معاينة debt global south

صناديق الأسهم الخاصّة في الجنوب العالمي
جراد أم مصّاصو دماء؟

كانت فعالية صناديق الأسهم الخاصة، ولا تزال، موضوع جدلٍ مستمرّ في دول الشمال العالمي. توجد أدلة وجيهة تسلّط الضوء على الممارسات الاستخراجية المرتبطة بعمليات تلك الصناديق في الدول الغربية. ومن بين الأمثلة تراجع الأسواق التجارية البريطانية، وعدم الاستقرار المالي للمجالس المحلّية في بريطانيا، لا سيما في مجال رعاية الطفل. وبالمثل، ترتبط تلك الصناديق في الولايات المتّحدة بتضييق نظام الرعاية الصحّية الهشّ بالأصل. أما في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، فقد زادت تدهور الرعاية المنزلية، لتزداد معها المخاوف حيال تأثيرها الاجتماعي والاقتصادي.

وصف مايكل روبرتس في مقالة حديثة له على مدوّنته صناديق الأسهم الخاصة بـ«رأس المال المصّاص للدماء»، في تجسيدٍ لنقد شائع يرى هذه الصناديق تعمل وفق نموذج ريعي. ترتبط صناديق الأسهم الخاصة في غالبية الحالات بممارساتٍ منها تجريد الأصول وتسريح العمّال والإفراط في المديونية بما يزيد من أعباء الديون على الشركات التي تستحوذ عليها، ومن دون تقديم أدلة مقنعة على خلق قيمة حقيقية. تتوافق هذه الرؤية مع الانتقادات السابقة الموجّهة لتلك الصناديق. ففي خلال العقد الأول من الألفية، شُبِّهت عمليات هذه الصناديق بـ«أسراب الجراد»، ما يعكس الاستياء الواسع من ممارساتها الاستخراجية وذات التأثيرات الاقتصادية السلبية في غالبية الأحيان.

باختصار، تُبرز هذه التشبيهات الآثار المدمّرة لعمليات صناديق الأسهم الخاصّة، تاركة وراءها «جيفاً وأراضٍ جدباء». بيد أن الأدلة على تدهور المشهد الاجتماعي والاقتصادي في دول الشمال العالمي لم تثنِ هذه الصناديق عن التوسّع دولياً نحو دول الجنوب العالمي. بل على العكس، ظهرت تقارير متتابعة عن استحواذ صناديق الأسهم الأميركية على الأسواق البريطانية بالتزامن مع عولمة صناديق الأسهم الغربية. وفي ما يُسمى بـ«الأسواق الناشئة»، يتجلّى هذا التوسّع بأشكال متنوّعة، من بينها الحماسة لاستخدام «الأموال الأخلاقية» عبر مبادرات التنمية الدولية.

ترتبط صناديق الأسهم الخاصة في غالبية الحالات بممارساتٍ منها تجريد الأصول وتسريح العمّال والإفراط في المديونية بما يزيد من أعباء الديون على الشركات التي تستحوذ عليها

تتناول هذه المقالة دور صناديق الأسهم الخاصة في دول الجنوب العالمي، مع التركيز على ثلاث سمات أساسية: تصاعد مستويات المديونية، وإضعاف الأسواق العامة، ودور إعانات التمويل التنموي الحكومية في تيسير استثمارات صناديق الأسهم الخاصة.

ما هي صناديق الأسهم الخاصة؟

تشير صناديق الأسهم الخاصة إلى فئة من الاستثمارات البديلة تتكوّن من رأس مال غير مدرج أو متداول في البورصات العامة. يأتي رأس مال صناديق الأسهم الخاصة في معظمه من مستثمرين مؤسّسيين وأفراد من أصحاب الثروات العالية القادرين على استثمار مبالغ كبيرة لفترات زمنية طويلة.

تُستخدم استثمارات صناديق الأسهم الخاصة عادةً لتمويل التقنيات الجديدة، أو زيادة رأس المال العامل، أو تنفيذ عمليات الاستحواذ (بما فيها شراء شركات مدرجة في البورصات ثم خصخصتها)، أو تحسين الميزانيات العمومية. يتألف الصندوق النموذجي من شريك عام وعدد من الشركاء المحدودين، وصندوق الأسهم الخاصة. يقدّم الشريك العام الخبرة الإدارية وتخصيص رأس مال المستثمرين، أما دور الشركاء المحدودين فهو تقديم رأس المال الخاص وامتلاكه، ويكون صندوق الأسهم الخاصة الأداة الرئيسة لتنفيذ عمليات الاستحواذ والاستثمارات المختلفة.

كيف يعمل صندوق الأسهم الخاصة

صناديق الأسهم الخاصة في الجنوب العالمي

ظهرت صناديق الأسهم الخاصة في ما يُسمى بـ«الاقتصادات الناشئة»، بقيادة دول من بينها البرازيل والصين والهند، في خلال تسعينيات القرن الماضي بالتزامن مع موجة التحرير الاقتصادي العالمي. وبحلول العام 2011، ارتفع حجم جمع الأموال في هذه الاقتصادات ليصل إلى حوالي 20% من إجمالي الأموال المجموعة عالمياً في قطاع صناديق الأسهم الخاصة، قبل أن يستقر عند نسبة 10% تقريباً (أنظر.ي Lerner et al., 2015). لكن منذ العام 2015، اتسم النمو في هذه الأسواق بالتقلّب، وشهدت صناديق الأسهم الخاصة العالمية تراجعات كبيرة في أعقاب جائحة كورونا.

تأتي معظم التقديرات المتعلقة بحجم صفقات صناديق الأسهم الخاصة ونطاقها وعددها في «الأسواق الناشئة» المتخصّصة من شركات بحثية خاصة. وغالباً ما تكون التحليلات التجريبية وتوقعات الاتجاهات الصادرة عن هذه الشركات مرتبطة بدورة أعمال صناديق الأسهم الخاصة، ما يشكّل تحدّياً أمام الجهود الرامية إلى تحديد الحجم الحقيقي للسوق بسبب الاختلافات في منهجيات البحث. لكن توفر لنا البيانات التجريبية المتاحة رؤى عن اتجاهات أوسع تتجاوز اقتصادات دول الشمال العالمي.

في العام 2023، بلغت قيمة جمع الأموال لصناديق الأسهم الخاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ 100 مليار دولار، بحسب شركة Bain & Company. في المقابل، بلغ إجمالي جمع الأموال لصناديق الأسهم الخاصة في أفريقيا 1.9 مليار دولار، بقيمة إجمالية للصفقات بلغت 5.9 مليار دولار، بحسب تقرير African Private Capital. أما في أميركا اللاتينية، فقد بلغت القيمة الإجمالية لصفقات صناديق الأسهم الخاصة في الربع الثالث من العام 2023 حوالي 6.4 مليار دولار، بحسب Preqin. وفي الشرق الأوسط، وصلت قيمة صفقات صناديق الأسهم الخاصة إلى 11.60 مليار دولار في العام 2023، بحسب بيانات S&P Global.

تتركّز غالبية مستثمري صناديق الأسهم الخاصة في دول الشمال العالمي، وينتمي معظمهم إلى الولايات المتحدة. لكن ظهرت صناديق أسهم خاصة ذات أهمية إقليمية في دول كالهند والبرازيل والصين وكينيا وجنوب أفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، بدأ مستثمرون مؤسسيون في الجنوب العالمي، من بينهم صناديق التقاعد والأفراد من أصحاب الثروات العالية والشركات العائلية، في الاستثمار مباشرة في صناديق الأسهم الخاصة. على مستوى العالم، يتركز معظم مستثمري صناديق الأسهم الخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا. علاوة على ذلك، تشمل الصناديق المحلية والإقليمية في غالبية الأحيان تحالفات تضم مستثمرين من صناديق الأسهم الخاصة في الشمال العالمي.

مع مراجعة الدول اللوائح المالية المحلية لاستيعاب نمو صناديق الأسهم الخاصة وصياغة أطر لتمويل الاستثمارات البديلة والمؤسسات المالية غير المصرفية، فإنّ دور صناديق الأسهم الخاصة في طور التطور. وقد يعيد ذلك تشكيل المؤسسات المالية في هذه المناطق، على غرار التأثير التحويلي الذي شهدته الولايات المتّحدة مع كيانات على شاكلة بنك سيليكون ڨالي. وكما لوحظ في تحليل صناديق الأسهم الخاصة في الهند، فإنّ التشبع المحتمل للأعمال وتحويل الثروة إلى أصول غير مادية في الغرب يقابله نشاط متزايد لصناديق الأسهم الخاصة في دول الجنوب العالمي. وفي حين أوقفت الجائحة الاستثمارات العالمية في صناديق الأسهم الخاصة لفترة مؤقتة، برز اهتمام متجدّد بتمويل الاستثمارات من خلال التمويل التنموي، مدعوماً بزيادة الطلب على صفقات المناخ والطاقة المتجدّدة.

قيمة الأموال المجمّعة من كبرى شركات الأسهم الخاصة العالمية بين عامي 2017 و2023

ديون صناديق الأسهم الخاصة: استغلال الضعف وتعميق التسليع

تقلب صناديق الأسهم الخاصة هيكل رأس المال في الشركات العامة من خلال جعل الديون مسيطرة على حقوق الملكية، وذلك عبر عمليات هندسة مالية. تعيد هذه الصناديق، بإعداد مدروس، تعريف النموذج التقليدي للاستحواذ، وتحوّله إلى أداة مالية ضمن محفظة استثمارية أوسع. والهدف النهائي تحقيق عوائد من الملكية لصالح الصندوق. تؤدّي الديون، أو المديونية، دوراً محورياً في هذا النموذج، ما يؤثّر مباشرة في استقرار الشركات المُستحوذ عليها. ولما كان الميل الهيكلي للشركاء العامين إلى الاعتماد على كميات كبيرة من الديون، تزداد بالتبعية مخاطر تعرّض الشركات المُستحوذ عليها لأزمات مالية. وفي حين قد تكون تلك الأزمات نتيجة قصوى، تظل على أي حال احتمالاً متوقّعاً ضمن إطار عمل صناديق الأسهم الخاصة. تُقلّل المديونية من المرونة التشغيلية وتزيد من تعرّض الشركات المُستحوذ عليها لعوامل خارجية سلبية.

في دول الجنوب العالمي، تواجه استثمارات صناديق الأسهم الخاصة تحدّيات إضافية بسبب الآثار المركّبة للتخلّف الهيكلي وندرة الاحتياطيات النقدية وضعف الوصول إلى التمويل الدولي واختلاف أنظمة التشغيل والحوكمة. تزيد هذه العوامل من هشاشة الشركات المُستحوذ عليها أمام أعباء الديون. لكن لم تثنِ هذه التحدّيات مستثمري صناديق الأسهم الخاصة. وكما توضح دراسة Morgan and Nasir (2020)، ليست إخفاقات صناديق الأسهم الخاصة نتيجة أخطاء في تحديد الشركات المتعثرة أو استثمارات خاطئة، بل لأنّها تستهدف عمداً شركات ذات هشاشة متأصلة، ما يجعلها عرضة للاستحواذ والتورط في الديون. وتتفاقم هذه الديناميات الاستخراجية بسبب النزعات الاحتكارية لعمليات صناديق الأسهم الخاصة، كما في حالة قطاع الرعاية الصحية الأميركي. وفي دراسة أنثروبولوجية عن صناديق الأسهم الخاصة، يصف ديفيد سوليليس دور الأمولة في هذه الصناديق بأنّه «تحويل المؤسسات الإنتاجية إلى أرقام ومفاهيم مالية مجرّدة».

ليست إخفاقات صناديق الأسهم الخاصة نتيجة أخطاء في تحديد الشركات المتعثرة أو استثمارات خاطئة، بل لأنّها تستهدف عمداً شركات ذات هشاشة متأصلة، ما يجعلها عرضة للاستحواذ والتورط في الديون

تتجاوز قدرة صناديق الأسهم الخاصة على استغلال نقاط الضعف قدرة الشركات التجارية الساعية للحصول على سيولة سريعة. في دول الجنوب العالمي، كانت خصخصة الخدمات العامة عملية تدرجية ومستمرة. على عكس الفكرة الشائعة عن تزايد الخصخصة بعد موجة التحرير الاقتصادي في أوائل ومنتصف العقد الأول من الألفية، شهدت تلك الفترة مزيجاً من الخصخصة الجزئية وإعادة التأميم المتقطعة في فترات الأزمات. وتظل قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والخدمات المالية — المدفوعة في الغالب من خلال تركيز البنك الدولي على الشمول المالي — أهدافاً رئيسة لاستثمارات صناديق الأسهم الخاصة في تلك الدول.

في هذا السياق، تمتدّ نقاط الضعف التي تستغلها صناديق الأسهم الخاصة إلى السيطرة على تأمين الاحتياجات العامة الأساسية. ومن خلال استهداف الخدمات الحيوية الضرورية لرفاهية المواطنين، تستغلّ استثمارات صناديق الأسهم الخاصة نقاط الضعف البنيوية في الأنظمة العامة لهذه القطاعات، لتحوّل الاحتياجات الأساسية إلى مصادر للأرباح وتعمّق اعتماد هذه الخدمات على رأس المال الخاص.

إضعاف الأسواق العامة

يعتمد توسع الاستثمار الخاص، بما في ذلك في دول الشمال العالمي، بشكل كبير على البنية التحتية المؤسسية للأسواق العامة. تعتمد صناديق الأسهم الخاصة على الأسواق العامة للتخارج، وغالباً ما تستخدم الأسهم القابلة للتداول كعملة للاستحواذ. هذه الممارسة تقوّض الهدف الأصلي للأسواق العامة، وهو توليد رأس مال جديد للاستثمار المحلي. وتتفاقم هذه المشكلة في دول الجنوب العالمي، حيث تفاقم الأسواق المالية غير المتطوّرة التحدّيات القائمة. كما تسفر محدودية التمويل المخصّص لتكوين رأس مال منتج في القطاع الخاص المحلّي عن تقييد فرص إعادة الاستثمار طويلة الأجل وإعاقة إمكانية تطبيق سياسات صناعية فعّالة. نتيجة لذلك، يعزّز تزايد تنقيد الأرباح عبر الأسواق العامة إعادة توجيه هذه الأسواق نحو الخصخصة.

فضلاً عن ذلك، غالباً ما يستفيد مستثمرو صناديق الأسهم الخاصة على حساب المستثمرين العامين والمشاركين في القطاع الخاص المحلّي. تميل الفروق في التقييم بين الشركات العامة والخاصة إلى تفضيل الأخيرة، ما يمكّن المستثمرين الخاصين من الهيمنة على أسواق الاكتتاب العام. وقد أصبح هذا الاتجاه أوضح في فترة ما بعد جائحة كورونا التي تميزت بأداء ضعيف للاكتتابات العامة في مناطق عدّة.

لكن في آسيا تجاوز مستثمرو صناديق الأسهم الخاصة تحدّيات الاكتتاب العام من خلال إنشاء «الصناديق الاستمرارية» كبديل للاكتتاب العام التقليدي. تسمح هذه الصناديق للمستثمرين ببيع استثماراتهم مباشرة إلى الصندوق، متجاوزين بذلك آليّات الأسواق العامة التقليدية. لم تنل الآثار القانونية والحوكمية والتنظيمية لبيع الصناديق التي يجمعها المستثمرون أنفسهم وتحديد التسعير في هذه المعاملات العناية البحثية الكافية بعد. تؤكد هذه الممارسة قدرة شركات صناديق الأسهم الخاصة على هندسة تخارج مربح مع تجنّب الخسائر وتجاوز الحاجة إلى إظهار عوائد عامة ملموسة. وتجدر الإشارة إلى أن الصين تُعد استثناءً بارزاً، حيث منعت الأنظمة العامة الصارمة المتعلقة بالاكتتاب العام مسارات كهذه تقودها صناديق الأسهم الخاصة.

التمويل التنموي لغرض الإنقاذ؟ مَن يدفع الثمن؟

منذ الأزمة المالية في العام 2008، تعمّقت التكاملات القائمة على التمويل بين الدول المتقدّمة والنامية، ودفعت المستثمرين المؤسّسيين من الشمال العالمي، والبنوك التنموية متعدّدة الأطراف، والمؤسّسات المالية الدولية إلى السعي لتنفيذ استثمارات صناديق الأسهم الخاصة في الدول النامية. أصبح التمويل التنموي متعدّد الأطراف والثنائي الأطراف يُوجّه بازدياد عبر صناديق الأسهم الخاصة لتمويل استثمارات تنموية. تشمل مؤسّسات التمويل التنموي البارزة التي تستثمر مباشرة في الشركات: مجموعة سي دي سي، ومؤسّسة التمويل الدولية، وبروباركو، وسويدفاند، ودي إي جي، وأف أم أو، ونورفاند. تتميّز هذه الجهود بتركيز متزايد على الصناديق المرتبطة بالمناخ، وبنية الطاقة المتجدّدة التحتية، وتقييمات الحوكمة البيئية والاجتماعية، بالإضافة إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والأعمال المحلية، وهي جهود تشكّل ملامح نشاط صناديق الأسهم الخاصة في دول الجنوب العالمي الكبرى.

تستغلّ استثمارات صناديق الأسهم الخاصة نقاط الضعف البنيوية في الأنظمة العامة لهذه القطاعات، لتحوّل الاحتياجات الأساسية إلى مصادر للأرباح وتعمّق اعتماد هذه الخدمات على رأس المال الخاص

لكن الدعوة إلى نموذج محسّن و«خاضع للوائح صارمة» لصناديق الأسهم الخاصة في دول الجنوب العالمي من خلال إطار التمويل التنموي لا تستند إلى أساس قوي، نظراً للممارسات الاستخراجية المعروفة على نطاق واسع. ومن الأمثلة البارزة على ذلك صندوق مجموعة أبراج، صاحب الحضور البارز في آسيا والشرق الأوسط، والرائد في تسويق قطاع الرعاية الصحية من خلال صندوقه «غروث ماركتس هيلث فاند». استهدف هذا الصندوق جمع مليار دولار لاستثمارها في شركات مرتبطة بالصحة، وحصل على دعم من مؤسسات كبرى منها مؤسسة التمويل الدولية ومؤسسة الاستثمار الخاص الخارجي وبروباركو وسي دي سي والبنك الأفريقي للتنمية ومؤسسة بيل وميليندا غيتس.

يرى البعض الانهيار الفضائحي لمجموعة أبراج استثناءً، في حين يراه آخرون مثالاً ساطعاً على الفساد والاستغلال غير المشروع. لكن ممارسات أبراج لا تختلف في جوهرها عن ممارسات نظيرتها الغربية. بالمقابل، فإنّ الإجراءات القانونية المطولة التي أسفرت عن سقوط أبراج لم تُطبَّق بالقوة نفسها على صناديق أخرى تمارس أنشطة مماثلة لما تمارسه أبراج. وبعيداً عن حالة مجموعة أبراج، يصوّر البعض عن خطأ الدور الأوسع لصناديق الأسهم الخاصة في التمويل التنموي على أنّه «رأس مال صبور»، لكنه لا يُظهر صبراً ولا قدرة على خلق قيمة ملموسة. والأهم من ذلك، أن هذه الصناديق لم تُسهم بشكل فعّال في تحقيق تحوّل هيكلي حقيقي في اقتصادات دول الجنوب العالمي.

لم تكرار النماذج الفاشلة في الجنوب العالمي؟

تُعد صناديق الأسهم الخاصة، بوصفها أحد تجليات الأسواق الخاصة في دول الجنوب العالمي، آلية تسهل وتطبع السعي وراء العوائد قصيرة الأجل. أظهرت أبحاث كثيرة من دول الشمال العالمي دور هذه الصناديق في تفكيك وتقسيم أسواق العمل، وتفاقم حالة عدم الاستقرار في شبكات الإنتاج الخارجية، وإفراغ الأسواق من محتواها. تشير هذه الديناميات إلى ضرورة فحص دور صناديق الأسهم الخاصة في اقتصادات الجنوب العالمي من خلال عدسة مالية نقدية. وتأثير هذه الصناديق في اقتصادات الجنوب العالمي التي تهيمن عليها القطاعات غير الرسمية وتجمع بين شركات مدرجة وغير مدرجة متنوعة، بالإضافة إلى تعدد التكتلات الاقتصادية وتغير الأسواق المالية السريع، يتطلب الانتباه إلى ديناميات الإخضاع لرأس المال الاحتكاري من الشمال العالمي.

لا تقتصر صناديق الأسهم الخاصة على مجرد حلولها محل الدور التقليدي للتمويل بصفته خدمة، بل تستغل محدودية شركات الجنوب العالمي في الوصول إلى التمويل. تتيح هذه الهشاشة الهيكلية لصناديق الأسهم الخاصة ترسيخ نفسها كقوة مالية مهيمنة، غالباً على حساب الاستقرار الاقتصادي والتنمية طويلة الأجل. وفي حين تُقدّم الصين مثالاً كاشفاً لكيفية قيام التدخل الحكومي الصارم بتنظيم نشاط صناديق الأسهم الخاصة والتحكم فيه، فإن هذا النهج يعالج الأعراض وحدها ولا يطال القضايا الجذرية. حتى في ظل التنظيم الصارم، تظل قدرة صناديق الأسهم الخاصة على تقديم قيمة مضافة حقيقية محل شك. علاوة على ذلك، فإنّ التناقضات الكامنة في صناديق الأسهم الخاصة، من قبيل اعتمادها على الاستدانة، واستخراج القيمة بدلاً من خلقها، وتفضيل عوائد المستثمرين على التحول الهيكلي، تُسلط الضوء على قيود المقاربات الإصلاحية. يتطلب إعادة تقييم أعمق للأهداف الهيكلية لصناديق الأسهم الخاصة فحص آثارها الاجتماعية والاقتصادية طويلة الأجل، ومساهمتها (أو عدمها) في تكوين رأس المال المحلي، وتأثيرها في العمالة والخدمات العامة.

نُشِر هذا المقال في International Development Economics Associates في 7 كانون الثاني/يناير 2025، وتُرجِم إلى العربية ونشِر في موقع «صفر» بموافقة من الجهة الناشرة. 

علاء بريك هنيدي

مترجم، حاصل على ماجستير في المحاسبة، وشارك في تأسيس صحيفة المتلمِّس. صدر له ترجمة كتاب ديفيد هارفي «مدخل إلى رأس المال» عن دار فواصل السورية، وكتاب جوزيف ضاهر «الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني» عن دار صفصافة المصرية، وكتاب بيتر درَكر «الابتكار وريادك الأعمال» عن دار رف السعودية، وكانت أولى ترجماته مجموعة مقالات لفلاديمير لينين عن ليف تولستوي صدرت ضمن كراس عن دار أروقة اليمنية. كما نشر ترجمات عدّة مع مواقع صحافية عربية منها مدى مصر، وإضاءات، وذات مصر، وأوان ميديا.