثمّ يتحوّل إلى ثورات ملوّنة مموّلة من الخارج. لذا يجب أن لا نتأثّر بما نشاهده على تيكتوك من مقاطع فيديو لشخصيات يمينية تضرب بالناتو (على سبيل المثال ما حصل في ليبيا)، لأنّ هذه المقاطع وما يشابهها لا تضرّ بسمعة الناتو، بل تشوّه سمعة من أعطوا الضوء الأخضر لتلك التدخلات العسكرية مثل باراك أوباما وهيلاري كلينتون. هي محاولات لإقناعنا بأنّ المشكلة الكامنة في الإمبريالية إنما هي مشكلة أحزاب، أي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. مع ذلك، لن تأتي نهاية الإمبريالية من صناديق الاقتراع، ولن يؤدّي أي تغيير في الإدارة الأميركية إلى المساس في الإمبريالية. الحزبان الأميركيان إمبرياليان، وكلاهما يسلّحان العالم وينتجان بروباغندا ضد عالم متعدّد الأقطاب مناهض للإمبريالية. 

بمواجهة ما قاله بوريل، أو ما سيقوله خلفه المستقبلي رئيس وزراء إستونيا السابق كاجا كالاس عن القدرات العقلية والصرامة الفكرية للجماهير الثورية في العالم، علينا أن نثابر في رفض الناتو وتجهيز أنفسنا بروح مناهضة للإمبريالية مالياً وعسكرياً وأيديولوجياً. هذه ليست أفعال فساد أو استراتيجيات تضليل روسية، بل هي ضرورات سياسية واقتصادية لتحصين أنفسنا من الدمار وضمان سيادتنا الوطنية وازدهارنا المتبادل. 

نُشِر هذا المقال في Internationalist 360 في 17 تموز/يوليو 2024 كمصدر مفتوح، وترجم وأعيد نشره في موقع «صفر».