أين يتركّز سكّان لبنان في ظل العدوان؟
دفع العدوان الإسرائيلي على لبنان أكثر من ربع السكّان إلى النزوح قسرياً، من ضمنهم أكثر من 878 ألف نزحوا داخل لبنان نحو مناطق عدّوها أكثر أماناً حتى الآن، ما أدّى إلى زيادة الضغوط على هذه المناطق، التي تعاني أصلاً من قصور في البنية التحتية والخدمات العامّة نتيجة سنوات طويلة من التقشّف الحكومي وتدمير وظائف الدولة.
لا يوجد تقديرات موثوقة عن عدد السكّان في لبنان وتوزّعهم قبل العدوان وفي خلاله، وهذه معضلة قديمة، إلا أن بعض المعلومات الجزئية، التي يتيحها مسح القوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر لعامي 2018 و2019 وتحديثه في العام 2020، تسمح برسم مشهد عام للأماكن التي بات يتركّز فيها معظم السكّان في ظروف قاسية وبغياب أي دعم فعلي من الدولة. تقوم هذه المحاولة على جمع المعلومات عن أعداد المقيمين بحسب الأقضية الإدارية قبل العدوان وفق المسح المذكور مع المعلومات عن أعداد اللاجئين السوريين المُسجّلين لدى المفوضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، وتتبع أعداد النازحين داخلياً وتوزّعهم على الأقضية وفق المعلومات التي تتيحها مصفوفة منظّمة الهجرة الدولية، لذلك لا يجب التعامل مع نتائج هذه المحاولة على أنها دقيقة إحصائياً وإنّما ترسم لوحة أو مشهداً قريباً من الواقع.
يتبيّن من هذه المحاولة أن أكثر من 54% من سكّان لبنان باتوا يعيشون اليوم في 6 أقضية من أصل 26 قضاءً إدارياً، وهي المتن وبعبدا وعكار والشوف وبيروت وعاليه، التي تبلغ مساحاتها مجتمعة نحو 2,078 كيلومتر مربّع، أي ما يشكّل نحو 20% من مساحة لبنان. وترتفع النسبة إلى نحو 76% من عدد السكان عند إضافة التجمعات السكانية الكبيرة الأخرى: صيدا وزحلة وطرابلس وكسروان، التي تبلغ مساحاتها مجتمعة نحو 3,159 كيلومتر مربّع أي ما يوازي 31% من مساحة لبنان.
وتعتبر بيروت وصيدا الآن من المدن الأكثر كثافة سكانياً على الساحل اللبناني، وفي حين أن صيدا تعاني من ضعف كبير ومُزمن في البنية التحتية، فقد تراجعت كفاءة البنية التحتية في بيروت منذ أزمة العام 2019 تأثراً بالتقشّف الكبير الذي تفرضه الحكومة اللبنانية في الإنفاق على الخدمات العامة والأساسية. ولا يختلف الواقع كثيراً فيما يتعلّق بالبنية التحتية للأقضية الأخرى، ولا سيما الأقضية الموجودة في الأطراف التي تعاني من إهمال وضعف مُزمنين في التنمية.
الأقضية الأكثر ضغطاً بأزمة النازحين
وعلى الرغم من تركّز السكّان حالياً في أقضية مُحدّدة، إلا أن الضغوط الناجمة عن أزمة النزوح الأخيرة تختلف بين قضاء وآخر تبعاً لعدد النازحين الذين وفدوا إلى كلّ قضاء كنسبة من عدد سكّانه الأساسيين. والواقع أن الزيادة الأكبر في عدد السكّان بالمقارنة مع ما قبل أزمة النزوح سجّلت في كلّ من الشوف التي زاد عدد سكانه بنسبة 49.3%، يليه قضاء عاليه الذي زاد عدد سكانه بنحو 33.6%، ومن ثمّ مدينة بيروت التي سجّلت زيادة بنسبة 32.6% في عدد سكّانها، ومن ثمّ جبيل (30.8%) وجزين (20.2%). يشار إلى أن هذه الأقضية الخمسة استقبلت نحو 51.6% من مجمل النازحين الداخليين أي ما مجموعه 451,964 نازحاً، وترتفع النسبة إلى 65% من عدد النازحين (569,509 نازحاً) إذا احتسبنا الأقضية العشرة الأولى التي شهدت الزيادة الأكبر في عدد سكانها.
قضاءان شبه فارغين
شهد 14 قضاءً حركة نزوح كثيفة من جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان، إلا أن موجات النزوح الأكثر كثافة سجّلت في 8 أقضية، علماً أن 3 أقضية وهي مرجعيون وبنت جبيل وصور، شهدت الاستنزاف الأكبر في عدد سكانها وباتت شبه فارغة. ويعود ذلك إلى كونها تضمّ القرى الواقعة على الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة والتي تعرّضت لتدمير ممنهج واسع من العدو الإسرائيلي.
في المقابل، وبحسب الأرقام المستقاة من إدارة الإحصاء المركزي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن توزّع السكان بحسب الأقضية، وبيانات منظّمة الهجرة الدولية فيما يتعلّق بحركة النزوح، يقدّر أن تكون محافظة النبطية قد خسرت ما لا يقلّ عن 52% من سكانها الذين نزحوا منها، تليها حاصبيا والهرمل وبعلبك وبعبدا (وتحديداً الضاحية الجنوبية لبيروت) التي شهدت نزفاً ديموغرافياً في عدد المقيمين فيها.