Preview الإبادة الجماعية

أسطورة الصمود في حرب الإبادة

تتواصل حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تشنّها دولة الاحتلال على قطاع غزّة. في كلّ لحظة، يرتفع عدد الشهداء والجرحى والنازحين، ويتّسع الدمار ليمحو أحياء سكنية كاملة، ويشتدّ الحصار المُطبق ليهدّد السكّان الصامدين بالمجاعة والعطش والأمراض والتشرّد… تحصل كلّ هذه الجرائم ضدّ الإنسانية بشراكة كاملة مع الدول الغربية، ليس فقط كمحرّضة ومموّلة للمحرقة الفلسطينية، بل هي شراكة كاملة ومباشرة في القتل والتدمير والحصار والتعطيش والتجويع وخطط الترحيل.

الحصار

 3.6% فقط مما كان يدخل إلى قطاع غزّة قبل الحرب

الإبادة الجماعية

لا تزال الضغوط على دولة الاحتلال لفكّ الحصار عن قطاع غزّة خجولة، ولا تتناسب مع حجم الكارثة الإنسانية بأي مقياس. فعدد الشاحنات المحمّلة بالمساعدات التي سُمح لها بالدخول عبر معبر رفح على الحدود مع مصر لم يتجاوز 54 شاحنة في الأيام الثلاثة الماضية، وهذا العدد لا يمثل سوى 3.6% فقط من عدد الشاحنات التي كانت تدخل إلى القطاع في ظل الحصار قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

وبموجب الاتفاق الذي فرضته دولة الاحتلال، يتمّ توجيه الشاحنات أولاً إلى معبر نيتسانا (حوالي 40 كيلومتراً جنوب رفح) لإجراء فحصاً أمنياً من سلطات الاحتلال قبل السماح لها بالعبور من معبر رفح، والواضح أن دولة الاحتلال لا تريد أن تؤمّن هذه المساعدات أي عون فعلي لسكّان قطاع غزّة يعينهم على الصمود والمقاومة.

ترفض دولة الاحتلال حتى الآن السماح بدخول الوقود، ما يهدّد بتفاقم أزمة المياه والغذاء وتوقّف المستشفيات والمراكز الصحّية وسيارات الإسعاف عن العمل، في ظل انقطاع الكهرباء التام.

منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أطبقت دولة الاحتلال حصارها البري والبحري والجوي على قطاع غزّة، وطيلة الأسبوعين الأولين من حربها الهمجية منعت دخول أي مساعدات إنسانية إلى سكّان القطاع، وقطعت عنهم كل إمدادات الغذاء والدواء والمياه والكهرباء والوقود في محاولة لكسر صمودهم ومقاومتهم.

هذا الحصار لم يبدأ مع عملية طوفان الاقصى، بل هو حصار مديد ومستمر منذ العام 2007 (16 سنة)، وله جذور في سياسات الإغلاق المعتمدة من دولة الاحتلال منذ العام 1993، في إطار سياسات العقاب الجماعي. ووفق وثيقة، أجبرت المحكمة الإسرائيلية العليا الحكومة على الكشف عنها، وهي بعنوان «استهلاك الغذاء في قطاع غزة - الخطوط الحمراء»، يظهر أن دولة الاحتلال عمدت إلى تحديد الحدّ الأقصى من الغذاء المسموح دخوله إلى القطاع، بمعدّل لا يتجاوز 2,279 وحدة حرارية للفرد.

القتل

62% من الشهداء أطفالاً ونساء

الإبادة الجماعية

في 17 يوماً من حرب الإبادة الجماعية على غزّة، قتلت دولة الاحتلال أكثر من 5,087 فلسطينياً، من بينهم ما لا يقل عن 2,055 طفلاً (40.4%)، و1,119 امرأة (22%). وأصيب نحو 15,273 فلسطينياً آخرين بجروح. ووفقاً لوزارة الصحّة في غزة، سقط 67% من الشهداء الفلسطينيين في مدينة غزّة ومحافظتي الشمال.

لا تمثّل هذه الحصيلة مجمل ضحايا الحرب الإسرائيلية الهمجية، إذ تم الإبلاغ عن فقدان نحو 1,500 فلسطيني في قطاع غزّة، بما في ذلك 800 طفلاً على الأقل، ويفترض أنهم محاصرون أو استشهدوا تحت الأنقاض، وهذا يرفع عدد الضحايا إلى أكثر من 21,860 شهيداً وجريحاً ومفقوداً، أي بمعدّل 1,286 ضحية في اليوم، أو أكثر من 53 ضحية في الساعة.

وووفقاً لإحصاءات وزارة الصحة في غزة حتى 21 تشرين الأول/أكتوبر، فقدت 108 أسر فلسطينية 10 أو أكثر من أفرادها، وفقدت 99 عائلة فلسطينية ما بين 6 إلى 9 أفراد، وفقدت 367 عائلة ما بين 2 إلى 5 من أفرادها.

التدمير

43% من مساكن غزّة مدمّرة أو متضرّرة

الإبادة الجماعية

حتى 21 تشرين الأول/أكتوبر، دمّرت دولة الاحتلال أكثر من 15,749 وحدة سكنية، جعلت نحو 10,935 وحدة سكنية أخرى غير صالحة للسكن، وتعرّضت 142,500 وحدة سكنية أخرى لأضرار طفيفة إلى متوسّطة. ويشكّل العدد الإجمالي للوحدات السكنية التي تم الإبلاغ عن تدميرها أو تضرّرها ما لا يقل عن 43% من جميع الوحدات السكنية في قطاع غزة. لقد تم تدمير أحياء بأكملها، خصوصاً في بيت حانون وبيت لاهيا والشجاعية، المنطقة الواقعة بين غزّة ومخيم الشاطئ للاجئين، وعبسان الكبيرة. 

التشريد

1.4 مليون نازح داخلي

الإبادة الجماعية

يقدّر العدد التراكمي للنازحين منذ بدء حرب الإبادة على غزّة بأكثر من 1.4 مليون شخص، ويتكدّس النازحون في 217 مدرسة، بالإضافة إلى المستشفيات والكنائس والمرافق العامّة الأخرى، وتقدّر وزارة التنمية الاجتماعية في غزّة أن حوالى 700.000 نازح يقيمون لدى أسر مضيفة.

لا يوجد مكان آمن للفلسطينيين، ولا تقتصر المخاطر على استهداف مراكز الإيواء والنزوح بالغارات والقصف بقصد القتل والإيذاء، بل يواجه النازحون مخاطر صحّية جسيمة بسبب الاكتظاظ وشحّ المياه المأمونة ونضوب الأغذية والأدوية ووسائل النظافة.

يبلغ متوسّط الطاقة الاستيعابية لكل مركز إيواء بين 1,500 و2,000 نازح، إلا أن متوسّط عدد النازحين في كل مركز يصل إلى 4,400 نازح. في العديد من الملاجئ، يتم إيواء ما يصل إلى 70 شخصاً في فصل دراسي واحد، ما اضطر الرجال والفتيان المراهقين للإقامة والنوم في فناء المدارس وترك الفصول الدراسية للأطفال والنساء. 

تشير التقديرات إلى أن أكثر من 15% من النازحين داخلياً يعانون من إعاقات، إلا أن معظم الملاجئ ليست مجهّزة بشكل كافٍ لتلبية احتياجاتهم. تفتقر الملاجئ إلى الفرشات والأسرة الطبية اللازمة، ما يسبّب تقرحات ومشاكل طبية أخرى لا يمكن علاجها في ظروف غير معقمة.

التعطيش

3 ليترات مياه للفرد فقط لا غير

تستخدم دولة الاحتلال المياه كسلاح إبادة جماعية لسكّان قطاع غزّة، وقد عمدت منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى قطع المياه عن القطاع عبر خطوط الجرّ الثلاثة الآتية من الأراضي المحتلة، ومنعت إدخال الوقود منعاً باتاً، واستهدفت مرافق المياه المحلّية، ما أدّى إلى انخفاض حادّ جدّاً في متوسط حصة الفرد من المياه إلى 3 ليترات فقط لا غير لجميع الاستخدامات (الشرب، الطبخ، النظافة…)، أي إلى 1% من احتياجات الفرد اليومية من المياه التي يحتاجها للبقاء على قيد الحياة والمحافظة على الصحّة والنظافة الشخصية.

توقّفت محطات تحلية مياه البحر الثلاث، التي كانت تنتج قبل الأعمال العدائية 7% من إمدادات المياه في غزة، في حين أن عددا قليلاً فقط من مصادر المياه الجوفية البلدية تعمل بمستويات منخفضة. وتوقّفت عمليات نقل المياه بالشاحنات من الموردين من القطاع الخاص في معظم المناطق بسبب نقص الوقود وانعدام الأمن وإغلاق الطرق بسبب الأنقاض. المياه المعبّأة غير متوفرة إلى حد كبير، كما أن سعرها جعلها غير ميسورة الكلفة بالنسبة لمعظم الأسر. وأصبح البائعون من القطاع الخاص، الذين يديرون محطّات صغيرة لتحلية المياه وتنقيتها، والتي تعمل في الغالب بالطاقة الشمسية، هم المصدر الوحيد للمياه في القطاع. 

يستهلك الناس المياه المالحة التي تحتوي على أكثر من 3,000 مليغرام لكل ليتر من محتوى الملح من الآبار الزراعية. وهذا يشكل خطراً صحياً فورياً، حيث يرفع مستويات ارتفاع ضغط الدم، خصوصاً عند الأطفال دون سن ستة أشهر والنساء الحوامل والأشخاص الذين يعانون من أمراض الكلى. كما أن استخدام المياه الجوفية المالحة يزيد من خطر الإصابة بالإسهال والكوليرا. وقد أبلغ العاملون الصحيون عن حالات الإصابة بالجدري والجرب والإسهال، والتي تعزى إلى سوء ظروف الصرف الصحي واستهلاك المياه من مصادر غير آمنة. ومن المتوقع أن ترتفع معدلات الإصابة بهذه الأمراض ما لم يتم تزويد مرافق المياه والصرف الصحي بالكهرباء أو الوقود لاستئناف عملياتها.

منع التطبيب

12 مستشفى متوقفة عن العمل

حتى يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر، وثّقت منظمة الصحة العالمية 72 هجوماً اسرائيلياً على مرافق الرعاية الصحية في قطاع غزة، أسفرت عن مقتل 16 شخصاً وإصابة 30 آخرين في صفوف العاملين في مجال الرعاية الصحية أثناء الخدمة. وقد استهدفت دولة الاحتلال نحو 34 منشأة للرعاية الصحية (بما في ذلك 19 مستشفى متضرّرة) و24 سيارة إسعاف. ولم تعد 12 مستشفى و46 عيادة للرعاية الأولية تعمل. وقامت 5 من المستشفيات الرئيسية في غزة بنصب خيام داخل مجمعاتها لاستيعاب المصابين بسبب نقص المساحة المتاحة. يعالج مستشفى الشفاء، وهو الأكبر في قطاع غزة، حوالي 5,000 جريح، وهو ما يفوق بكثير طاقته الاستيعابية البالغة 700 مريض، بالإضافة إلى ما يقرب من 45,000 نازح لجأوا داخل المستشفى وحوله. ويستوعب مستشفى القدس، الموجود أيضاً في مدينة غزة، أكثر من 400 مريض وحوالي 12,000 نازح.

وهذه المستشفيات وغيرها على وشك الانهيار بسبب نقص الكهرباء والأدوية والمعدات والكوادر المتخصّصة. وتتم معالجة أعداد كبيرة من المرضى على الأرض نظراً لعدم وجود أسرة كافية في المستشفيات. 8 فقط من أصل 22 مركزاً صحياً تابعاً للأونروا في المنطقة الوسطى، وفي محافظتي خان يونس ورفح، تقدّم خدمات الرعاية الصحية الأولية. إن مخزون الأونروا من الأدوية يتناقص بشكل خطير مع توفر أدوية مختلفة لمدة 5 إلى 15 يوماً أخرى.

تتعرّض عمليات المستشفيات للتقويض بسبب نفاد الوقود والأعطال المتكرّرة على المولدات الاحتياطية، والتي لم يتم تصميمها للعمل من دون انقطاع. وتواجه صيانتها وإصلاحها تحدّيات متزايدة بسبب نقص قطع الغيار اللازمة.

وطلبت وزارة الصحة نشر فرق طبية دولية، خصوصاً تلك التي لديها خبرة في مجال علاج الصدمات والرعاية الجراحية، لتعزيز قدرات المستشفيات وإغاثة العاملين الصحيين الذين عملوا بلا كلل طوال الـ 17 يوماً الماضية. وعلى الرغم من وجود 14 فريقاً في جميع أنحاء العالم على أهبة الاستعداد، إلا أنه لا يمكن نشرهم بسبب الحصار المستمر.

يواجه مرضى الفشل الكلوي مخاطر تهدّد حياتهم. قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، كانت وزارة الصحة في غزة تدير خدمات غسيل الكلى في ستة مراكز، حيث كانت تجري حوالي 13,000 جلسة غسيل كلى شهرياً. إلا أن النقص الحاد في الوقود والإمدادات الطبية الأساسية أجبر هذه المراكز على تقصير جلسات غسيل الكلى من 4 إلى 2.5 ساعة لأكثر من 1,000 مريض، من بينهم 30 طفلاً على الأقل. ويخشى مرضى الفشل الكلوي الآن أنهم قد لا يتمكنون قريباً من الوصول إلى خدمات غسيل الكلى الحيوية هذه بسبب عدم توفر الإمدادات الطبية الأساسية. استنفدت إمدادات وزارة الصحة من مرشحات غسيل الكلى وأنابيب نقل الدم بشكل كامل، ولم يتبق سوى كمية محدودة في أقسام غسيل الكلى.

التجويع

13 يوماً فقط لنفاذ الغذاء

في الوقت الحالي، 5 فقط من أصل 24 مخبزاً متعاقداً مع برنامج الأغذية العالمي تعمل وتقوم بتزويد الملاجئ بالخبز. ويشكّل نقص الوقود العائق الرئيسي الذي يمنع هذه المخابز من تلبية الطلب المحلي على الخبز الطازج، ما يعرّضها لخطر الإغلاق. وتواجه المخابز صعوبات، حيث تتشكّل طوابير طويلة قبل الفجر. ويقال إن متوسط ​​وقت الانتظار هو 6 ساعات، ويتحمّل الناس هذا الانتظار للحصول على نصف الحصة العادية.

اضطر 17 متجراً من أصل 202 متجراً متعاقداً مع برنامج الأغذية العالمي إلى الإغلاق. ويأتي هذا الإغلاق نتيجة للدمار الناجم عن استهدافات العدو، لا سيما داخل مدينة غزة ومحافظات شمال غزة، أو بسبب المخاوف الأمنية والطرق المسدودة الناجمة عن الحطام.

وفي 21 تشرين الأول/أكتوبر، أشار برنامج الأغذية العالمي إلى أن مخزونات السلع الغذائية الأساسية داخل غزة تكفي لمدة 13 يوماً تقريباً. 

يتواجد تجار الجملة بشكل رئيسي في مدينة غزة ويواجهون صعوبات في توزيع المخزون الغذائي المتوفر في المنطقة الجنوبية. وبسبب النقص في الدقيق والوقود، أصبحت المخابز غير قادرة على تلبية الطلب المحلي على الخبز الطازج ومعرّضة لخطر الإغلاق. المطحنة الوحيدة العاملة لا تستطيع تحويل القمح بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

وقد أدّى انقطاع الكهرباء إلى تعطيل الأمن الغذائي من خلال التأثير على التبريد وريّ المحاصيل وأجهزة حضانة المحاصيل، وبالتالي الإضرار بسبل العيش المختلفة، بما في ذلك الدواجن والماشية والأسماك وغيرها من السلع.

توقفت جميع أنشطة صيد الأسماك منذ بدء الأعمال العدائية. ولا يزال الوصول إلى المناطق القريبة من السياج الحدودي الإسرائيلي محظوراً، وقد امتد السياج من 300 إلى 1,000 متر من الحدود، ما يمنع الدخول إلى المناطق الزراعية الرئيسية. وقد أدّى هذا التمديد إلى انخفاض غلّة المحاصيل مما أثر على مئات الآلاف من الأشخاص الذين يحصدون المحاصيل.

كان لعدم القدرة على الوصول إلى العلف والأضرار الناجمة عن الغارات الجوية تأثير كبير على المزارعين، وخصوصاً صغار المربين، ما أدى إلى خسائر كبيرة في حيواناتهم، وخصوصاً في قطاع الدواجن. وفي الوقت الحالي، هناك أكثر من 500,000 دجاجة من دون علف، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى انقطاع إنتاج البيض بعد أسبوعين فقط. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث خسارة كبيرة في الماشية. ويعاني المزارعون أيضاً من خسائر في المحاصيل في الأراضي الزراعية شرق خان يونس ومواقع أخرى.

قطع التواصل

83% من خطوط الهاتف غير متصلة

تستهدف دولة الاحتلال البنية التحتية للاتصالات، ما أدّى إلى تقويض عمليات إنقاذ الأرواح.

تظهر أنظمة مراقبة الشبكة التابعة لمجموعة الاتصالات الفلسطينية أن 83% من مستخدمي الخطوط الثابتة في قطاع غزة غير متصلين؛ 54% من مواقع الخطوط الثابتة مقطوعة؛ و50% من خطوط الإنترنت الرئيسية المصنوعة من الألياف الضوئية لا تعمل بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية ونقص الوقود. وعمد الاحتلال الى قطع اثنين من أصل ثلاثة كابلات ألياف ضوئية في غزة.