معاينة mexico USA wall

كيف تراكم شركات أميركية الأرباح من مراقبة العمالة المهاجرة وسجنها وطردها؟
أرباح الخوف

«لم يروا شيئاً بعد. انتظروا حتى العام 2025». هذا ما قاله توم هومان، الذي عيّنه دونالد ترامب مؤخّراً «قيصراً للحدود»، في «مؤتمر المحافظين الوطنيين» في تموز/يوليو الماضي. كما أعلن هومان أنه إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فسوف يدير «أكبر قوّة ترحيل شهدتها هذه البلاد على الإطلاق».

قبل بضعة أشهر، أوضح ستيفن ميلر، نائب رئيس موظّفي ترامب القادم وكبير المحرّضين المناهضين للهجرة، رؤيته المظلمة لـ «أكثر حملة قمع للهجرة مَشهَديّة»: تجنيد مجموعة كاملة من السلطات الفيدرالية لحملة ترحيل جماعي من شأنها أن تغمر محامي حقوق المهاجرين وأي جهود لحماية العمّال غير المسجّلين من المراقبة والسجن والطرد.

والآن، أصبحت التهديدات ضدّ المسؤولين البلديين أو الحكوميين الراغبين في تمديد «المُلْتَجأ» أكثر وضوحاً، كما حَدَث عندما تعهّد هومان مؤخّراً بمقاضاة عمدة شيكاغو براندون جونسون إذا استمر في «إيواء وإخفاء» طالبي اللجوء.

إن خطط ترامب للترحيل الجماعي مثيرة للقلق ولكنها أيضاً تلخيص واع، وإن كان مشحوناً، لتاريخ طويل من العنصرية الأميركية الدولتية ضدّ المهاجرين، فضلاً عن كونها نتاجاً لنظام مُربِح للغاية للاحتجاز والمراقبة مدعوم من الإدارات المتعاقبة لكلا الحزبين الرئيسين.

إن خطط ترامب للترحيل الجماعي مثيرة للقلق ولكنها أيضاً تلخيص واع، وإن كان مشحوناً، لتاريخ طويل من العنصرية الأميركية الدولتية ضدّ المهاجرين، فضلاً عن كونها نتاجاً لنظام مُربِح للغاية للاحتجاز والمراقبة

وفي حال اتّخذت الحملة الشكل «المَشهَدي» الذي يسعى إليه ميلر، فإنها ستؤتي ثمارها بطرق متعدّدة: تمكين السجون الخاصة وغيرها من شركات السجون، التي سوف تُسخّر لإدارة حملة القمع القادمة، من الحصول على مزيد من الأرباح، والسماح لترامب بالاستفادة سياسياً من الادعاء بأن المهاجرين هم الجُناة الرئيسون في «المذبحة الأميركية». وحقيقة أن هذه الاستراتيجية لا تعرف حدوداً أخلاقية أو واقعية كانت واضحة في استجابة حركة «لنجعل أميركا عظيمة مُجدّداً» للعنف الذي حصل مؤخّراً في نيو أورلينز ولاس فيغاس - حيث أعلنت الحركة قائلة «نحن بحاجة إلى تأمين تلك الحدود» حتى مع معرفة أن الهجومين ارتكبهما مواطنون أميركيون من مواليد الولايات المتحدة ولديهم خلفيات عسكرية مُمتدَّة.

ومن أجل تَحدِّي جعل المهاجرين كبش فداءٍ بشكل عنيف ينبغي التعبئة ضد ادعاء إدارة ترامب بأنها بطلة «العامل الأميركي».

150 عاماً من الحروب القانونية ضد المهاجرين

يبدو الخطاب الذي يُحيط بالسياسة الرئيسة لحركة «لنجعل أميركا عظيمة مُجدّداً» وكأنه تجميع لأكثر شعارات الحرب القانونية القومية ضد المهاجرين ذيوعاً منذ 150 عاماً. وتُذكّرنا تبجّحات ترامب العنصرية ضد مُخدّر «الفنتانيل» الصيني الآتي عبر الحدود بكيف كان العمّال الصينيون الهدف الأول لقوانين الهجرة الأميركية القمعية والعنصرية، بدءاً من «قانون بايج» لعام 1875، وكذلك حركة العمالة القومية التي قاتلت للحفاظ على العمالة بيضاء.

لكن هذه ليست سوى البداية. ففي العام 2015، استشهد ترامب بحملة الترحيل سيئة السمعة التي قادها دوايت أيزنهاور في العام 1954، والتي أُطلق عليها «عملية ويتباك»، كنموذج من المحتمل أن تتبعه إدارته. والأكاذيب التي روّج لها ترامب ونائبه جيه دي فانس هذا الخريف بشأن المهاجرين الهايتيين في مدينة سبرينغفيلد بولاية أوهايو، تعكس مدى جوهرية العنصرية المناهضة للسود واللاتينيين - منذ الهجرة الجماعية للكوبيين والهايتيين من ميناء مارييل في العام 1980 - في تأطير الهجرة باعتبارها أزمة أمن قومي. ويُذكِّرنا وعد برنامج الجمهوريين لعام 2024 بـ«ترحيل الراديكاليين المؤيدين لحماس» عن الأحرام الجامعية بمدى تكرار ربط السياسات المناهضة للهجرة بالذعر السياسي بشأن المخرّبين الأجانب، من «قانون ماكاران والتر» لعام 1952، الذي صنّف الشيوعيين والفوضويين باعتبارهم «أجانب قابلين للترحيل»، وصولاً إلى «قانون الأعداء الأجانب» لعام 1798، والذي استُخدم لتبرير الاحتجاز الجماعي للأميركيين اليابانيين في خلال الحرب العالمية الثانية. والآن يستشهد به ترامب وأصدقاؤه كوسيلة للالتفاف على العقبات القانونية التي تحول دون مُلاحقة الملايين من المهاجرين غير المسجلين. والكونغرس حالياً هو على استعداد لإقرار «قانون لاكين رايلي» بدعم ديمقراطي كبير، ما يزيد من توسيع الاحتجاز الإلزامي، بما في ذلك للمهاجرين المسجلين، تحت ذريعة موجة غير موجودة من «جرائم المهاجرين».

إذا كانت أيديولوجيا حركة «لنجعل أميركا عظيمة مُجدَّداً» المعادية للأجانب لم تأتِ بشيء مُبتكر يُذكر خلافاً لم نقلته عن سالفاتها - وإن كانت تميّزت في المقام الأول بفظاظتها الخالصة - فإن جهودها لتحويل العنصرية القومية إلى منصّة سياسية أساسية تجد أيضاً سوابق في التاريخ الحديث لقانون الهجرة وإنفاذه.

كانت إدارة بيل كلينتون، خصوصاً دعمه لمشاريع قوانين مثل «قانون إصلاح الهجرة غير الشرعية ومسؤولية المهاجرين» الذي جرّم الهجرة، لحظة فاصلة في تاريخ «آلة الترحيل» في الولايات المتحدة. وكما حاجج سيلكي شاه، المدير التنفيذي لـ«شبكة مراقبة الاحتجاز»، فإن التحوّل العقابي في خلال سنوات كلينتون سهّل دمج إنفاذ قوانين الهجرة والمجمع الصناعي للسجون في مشهد سِجني واحد.

الأكاذيب التي روّج لها ترامب ونائبه جيه دي فانس بشأن المهاجرين الهايتيين في مدينة سبرينغفيلد بولاية أوهايو، تعكس مدى جوهرية العنصرية المناهضة للسود واللاتينيين  في تأطير الهجرة باعتبارها أزمة أمن قومي

في العام 2014، أثناء رئاسة باراك أوباما - الملقب بـ«رئيس المُرحّلين» قبل فترة طويلة من تولي ترامب منصبه - بدأ توم هومان، الذي كان آنذاك شخصية بارزة في «هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية»، في الترويج للمرة الأولى لفكرة استخدام «الفصل الأُسري» لردع الهجرة. وفي حين تردَّد أوباما في تنفيذ الفكرة، فإنه مع ذلك كرّم هومان بـ«جائزة الرتبة الرئاسية» في العام التالي. وكما يشير شاه، فإن عمل إدارة أوباما على ربط نظام الاحتجاز/الترحيل بإنفاذ القانون «وسّع وأنشأ آلية قوية» استغلها ترامب في وقت لاحق.

ربحٌ خاص وبروباغندا عامة

تُعَد الخصخصة من بين الأبعاد المهمة لهذه الأنظمة المتشابكة. تحت غطاء «الإصلاحات» الإحسانية، أشرفت إدارة أوباما على زيادة الملاحقة القضائية الفيدرالية لجرائم الهجرة مثل العودة غير القانونية والاستخدام المتزايد للسجون الخاصة و«بدائل الاحتجاز» الشركاتية، ومن ضمنها أشكال مختلفة من المراقبة و«السجن الإلكتروني».

ومن جانبها، وحتى أيامها الأخيرة، مَدّدت إدارة بايدن عقوداً مُربِحة مع الشركات التي تدير المرافق الخاصة التي تؤوي غالبية المهاجرين غير المسجّلين المحتجزين - وقد كان أكثر من 90% من المحتجزين لدى «دائرة الهجرة والجمارك» في مراكز احتجاز خاصة اعتباراً من تموز/يوليو 2023، على الرغم من وجود حالات موثَّقة من «الإهمال الطبي، والوفاة التي يمكن الوقاية منها، والاستخدام العقابي للحبس الانفرادي، والافتقار إلى الإجراءات القانونية الواجبة، والمعاملة التمييزية والعنصرية»، كما ذكرت «الغارديان». حتى مراكز الاحتجاز التي طالب مكتب المفتش العام التابع لوزارة الأمن الداخلي صراحة بإغلاقها لا تزال مفتوحة.

واحتجت جماعات حقوقية على الوحشية التي نتجت عن اعتماد إدارة بايدن على صناعة الاحتجاز التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، والتي تقودها شركات مثل «مجموعة جي إي أوه» (المعروفة سابقًا باسم «واكنهوت») و«كورسيفيك» (المعروفة سابقاً باسم «مؤسّسة الإصلاحيات الأميركية»). وفي الوقت نفسه، وكما ذكرت «ذي ليفير»، قامت شركات الأسهم الخاصة باستثمارات كبيرة في المرافق الفيدرالية لاحتجاز المهاجرين، «ما يعني أن مصالح وول ستريت الغامضة وغير المسؤولة والربحية من المقرر أن تجني مئات الملايين من الدولارات من احتجاز ومراقبة المهاجرين في البلاد».

والآن، تتوقع صناعة السجون الخاصة، التي شهدت بالفعل ارتفاع أسهمها بسبب أنباء فوز ترامب الانتخابي، مكاسب غير متوقعة في ظل إدارته الثانية. وكما أعلن الرئيس التنفيذي لـ«مجموعة جي إي أوه» في مكالمة عن أرباح ما بعد الانتخابات: «نتوقع أن تتبنى إدارة ترامب القادمة مقاربة أكثر عدوانية فيما يتعلق بأمن الحدود وكذلك إنفاذ القانون الداخلي، وأن تطلب تمويلاً إضافياً من الكونغرس لتحقيق هذه الأهداف». وتترجم هذه العدوانية المتزايدة ضد المهاجرين بشكل مباشر إلى زيادة في إيرادات «مجموعة جي إي أوه» وأمثالها.

مصالح وول ستريت الغامضة وغير المسؤولة والربحية من المقرر أن تجني مئات الملايين من الدولارات من احتجاز ومراقبة المهاجرين في البلاد

لكن الربح الذي يمكن تحقيقه من العقوبات المُعرقَنة بحق المهاجرين غير المسجّلين لا يتوقف عند الاحتجاز والترحيل، بل يشمل أيضاً وإلى حد كبير المراقبة الإلكترونية للمهاجرين. يشمل «برنامج المراقبة المكثفة» التابع لـ«دائرة الهجرة والجمارك» أجهزة المراقبة المربوطة بالكاحل و«ساعات» المراقبة وتطبيقات التعرف إلى الوجه للهواتف الذكية - وكلها، إلى جانب استخراج البيانات، موضوع عقود مربحة مع الحكومة. لكن في ظل بعض الشكوك بشأن قدرة إدارة ترامب على تنفيذ كل خططها القاسية - حيث يشير إيفان بنز، وهو محام لدى «مركز أميكا لحقوق المهاجرين»، إلى أنه «لا توجد طريقة فعالة من حيث التكلفة أو طريقة عملية لدائرة الهجرة والجمارك لاحتجاز والتخلص من أكثر من ثلاثة ملايين مهاجر مدرجين في قائمة غير المحتجزين، على الرغم مما قد يحلم به ترامب وأتباعه الفاشيون للعام المقبل» - حتى فشل حملة الترحيل الجماعي من شأنه أن يثبت أنه مربح لمصالح السجون الخاصة، على الرغم من نشره البؤس والرعب بين المهاجرين.

اقتصادُ خوف

إن النظر إلى آلية الاحتجاز والترحيل التي يسرّع دورانها ترامب وحكومته من المتعصّبين الأثرياء يشبه إلى حد كبير النظر إلى اقتصاد سياسي كامل من الخوف والعقاب يولِّد ربحاً خاصاً من وقود البروباغندا الديماغوجية، ويدفع الأجور النفسية للنزعة القومية في حين يملأ خزائن الشركات.

بالنسبة إلى العمّال المهاجرين، كان الخوف دائماً مُحدّداً اقتصادياً: إجبارهم على العمل في وظائف ذات أجور أقل، وإعاقة تشكيلهم للنقابات، وتسليط أصحاب عمل مُستبدِّين عليهم. وكما يوضِّح الباحث الناقد في الهجرة نيكولاس دي جينوفا، فإن الوظيفة الأساسية للترحيل في الاقتصادات الرأسمالية التي تعتمد على العمّال المهاجرين وغير المسجّلين ليست طرد هؤلاء العمال في الواقع، بل إخضاعهم، وجعل عملهم رخيصاً وقابلاً للسيطرة بسبب إمكانية ترحيلهم.

وقد دعا هومان نفسه إلى توسيع التأشيرات المؤقتة للعمال الموسميين لتشمل العمّال المهاجرين على مدار العام في صناعة الألبان، والتي تعتمد بشكل كبير على العمّال غير المسجّلين لدرجة أن غيابهم من شأنه أن يُضاعف سعر الحليب. عندما لا يتم التعامل مع العمّال غير المسجّلين باعتبارهم تهديداً للأمن القومي، يُقَلَّصوا إلى عوامل إنتاج أقل أهمية من الحيوانات التي يرعونها والسلع التي ينتجونها.

بالنسبة إلى العمّال المهاجرين، كان الخوف دائماً مُحدّداً اقتصادياً: إجبارهم على العمل في وظائف ذات أجور أقل، وإعاقة تشكيلهم للنقابات، وتسليط أصحاب عمل مُستبدِّين عليهم

ومن الواضح أن الهدف الأساسي لخطط ترامب للترحيل الجماعي ليس «جرائم المهاجرين» بل ذلك الجزء الضخم من الطبقة العاملة في الولايات المتحدة المؤلفة من العمال غير المسجلين وكل أولئك الذين يقعون تحت الظلال المريعة للترحيل - لا سيما الطلاب الناشطين الذين يحشدون ضد الإبادة الجماعية. وهذا يجعل الدفاع عن حياة المهاجرين ليس مجرد أولوية لأي حركة عدالة اجتماعية، بل صراعاً سياسياً وعملياً أيضاً. ولكي يكتسب هذا الصراع زخماً، سيكون من الضروري كسر المساواة الرجعية للطبقة العاملة بالبياض والمواطنة التي تستمر منذ أواخر القرن التاسع عشر.

في العام 2018، تظاهر الآلاف ضد برنامج الفصل الأُسري التابع لـ«دائرة الهجرة والجمارك» - بما في ذلك ساسة ديمقراطيون مثل كامالا هاريس التي تحولت في وقت لاحق إلى تبني رسالة «صارمة بشأن الهجرة». وفي تطور واعد، أعلنت ليز شولر، رئيسة «الاتحاد الأميركي للعمال ومؤتمر المنظمات الصناعية»، هذا الأسبوع، أن مقاومة مداهمات أماكن العمل والترحيل الجماعي تُشكل «أولوية قصوى» للحركة العمالية. وسوف يتطلب التصدي لهجوم ترامب على المهاجرين حركة - يكون العمال المهاجرون في مركزها - تتجاوز الاهتمام الإنساني وتتولَّى المهمة المحظورة ولكن الضرورية المتمثلة في تفكيك آلة الترحيل.

نُشِر هذا المقال في «إن ذييس تايمز» في 12 كانون الثاني/يناير 2025، وتُرجِم إلى العربية ونُشِر في موقع «صفر» بموافقة مسبقة من الكاتب.