
تأثير تقلّبات العرض والعقوبات الأميركية على سوق النفط
تحظى أسعار النفط باهتمام كبير بسبب التغيّرات الأخيرة في العرض والعقوبات الأميركية على روسيا وإيران. ففي خلال هذا الأسبوع، تجاوز سعر النفط حاجز الثمانين دولاراً للبرميل، بعدما فرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات جديدة على قطاع النفط والغاز في روسيا طالت المشاريع الكبرى، فضلاً عن 188 ناقلة نفط تشكّل بغالبيتها ما يُسمى بـ«الأسطول المُظلم» الذي استخدمته موسكو لتجاوز العقوبات الحالية. وبحسب مجلّة MEES المعنية بقضايا الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قد تؤدّي هذه العقوبات، فضلاً عن احتمال تشديد إدارة دونالد ترامب الخناق على إيران بعد تسلّم الأخير مهامه في 20 كانون الثاني/يناير الجاري، إلى تقليص العرض في الأشهر المقبلة.
مع ذلك، لا تثير هذه التخفيضات القلق بشأن العرض بحسب MEES نظراً لوجود قدرات إنتاجية رديفة لتغطية أي نقص. بحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية عن سوق النفط لشهر كانون الثاني/يناير، حملت سفن نقل النفط الروسي المُستهدفة بالعقوبات الأميركية أكثر من 1.6 مليون برميل يومياً من النفط الروسي في العام 2024، وعندما يتعلّق الأمر بإيران، فإن العقوبات الموسّعة التي تفرضها وزارة الخزانة الأميركية على «سفن الظل» يمكن أن تؤثّر على أكثر من 500 ألف برميل يومياً من الصادرات الإيرانية، أي ما مجموعه 2.1 مليون برميل يومياً.
لكن في المقابل، يمتلك منتجو أوبك+ طاقة إنتاجية احتياطية تقدّر بنحو 5.8 مليون برميل يومياً، وتتوقّع وكالة الطاقة الدولية أن يضيف منتجو النفط من خارج أوبك+ نحو 1.5 مليون برميل يومياً، ليصل المجموع في المجموعتين إلى نحو 7.3 مليون برميل نفط يومياً. وحتى مع توقعات وكالة الطاقة الدولية بنمو الطلب من أقل من مليون برميل يومياً في العام 2024 إلى 1.05 مليون يومياً في العام 2025، فإن هذه القدرات الإنتاجية الاحتياطية أو المخطّطة ستجعل إمدادات النفط وفيرة للغاية، وقادرة على تعويض أي خسائر مُحتملة من تراجع الإنتاج في كل من روسيا وإيران، وبالتالي تلبية الطلب العالمي والحفاظ على استقرار الأسعار في حال ثبتت دقّة توقعات العرض والطلب.
كما لا يمكن إغفال دور العراق وليبيا العضوان في أوبك+ في تغيير معادلة العرض في 2025. نجحت ليبيا في العام الماضي من زيادة إنتاجها إلى 1.4 مليون برميل يومياً وهو أعلى مستوى له منذ 11 عاماً. وفي حين أحبطت الاحتجاجات الشعبية والتهديد بإغلاق محطّات وحقول النفط الليبية الآمال في زيادة سريعة في الطاقة الإنتاجية إلا أنه لا يتوقّع أن تؤدّي إلى تراجعها أيضاً. أما بالنسبة إلى العراق، فهو لم يمتثل بالكامل لقرارات أوبك+ بما يتعلّق بحصته من الإنتاج. في العام الماضي بلغ متوسط إنتاج العراق 4.2 مليون برميل يومياً أي 200 ألف برميل يومياً فوق الحصة المسموحة له. هذا الإنتاج المفرط سمح له بمراكمة 67 مليون برميل.
إلا أن الأمر لا يتعلّق فقط بأساسيات السوق وإنما أيضاً بكيفية تطور الديناميات السياسية في الأشهر المقبلة. وبحسب MEES، إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد يكون لها تأثير على كبير الاقتصاد العالمي وأسواق النفط، خصوصاً أنه وعد برفع التعريفات الجمركية وزيادة إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، فضلاً عن أن موقفه المتشدّد تجاه دول مثل إيران وإجراءات الإدارة الأميركية المُحتملة للحد من صادرات إيران النفطية قد يسبّب المزيد من التقلبات في الأسواق العالمية. وفي حين يتمتع منتجو أوبك+ وغير أوبك+ بالقدرة على سد فجوات العرض، إلا أن انعدام اليقين الجيوسياسي المرتبط برئاسة ترامب قد يزيد من مخاطر السوق، ويدفع أسعار النفط إلى الارتفاع على الرغم من الطاقة الاحتياطية الوفيرة. في النهاية، سيعتمد توازن العرض والطلب على على كيفية تطور هذه الديناميات السياسية وليس فقط على أساسيات السوق.