
إيران ثاني أكثر الدول الخاضعة للعقوبات في العالم
حتى كانون الثاني/يناير 2025، كانت إيران خاضعة لنحو 5,500 عقوبة استهدفت أفراداً وكيانات وأصولاً متعددة، ما يجعلها حالياً ثاني أكثر دولة في العالم تتعرض لهذا العدد الضخم من العقوبات، علماً أنها بقيت لفترة طويلة حتى الحرب الروسية في أوكرانيا في العام 2022، تتصدّر قائمة الدول الأكثر تعرّضاً للعقوبات، ولكن بعد هذه الحرب حلّت روسيا في المرتبة الأولى باستهدافها بأكثر من 24,000 عقوبة.
عدد العقوبات المفروضة على ايران حالياً هي أكثر بنسبة 90% من سوريا التي احتلت المرتبة الثالثة (قبل أن يُرفع جزء منها مؤخراً)، وأكثر بنسبة 150% من كوريا الشمالية التي احتلت المرتبة الرابعة.
منذ الثورة الايرانية في العام 1979، تعرّضت إيران لعقوبات مختلفة فرضتها بشكل أساسي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وتعددت الذرائع لتشمل برنامجها النووي ودعمها للإرهاب، الذي تُتهم به حركات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. سعت هذه العقوبات إلى عزل إيران تجارياً ومالياً ومنعها من الحصول على التكنولوجيا والسلاح، ما أدى إلى انكماش اقتصادها بشكل حاد وارتفاع معدلات البطالة والتضخم والفقر بشكل كبير، ولذلك تُقدّم نتائج العقوبات على إيران، كما كانت على سوريا وقبلها على العراق وغيرها من الدول، أدلة دامغة على أن العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدول التي تتحدى هيمنتها، تصيب السكان أكثر مما تصيب النظام الحاكم، لأنها تفقرهم وتحدّ من تطور اقتصادهم وتدفعهم إلى أشكال مختلفة من اقتصادات الظل والحرب.
العقوبات الأميركية على إيران
تُعتبر العقوبات الأميركية المفروضة على إيران من الأشد والأوسع نطاقاً بين جميع أنظمة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على أي دولة في العالم، وتطال آلاف الأفراد والشركات في إيران وخارجها. بدأت هذه العقوبات منذ إسقاط حكم الشاه في العام 1979، عندما احتجزت مجموعة من الثورة الإيرانية رهائن في السفارة الأميركية في طهران التي كانت تدعم الشاه. شهدت العقوبات تشديداً في العام 1984 في خلال الحرب بين إيران والعراق، ثم مرة أخرى في العام 1995 بسبب البرنامج النووي الإيراني وتمويلها لحركات المقاومة. وعلى مدار الثلاثين سنة الماضية، تم تخفيف العقوبات وتشديدها مرات عدة، لكنها ازدادت حدة بشكل كبير بعد الحرب الروسية في العام 2022.
تزعم هذه العقوبات أن هدفها حرمان الحكومة الإيرانية من الموارد، ما يقلل من قدرتها على تمويل برامجها النووية والصاروخية ودعم التنظيمات الحليفة والتدخلات الإقليمية. ولكن هذه العقوبات لم تردع إيران وإنما قوّضت مستوى المعيشة وعرقلت نمو الاقتصاد وتطوره.
تشمل العقوبات الأميركية على إيران تجميد أصول الحكومة الإيرانية في الولايات المتحدة، وحظر جميع التعاملات التجارية الأميركية مع إيران، وحظر المساعدات الخارجية ومبيعات الأسلحة، ويجيز القانون الأميركي فرض عقوبات تستهدف قطاع الطاقة الإيراني، بما في ذلك الشركات الأجنبية التي تستثمر فيه والكيانات التي تشتري أو تبيع أو تنقل النفط الإيراني؛ القطاع المالي في إيران، بما في ذلك البنك المركزي؛ القطاعات الحيوية الأخرى في الاقتصاد الإيراني، بما في ذلك الشحن والبناء والتعدين والمنسوجات والسيارات والتصنيع، فضلاً عن الكيانات التي تجري معاملات مع تلك القطاعات أو تقدم لها الدعم بطريقة أخرى؛ بالإضافة إلى تجارة الأسلحة من وإلى إيران.
عقوبات الأمم المتحدة
أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 6 قرارات بين عامي 2006 و2010 متعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، ساهمت 4 منها ببناء نظام عقوبات دولي ضد إيران. ففي الجولة الأولى من العقوبات في العام 2006، وافق المجلس بالإجماع على إجراءات تضمنت حظر المواد والتقنيات المستخدمة في إنتاج اليورانيوم وتخصيبه، وكذلك في تطوير الصواريخ الباليستية، ومنع المعاملات المالية التي تدعم البرامج النووية وبرامج الصواريخ الباليستية. وصدرت قرارات لاحقة في 2007 و2008 حظرت المساعدات المالية غير الإنسانية لإيران، وألزمت الدول بتفتيش الشحنات المشتبه في احتوائها على مواد محظورة. أما القرار الرابع الملزم، الذي أُقر في حزيران/يونيو 2010، فقد تبنى النهج الأميركي باستهداف أرباح النفط الإيراني ومعاملاتها المصرفية والمالية في النظام العالمي، بما في ذلك البنك المركزي، بذريعة الحد من الانتشار النووي، ما سوّغ إخضاع إيران للعقوبات الدولية.
في 14 تموز/ يوليو 2015، توصلت إيران ومجموعة الدول الخمس دائمة العضوية +1 (الصين، فرنسا، روسيا، بريطانيا، الولايات المتحدة، وألمانيا) إلى اتفاق نووي شامل، والذي أيده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع، ودخل حيز التنفيذ في العام 2016. نص القرار على رفع العقوبات الدولية المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، مع استمرار القيود على مبيعات الأسلحة لمدة 5 سنوات، وقيود على نقل الصواريخ الباليستية لمدة 8 سنوات.
في العام 2018، أعلن الرئيس ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، مشيراً إلى أنه لم ينجح في كبح برنامج إيران الصاروخي ونفوذها في المنطقة.
عقوبات الاتحاد الأوروبي
قام الاتحاد الأوروبي بتعزيز القيود التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران بفرض عقوبات إضافية تكاد تكون بشمولية العقوبات الأميركية، تشمل حظر السفر وتجميد الأصول المفروضة على أفراد وكيانات، بالإضافة إلى حظر توفير الأموال أو الموارد الاقتصادية. وتتضمن العقوبات الأوروبية حظر تصدير الأسلحة إلى إيران، وحظر تصدير السلع التي يمكن استخدامها في أنشطة تخصيب اليورانيوم، وحظر استيراد النفط الخام والغاز الطبيعي والمنتجات البتروكيميائية والنفطية، بالإضافة إلى حظر بيع أو تزويد المعدات الرئيسة المستخدمة في قطاع الطاقة، وحظر بيع الذهب والمعادن الثمينة الأخرى والألماس، وبعض المعدات البحرية، وأنواع معينة من البرمجيات. كما تشمل العقوبات تجميد أصول البنك المركزي الإيراني وعدد من البنوك التجارية الكبرى، ووضع آليات للإخطار والموافقة على تحويل الأموال التي تتجاوز مبالغ معينة إلى مؤسسات مالية إيرانية. أما في قطاع النقل، فتتضمن العقوبات منع طائرات الشحن الإيرانية من دخول مطارات الاتحاد الأوروبي، وحظر صيانة وخدمة الطائرات والسفن الإيرانية التي تنقل مواد أو بضائع محظورة.
في العام 2011، فرض الاتحاد الأوروبي نظام عقوبات على إيران بذريعة «الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان» في البلاد. ويتم تجديد هذه التدابير التقييدية سنوياً، وقد تم تمديدها آخر مرة حتى 13 نيسان/أبريل 2026، وتشمل العقوبات 232 شخصاً و44 كياناً، وتشمل افراداً في البرلمان ووزراء، ومسؤولين أمنيين فضلاً عن كيانات مثل وزارتي الثقافة والتعليم والحرس الثوري الإيراني ومؤسسات إعلامية وغيرهم.
أيضاً، فرض الاتحاد الأوروبي 3 حزم من العقوبات المرتبطة بالطائرات المسيّرة على أفراد وكيانات إيرانية في عامي 2022 و2023، وذلك في إطار نظام العقوبات المتعلّق بالحرب الروسية على أوكرانيا. بالإضافة إلى حظر السفن وتجميد الأصول، فرض الاتحاد الأوروبي حظراً على التعاملات مع الموانئ والأقفال التي يملكها أو يديرها أو يسيطر عليها أفراد وكيانات مُدرجة على قوائم العقوبات، أو التي تُستخدم لنقل الطائرات المسيّرة أو الصواريخ الإيرانية أو التكنولوجيا والمكونات ذات الصلة إلى روسيا.