
البنتاغون يجنّد إيلون ماسك لمساعدته في الفوز في حرب نووية
أعلن دونالد ترامب عن نيّته بناء نظام صاروخي مضاد للصواريخ الباليستية لمواجهة الأسلحة النووية الصينية والروسية، وهو يجنّد إيلون ماسك لمساعدته في تحقيق ذلك. لطالما حلم البنتاغون ببناء «قبة حديدية» أميركية. ويتمّ التعبير عن هذه التكنولوجيا في لغة «الدفاع» - أي جعل أميركا آمنة مرة أخرى. لكن شأنها شأن نظيرتها الإسرائيلية، سوف تستخدم الولايات المتحدة التكنولوجيا كسلاح هجومي، ما يمنحها القدرة على شن هجمات نووية في أي مكان في العالم من دون الاكتراث لعواقب ردّ مماثل. وقد تؤدي هذه القوة إلى تقويض السلام الهش الذي أبقت عليه عقود من الردع القائم على القوة المتبادلة على التدمير، وهو مبدأ عزَّز الاستقرار العالمي منذ أربعينيات القرن العشرين.
سباق تسلّح عالمي جديد
لطالما سال لعاب مخطّطو الحرب في واشنطن عند التفكير في الفوز في مواجهة نووية. وعلى مدى عقود، سعوا إلى اكتساب القدرة على القيام بذلك. ويعتقد البعض أنهم وجدوا حلاً ومنقذاً في الملياردير المولود في جنوب أفريقيا وتكنولوجيته.
في العام الماضي، نشرت مؤسّسة Heritage Foundation البحثية المحافظة فيديو يفيد بأن ماسك لربما «أوجد حلاً للتهديد النووي الصيني». وزعمت أنه يمكن تعديل أقمار ستارلينك التابعة لشركته Space X بسهولة لحمل أسلحة يمكنها إسقاط تلك الصواريخ. كما أوضحت:
«أثبت إيلون ماسك أنّه من الممكن وضع أقمار صناعية صغيرة في مدار حول الأرض بتكلفة مليون دولار لكل قمر صناعي. وباستخدام التكنولوجيا نفسها، يمكننا وضع ألف قمر صناعي صغير في مدار مستمر حول الأرض، ويمكنها تتبع الصواريخ التي تُطلق من كوريا الشمالية وإيران وروسيا والصين وإسقاطها باستخدام أعيرة التنغستن».
حصلت شركة كاستليون بالفعل على عقود ضخمة مع الجيش الأميركي، وتشير التقارير إلى أنها مضت خطوات كبيرة نحو أهدافها المتعّلقة بالصواريخ الفائقة للصوت
وعلى الرغم من أن Heritage Foundation تنصح باستخدام أعيرة (أي طلقات) التنغستن كصواريخ اعتراضية، فقد اختيرت الصواريخ الفائقة للصوت بدلاً من ذلك. وتحقيقاً لهذه الغاية، تأسّست منظّمة جديدة، وهي شركة Castelion، في العام 2023.
كاستليون هي شركة فرعية تابعة لسبايس إكس؛ إذ إنّ 6 من أعضاء فريق قيادتها الـ7 و2 من مستشاريها الـ4 الكبار هم من كبار الموظفين السابقين في سبايس إكس. أمّا المستشاران الآخران فهما من كبار المسؤولين السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية، بما في ذلك مايك غريفين، صديق ماسك القديم ومرشده وشريكه.
تتمثَّل مهمة كاستليون، على حد تعبيرها، في أن تكون في طليعة سباق التسلّح العالمي الجديد. وكما توضح الشركة:
«على الرغم من أن ميزانية الدفاع السنوية للولايات المتحدة تتجاوز ميزانيات أكبر 10 دول تليها من حيث الإنفاق مجتمعة، هناك أدلة دامغة على أن الأنظمة الاستبدادية تتصدّر التقنيات العسكرية الرئيسة مثل الأسلحة الفائقة للصوت. ببساطة. لا يمكن السماح بحدوث هذا».
حصلت شركة كاستليون بالفعل على عقود ضخمة مع الجيش الأميركي، وتشير التقارير إلى أنها مضت خطوات كبيرة نحو أهدافها المتعّلقة بالصواريخ الفائقة للصوت.
الحرب والسلم
تعتمد كاستليون شعار«السلام من خلال الردع». لكن في الواقع، إن إحراز الولايات المتّحدة تقدّماً ساحقاً في مجال الصواريخ الفائقة للصوت من شأنه أن يخرق السلام النووي الهشّ الذي كان قائماً لما يزيد عن 70 عاماً ويفضي إلى حقبة جديدة تكون لدى واشنطن في خلالها القدرة على استخدام أي أسلحة ترغب بها، في أي مكان في العالم وفي أي وقت، آمنة في معرفة أنها ستكون محصّنة ضدّ أي ردّ نووي من أي بلد آخر.
باختصار، كان الخوف من الانتقام النووي من جانب روسيا أو الصين أحد القوى القليلة التي تخفّف من حدّة العدوان الأميركي في مختلف أنحاء العالم. وإذا ما تجاوزت الولايات المتحدة هذا الخوف، فسوف تتمتع بمطلق الحرية لتحويل بلدان بأكملها، أو حتى مناطق من الكوكب، إلى بخار. وهذا يمنحها بدوره القدرة على إرهاب العالم وفرض أي نظام اقتصادي وسياسي تريده في أي مكان.
إن إحراز الولايات المتّحدة تقدّماً ساحقاً في مجال الصواريخ الفائقة للصوت من شأنه أن يخرق السلام النووي الهشّ الذي كان قائماً لما يزيد عن 70 عاماً
إن كان هذا يبدو خيالياً، فإن «الابتزاز النووي» كان بصورة أو بأخرى سياسة رسمية انتهجتها الإدارات الأميركية المتعاقبة في أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته. وتبقى الولايات المتّحدة البلد الوحيد الذي أسقط قنبلة ذرية بحجة الغضب، وقد فعلت ذلك مرّتين في العام 1945 ضدّ عدو ياباني كان قد هُزم وحاول الاستسلام.
أصدر الرئيس ترومان أمراً بتدمير هيروشيما وناكازاكي كنوع من استعراض القوة، في مواجهة الاتحاد السوفياتي في المقام الأول. وقد رغب الكثير من المسؤولين في الحكومة الأميركية في استخدام القنبلة الذرية ضد الاتحاد السوفياتي. غير أن الرئيس ترومان استبصر على الفور أن الجيش الأحمر سوف يردّ بغزو أوروبا إذا هاجمت الولايات المتّحدة موسكو بالقنبلة النووية.
وبناء عليه، قرّر ترومان الانتظار حتى تمتلك الولايات المتّحدة ما يكفي من الرؤوس الحربية لتدمير الاتحاد السوفياتي وجيشه بالكامل. وقد قدّر مخطّطو الحرب هذا الرقم بنحو 400 رأس حربي. وتحقيقاً لهذه الغاية، أمر الرئيس بزيادة الإنتاج على الفور.
لاقى هذا القرار معارضة شديدة بين المجتمع العلمي الأميركي، ويُعتقد على نطاق واسع أن علماء مشروع مانهاتن، بما في ذلك جيه روبرت أوبنهايمر نفسه، قد سرّبوا أسراراً نووية إلى موسكو في محاولة لتسريع مشروعهم النووي وتطوير رادع لوقف هذا السيناريو المهول.
تمكّن الاتحاد السوفياتي، في النهاية، من تطوير سلاح نووي بنجاح قبل أن تتمكّن الولايات المتّحدة من إنتاج المئات منه. وبالتالي، تخلّت الأخيرة عن فكرة محو الاتحاد السوفياتي من على وجه الأرض. وبالمناسبة، بات من المفهوم الآن أن تأثيرات إسقاط مئات الأسلحة النووية في وقت واحد كانت لتشعل على الأرجح عواصف نارية هائلة في جميع أنحاء روسيا، ما يؤدّي إلى انبعاث ما يكفي من الدخان لخنق الغلاف الجوي للأرض، وحجب أشعة الشمس لعقد من الزمان، وإنهاء الحياة البشرية المنظمة على هذا الكوكب.
مع إغلاق النافذة النووية الروسية بحلول العام 1949، وجّهت الولايات المتّحدة ترسانتها النووية نحو جمهورية الصين الشعبية الناشئة.
غزت الولايات المتحدة الصين في العام 1945، واحتلّت أجزاء منها مدة 4 سنوات إلى أن أجبرتها القوات الشيوعية بقيادة ماو تسي تونغ وحلفائها من القوميين الكومينتانغ على الخروج من البلاد. وفي خلال الحرب الكورية، دعت بعض أقوى الأصوات في واشنطن إلى رمي أسلحة نووية على أكبر 12 مدينة صينية رداً على دخول الصين إلى المعركة. والواقع أن كلاً من ترومان وخليفته دوايت د. أيزنهاور استخدما التهديد بالقنبلة الذرية علناً كتكتيك تفاوضي.
إذا ما تجاوزت الولايات المتحدة هذا الخوف، فسوف تتمتع بمطلق الحرية لتحويل بلدان بأكملها، أو حتى مناطق من الكوكب، إلى بخار. وهذا يمنحها بدوره القدرة على إرهاب العالم وفرض أي نظام اقتصادي وسياسي تريده
بعد هزيمة الكومينتانغ المدعوم من الولايات المتّحدة في البرّ الصيني الرئيس، فرّ أعضاؤه إلى تايوان، وأسّسوا هناك دولة الحزب الواحد. وفي العام 1958، أوشكت الولايات المتحدة أيضاً على إسقاط القنبلة على الصين لحماية نظام حليفتها الجديد في السيطرة على الجزيرة المتنازع عليها، وهو فصل من التاريخ يتردّد صداه مع الصراع الحالي على تايوان.
لكن بحلول العام 1964، كانت الصين قد طوّرت رأسها الحربي النووي الخاص بها، ما أنهى فعلياً ادعاءات الولايات المتّحدة وساعد في إدخال عصر الانفراج في العلاقات بين القوتين، وهي حقبة استمرّت حتى وقت متأخر من القرن الحادي والعشرين.
باختصار، لا يمكن التخفيف من حدّة تصرفات واشنطن في مختلف أنحاء العالم سوى بوجود رادع موثوق به. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تهاجم الولايات المتّحدة سوى بلدان لا تملك دفاعات كافية. والسبب وراء بقاء حكومة كوريا الشمالية في السلطة، وعدم بقاء حكومات ليبيا والعراق وسوريا وغيرها، هو امتلاكها قوة تقليدية ونووية. ومن الممكن أن يؤدي تطوير القبة الحديدية الأميركية إلى زعزعة هذا التوازن الدقيق والدخول في عصر جديد من السطوة العسكرية الأميركية.
قصف اليابان بالقنابل النووية؟ حسناً. قصف المريخ بالقنابل النووية؟ أفضل بكثير!
قلّل ماسك من احتمالات الحرب النووية وعواقبها. ففي بودكاست ليكس فريدمان، وصف احتمالات المواجهة النهائية بأنها «منخفضة للغاية». وفي حديث لماسك مع ترامب العام الماضي، زعم أنّ المحرقة النووية «ليست مخيفة كما يعتقد العامة»، مشيراً إلى أنّ «هيروشيما وناكازاكي تعرّضتا للقصف، لكنهما الآن مدينتان كاملتان مرة أخرى». واتفق الرئيس ترامب معه في ذلك.
وفقاً للحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية، هناك أكثر من 12 ألف رأس نووي في العالم، تمتلك روسيا والولايات المتّحدة الغالبية العظمى منها. وفي حين يعتبرها كثيرون آفة على البشرية ويؤيّدون القضاء عليها بالكامل، يدعو ماسك إلى بناء آلاف أخرى منها وإرسالها إلى الفضاء وإطلاقها على المريخ.
في حديث لماسك مع ترامب العام الماضي، زعم أنّ المحرقة النووية «ليست مخيفة كما يعتقد العامة»، مشيراً إلى أنّ «هيروشيما وناكازاكي تعرّضتا للقصف، لكنهما الآن مدينتان كاملتان مرة أخرى»
تتلخّص خطّة ماسك الدونكيشوتية في تحويل الكوكب الأحمر إلى كوكب صالح للعيش من خلال إطلاق ما لا يقل عن 10 آلاف صاروخ نووي عليه. وسوف تسبّب الحرارة المتولّدة عن القنابل ذوبان القمم الجليدية القطبية، وإطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وتقول النظرية إنّ الاحتباس الحراري السريع الناتج عن ذلك من شأنه أن يرفع درجات حرارة المريخ (وضغط الهواء) إلى الحد الذي يسمح بدعم الحياة البشرية عليه.
لم يؤيد هذه الفكرة سوى قِلّة من العلماء. والواقع أن دميتري روغوزين، رئيس وكالة الفضاء الروسية الحكومية آنذاك، وصف هذه النظرية بأنها عبثية، ولا تعدو كونها غطاءً لملء الفضاء بالأسلحة النووية الأميركية التي تستهدف روسيا والصين ودول أخرى، الأمر الذي أثار غضب واشنطن. وقال «نحن ندرك أنّ هناك أمراً واحداً يختبئ وراء هذه الديماغوجية: هذا غطاء لإطلاق أسلحة نووية إلى الفضاء»، وأضاف «نحن نرى مثل هذه المحاولات، ونعتبرها غير مقبولة، وسوف نعمل على عرقلة ذلك إلى أقصى حدّ مُمكن».
لقد باتت هذه العملية أكثر صعوبة مع تصرّفات إدارة ترامب الأولى، بما في ذلك الانسحاب من الكثير من المعاهدات الدولية لمكافحة الصواريخ الباليستية.
إيلون ماسك والمجمع العسكري الصناعي
حتى دخول ماسك البيت الأبيض في عهد ترامب، كان كثيرون ينظرون إليه باعتباره دخيلاً راديكالياً على صناعة التكنولوجيا. لكن هذا لم يكن الحال بتاتاً. فمنذ بداية حياته المهنية تقريباً، تشكَّل مسار ماسك من خلال علاقته الوثيقة بشكل استثنائي بدولة الأمن القومي الأميركية، لاسيما مع مايك غريفين من وكالة الاستخبارات المركزية.
بين عامي 2002 و2005، تولّى غريفين قيادة شركة In-Q-Tel، وهي جناح المشروع الرأسمالي لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وتكرّس In-Q-Tel جهودها لتحديد ورعاية الشركات التكنولوجية القادرة على تزويد واشنطن بتقنيات متطورة والعمل معها، الأمر الذي يجعلها سبّاقة بين منافسيها.
كان غريفين من أوائل المؤمنين بماسك. ففي شباط/فبراير 2002، رافق ماسك إلى روسيا، حيث حاول الثنائي شراء صواريخ باليستية عابرة للقارات بأسعار مخفضة لبدء تشغيل سبايس إكس. وتحدث غريفين لصالح ماسك في اجتماعات الحكومة، ودعمه باعتباره «هنري فورد» مُحتمل للمجمع التكنولوجي والعسكري الصناعي.
بعد شركة In-Q-Tel، أصبح غريفين كبير الإداريين في وكالة ناسا. وفي العام 2018، عيّنه الرئيس ترامب نائب وزير الدفاع للأبحاث والهندسة. أثناء وجود غريفين في وكالة ناسا، جاء بماسك لحضور اجتماعات وأمّن فرصة كبيرة لسبايس إكس. إذ منحت وكالة ناسا الشركة عقداً لتطوير الصواريخ بقيمة 396 مليون دولار في العام 2006 - وهو «مقامرة» رائعة، على حدّ تعبير غريفين، لاسيّما وأنّ سبايس إكس لم تطلق صاروخاً من قبل. كتبت ناشيونال جيوغرافيك أنّ سبايس إكس «ما كانت لتصل إلى ما هي عليه اليوم من دون وكالة ناسا». وكان غريفين أساسياً في هذا التطوّر. ومع ذلك، بحلول العام 2008، كانت كلّ من سبايس إكس وتيسلا موتورز في وضع يرثى له، إذ لم يتمكّن ماسك من دفع رواتب الموظفين وافترض أنّ كلتا الشركتين سوف تفلسان. في تلك المرحلة، أنقذ عقد غير متوقع بقيمة 1.6 مليار دولار مع وكالة ناسا لخدمات الشحن التجاري سبايس إكس من الإفلاس.
دميتري روغوزين، رئيس وكالة الفضاء الروسية الحكومية آنذاك، وصف هذه النظرية بأنها عبثية، ولا تعدو كونها غطاءً لملء الفضاء بالأسلحة النووية الأميركية التي تستهدف روسيا والصين ودول أخرى
اليوم، لا يزال الثنائي مقرّبين للغاية، إذ يعمل غريفين كمستشار رسمي لكاستليون. ومن الدلائل على مدى قوة هذه العلاقة أنه في العام 2004 أطلق ماسك على ابنه اسم «غريفين» تيمّنناً بمديره في وكالة المخابرات المركزية.
اليوم، أصبحت سبايس إكس شركة عملاقة، إذ تبلغ عائداتها السنوية عشرات المليارات من الدولارات، وتقدّر قيمتها السوقية بنحو 350 مليار دولار. غير أنّ هذه الثروة تأتي في المقام الأول من الطلبات الواردة من واشنطن. والواقع أنّ عدد العملاء الذين يرغبون بالصواريخ قليل للغاية، باستثناء المؤسسة العسكرية أو وكالات التجسّس المختلفة.
في العام 2018، كسبت شركة سبايس إكس عقداً لإطلاق نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) من إنتاج شركة لوكهيد مارتن بقيمة 500 مليون دولار إلى المدار. وفي حين أشاد المتحدثون العسكريون بالفوائد المدنية للإطلاق، كان السبب الرئيس وراء المشروع هو تحسين قدرات الولايات المتحدة في المراقبة والاستهداف. كما كسبت سبايس إكس عقوداً مع القوات الجوية لإيصال قمرها الصناعي إلى المدار، ومع وكالة تطوير الفضاء لإرسال أجهزة التتبع إلى الفضاء، ومع مكتب الاستطلاع الوطني لإطلاق أقمار التجسّس. وتستخدم جميع وكالات المراقبة «الخمس الكبرى»، بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي هذه الأقمار الصناعية.
لذلك، في عالم اليوم، حيث تُجمَع الكثير من المعلومات الاستخباراتية وتحدّد الأهداف عبر تكنولوجيا الأقمار الصناعية، أصبحت سبايس إكس مهمّة للإمبراطورية الأميركية بقدر أهمية بوينغ ورايثيون وجنرال ديناميكس لها. ببساطة، من دون ماسك وسبايس إكس، لم تتمكّن الولايات المتحدة من تنفيذ برامج للتجسّس أو حرب المسيّرات في جميع أنحاء العالم.
القوّة العالمية
يمكننا أن نجد مثالاً على مدى محوريّة ماسك وإمبراطوريته التكنولوجية لاستمرار الطموحات العالمية للولايات المتّحدة في أوكرانيا. إذ يعمل اليوم حوالي 47,000 قمر صناعي من نوع ستارلينك داخل البلاد. وقد ساعدت هذه الأطباق المحمولة التي تصنعها شركة سبايس إكس في إبقاء المدنيين والعسكريين في أوكرانيا متّصلين عبر الإنترنت. واشترت الحكومة الأميركية الكثير منها مباشرة عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أو البنتاغون كما شُحنت إلى كييف.
في حربها التكنولوجية ضد روسيا، أصبحت ستارلينك حجر الزاوية للجيش الأوكراني. فهي تسمح برصد الأهداف عبر الأقمار الصناعية وشنّ هجمات بمسيّرات على القوات الروسية. وواقع الحال أنّ الكثير من الأسلحة في ساحة المعركة اليوم تتطلّب اتصالاً بالإنترنت. وقال أحد المسؤولين الأوكرانيين لصحيفة تايمز اللندنية إنه «لابدّ» له من استخدام ستارلينك لاستهداف قوات العدو عبر التصوير الحراري.
كما شارك رجل الأعمال المثير للجدل في السياسة في أميركا الجنوبية. ففي العام 2019، دعم الإطاحة بالرئيس الاشتراكي إيفو موراليس بدعم من الولايات المتّحدة. ورأى موراليس أنّ ماسك موّل التمرد مطلقاً عليه «انقلاب الليثيوم». وعندما اتُهم ماسك مباشرة بتورطه بالتمرّد في بوليفيا، ردّ بسلبية: «سوف نقوم بانقلاب على من نريد! واجهوا الأمر!» وتعدّ بوليفيا موطناً لأكبر احتياطيات الليثيوم في العالم، وهو معدن بالغ الأهمية في إنتاج البطاريات للسيارات الكهربائية مثل تلك الموجودة في سيارات تيسلا التي ينتجها ماسك.
أصبحت سبايس إكس مهمّة للإمبراطورية الأميركية. ببساطة، من دون ماسك وسبايس إكس، لم تتمكّن الولايات المتحدة من تنفيذ برامج للتجسّس أو حرب المسيّرات في جميع أنحاء العالم
في فنزويلا العام الماضي، ذهب ماسك إلى أبعد من ذلك، إذ دعم المرشّح اليميني المتطرّف المدعوم من الولايات المتحدة ضد الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو. حتى أنه ذهب إلى درجة الإشارة إلى أنه كان يعمل على خطة لاختطاف الرئيس الحالي. وقال: «أنا قادم إليك يا مادورو. سأحملك إلى غوانتنامو على ظهر حمار»، في إشارة إلى مركز التعذيب الأميركي سيء الصيت.
في الآونة الأخيرة، انغمس ماسك في السياسة الأميركية، وموّل حملة الرئيس ترامب الانتخابية وأدارها، وسوف يقود الآن وزارة كفاءة الحكومة الجديدة التي أنشأها ترامب. وتتلخّص مهمة هذه الوزارة المعلنة في خفض الإنفاق الحكومي غير الضروري والمفرط. لكن مع تولي ماسك قيادتها، يبدو من غير المرجح أن يُستغنى عن مليارات الدولارات من العقود العسكرية والحوافز الضريبية التي تلقتها شركاته.
في حفل تنصيب ترامب، تصدّر ماسك عناوين الصحف العالمية بعد أن أدّى تحية النصر مرتين - وهي إشارات شعرت ابنته أنّها نازية على نحو لا لبس فيه. واقتطع ماسك - الذي ينحدر من عائلة مؤيدة للنازية تاريخياً - بعض الوقت من انتقاد ردّ الفعل على تحيّته للظهور في تجمع حاشد لحزب البديل من أجل ألمانيا. هناك، قال إنّ الألمان «يبالغون في تركيزهم على ذنب الماضي» (أي الهولوكوست) وأنّ «علينا تجاوز ذلك.» وأضاف وسط تصفيق حارّ: «ينبغي ألّا يشعر الأطفال بالذنب عن خطايا آبائهم، وحتى أجدادهم».
لقد أثارت تصرّفات ملك التكنولوجيا الأخيرة غضباً بين الكثير من الأميركيين، فقد زعموا أن الفاشيين والنازيين هم أبعد ما يكون عن برامج الفضاء والدفاع الأميركية. ومع ذلك كانت هذه المشاريع، منذ البداية، تحت إشراف علماء ألمان كبار ممّن جُلِب بهم بعد سقوط ألمانيا النازية. إذ نقلت عملية Paperclip أكثر من 1,600 عالم ألماني إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك مبتكر المشروع القمري الأميركي، فيرنر فون براون. الذي كان عضواً في كل من الحزب النازي ومجموعات العمليات شبه العسكرية الخاصة سيئة السمعة، التي أشرف أعضاؤها على معسكرات هتلر للإبادة.
على هذا النحو، سارت النازية والإمبراطورية الأميركية جنباً إلى جنب لفترة طويلة. لكن الأمر الأكثر إزعاجاً من وجود رجل متعاطف مع الفاشية في موقع سلطة في المؤسسة العسكرية الأميركية أو الصناعة الفضائية، هو القدرة التي تسعى الولايات المتّحدة إلى تحقيقها لنفسها على أن تكون محصّنة ضد الهجمات الصاروخية العابرة للقارات من جانب منافسيها.
في الظاهر، قد تبدو خطة القبّة الحديدية التي تتبنّاها واشنطن دفاعية بطبيعتها. لكن في الواقع، من شأنها أن تمنحها حرية التصرف في مهاجمة أي دولة أو كيان في مختلف أنحاء العالم بأي طريقة ترغب فيها - بما في ذلك الأسلحة النووية. وهذا من شأنه أن يزعزع السلام النووي الهشّ الذي ساد منذ الأيام الأولى للحرب الباردة. وحقيقة القول إنّ المساعدة التي يقدّمها إيلون ماسك في هذا المسعى أكثر إثارة للقلق وأكثر خطورة من أي تحيّة أو تعليقات قد يدلي بها على الإطلاق.
نُشِر هذا المقال في MintPress في 10 شباط/فبراير 2025 بموجب رخصة المشاع الإبداعي.